التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:12:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.01.2012 13:07:48

ثلاثي التغيير وثنائي الانتظار.. قراءة في الربيع المغاربي

الشيخ التراد ولد محمدو

الشيخ التراد ولد محمدو

تبدو الساحة المغاربية اليوم التي استيقظت ذات يوم علي وقع الربيع العربي، بل وأطلقت إحدى دوله الشرارة الأولي لنهضة شعبوية وصل صداها إلي أرجاء المعمورة، منقسمة على نفسها بين دول اجتاحتها الثورات العربية وأخرى لا تزال حتى الآن في قوائم الانتظار، مشرئبة إلي قادم يبدو لا محالة آت، وهو ما شكل هاجس خوف لثنائي الانتظار الذي يجهل طبيعة التغيير الذي سيشهده هل سيكون علي الطريقة التونسية على مرارتها، أم على الطريقة الليبية و فداحتها، أم أن عامل الحظ سيكون من نصيب هؤلاء فيكون النموذج المغربي ما ينتظرهم، ولا شك أن صناع القرار في دول المغرب العربي هم من يمتلكون زمام المبادرة بالأمس واليوم في تحديد المسار أو الوجهة التي ينبغي أن يسلكها قطار الثورات العربية.

ثلاثي التغيير.. وتحديات المستقبل
شهدت دول ثلاث في المحور المغاربي تغييرات في المشهد السياسي، حيث لا زالت مفردات ذلك التغيير تتابع مخلفة وراءها عشرات الأسئلة من قبيل: أي تحد تنتظره تلك الدول في ظل ما يقال إنها مؤامرات تحاك هنا وهناك لتعكير صفو تلك الانتصارات؟ ثم ما هي أولويات المرحلة؟ وعلى وقع هذه الأسئلة الحائرة تظل دول التغيير معنية أكثر من غيرها بالمحافظة على ألق الانتصارات المدوية لشعوبها وعدم التفريط في مكتسبات ارتوت من دماء شهداء الثورة.

1- تونس.. آفاق المستقبل.. وآفات الطريق
تعيش تونس هذه الأيام ثمرات ثورة كانت أطلقت شرارتها في أول صيحة شعبية عارمة ضد قوى الاستبداد، تنسمت خلالها عبير الحرية، فمرت تونس بمخاضات ولادة نظام جديد بقيادة إسلامية وشراكة حزبية لتيارات سياسية أخري، بدأت خطوات تلك المرحلة بتشكيل مجلس تأسيسي ثم حكومة ائتلافية، وعلى موعد في المستقبل مع انتخابات رئاسية، أتمنى أن يظل مبدأ الشراكة السياسية حاضرا بقوة في مفردات الخطاب السياسي لحكام الجمهورية الثانية، وهذا ما أتوقعه متكئا في ذلك على الحنكة السياسية لتيار الاعتدال في الأطراف السياسية، لكن آمال اللحظة لا ينغصها إلا محاذير على طريق المستقبل في صدارتها الصراع على الكعكة السياسية الذي ظهرت بوادره لحظة إعداد الدستور، وكذا مؤامرات عبثية لوأد التجربة التونسية تقودها أطراف داخل وخارج المربع المغاربي، وهنا من واجب القادة الجدد عدم التهوين من تلك الأخطار.

2- - ليبيا... فما رعوها حق رعايتها:
أما الثورة الليبية التي اتخذت طابعا عسكريا توج بمقتل الديكتاتور الليبي معمر القذافي فلا زال بين ماض جراحه لم تندمل بعد، وحاضر مفرداته تقاسم الغنائم، ومستقبل مجهول، يتمني الشعب الليبي الذي دفع الثمن غاليا أن يكون زاهرا، ما أخشاه في ثورة أحفاد عمر المختار التي فاجأت المراقبين وأسدلت الستار على أشرس نظام عربي منذ عقود أن تتقاذفها المطامح والمصالح، داخلية من ثوار رأوها فرصة لانتزاع حقوق مسلوبة، وخارجية حيث لا زال الغرب ينتظر فاتورة الدعم، هذا إضافة إلي العقلية القبلية والجهوية المسيطرة على مضامين السياسة الليبية، مع ما يقال من هجرة لكتائب من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي نحو الجماهيرية الليبية، وهو ما يفسره تلك النشاطات الغامضة على الحدود مع الجارة التونسية توج باختطاف رئيس دورية حرس الحدود التونسية، بطريقة أشبه ما تكون بصولات التنظيمات الجهادية قبل إطلاق سراحه دون معرفة الأسباب، وهو ما يعني أن الخاطفين أرادوا من خلال عمليتهم إرسال رسالة مفادها أن طرفا آخر دخل على خط اللعبة السياسية، وذلك توتر يعكس حجم المؤامرة التي تتعرض لها الثورة الليبية، ولا أذيع سرا إذا قلت إن الدولة الجزائرية ربما تكون حاضرة بثقلها في مفاصل الحالة الليبية، ومستفيدة على عادة الجنرالات من توتير الجبهة الحدودية لثنائي التغيير بإيعاز إلي "أجنحتها الضاربة" بطريقة غير مباشرة بدخول الأراضي الليبية، وتلك مخاطر لا تبدو حاضرة في أولويات قادة ليبيا الجديدة منشغلين عنها بحفلات الانتصار وحصص الاستوزار، فما رعوها حق رعايتها.

3- المغرب.. الثورة البيضاء
أما ثالث الثلاثة الذي تمثله المغرب فقد استبق الثورة على طريقته بإجراء تعديلات دستورية ذات مصداقية، شكلت قفزة نوعية على طريق التغيير، لاقت ترحيبا واسعا في الأوساط السياسية، تلاها استفتاء على تلك التعديلات، وختم مشهد التغيير المغربي بانتخابات برلمانية شفافة فاز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بأغلبية المقاعد، وينتظر آلاف المغاربة ميلاد حكومة جديدة بشراكة سياسية مع أحزاب داخل المشهد المغربي.
وأعتقد أن الناخب المغربي الذي منح ثقته للعدالة والتنمية سيظل حاضرا في مراقبة مكاسبه الديمقراطية، وبذلك يكون المغرب قد ركب قطار التغيير وأحدث ثورة بيضاء كما عبر عن ذلك قيادي في العدالة والتنمية.

ثنائي الانتظار... في انتظار القطار
يعيش ثنائي الانتظار الذي تمثله الجزائر وموريتانيا حتى الآن على أعصابه في انتظار قطار ثورة الربيع المغاربي، وساعات الانتظار الطويلة تزيد من معاناة البلدين، ربما زحمة الاحتفالات الشعبية بزهو الانتصار في دول التغيير المغاربي أربكت مواعيد السفر المقررة نحو الدولتين، مما جعل القيادة العسكرية في ذينك البلدين تخاطب شعوبها علي الطريقة اليمنية "فاتكم القطار".

لكن واقع اللحظة يحكي أن مشاكل فنية وأخرى موضوعية أخرت وصول قطار التغيير وهو قادم لا محالة ولو بعد حين.

1- الجزائر.. هل أزف الرحيل؟
فكما أسلفت تبدو الجزائر بجنرالاتها وعقليتهم العسكرية الإقصائية المتمردة على خيارات التغيير غير معنية بما تشهده المنطقة من هزات ارتدادية غير مسبوقة، أعادت من جديد صياغة الخارطة السياسية، فقد أعلنت الجزائر عن تجديد العمل بمادة تحظر العمل السياسي على الجبهة الإسلامية الخصم التاريخي لجنرال الجزائر القوي عبد العزيز بوتفليقه، فيما يشبه تحد للهيجان الشعبي في الربيع المغاربي، يحدث ذلك ورياح التغيير العاتية تداهم المنطقة، ولا يشفع لذلك التحدي ما أعلن في الجزائر عن تنظيم انتخابات في الربيع المقبل بمراقبة دولية، فلم تعد المسكنات اللحظية التجميلية تنفع مع الشعوب التواقة إلى التغيير، والتي خبرت طعم الحرية، ولعل ذلك العناد العسكري المعبر عنه في سياسة الإقصاء والتهميش للمعارضة السياسية هو ما دفع حركة مجتمع السلم الجزائرية إلي مراجعة قرارها التحالفي مع الحزب الحاكم وفك الارتباط معه،موقف وإن جاء متأخرا إلا أنه بدا وكأنه نقطة تحول في مسار النضال السياسي وردا فوريا على حكام الجزائر، بل وخيبة أمل من سياسة الإصلاح الترقيعية المنتهجة.

وقد واصلت الجزائر سياسة التحدي فسعت- فيما قيل إنها مناورة سياسية للفت الأنظار- مع الجارة الموريتانية إلى عقد اتفاقيات علنية وسرية في زيارة الرئيس الموريتاني الأخيرة، وأعطى الإسناد الإيراني لذلك التقارب دافعا لما تشهده العلاقة الإيرانية المغربية من توتر بعد طرد السفير الإيراني من الرباط منذ فترة.

2- موريتانيا.. أشواق التغيير وأشواك التزوير
على غرار الجارة الجزائرية قرر الجنرال محمد ولد عبد العزيز التقارب مع الجزئر على حساب حليفه الاستراتيجي المغربي، في سعي ربما لإجهاض الثورة المغاربية، وقد أقدم الرئيس الموريتاني فور عودته من الجزائر على انتهاج سياسة التهريج السياسي عبر مسارات عدة، تسعى في مجملها إلي إيقاف عجلات قطار الربيع المغاربي، تسعى المسارات إلى إغراق الساحة السياسية بأحزاب ليس آخرها حزب الوحدة والتنمية "ذي المرجعية الإسلامية"، وهو ما يعد محاولة لسحب البساط من حزب تواصل الإسلامي، هذا إضافة إلى ما أعلن عن لقاء أجراه الرئيس مع جماعة الدعوة والتبليغ ربما لسماع رأيهم الشرعي والحركي في ركوب قطار التغيير المغاربي، وقد تحدثت التقارير الصحفية عن سعي النظام الحالي لفبركة ملف جديد ضد الإسلاميين، وهي محاولة أخري لوقف رياح التغيير عبر قطع أجنحة قادة الحراك الشعبي الموريتاني بزعامة التيار الإسلامي، وأحسب أن أجنحة النظام بإراداتها المناهضة للتغيير "كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون".

وهكذا تحبس شعوب المنطقة أنفاسها في انتظار ما ستسفر عنه قابلات الأيام من تغييرات تختم مشهد التغيير المغاربي.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!