التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:10:53 غرينتش


تاريخ الإضافة : 01.02.2012 16:28:15

هوامش على "مؤتمر الفكر السلطاني"

محمد الحافظ الغابد

محمد الحافظ الغابد

جيَّشَ النظام الموريتاني كل إمكانياته المادية والمعنوية للمؤتمر الأخير الذي انعقد لأهداف سياسية صرفة تهدف إلى تهيئة أرضية فكرية لمقاومة خطاب المعارضة الثوري الذي اجتاح الوسط الموريتاني منذ فترة وإن عجز بشكل لافت عن بلوغ مستوى يمكن من دفع عجلة التغيير إلى الأمام، إلا أنه نجح في نقل المعركة السياسية والإعلامية إلى جبهة النظام الذي ظهر عاريا أمام الرأي العام؛ خصوصا وقد انكشفت بشكل صارخ أكاذيب دعايته السياسية التي خاضها منذ 2009 حيث اتضح أن البلاد انتقلت من مستوى الفساد الصغير الذي يعشش في الإدارة إلى مستوى الفساد الكبير الذي تمارسه الحاشية والبلاط على نطاق واسع وغير مسبوق.

مؤامرة المؤتمرات الرئاسية

منذ أشهر بدأت عبقرية شـِلل المستشارين بالقصر الرئاسي بنواكشوط تتفتق عن أساليب جديدة لمواجهة الساحة الداخلية بين يدي الانتخابات البلدية والتشريعية القادمة؛ فحينا وجدوا في المجموعات الشبابية ضالتهم لما كان الشباب هو المحرك الرئيسي للثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وبدؤوا في إنشاء أحزاب تجاوزت عناوينها الثلاثة ، وعندما أسفرت الانتخابات في تونس ومصر عن فوز الإسلاميين بدأت بوصلة أفكار الزمرة السخيفة تتجه للانقلاب على الأفكار السابقة بإنشاء حزب إسلامي يقوده فقهاء الفكر السلطاني ليتصدى لهجوم الإسلاميين على الوضع المنحرف والفساد السياسي للنظام الغارق في أوحال من النهب لم يصلها أي نظام قبله.

غير أن أيادي نظام الرئيس ولد عبد العزيز المقبوضة تجاه فقهاء الأدبيات السلطانية والوسط الديني التقليدي الذي أهمل في موريتانيا الجديدة منذ العام 2009 لم تشفع للنظام في ساعة الحاجة لهذا النمط من الإيديولوجيات الفقهية، ولم يسِل لعاب فقهاء السلطانيات للحزب الجديد، وكشفت العديد من التقارير الإعلامية عن رفض شخصيات فقهية عديدة لتصدر الفكرة واعترضت عليها من حيث الأصل.

وأسعفت أفكار خلية المستشارين بفكرة تنظيم مؤتمرات جديدة لشباب الثورات العربية وما أسموه الفكر الإصلاحي .. ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

وبدت فكرة هذه المؤتمرات مقنعة للرئيس الذي تحمس بشكل زائد لبلورة رؤية فكرية تتصدى للفكر الثوري والاحتجاجي الذي باتت فعاليات التيار الإسلامي تقوده وسط أرضية خصبة بعوامل التثوير والتمرد الذي تذكيه نشاطات أحزاب المعارضة وتلهبه احتجاجات العاطلين وأصحاب المظالم المتظاهرين أمام القصر الرئاسي بشكل مستمر.

اختارت الخلية أن يكون المؤتمر باسم شخصية علمية كبيرة ذات صيت وازن في المشهد العلمي الموريتاني ووجدت ضالتها في الشيخ عبد الله ولد بيه، غير أنها لم تتمكن بصورة جيدة من توظيف الشيخ بن بيه ليؤدي الدور المنوط به في تصورها في هذه التظاهرة التي فشلت مثل سابقتها التي حاولت استضافة رموز الشباب في بلدان الثورات العربية، فجاءت بهجين من النكرات لا أثر لهم في الفكر ولا في النضال ومع ذلك فقد فشلت الفكرة في سد جوع النظام لما يقنع الشارع الموريتاني بانتمائه لعصر الثورات والإصلاح الذي بدأته الشعوب العربية وتبنته بعض الأنظمة المجاورة لنا وباتت تصنع مفاهيم جديدة على الفكر السياسي: "سنبلغ بالإصلاح السياسي والشفافية والمكاشفة ما بلغه الآخرون بالثورات". وتلك حكمة الملك صديق الجنرال الذي ربما يكون ممن ساهموا في دفعه ذات مرة لكرسي القصر الرمادي المهتز بحثا عن شرعية صدق تملؤه.. ولكن الجنرال تنكر لجود الملك بعدما استوت سفينته على جودي القصر الرمادي وولى وجهه شطر العقيد الهالك وجنرالات "عشرية النزيف" يستمع لنصائحهم قصد التمسك بكرسي يعلوا أطيطه مرددا مع الأول: "إن المنابر أنكرت أفعالكم *** فادعوا خزيمة يستقر المنبر".

من يطفئ ظمأ الشرعية

والواضح أن نظام الجنرال ولد عبد العزيز يحس بصورة ذاتية وتلقائية بحاجته للشرعية السياسية المقنعة التي أجهز عليها في كل الفرص الانتخابية التي عايشها ولا يوجد شخص أكثر إدراكا لهشاشة النظام الذي يقوده أكثر منه ولذلك فهو لا يكاد يثق بشيء مما يحيط به، لا على المستوى الأمني ولا على المستوى السياسي، ويدرك العقلاء الذين اقتربوا من الرئيس أنه لا فائدة من توجيه الرجل الذي لا يستمع لغير ما يمليه عقله الأمني المسكون بهواجس المؤامرة والشك والاسترابة ولذلك فإن العديد من الأخطاء الكارثية تقع، ولكن لا أحد يمتلك شجاعة النصح والقادرون على التنبيه ملوا من محاولات رتق فتوق "الرقاعات" التي تشكل شخصية القائد في بلاط غزته دسائس البُلَداء ولم يعد فيه معنى لألقاب وتخصصات شكلت في الماضي مرتكزا لصناعة القرار السياسي الرصين الذي خدم الاستقرار واستجاب لمصالح البلاد والعباد ردحا من الزمن.

إن الحل السياسي لأزمات البلاد واضح وضوح الشمس؛ فمنذ اتفاقية داكار كان واضحا أن ثمة شخصا متسلطا أدخل بلدا بكامله في أزمة متعددة الجوانب انسجاما مع نزواته الشخصية الساعية لإشباع نهم لا حدود له في التسلط والأنانية والسعي للفردانية الاستبدادية في مجتمع حيوي ناهض له نخبه السياسية والفكرية المتنوعة التي لن تنسجم مع الاستبداد والتسلط ولا يتصور أن ترضخ بسهولة .. ولذلك فقد كانت الحكمة السياسية تقتضي تحكيم صناديق الاقتراع للحسم الآني في من يحكم واعتماد الحوار السياسي وسيلة لإدارة الشأن العام بالحسنى ولكن الرئيس ولد عبد العزيز استسلم لنزواته وانكفأ على ذاته وأغلقت عليه حاشية البلاط ولم تسلم منه حتى أغلبيته الرئاسية التي حمت ظهره في ساعة العسرة، ولا تسأل بعد ذلك عن المعارضين ولا عن اتفاق داكار وحواره فقد ألقاه صاحب الفخامة في اليم واتخذه هزءا وسخرية وبدأ في تصفية حساباته السياسية في سحابة عامه الأول .. وعندما لوى السياق الثوري عنقه القصير نحو الحوار لم ترى بصيرته أبعد من أرنبة أنفه واختار من ينسجم أكثر مع إغرائه فكان حواره منقوصا وسعيه مغشوشا لا يكاد يظفر بطائل.

ويمكن أن نلاحظ أن البلاد تخسر باستمرار سياسات النظام الحالي على أكثر من صعيد؛ فقد اتضح أن المقربين من الرئيس ولد عبد العزيز ضالعون في الفساد الكبير بشكل ملفت وعادة ما تؤدي مثل هذه الحالة إلى استشراء الفساد الصغير أضعافا مضاعفة مما يجعل من العسير مستقبلا بقاء كيان الدولة على ما هو عليه خصوصا في ظل التفكك الاجتماعي والانهيار الأخلاقي وتصاعد مطالب تقسيم السلطة والثروة على أساس عرقي ويمكن إجمال الملاحظات على النحو التالي:


1- فشل الدعاية
يهدف النظام من خلال هذه المؤتمرات إلى إنتاج دعاية مؤثرة قادرة على مجابهة دعاية الخصوم السياسيين انطلاقا من ذات الأرضية التي يستخدمها الخصم وقد فشل المؤتمران في إحداث تحول من هذا القبيل بل إن المؤتمر الأخير كان في صالح المعارضة الموريتانية التي خدمها بتأكيده في جل المداخلات على ضرورة الإصلاح والتغيير وتأكيد الحتمية الثورية التي تقول بأن من لا يُغير يزال ويغير.

فقد انسجم الضيوف مع أنفسهم عندما رفضوا الانسياق وراء بريق الأسئلة المفخخة وبقدر ما أرادت الحلقات الإذاعية والتلفزيونية التي نظمت مع الضيوف أن تدس في الأفواه المصطلحات الخشبية للإعلام الرسمي الموريتاني فقد حددت للضيوف سقف شعارات النظام الواطئة تجاه الإصلاح والفكر وقد سخر بعضهم بلمحات ذكية من المصطلحات الفضفاضة والتعابير التي يستخدمها الصحفيون الموريتانيون في حوارات الليلة الأولى في الإذاعة والتلفزيون.

2- تبذير التمويلات
لا يمكن للشعب الموريتاني وهو يتابع كل هذا البذخ والإسراف في تنظيم المؤتمرات والإنفاق على أنشطة لا فائدة منها في عام الرمادة والسنين العجاف لحكم الرئيس ولد عبد العزيز إلا أن يلاحظ أن هذا النظام هو الوريث غير الشرعي والابن البكر لنظام الرئيس ولد الطائع وعندما استوى هذا النظام على سوقه بدأ يستنسخ تجارب الفساد في أسوء نسخها فقد كان نظام ولد الطائع يوظف الثقافة والفكر لخدمة البقاء في السلطة ولكن عائدات استثماره في هذا الصدد كانت تتجه للداخل وليس للخارج .

3- أين نتائج هذه المؤتمرات ؟
من حق الشارع الموريتاني أن يتساءل أين هو إعلان نواكشوط الذي وعد به المؤتمرون أم أن شلة المستشارين المحيطين بالرئيس تخلت عن الفكرة بعدما أفلت الخطاب الفكري الحر للضيوف من سلطة التوجيه الأحادي.

وكيف لدولة تحترم نفسها أن تقيم أنشطة لضيوف البلاد ويدعون بناء على مواعيد محددة ويدفعون إلى التصريح في وسائل الإعلام يطلقون الوعود ثم يلغى أحد أيام المؤتمر وكل الوعود الصادرة عنه تذهب أدراج الرياح أليس من الأنسب للحكومة أن تتولى هي كبر الوعود وتلملم عليها دراهيماتها المنهوبة من جيوب الفقراء وتواصل في سياسة الهروب على الأمام حتى تتفادى الفضيحة أمام الآخرين ألا تكفيها الفضيحة أمام شعبها.

إن علامات نهاية النظام الحالي بدأت تلوح في الأفق وأكبر دليل علي ما نقول حجم التخبط الذي والارتباك الذي يعيشه على مختلف الصعد. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!