التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:21 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.07.2008 12:23:33

العسكر, الأغلبية, المعارضة.. المصلحة غير المتكافئة!

الرجل بن عمر
[email protected]

تشكل المعارضة التقليدية, بساطا ممتدا للشرعية السياسية على امتداد جغرافية التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد خاصة خلال العقود الأخيرة.
ولعل رجوع العسكر إليها في كل مرة, من أجل تمرير خطابهم السياسي, وتسويق تحركهم الأمني في كل مرحلة من مراحل المد العسكري الذي أجتاح البلاد, أصبح حدثا مألوفا ينبغي فهمه في سياق المرحلة التي أفرزته.
لكن من المفارقة أن يشكل العسكر بعجرفتهم ومشروعيتهم الهشة, تأثيرا سحريا على القرار السياسي الذي تتبناه المعارضة, حيث تم استهلاكها أكثر من مرة من طرف عناصر العسكر, بدءا بأحداث انقلاب الثالث أغسطس 2005م, من طرف العقيد المحنك إعل ولد فال: صاحب الانقلاب الأبيض, وذلك بخروجها علنا, من أجل تبرير هذا التحرك العسكري الذي ظلت ترفضه القوى الدولية حتى يومه الثاني, في الوقت الذي لم ينل الشرعية اللازمة إلا بعد دور المعارضة في تحرك مشهود خرجت فيه العاصمة عن بكرة أبيها مباركة لتحرك ظل الكثيرون يطعنون في مشروعيته ومبررات حدوثه.
ورغم حوادث الاستدراج التي أستطاع العسكر تنفيذها في حق هذا الفصيل السياسي المهم, الذي كان ينبغي أن يكون على مستوى من الدهاء والحنكة السياسيين أكثر مما هو حاصل, إلا أن محاولات اقتطاع تكتلاته السياسية الواحدة تلو الأخرى باتت أمرا مألوفا, وخاصة خلال تجربتي الحكومتان السالفتان, ومعاودة الطبعة الحالية التي تجري هذه الأيام عمليات استنساخها, من خلال الصلاحيات الجديدة التي تكفل للواقف إخراجها في نسختها الثانية.

جذور الأزمة طريق إلى.. ّّ!
منذ تشكيل حكومة الواقف الأولى والتذمر العسكري باد على كل المناسبات السياسية, وحيث كانت البداية الطبيعية لنزيف الثقة الذي أصاب العلاقة الحتمية بين شخص الرئيس وسعادة الجنرالين حديثي الأوسمة.. السبب خلاف شكلي على بعض الأسماء المقترحة في تقلد مناصب حساسة في تسيير البلاد, سواء على مستوى القصر الرمادي أو على مستوى الوزارة الأولى..,ورغم التمادي في سياسة اللامبالاة, وفي شأن قرار بهذا القدر من الخطورة والحساسية, إلا أن العسكر ظلوا غير راضين عن قرار مملكة التنصيب تلك, هذا القرار الذي طال عناصر غير مرغوبة من طرف العسكر, وغير مرضية من وجهة الأغلبية, والمتروكة لعامل الوقت بمنطق المعارضة التي كانت حينها تعيش حالة إرباك وتفكك غير مألوفين ـ حسب التقاليد التي درجت على الخريطة السياسية للبلد ـ, لكن الواقع الجديد أن الرئيس أخذ يتحرك خارج غطاء أي من الجناحين ولسبب خلافي قمة في الهامشية , لكن لمن تعود مرجعية الأزمة الحالية ؟, وأين المعارضة من مبادرة حجب الثقة؟.

أزمة.. أم استهلاك لمظاهر أخرى؟
لقد تمكن العسكريون بفعل تحركات إعلامية هنا وهناك.. من جس نبض الساحة السياسية المفتقرة إلى المبادرة, حيث كان السؤال المطروح حينها, كيف نحرك القاعدة السياسية على قرار رئيس البلاد, وما هو الخطاب السياسي الأكثر منطقية للنفوذ إلى الذائقة الشعبية, الغائبة عن مسرح الأحداث ؟.
الإجابة على هذا السؤال المركب تتطلب اشتراك الأطراف الثلاثة في تجسيد سيناريو ما ومن نوع الزلزال السياسي الأعنف من نوعه في عمر الرئيس الأكثر تقدما في السن.
فبعد أن رسم العسكر السيناريو كما شاءوا أن يكون, دخلت المعارضة على في انكشاف إعلامي لم يكن الأول من نوعه , لقد لوحت بفساد الحكومة وبنفس التعابير والتصاريح التي أطلقها العسكر لتشكل الشرارة الأولى في وقود الفتنة السياسية هذه, ولتتخلف أخيرا في خطوة مثيرة للجدل.., ليبرز السؤال من جديد : المعارضة لحساب من.. العسكر أم الأغلبية المنقسمة على نفسها؟.
ولأي كانت مصلحة ذلك التحزب, إلا أنه وبعد مخاض من التجاذب السياسي, دخل فصيل من الأغلبية على خط الصراع, ليجد ضالته في تكملة رحلة التمرد التي دعا لها العسكر, من خلال مبادرة لحجب الثقة عن الحكومة التي عرفت تمثيلا باهتا لعناصر الأغلبية, وقد شهدت مبادرة حجب الثقة رواجا واسعا داخل أوساط الأغلبية حيث بلغت عضوية ملتمسي حجب الثقة أكثر من 39 عضوا برلمانيا , ليضر الرئيس المطعون, للخروج عن صمته والتلويح بعصا الردع الدستوري إذا تمادى الأمر في سياق مسيرة الحجب المثيرة للشغب تلك.
وكانت كل الترسانات القانونية المتوفرة لدى رئيس الجمهورية في أقصى ردعها, لا تتجاوز حل البرلمان كإجراء وقائي, للحيلولة دون تداعيات التطور السياسي الذي قد يشكل صداما عنيفا داخل بيت الأغلبية, وهو الواقع الذي رأى رئيس حزب الأغلبية تجاوزه بإعلان استقالته من رآسة الوزراء ـ حسب دعواه الإِعلانيةـ.
لكن ما حقيقة ما حدث ؟.., وأين المكاسب التي جناها العسكر بوصفه رأس الحربة في موجة الصراع هذه ؟.

دائما للعسكر مآرب أخرى.. :
لقد استطاع العسكر في أكثر من مرة إثبات هويته السياسية, وإن بمنطق عسكري جلف, يحرك الساحة السياسية في وقت لا تبدو بدوار لذلك الحراك, حيث يوجده من رحم الصمت المطبق, ويستل التمرد من منابع ظلت مجففة إلى لحظة إستنفاره, ليؤكد في أكثر من مناسبة أنه لا يفوت زلة مهما كانت سخافتها, خاصة إذا كانت فيما يعتبره حقا إستراتيجيا له.. إنها فلسفة القوة والمراهنة على الفعل, لا الخطاب السياسي الذي قد لا يجد طريقه إلى الواقع, بفعل التردد والخذلان الموروثين عن حاسة الفراغ التي أخذت تتقلص فيها مشاعر الثقة التي باتت سلعة لا ينالها إلا من يوظف أكثر وفي منصب أكبر.
وربما يكون المكسب الحقيق الذي جناه العسكر من ذلك التحرك المدروس والذي أفضى إلى إقالة الحكومة, هو إرجاع قرار ظل من أكبر المعارضين له, إلى نقطة البداية, ليكون له الحق من جديد في صياغته وفق مقاسه والمنطق الإستراتيجي الذي يأمن له, وإن كان لا يرحب بعناصر الأغلبية المستفيدة بالضرورة من قرار الإقالة هذا.
هذا في الوقت الذي يرى فصيل الأغلبية أنه حقق الإنجاز الأكبر من نوعه في إدعائه إسقاط حكومة لم يجد لها حسنة في إمكانية الاستمرار, وهو الآن باتجاه جني ثمار إنجازه السياسي, الذي لا يضع مكان للطرف الآخر من مجموع الأغلبية, ممثلة في أحزاب المعارضة التي انضوت تحت لواء الأغلبية وأصبحت محسوبة على النظام بشكل أو بآخر.
هذه الفرضية هي التي حاول الوزير الواقف أن يتفاداها في إطار مأموريته الماضية, وهو اليوم مطالب بالعمل على إقصائها أكثر من أي وقت مضى, رغم إلحاح عناصر الأغلبية بعدم جعل هذه المسألة أولية من أي نوع, لأن المعارضة ـحسب منطق الأغلبيةـ لا حق لها في تقلد مناصب مهمة في النظام السياسي الحاكم, والسبب بكل بساطة هو أن الدور ينبغي أن يكون على الأغلبية الأصل, أما المعارضة فعليها الانزواء في الركن الآخر من الصورة, وعدم مزاحمة الأغلبية فيما هو حق مشروع لها أنجزته بالعرق المال والجاه...

هل ينجح الواقف في الوقوف في الوسط أكثر من مرة :
يشكل مصطلح الفساد أحد المفاتيح المهمة في لعبة السياسية, وخاصة في أبجدية صنع الخطاب السياسي, وتأليب طرف ضد آخر بغض النظر عن شحنة هذا المفهوم, بل وحتى تداعياته الفعلية على خريطة الواقع المعيشي .
وإلا فماذا يعني تمييع شخصية الدولة من خلال فرض سلوك معين على شخص رئيس الجمهورية , والعبث بهيبة الجمهورية التي كان أولى بهم أن يكونوا أكثر حرصا على صيانتها أكثر من عناصر لها حظ من التاريخ السيئ عبر تجارب الجمهورية الناشئة, بدءا بالأولى مرورا بالثانية وقوفا على الثالثة التي تنتابها كوابيس من الداخل لا يكاد العسكر ينفك عن تحريكها و التلويح بها كلما تحركت شهية ما لشيء ما في فترة ما.
ينشد العسكر من خلال تحركاتهم الشبه أمنية, إلى إبعاد عناصر لا يرغب في وجودها في مواقع هامة, وإحلال عناصر تابعة له, يجدها أكثر أهلية وأولوية لهذه الثقة, إضافة إلى البقاء حاضرا في مداخل ومخارج القصر الرمادي, ورقما مؤثرا في القرارات المصيرية للبلاد, سواء على مستوى الصعيدين الوطني والدولي .
كما تطمح عناصر الأغلبية إلى أبعد مما ينشده العسكر, إذ ترى أحقيتها في مسك كل أمور الدولة في الوقت الذي على العسكر أن يبقى في الخطوط الأمنية في انتظار الأمر السياسي بالتدخل, بعيدا عن مدارات السياسة التي لا تعتبر من اختصاصه ولا حتى من اهتماماته المشروعة .
أما المعارضة الداخلة حديثا في بيت الأغلبية, فهي تعلق آمالا كبيرة على مشروع حكومة وحدة وطنية, قد يكتب لها أن تحدثا قطيعة سياسية مع مفهوم الحزبية الضيف, خاصة في إطار تسيير الشأن العام, في خطوة هامة باتجاه الوصول إلى مشروع وطني تتعايش فيها كل الأطياف والحساسيات السياسية, دون مبرر للخصام السياسي, واحتكار الحقائب الوزارية لعناصر كل دعواها أنها بنت الأغلبية منذ أول لبنة .
هذه إذن مجموعة من المطالب السياسية, رغم تناقضها إلا أنها ممكنة التحقيق, لكن هل يفهم كل فصيل ضرورة تعايشه مع غريمه, وعلى نفس المائدة السياسية ؟, بل وهل تدرك كل الأطراف المتناحرة الحكمة من المنطقي الإستراتيجي الذي أوجدها في حلبة سياسية مشتركة ؟.
وهل يوفق الواقف في التوفيق بين كل هذه الحساسيات بطلباتها المتماسة كل على هوى ليلاه, أم أنه على أحد الأطراف أنغادر المكان إلى حيث يجد مشروعيته الحقيقة, وبذلك تبقى كرامته مصانة, وجميله محفوظ في ذاكرة شعب لا ينسى الجميل ومدين إلى حد رفع القبعة من فوق الرأس, وتحت لهيب الشمس؟.




Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!