التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:09:44 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.01.2012 18:25:54

خطاب يحي ولد أحمد الوقف


- السيدات والسادة رؤساء وقادة الأحزاب السياسية،
- السيدات والسادة البرلمانيين،
- حضرات الأساتذة والخبراء ونشطاء المجتمع المدني،
- حضرات المدعوّين،
- أيها السادة والسيدات،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

اسمحوا لي في البداية أن أتقدم إليكم بالشكر على تلبيتكم الكريمة لدعوة حزب عادل، لما تعبر عنه هذه الاستجابة من وطنية صادقة ووعي يقظ بضرورة مواجهة التحديات التي يواجهها بلدنا باعتماد أساليب الحوار الهادئ والتفكير الرصين لتشخيص مشكلات البلاد بموضوعية ومواجهتها في الوقت المناسب بحكمة وشجاعة.
ولست بحاجة لتذكيركم بهذه التحديات في مظاهرها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أوفي أبعادها الأمنية والسياسية.
ومن أكثر دواعي القلق في هذا العام تحدي الجفاف الذي يهدد أغلب مواطنينا ومصادر عيشهم من مزارع و مواشي.
ويشكل التحدي الأمني مبعثا متواصلا لقلق متزايد بازدياد جرأة الإرهابيين في استهدافهم لأمن المواطنين والمقيمين الأبرياء ورموز السيادة الوطنية.
ويعيش أغلب سكان مدننا وأريافنا أوضاعا اقتصادية تزداد صعوبة كل يوم بفعل الارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار البطالة السافرة والمقنعة.
وفي هذا الجو المتأزم تظهر من هنا و هناك مطالب نقابية واجتماعية ودعوات فئوية واحتجاجات مطلبية يخرج بعضها عن السيطرة مما يؤدي إلى تجاوزات علّمنا تاريخنا الحديث أن التغاضي عنها قد يؤدي إلى تفاقمها بصورة تهدد الكيان الوطني في الصميم.


أيها السادة والسيدات،

لقد عرفت بلادنا إصلاحات ديمقراطية متعددة. وكانت هذه الإصلاحات تتقدم وتتسارع في بعض الأحيان، فتنتعش لذلك الآمال، ثم تتعثر أحيانا في منتصف الطريق دون أن يقضي ذلك على الطموح الوطني بإرساء ديمقراطية ناضجة مستقرة.
هكذا تعثر نظام الديمقراطية البرلمانية في بدايات خطواته بعيد الاستقلال، ليفسح المجال أمام نظام رئاسي ذي طابع استبدادي رغم لبوسه المدني الناعم، ثم باغت الجميع نظام عسكري استثنائي انتهى بإصلاحات دستورية مهدت لنوع من الديمقراطية التعددية الشكلية مع استمرار نزعة سلطوية أغلقت الباب أمام التناوب مما أدى إلى انسداد سياسي مزمن مهد لانقلاب عسكري و نظام استثنائي جديد.
وقد أنعش برنامج المرحلة الانتقالية آمال الموريتانيين بأنهم قد أصبحوا رواد التحول الديمقراطي في العالم العربي، قبل أن يظهر للجميع أن انقلاب 2005 ربما كان إجهاضا لمشاريع التغيير والإصلاح التي ظهرت تباشيرها من داخل مؤسسات النظام ومن خارجها.
فبعد انتخابات برلمانية ورئاسية أجمعت كل الأطراف على نزاهتها، وبعد سنة من النظام الديمقراطي المدني، عادت البلاد بسرعة إلى مربع الحكم العسكري والنظام الاستثنائي والأزمات الدستورية المستعصية.
وقد تحمل حزب عادل مسؤوليته في الدفاع عن الديمقراطية إلى جانب الأحزاب والقوى الموريتانية الحية. كما ساهم بعد ذلك في العملية التفاوضية الهادفة إلى إخراج البلاد من أزمتها الدستورية عبر اتفاق دكار وما أسفر عنه من نتائج أهمها الدعوة إلى انتخابات رئاسية توافقية مع الانخراط في حوار وطني يفضي إلى تسوية مجمل القضايا العالقة.


أيها السيدات والسادة،

إن اعتراف حزب عادل مبكرا بنتائج الانتخابات الرئاسية مع أحزاب أخرى معارضة، وتقديمه لعريضة إصلاح سياسي - شملت جميع الاصلاحات التي تم التوصل لها في الحوار الأخير - كانت أساس اتفاقه مع الأغلبية الرئاسية، إنما يدخل في سياق هذا التوجه الديمقراطي الذي التزم به حزب عادل منذ نشأته، إيمانا منه بمبدأ التناوب السلمي على السلطة وتغليب منهج الحوار كوسيلة وحيدة لتجاوز كل الصعاب وضرورة الاشراع في تنفيذ اصلاحات تمكن من تجنب اللجوء الى العنف وتمهد لتحقيق طموح شعبنا في ارساء الديمقراطية وضمان الاستقرار.
لم تكن أغلب أطراف المعارضة جاهزة للانخراط في هذا المسار- كانت تشترط جملة من الاجرآت المسبقة التي لم تستجب لها لأغلبية ان ذك - ، ورغم موافقة الأغلبية وتوقيعها للعريضة السياسية المقترحة من قبل حزب عادل فالظاهر أنها لم تكن قد استوعبت تماما أهمية المبادرة إلى تطبيق الإصلاحات الواردة في العريضة، وهي إصلاحات كانت قطعا ستجنب البلاد مخاطر الوضعية الحالية لو أن تطبيقها قد تم في الوقت المناسب.
ومع ذلك فقد ارتحنا لدخول الأغلبية وبعض أطراف المعارضة في حوار سياسي، بالرغم من أسفنا لغياب أطراف هامة من المعارضة. وقد شاركنا في هذا الحوار الذي نعتبر أنه قد حقق نتائج هامة رغم الهفوات الشكلية الملحوظة في أسلوب إدارته.
ومن أهم هذه النتائج إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان اقتراع أكثر شفافية. وقد يكون من المنطقي أن نتوقع أكثر مما تحقق في ميدان توازن السلط واستقلالها بعضها عن بعض. ومع ذلك فإننا نعتبر أن هذا الحوار في محصلته العامة، بما فيها دسترة تجريم الرق والاعتراف بالتنوع الثقافي وضمان المساواة بين الجنسين في الوظائف العمومية وهيئة الدفاع عن حقوق الإنسان، قد شكل نقلة نوعية يمكن أن تقرب البلاد بخطوات كبيرة إلى أفق الديمقراطية المنشودة.

أيها ألإخوة والأخوات،

إن الهدف الأول من مجمل الإصلاحات السياسية التي أسفر عنها الحوار هو تهدئة الساحة السياسية عبر ضمان اطمئنان الجميع إلى نزاهة الانتخابات المقررة وشفافيتها. غير أنه قد لوحظ أن السجال السياسي أصبح يتخذ طابعا أكثر حدة كلما اقتربنا من تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها بين الأطراف المشاركة في الحوار.
ويعود هذا التوتر بالأساس إلى تشكلة المشهد السياسي القائم حاليا. فالمعارضة الرافضة لمسار الحوار لا تعتبر النظام القائم مؤهلا لإجراء الإصلاحات و تشكك في شرعية الهيئات التشريعية، مما جعلها تميل إلى التصعيد. ونحن نعلم جميعا مدى هشاشة البنيات الاجتماعية والسياسية في بلدنا وخطورة الانزلاق إلى مسارات التصعيد. قد يكون هذا ما جعل أطرافا وازنة من المعارضة تنخرط في مسار الحوار.
ويعني ذلك أن المعارضة أصبحت منقسمة على نفسها ولم تعد شريكا متماسكا كما يتطلب ذلك مبدأ الثنائية في الديمقراطية. أما الأغلبية كأحزاب سياسية فإنها ضعيفة وغير منظمة و غائبة عن صنع القرار و هو أمر غير معهود في النظم الديمقراطية ويؤدي الى اختلال المشهد السياسي والى انعدام الشراكة بين الأ غلبية والمعارضة من جهة وداخل الأغلبية نفسها.

في مشهد سياسي كهذا يحق لنا أن نتساءل: إلى أين تتجه موريتانيا؟

o هل يكفي أن نمضي قدما في تطبيق الإصلاحات التي أسفر عنها الحوار باعتبارها الكفيلة بإيصال البلاد إلى بر الأمان؟
o هل مازال من الممكن إقناع المعارضة الرافضة للمسار الحواري، من جهة، وتلك القابلة به من جهة ثانية، والأغلبية من جهة ثالثة، بالعودة إلى النقاش والحوار بدل التأزيم والتصعيد؟
o هل ما زال لدينا في الأغلبية متسع من الوقت لتقديم مؤشرات مطمئنة كفيلة بتغيير موقف المعارضة الرافضة لمسار الحوار، عن طريق إقناعها بجدية ما تم التوصل إليه أو الدخول معها في حوار جديد لإكمال ما تعتبره هي ثغرات في منظومة الإصلاحات؟ أم أنه لا مناص لنا من التوجه إلى انتخابات يقاطعها قسم معتبر من المشهد السياسي الوطني؟
o أم أن الأطراف كلها قد حزمت أمرها وقررت خيار التصعيد مع الخصوم مما ينذر بنتائج قد لا تكون محسوبة؟
أيها السادة والسيدات،
إننا في حزب عادل نعتقد أنه من الضروري أن نتدارس مآلات التوجهات الحالية قبل أن تصل الأطراف في تشبثها بمواقفها إلى نقطة اللاعودة.
وليست لدينا وصفة جاهزة نقدمها. لكننا من باب إيماننا بالديمقراطية والحوار، ومساندتنا لمسار الحوار الأخير، نعتقد أن تجاوز العقبات لن يتم إلا عبر مزيد من الحوار.
ونرى ضرورة العمل الجاد لاستعادة الثقة بين أطراف المشهد السياسي وتجنب المواقف الأحادية أو الإقصائية وأساليب الخطابات التصعيدية. وبدلا من ذلك ينبغي التوجه إلى حوار لا يقصَى منه أي طرف ولا يقصي أي طرف نفسه منه، وأن يتم البناء على الإصلاحات التي تم التوصل إليها وإثراؤها عند الاقتضاء، من أجل القيام بإصلاحات دستورية توافقية وانتخابات يشارك فيها الجميع.
وإنه ليحسن بنا جميعا أن نسعى إلى حل الأزمات التي تواجه بلدنا، وأحسن من ذلك أن نتجنبها قبل وقوعها. والأهم من هذا وذاك أن لا نساهم – واعين أو غير واعين – في صنعها بأيدينا.
ولا شك أن لقاءكم هذا، بمشاربكم المتعددة، وآرائكم السديدة، ووطنيتكم الصادقة، سيكون مناسبة لبلورة رؤية جديدة تؤلف بين القلوب، وتنزع فتيل الأزمة، حتى تستعيد البلاد مسار التوافق في جو من السلم والاستقرار.
وفقنا الله جميعا لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
والسلام عليكم ورحمة الله.



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!