التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.07.2008 15:08:48

مصير الديمقراطية الموريتانية

محمدو بن البار
كلمة الإصلاح هذه المرة نبدأها بالسؤال و الجواب التاليين:
يسألونك عن مصير الديمقراطية الموريتانية فقل: نسفها الباقيان ممن أتوا بها نسفا فتركوها قاعا صفصفا لا ترى من بقاياها في موريتانيا الآن عوجا و لا أمتا.
فبداية قام أولئك الرجلان باعتراف الجميع باقتحام قلعة الفساد الموريتاني بعد أن سبقهما لهزها هزا رجل يقتحم عادة القلاع المحصنة، ولكن الذي نجح حتى النهاية في استئصالها هما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما بتلك الخصلة التي حياهما الشعب عليها قائلا لهما ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم لعثمان بن عفان عندما جهز جيش العسرة : "لا يضر عثمان مافعل بعد اليوم".
و من ذلك التاريخ الأبيض الذي أخرج موريتانيا من المجهول الأسود إلى المستقبل المشرق كما كان هو ظن الشعب الموريتاني آنذاك.
ففي بداية ذلك التاريخ تضافرت إلى الإتجاه الصحيح جهود رجال مخلصين ضمهم كل من "المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية و حكومته الإنتقالية" و على رأس الجميع قائدا كل من المجلس العسكري والحكومة الإنتقالية، و قد أسسا بثبات و عزيمة دمقراطية نقلوها بحذافيرها من مركز الديمقراطية العتيدة ليزرعوها في الأرض الموريتانية التي ظهر للشعب بعد ذلك أنهم لم يستصلحوا الأرض قبل غرس ديمقراطيتهم الطازجة رطبا و تمرا في منتهى الحلاوة إلا أن معظم ذلك السلف الذي أشرف بنفسه على تعيين المجلس العسكري والحكومة الإنتقالية التي أشرفت هي بنفسها على اختيار إدارتها الإقليمية فأحسنوا الإختيار حتى صارت تلك الفترة يمكن تسميتها "بالفترة الذهبية الديمقراطية" إدارة و تسييرا فليتنا كنا نستطيع الإحتفاظ بالجميع في ثلاجة الديمقراطية التي خططوا لها حتى يبلغوا سن التقاعد .
أما الآن فقد خلفت من بعدهم خلوف أضاعوا الديمقراطية و اتبعوا شهوة الأبهة و التمسك "بأي ثمن كان" بتلك المكاسب التي ضحوا حقا من أجلها، وقد انكشف الغيب للمواطنين أن احتفاظ ذينك الرجلين الباقيين من ذلك الرعيل الأول والسلف القريب الصالح للديمقراطية قد أسسا لبقائهما المتميز عن الديمقراطية المعلنة للجميع، بتفانيهما المستميت في ترشيح رجل عملا المستحيل لإنجاحه وقد ظهر أن اختيارهما له وقع قبل أن يختبرا عمقه الحقيقي الذي عاش به و من أجله حتى وصل إلى عمره الحالي:
فالرجل يمتاز بأنه ديمقراطي الطبيعة لا يريد علوا في الأرض و لا فسادا و معنى ديمقراطيته أنه "بسيط للغاية مع الكفاءة المهنية و يعرف ما هو الأصلح لموريتانيا ولا يريد من وراء ذلك مكتسبات وعندما يظهر له الأصلح يتمسك به تمسكا إيمانيا لا يتزحزح عنه إلا متحرفا لقتال بدون سلاح غير الإيمان أو متحيزا لفئة قد جرب أنها لا تريد إلا الإصلاح مع أنه يستخدم في آخر لحظة أخف الضررين".
هذا هو عمق تفكير الرجل الذي كان يظن أن الديمقراطية التي اختير لقيادتها هي الديمقراطية المعلنة من طرف المجلس العسكري بطبعته الأولى، أما الرجلان فقد ظنا بالرجل الظن الموريتاني العادي والمعمول به في ديمقراطية الولاءات و التعيينات و التمييزات التي كنا نعيشها قبل أن ينقذ هذان الرجلان الوطن الموريتاني من هذا النوع الديمقراطي الذي لا رده الله بعد اختفائه.
و عندما بدا لهم من الرجل ما لم يكونا يحتسبان قاما باستدعاء التكتلات الممتلئة فكرا من مردودية المساعدة في الانتخابات، تلك التكتلات التي خاب ظنها بعد إعلان نجاح الرجل التي طٌلب منها العمل على إنجاحه فتسابقت كما هي العادة إلى ذلك، وأنفقت المال من أجل ذلك و استقال البعض من الأحزاب ليجتمع الجميع في منسقية واحدة لدعم العسكريين لينجح مرشحهم.
ومن هنا اختلف اعتقاد الفريقين الناجح و المنجح، فالناجح يظن أن العسكريين لا يريدون إلا تحقيق ديمقراطيتهم التي أعلنوها للشعب الموريتاني وضحوا من أجلها فهو لم يلتزم لأحد بالتعيينات الجيبية التي آل أهلها إلى تسميتهم رسميا بالمفسدين.
أما المنجح وهم العسكريون بالجمع أو التثنية وبيادقهم أوبيادقهما فقد ظن الجميع أن المنجح باسم المفعول عليه أن يكون في خدمة الجميع، فإدارة تفكيره في يد العسكريين ونتائج فعله تسند مباشرة كثمن لجهود المنسقية التي لا تفهم للديمقراطية إلا معناها الموريتاني الأصيل.
و عند انطلاقة العمل الديمقراطي استعمل الرجل ما أوحى إليه به فكره وهو أن موريتانيا مقبلة على عهد جديد من الديمقراطية وأن دستورها صالح للإستعمال وأنه سوف يعين لموريتانيا من يصلح لتنفيذ برنامجه وفي نفس الوقت ظن أن الرجلين يكفيهما منه أن يعطيهما ورقة بيضاء في مهمتهما العسكرية إدارة وتعيينا وتحويلا وترقية زيادة على أن أي شخص نصا على تعيينه في أي وظيفة يكون لهما ما أرادا، أما الناحية المدنية الأخرى فعلى الجميع أن يترك له حرية إدارتها من غير التزام مسبق لأي أحد إلا ما كان من التزام في الشوط الثاني لبعض الشركاء في الإنتخابات.
و هكذا انتهت الحكومة الأولى من غير أن يحتاج الرجلان أن يشرحا للرئيس الهامش الذي يمكنه أن يتحرك فيه من غير استشارتهما أو استشارته باسم المفرد ظنا منه أن صلاحيته الدستورية معروفة لدى الجميع.
و عندما قام الرئيس بالإشراف مباشرة على تعيين الحكومة الجديدة وأدخل فيها كل من جرب أن عمله صالح لتنمية البلد وتنفيذ البرنامج الإقتصادي والإجتماعي الذي تعهد به هو للشعب بدون أن يكتب معه أحد فقرة من فقراته؛ فعندئذ شعر الرجلان أن مرشحهما بدأ ينفلت من قبضتهما، فقاما بتحريك البيادق الممتلئين غيظا من عدم مجازاتهم مباشرة بعد نجاح الرجل، وبعد هذا التحريك فهم البيادق الإشارة التي وصلت إليهم من الرجلين التي تعني بالنسبة لهم رفع الرجلان ليَديهما عن حماية الرجل وحماية الديمقراطية وحماية الدستور، وأن على البيادق أن ينسلخا نهائيا من كل الأخلاق الديمقراطية والدستورية ويتولوا نيابة عن الرجلين انقلابا أبيض على الرجل، فلم تكن التعيينات في الوظائف التي أعطاها له الدستور تختص به، وأن الأغلبية لا تقال لأي حزب تبنى برنامج الرئيس و أراد مساعدته في تنفيذه، بل الأغلبية تقال لمن طلب منه الرجلان انتخاب الرئيس فاستجاب لذلك، فالذي كان مرا عليه أن يبقى مرا لا ينفعه تحلية الرئيس، و الحكومة المعينة أخيرا يجب أن تسقط لا عن طريق حجب الثقة عن برنامجها ولا حتى بعد نظر الشعب إلى عملها فيزكيها أو ينتقدها، و ليت هؤلاء البيادق داسوا على ديمقراطيتهم بأقدامهم وحشروا الرئيس في زاوية الديكتاتورية ولم يفضحوا موريتانيا أمام العالم وعلى شاشة فضائية الجزيرة ـواسعة الإنتشارـ.
فعلى الشعب الموريتاني أن يقدم شكوى من مدير مكتب الجزيرة في موريتانيا محمد باب بن الفغ حيث أضحك العالم كله في ديمقراطيتنا التي خرجنا بها إلى العالم منذ اقل من سنتين وقلنا للعالم إنها فريدة وعلى العالم الثالث أنم يحتذي بها، فإذا بنوابنا المحترمين يحلون مباشرة محل السلطة التنفيذية فيطالبوا بأن يتولوا التعيينات الوظيفية بأنفسهم ويتولوا السلطة القضائية باتهام هيئة خيرية أعطتها وزارة الداخلية إذنا بمزاولة نشاطها الخيري ـوهي الوصية وحدها عليهاـ ويمنعون تعيين هذا الوزير ويعزلونه كما يشاءون.
و هكذا سقط في يد الرئيس رؤيته للأنياب التي كشر عنها أصحابها وعضوا بها الديمقراطية عن طريق الفدائيين المسلحين بأغلبية قد سبق أن سموها هكذا -الأغلبية الرئاسية- وختموا عليها بأن لا تزيد بل تنقص بأي شخص كان منها ولم يرق للفدائيين وجوده بينهم.
وهكذا بدلا من الديمقراطية النموذجية أصبحنا ديكتاتورية فوضوية نموذجية تنشر فضائحنا الفوضوية على العالم، وهكذا أيضا أصبحنا في حالة من الغباوة الديمقراطية لا نحسد عليها.
فالاستسلام النهائي للرئيس لا يصل إليه تفضيله للسكينة والوقار، و المسامحة والمجابهة الفاصلة (وإن كانت معروفة لدى الجميع في الديمقراطيات) فلا أرض لها تحت قدميه يعتمد عليها مع طول أمله في أن العاقل لا بد أن يعود يوما ما إلى إحقاق الحق.
أما الشعب الموريتاني فلم يبق له إلا أن يردد قصة ابنيْ آدم حيث "تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!