التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:09:22 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.03.2012 23:22:26

موريتانيا: ثلاث سنوات تحت حكم محمد ولد عبد العزيز

انسداد سياسي وأزمة مؤسسية...
انهيار الدولة وتردي ظروف المواطنين...
فساد مستشر ونهب منظم لثروات البلاد...
مغامرات عسكرية وتخبط دبلوماسي...

مارس 2012

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــــة:

موريتانيا على حافة الغرق...
إنها الحقيقة الدامغة التي لم يعد من الممكن إنكارها بأي شكل من الأشكال بعد أن بات واضحا للجميع أن محمد ولد عبد العزيز، الممسك بمفاصل السلطة منذ أغسطس 2008، كرس نظاما استبداديا متسلطا يتدثر بلحاف ديمقراطي مصطنع.
لقد أدخلنا محمد ولد عبد العزيز في أزمة سياسية ودستورية واكبها فشل تام في إدارة الدولة وتدهور حاد في ظروف معيشة السكان ونهب ممنهج لثروات البلاد ، فضلا عن مغامرات عسكرية على أراضي أجنبية وتخبط دبلوماسي أضر بالأمن والسلم في المنطقة كلها وأفسد علاقات بلادنا مع الحكومات والشعوب المجاورة.
كل هذا والجميع يتذكر أن الجنرال كان قد برر انقلابه العسكري بحصول انسداد سياسي ناجم عن رفض الحكومة لعقد دورة برلمانية استثنائية، وتعهد غداة استيلائه على السلطة بإزالة أسباب الانسداد السياسي عبر تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعزيز دور البرلمان، وتوسيع نطاق الحريات العامة، وترسيخ الممارسة السياسية السليمة، وتوطيد الوحدة الوطنية، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ومكافحة الفقر والفساد، والقضاء على الإرهاب والانفلات الأمني، واستعادة موريتانيا لمكانتها اللائقة بين الأمم.
ومن حقنا اليوم أن نتساءل بعد ثلاث سنوات من حكم محمد ولد عبد العزيز عن مصير تلك الإصلاحات ومآلات تلك الوعود. وهو ما تجيب عليه هذه الوثيقة التي تتضمن خلاصة عروض ونقاشات جرت في إطار ندوة نظمتها منسقية المعارضة الديمقراطية بمناسبة تخليد الذكرى الأخيرة لعيد الاستقلال الوطني. وقد تناولت تلك العروض حصيلة محمد ولد عبد العزيز في مجالات السياسة والرعاية الاجتماعية والحكامة، والاقتصاد، فضلا عن الأمن والدبلوماسية...
وقد ارتأينا أن ننشرها تحت العناوين الأربعة التالية:
انسداد سياسي وأزمة مؤسسية
انهيار الدولة وتردي ظروف المواطنين
فساد مستشر ونهب ممنهج لثروات البلاد
مغامرات عسكرية وتخبط دبلوماسي
وذلك لإطلاع الرأي العام على الهوة الكبيرة الفاصلة بين الحقيقة التي لا مراء فيها والادعاءات الكاذبة التي ما فتئ محمد ولد عبد العزيز يرددها، والتي كان آخر ها ما تحدث عنه في نواذيبو يوم 13 من الشهر الجاري من إنجازات مزعومة وافتراءات في مجالات التسيير و الشفافية ...!!!
أولا: الانسداد السياسي و الأزمة المؤسسية :
I . الانسداد السياسي
لئن كانت الانتخابات الرئاسية المنظمة في ظروف استثنائية سنة 2009 بموجب اتفاقية داكار التي تداعت إليها القوي الوطنية، قد أخرجت البلاد ـ رغم ما شابها من عيوب ـ من أزمتها الدستورية الناجمة عن الانقلاب العسكري؛ فإنها لم تضع حدا للأزمة السياسية التي تفاقمت بين المعارضة والنظام، بسبب سياسات ولد عبد العزيز القائمة على التفرد بالسلطة والتفريط في الوحدة الوطنية والتعسف في معاملة المواطنين واحتكار الإعلام العمومي. ويتضح ذلك مما يلي:
1. على صعيد الوحدة الوطنية... تفريط يصل حد التآمر
استهدفت سياسات محمد ولد عبد العزيز النيل من لحمتنا الوطنية وبث الفرقة بين مكونات شعبنا من خلال:
أ‌. سوء استقبال العائدين من السنغال وتركهم في ظروف مزرية جعلت العديد منهم يفكر في الرجوع إلى موطن المهجر.
ب‌. تأليب مجموعاتنا العرقية ضد بعضها البعض في أكثر من مناسبة وعلى أعلى المستويات، وقد تجلى ذلك، من بين أمور أخرى، في:
 تحريض مسئولي الإدارة والأمن على مستوى بعض الولايات لإحدى مكونات شعبنا بالدفاع عن نفسها في وجه احتجاجات حركة " لا تلمس جنسيتي "، كما لو كانت الاحتجاجات تستهدفها !
 تأجيج الصراع بين الطلاب داخل الجامعة على أسس عرقية، وهو ما أكدته مكافأة نشطاء الصدام الطلابي بتعيين بعضهم في مناصب هامة وفي ظروف مشبوهة!
ج. التهاون في متابعة تطبيق القانون المتعلق بالاسترقاق و إهمال إجراءات الدعم الاقتصادي و الاجتماعي المصاحبة لتطبيقه.
د. سوء استقبال مجموعات كبيرة من مواطنينا الذين اضطروا للعودة من ساحل
العاج و ليبيا و الإمارات العربية المتحدة، تحت وطأة الأزمات التي شهدتها تلك البلدان و ما رافقها من مواقف دبلوماسية غير موفقة لنظام ولد عبد العزيز.
ه. الإعلان عن بعض القرارات دون التفكير في توقيتها وسبل تطبيقها وانعكاساتها، لتتحول إلى مادة للإثارة قبل أن يتم التراجع عنها، مثل قضيتي المراسلات الإدارية باللغة العربية وتحديد مواقع قبور "ضحايا عنف الدولة ".
و. سوء إدارة الإحصاء الإداري الذي اتخذت أسئلته الموجهة للسكان ـ في بعض الأحيان ـ طابعا إقصائيا، تسبب في إثارة غضب بعض مكوناتنا الوطنية.
2. على صعيد الحريات العامة...تضييق ينذر بتراجع خطير
شهدت الحريات العامة تراجعا كبيرا تجلى في:
أ‌. قمع المتظاهرين و تعذيب المعتقلين من أصحاب المظالم المختلفة (شباب 25 فبراير والحقوقيون المناهضون للاسترقاق(IRA) وحركة "لا تلمس جنسيتي" و طلاب التعليم العالي...)
ب. توظيف القضاء والمفتشية العامة للدولة في تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين.
ج. تعدد حالات الحبس التحكمى ( مديرا سونمكس والمفوض السابق لمحاربة الفقر وغيرهم من السجناء ...)، رغم إفلات بعض الجناة من العقاب لقربهم من القائمين على الدولة.
د. إنشاء سجون مجهولة المكان خرقا للقانون والمعاهدات الدولية.
ه. الإبقاء على النصوص المقيدة للحريات العامة رغم إقرار الدستور في مادته 2 بإلغائها( القانون المتعلق بالجمعيات ـ القانون المتعلق بالإقامة الجبرية ـ القانون المتعلق بحق التظاهر...)
و. سوء ظروف السجون وإبقاؤها تحت الإمرة الفعلية لأفراد الحرس الوطني و تدهور الأوضاع المعيشية والصحية للسجناء مما أدى إلى موت بعضهم في ظروف غامضة!.
3. على صعيد الإعلام العمومي...تدجين و احتكار
يواصل ولد عبد العزيز منذ وصوله إلى السلطة احتكار وسائل الإعلام العمومية ، إذ تكرس الإذاعة والتلفزة الوطنيتان جل وقتهما لتمجيد " الرئيس" والحديث عن مشاريع وانجازات لا وجود لمعظمها على الأرض، بينما تتجاهلان في تغطيتهما للأحداث أنشطة المعارضة في أغلب الأحيان أو تختزلانها في لقطات و مشاهد أقرب إلي التشويه منها إلي إعطاء الحقيقة في أحيان أخرى.
أما البرامج الحوارية، إذاعية كانت أم تلفزيونية، فيقصى المعارضون من المشاركة فيها بكل بساطة، وتقطع أثناء بثها بدون أي احترام للمشاهد، إذا كان قد شارك فيها أحد المعارضين دون أن تفطن إليه "السلطات العليا" مسبقا.
ولم تسلم مداولات البرلمانيين، ومن ضمنها الصوت المتبقي للمعارضة في وسائل الإعلام المذكورة من تقطيعها وبثها في أوقات غير مناسبة في بعض الأحيان. ومن الغريب أن كل هذه الممارسات المخلة تجري على مرأى ومسمع من السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA) التي لا تعيرها أدني انتباه.
وتتعاظم المخاوف اليوم من وصول الاحتكار إلي الإعلام الخاص مع إقصاء المهنيين، الذين لا صلة لهم بمقربي ولد عبد العزيز، من تراخيص فتح القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الممنوحة أخيرا من قبل السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية.
II. الأزمة المؤسسية...ما ذا بعد خرق الدستور؟
1. مأزق التأجيل و استحقاق الحوار
بعد أن أفسدت أجهزته المختصة منظومة الحالة المدنية الموجودة وفشلت في توفير بطاقات تعريف وطنية لمستحقيها في الوقت المناسب، قرر ولد عبد العزيز تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية بصفة مخالفة لنص الدستور والقوانين ذات الصلة. حيث يحدد الدستور في مادته 47 مدة مأمورية النواب بخمس سنوات " ينتخب النواب في الجمعية الوطنية لمدة 5 سنوات بالاقتراع المباشر"، بينما يوضح القانون التنظيمي (الأمر القانوني رقم 019-028 بتاريخ 7 أكتوبر 1991) الجدول الانتخابي المتأتي من تلك المأمورية " سلطات الجمعية الوطنية تنتهي عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة بعد انتخابها" (راجع الملحق المتعلق بعدم شرعية التأجيل ).
وبقراره القاضي بالتأجيل اللادستوري للانتخابات، أوقع ولد عبد العزيز البلاد في مأزق سياسي وقانوني، تسبب في خلق فراغ دستوري وأزمة مؤسسية غير مسبوقة، لم يجد من وسيلة للتغطية عليها سوى اللجوء إلى المناورة بتنظيم حوار مع ثلاثة من الأحزاب المشكلة لمنسقيه المعارضة في محاولة لإضفاء صبغة من التوافق على ما سيقرر بشأن الاستحقاقات الانتخابية المؤجلة. فما هي أهداف ذلك الحوار وكيف كانت نتائجه؟
2. أهداف الحوار:
إذا كان الهدف من الحوار في نظر ولد عبد العزيز لا يتجاوز مناورة سياسية تلهي الشعب عن معاناته اليومية، وأزمات بلاده المتفاقمة، والفساد الاقتصادي المستشرى وتبعات الحرب بالوكالة، فإننا في منسقية المعارضة الديمقاطية نسعى إلى حوار جاد يؤول إلى إصلاح الدولة من خلال إعادة بناء قواعدها السياسية والمؤسسية على أسس ديمقراطية حقا، بحيث يصبح التناوب السلمي على السلطة ممكنا، وتضمن التعددية السياسية التي حددها الدستور، وترسى دولة القانون بكافة مميزاتها ( قضاء مستقل و إدارة خاضعة للقانون)؛ و تتوزع الثروة و تتكافأ الفرص بين الجميع بصفة عادلة و تتحقق الشفافية السياسية والاقتصادية. و هي أهداف لا يمكن تحقيقها بترقيع سطحي و لا بترميمات لا تمس الجوهر.
و توضح الفقرات التالية ما إذا كان تنظيم هذا الحوار بين موالاة ولد عبد العزيز و بعض أحزاب المعارضة يشكل خطوة على طريق تحقيق هذه الأهداف الوطنية التي نتشرف بتبنيها، أم أنه محاولة لإطالة أمد نظام استبدادي فاشل اخترنا لأنفسنا أن نحسب في عداد "المتخلفين" عنها. و ذلك من خلال استحضار المقدمات التي سبقت انعقاده و النتائج التي تمخض عنها.
3. مقدمات الحوار:
لقد جددت منسقية المعارضة الديمقراطية التأكيد في أكثر من مرة على استعدادها للحوار إذا ما توفرت الشروط الضرورية لإجرائه في جو من الثقة المتبادلة. وتقدمت بمقترحات من شأن تلبيتها أن تعطي إشارة على حسن النية وصدق الإرادة و أن تعزز الثقة بين المتحاورين؛ وهي مقترحات تتعلق بمطالب مشروعة كلها و مكفولة بدستور و قوانين الجمهورية مثل ولوج المعارضة لوسائل الإعلام العمومي و عدم التمييز بين الموظفين العموميين أو الفاعلين الاقتصاديين على أساس ولائهم السياسي و كف الجيش عن التدخل في الشأن السياسي.
و لكن تلكؤ ولد عبد العزيز في مواقفه من إجراء حوار حقيقي، وعدم استجابته للشروط و الممهدات التي لا غنى عنها لإرساء الثقة، و سوابقه في التنصل من التزاماته ( اتفاق داكار ـ الاتفاق مع حزب عادل...)، شكلت في نظرنا مبررات كافية لمقاطعة هذا الحوار الخادع .
4. نتائج الحوار:
إذا كانت نتائج " الحوار" المعلنة قد أدخلت رتوشا على العملية الانتخابية و تضمنت بنودا تتعلق بترميمات يختلف الناس في جدوى بعضها من قبيل: رفع عدد مقاعد البرلمان من 95 إلى 146ـ حظر ترشح المستقلين ـ طريقة مراجعة النسبية ـ تمثيل المرأة... ، فإنها لم ترق إلى المستوى المطلوب في نظرنا، حيث أغفلت قضايا جوهرية عديدة، نذكر منها:
أ. الفصل بين السلطات و توازنها، و هو مطلب تزايدت الحاجة إليه في ظل ممارسة ولد عبد العزيز الجائرة للسلطة، حيث حول القضاء إلى أداة تابعة للسلطة التنفيذية مع استمرار ظاهرة السجن التحكمى ومعاملة المجرمين بمكاييل مختلفة حسب قربهم أو بعدهم من "الرئيس"، وصولا إلى الفصل التعسفي للقضاة؛ كما تعدى على السلطة التشريعية من خلال الالتفاف على بعض صلاحياتها عبر استصدار بعض القوانين ( القانون المتعلق برخص التنقيب عن المعادن) و عدم مراعاة بعضها الآخر ( قوانين المالية للسنوات الثلاث الماضية... )، ولم يسلم من تجاوزاته سوى محكمة العدل السامية، ربما لكونها لا تتوفر على مخصصات مالية و لم تفتح ملفا لمساءلة أي من المسئولين السامين للدولة، اللهم ما أعلن عنه بعض أعضائها من نوايا قبل أن تتأسس!
ب. إعادة تنظيم القوات المسلحة و قوى الأمن بما يضمن مهنيتها و يفك عنها قيد الارتهان لنزوات ضابط شغوف بالسلطة، و لو كلفه ذلك تعريض حياة جنودنا و ضباطنا للخطر، في مغامرات عسكرية خارج حدود البلاد خدمة لأجندات يحوم حولها الشك.
إن هدفنا في هذا المجال هو استعادة هذه القوات لمهمتها النبيلة ومكانتها المحورية في ظل نظام جمهوري لا مكان فيه لكتائب( BASEP) الخارجة عن إمرة الجيش الوطني.
ج. كما تم التغاضي عن القضايا المتعلقة بتسيير موارد البلاد التي أضحت عرضة لنهب منظم غير مسبوق، فضلا عن تجاهل مشكلة اللاجئين والإرث الإنساني، و الإلتفاف على تطبيق القانون المجرم للرق، ومشكلة الجفاف المنذر بمخاطر كبيرة على الناس والمواشي، ومشكلة ظروف حياة المواطنين التي أصبحت تؤرق الجميع لما لها من تأثير جلي على الوحدة الوطنية و الانسجام الاجتماعي .
وقد أصبح من الواضح الآن للجميع أن "هذا الحوار" فشل، رغم حملات الشرح و الدعاية التي نظمت من قبل المشاركين فيه وتسخير وسائل الإعلام الرسمية لهذا الغرض، بهدف إيهام الرأي العام بالتوصل من خلاله(الحوار) إلى إصلاحات جوهرية، ناهيك عن الإخلال بأهم بنوده المتعلقة باللجنة الانتخابية، التي حاول النظام وشركاؤه تقديمها كإنجاز مبالغ في أهميته!.
ألا يعتبر نقض المجلس الدستوري لهذا القانون بمثابة شهادة وفاة للحوار؟ ألم يشهد شهود من أهله بفشله المدوي؟ أليست شهادة حزب حمام ـ المعارض والمحاورـ كافية لإثبات فشل الحوار؟ ألا تعتبر الدعوة التي أطلقتها ثلاثة من أحزاب الموالاة المحاورة إلى تنظيم حوار جديد بمشاركة جميع الفرقاء السياسيين بمثابة اعتراف بفشل الحوار الماضي ؟
الحقيقة أن النتيجة التي كان يتوخاها ولد عبد العزيز من هذا "الحوار" ـ حسب العارفين بطبيعته ـ ليست سوى شق صفوف المعارضة ولو مرحليا. وهو اهتمام غير مستغرب من "رئيس" يخصص معظم مقابلاته لتسيير الانشقاقات داخل الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، أو لتسجيل أقوال جلسائه وإبلاغهم مقولات غيرهم لإحداث الوقيعة بينهم، في سلوك مناف لقيم مجتمعنا ولهيبة المسؤولية السامية التي يتقلدها.


ثانيا: انهيار الدولة وتردي ظروف المواطنين
يتزايد قلق النخب الموريتانية من حالة الانهيار العام الذي تشهده البلاد على كافة المستويات، وفي مجالات تمثل في نظر المواطنين أهم تجسيد لمفهوم الدولة؛ مثل الإدارة والخدمات الاجتماعية الأساسية وتأمين العيش للسكان...
I. على صعيد الإدارة...خرق للمساطر و تهميش للكفاءات
إذا كانت الإدارة في نظر الجميع أداة لاغني عنها لإنجاز أي مشروع تنموي يراد له النجاح، فهي في نظر ولد عبد العزيز عائق يجب التخلص منه لما يستوجب عملها من نظم ومساطر تنبغي مراعاتها. لذا، عمل ولد عبد العزيز منذ استيلائه على السلطة على تقويضها، من خلال:
أ. انتزاع صلاحيات المسئولين، من الوزير إلى رئيس القسم الإداري، ويتجلى ذلك بوضوح في المجالين الاقتصادي والمالي؛ حيث يتدخل ولد عبد العزيز في تفاصيل الأمور المتعلقة بصرف الموارد المالية(الرشاد)، ناهيك عن تورطه ـ بشكل مباشر أو غير مباشرـ في الصفقات والعقود المتعلقة بالمعادن والنفط والصيد و البني التحتية.
ب. خرق المساطر والنظم خصوصا في مجال الصفقات والعقود ( الاستخدام المفرط لصفقات التراضي ).
ج. تقليص مدد مأموريات بعض الهيئات الرسمية المنصوص عليها قانونا ( البنك المركزي، السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، المحكمة العليا..).
د. عدم احترام التخصصات الواردة في النصوص المنظمة لأسلاك الدولة في إسناد المهام العليا الإدارية والمالية والتربوية.
ه. تهميش جميع أصحاب الكفاءات وذوي الخبرة من الموظفين المنتمين للمعارضة أو الذين لم يعلنوا بشكل واضح ولاءهم للنظام، واستبدالهم بأشخاص ـ في أغلب الأحيان ـ من خارج الإدارة، يتم اختيارهم على أسس زبونية و محسوبية.
و. غياب الحوافز المادية والمعنوية بسبب إفراغ الإدارة من وسائل العمل الضرورية مثل المستلزمات المكتبية ووسائل النقل، فضلا عن تزايد الشعور بمرارة الظلم في التعيينات والترقيات ومنح الامتيازات؛ في ظل جمود الرواتب وتصاعد الأسعار.
II. على صعيد الخدمات الأساسية...تدهور عام
لم يعد خافيا على أحد ما بات يعانيه الوضع العام لبلادنا من تدهور في أحوال الناس وتراجع في كل المؤشرات التنموية، وقد أصبح هذا الوضع المقلق ينذر بمخاطر جمة على مستقبل البلد بسبب فشل كل السياسات والشعارات التي رفعت منذ استيلاء محمد ولد عبد العزيز على مقاليد الحكم، حيث أصبحت الدولة عاجزة عن الاستجابة للاحتياجات الأساسية الملحة للمواطن العادي، وخاصة منها ذات العلاقة بحقوقه الاجتماعية في مجالات التعليم والتكوين المهني والعمل والصحة...
1. التعليم...تراجع ملحوظ وعجز مشهود
رغم التسليم بحالة مزمنة من التذبذب والاضطراب الشديد ظلت تطبع خياراتنا الوطنية في المجال التربوي، مما أربك الأجيال وجعلها عاجزة عن التواصل فيما بينها بسبب الانتقال الفوضوي من نظام تربوي إلى آخر في مسعى عبثي لتعريب غير مدروس أو لتكيف قسري مع مشكلات الاختراق الفرانكفوني ،
فقد عرف قطاع التعليم نوعا من الحراك بعث قدرا من الأمل في المرحلة التي سبقت وصول محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة. ففي تلك الفترة تم تنظيم العديد من الملتقيات و المنتديات التي عالجت وضعية التعليم ومشاكله ورسمت بعض الخطط لحل تلك المشاكل واعتمدت تلك الخطط على تخصيص تعويضات و تشجيعات للمعلمين والمفتشين والأساتذة لتحفيزهم على القيام بمهامهم، مما خلق ديناميكية حقيقية في هذا القطاع الذي عاد إليه الكثير ممن كانوا قد هجروه.
لكن انقلاب محمد ولد عبد العزيز في أغسطس2008 قوض ما كان قد تحقق من إنجازات وحطم الآمال المعقودة عليها، فقد أصاب التعليم ما أصاب قطاعات الدولة الأخرى من نضوب للمصادر المالية وإحباط للكادر البشري. حيث فقد معظم تلك التعويضات والتشجيعات ولم يعد القليل منه يوجد إلا بعد فترات طويلة، كما توقفت المنتديات والملتقيات التي كانت توفر قدرا من التكوين ووسيلة لتشحذ الهمم .
وقد كان أخطر ما شهدته الوزارة في السنتين الأولى والثانية بعد الانقلاب هو ذلك التلاعب الفاضح بتحويلات المعلمين وتفريغ الكثير منهم، والذي تم في ظروف مشبوهة وأدى إلى تجميع المئات منهم في العاصمة بدون عمل وإبقاء مدارسهم في الداخل شاغرة ولا سيما في المناطق النائية وتحديدا مناطق آدوابه التي تكاد مدارسها تكون خالية من المعلمين.
لقد تراجعت منذ وصول ولد عبد العزيز إلى السلطة وتيرة بناء المدارس و تجهيزها واختفى التأطير التربوي لصالح الأساتذة بعد أن أصبحت المفتشية العامة للتعليم الثانوي عاجزة بشكل مطلق عن مواصلة بعثات التفتيش والإرشاد التربوي التي كانت تقوم بها بصفة دورية على امتداد التراب الوطني وعلى مدى العقدين الماضيين، وذلك بسبب شح الموارد وانشغال القائمين على القطاع في أمور أخرى تتعلق تارة بدمج الوزارة وتفكيكها وما يترتب على ذلك من تنازع على الصلاحيات بين الوزراء وكتاب الدولة، وتارة بتسييس الساحات الطلابية و الالتفاف على المطالب المشروعة للطلبة، وطورا آخر بتحضير "المنتديات العامة للتعليم" التي يبدو أن نظام ولد عبد العزيز غير جاد في العمل على عقدها، إذ تم تأجيلها عدة مرات ولم تراع في اختيار بعض أعضاء اللجنة المكلفة بإعدادها معايير الخبرة والكفاءة و التمثيل في نظر أطراف العملية التربوية بمن فيهم العاملين في القطاع.
والحال أن المواطنين فقدوا الثقة في المدرسة الموريتانية التي أضحت مثالا للفشل في نظرهم بعد أن وصل التسرب المدرسي في المرحلة الأساسية إلى 35% وبلغت نسبة الفشل في مسابقة دخول المرحلة الإعدادية 50% ووصلت نسبة الفشل في شهادة الباكالوريا 80% وانتشر الإحباط بين المعلمين والأساتذة وساد التسيب. وهو ما يفسر عزوف الأسر الموريتانية الميسورة نسبيا عن تربية أبنائها في التعليم العام من جهة، وحجم الإقبال الكبير على المدارس الخاصة رغم افتقار معظمها إلى المقومات اللوجستية والتربوية الأساسية، من جهة ثانية.
ولا يبدو التعليم العالي أحسن حالا، حيث تعتمد مؤسساته الخمس بنسب كبيرة في تدريس معظم المواد على متعاونين غير رسميين بسبب نقص الموارد المالية اللازمة لاكتتاب الأساتذة، كما تعاني نقصا كبيرا في التجهيزات المخبرية و المراجع العلمية، وتشهد تراجعا ملحوظا في الخدمات الجامعية، فضلا عن إهمال تام للبحث العلمي الذي يعتبر من أهم ركائز التنمية. وتزداد هذه الوضعية سوء بسبب اعتماد نظام LMD في الجامعة في غياب تام لأبسط شروطه التربوية، خصوصا تلك المتعلقة بالتحكم في أعداد الطلاب والمؤطرين.
2. التكوين المهني...توقف في النمو وتراجع في الأداء

شهد التكوين المهني الناشئ في البلد خلال السنوات التي سبقت نظام ولد عبد العزيز ديناميكية قوية تجسدت في نمو مطرد لعدد مؤسساته وتنوع ملحوظ في شعبه وجهود حثيثة لتقريبه من سوق العمل، حيث وصل عدد مؤسساته سنة 2008 إلى 21 ما بين مركز تكوين وثانوية مهنية بطاقة استيعابية قدرها 4250 تلميذا.
ولكن العناية بهذا القطاع عرفت تراجعا ملحوظا منذ استيلاء ولد عبد العزيز على السلطة، إذ توقف نموه، لتبقى منظومة التكوين على ما كانت عليه سواء من حيث عدد المؤسسات و طاقتها الاستيعابية أو من حيث تنوع التخصصات في ظل تناقص مستمر للموارد المالية المخصصة لمؤسسات التكوين التي تشكو تآكل العديد من أبنيتها وتهالك تجهيزاتها الفنية والتربوية فضلا عن انعدام الحوافز لدى المكونين فيها، كما عرفت الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى هذا القطاع تراجعا كبيرا.
وقد انعكست هذه العوامل على نوعية التكوين وعدم قدرة خريجيه على الاندماج في سوق العمل(أقل من 50%) و من ثم عجزه عن المساهمة في امتصاص البطالة المستشرية بسبب الانكماش الاقتصادي وعدم مواءمة التكوين مع احتياجات السوق.
والواقع أن الحاجة إلى اكتساب المهارات والمعارف المهنية تتزايد بالنظر إلى ارتفاع نسبة الفشل في تجاوز المرحلة الأساسية (50%) ومعدلات الفشل في الباكالوريا ( 80%)، وما ينجم عن ذلك من تعريض آلاف الشباب الذين يقذفهم النظام التربوي كل عام في الشارع دون أن يحصلوا على المؤهلات الضرورية لولوج سوق المعمل في ظل منافسة قوية من العمالة الأجنبية.
3. البطالة...أرقام معبرة ونتائج مرعبة

تقر دراسة صادرة عن قطاع التكوين المهني سنة 2008 بأن عدد الأشخاص النشيطين في موريتانيا وصل إلى :1056000 شخصا و أن هذا العدد يتزايد سنويا بمعدل 2%، بينما لا يتجاوز عدد العاملين في نفس السنة وحسب نفس المصدر 730000 شخصا يشتغل 55% منهم في أنشطة حرة و 20% فقط من أصحاب الأجور.

ويستقبل سوق العمل كل سنة 50000 طالب عمل جديد بينهم 3000 من حملة شهادات التكوين المهني والتعليم العالي ، بينما لا يوفر هذ السوق من فرص العمل سنويا سوى ما بين 25000 و 30000 فقط، و هو ما يعني أن ما ببين 20 و 25 ألف شخص يلتحقون سنويا بطوابير العاطلين عن العمل، و يتزايد هذا العدد سنويا بصفة مستمرة.
وتوضح الدراسات أن: 35% من السكان النشيطين في المدن عاطلون عن العمل. و أن البطالة تنتشر أكثر في صفوف النساء والشباب، إذ أن 69 % من النساء عاطلات عن العمل و 51 % من الشباب ما بين 15 و 24 سنة هم أيضا عاطلون عن العمل.

وبالرغم من عدم تحديث هذه الأرقام من طرف الجهات المعنية، فإن جميع المختصين يجمعون على تزايد معدلات البطالة في بلادنا بسبب عجز الاقتصاد الموريتاني في ظل الحكم الحالي عن خلق فرص عمل تلبي الاحتياجات الوطنية، فضلا عن الإختلالات الملاحظة في العلاقة بين التكوين المهني وسوق العمل ، حيث تطغى نسبة طالبي العمل غير المؤهلين على الطلب الوطني للعمل، سواء تعلق الأمر بمخزون العاطلين عن العمل أو بطلب العمالة السنوية المتجددة.
كما أن عرض التكوين موجه بشكل كبير إلى قطاعات ذات احتياجات ضعيفة من العمالة ( الصناعة، الحرف الإدارية... ) على حساب قطاعات ذات احتياجات كبيرة من العمالة ( الزراعة و الفندقة...)
كل ذلك ينضاف إلى ما تعانيه العمالة الوطنية من المنافسة الشديدة من طرف الأجانب في بعض القطاعات( البناء والأشغال العامة والمعادن ولاالصيد...)

ولعل أخطر ما في الأمر هو تزايد أعداد العاطلين عن العمل من الشباب كما تدل على ذلك جميع البيانات الإحصائية المتوفرة، وهو ما يفسر نسبيا ظاهرة تزايد انخراط الشباب الموريتاني في أوساط تنظيمات الصحراء الإرهابية بسبب شعورهم المميت بالعجز عن تحقيق أحلامهم في حياة كريمة من خلال موطن شغل آمن ومجد.
4. الصحة...واقع يفند دعاية النظام
يكثر الحديث في ظل النظام الحالي عما يعتبره انجازات غير مسبوقة في القطاع الصحي، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤلات التالية؛ هل أدت هذه الانجازات إلى ارتفاع مؤشر الثقة في الخدمات الصحية الوطنية ؟ وهل تراجع عدد المسافرين إلى دول الجوار ( السينغال ، تونس ، المغرب ) لغرض العلاج أم أن العدد في تزايد، وهل تحسنت الرقابة على الأدوية المزورة، وماذا عن وضع المستشفيات و المستوصفات العامة والنقاط الصحية على امتداد التراب الوطني؟
لقد قال أحد نواب المولاة أنفسهم إن وعد "السيد الرئيس ب 19 سيارة إسعاف" لمستشفى كيهدي منذ ما يربو على العام لم يتحقق وإن المطلوب الآن هو مجرد إصلاح سيارة الإسعاف اليتيمة الجاثمة هناك منذ فترة طويلة دون تصليح.
إن هذا المثال الدامغ يدل على أن الإنجازات المزعومة تنحصر في تحوير بعض المباني عن الغرض المخصصة له أو في اقتناء بعض المعدات والأجهزة الطبية في ظروف مشبوهة ودون أن تؤدي الغرض الذي اقتنيت من أجله ، إذ لم يعمل جهاز "اسكانير" الذي دشن في ولاية لعصابة إلا للحظات لأغراض الدعاية فقط ، حيث يجثو الآن هناك بسبب نقص الطاقة الكهربائية القادرة على تشغيله، وغياب الكادر المشغل .
ومن أخطر ما يعانيه هذا القطاع اليوم هو فقد الثقة في النظام الصحي حيث أن أكبر باعث على القلق وانعدام الاطمئنان هو أن يرى المريض نفسه أمام إحدى غرف العمليات في أحد مستشفيات البلاد حيث تخامره شكوك قوية في إمكانية شفائه ومخاوف شديدة من أن تكون العملية سببا في تلبسه بمرض جديد.
وليست هذه الشكوك والمخاوف ناجمة عن عجز أطبائنا الذين من بينهم من هم أكفاء متميزون أثبتوا جدارتهم في مجالات تخصصاتهم بقدر ما هي تصورات خيمت على أذهان مواطنينا بفعل فترة من سوء التسيير وانعدام الوسائل عرفها قطاع الصحة وكان على السلطات المعنية أن تواجهها بطريقة تجمع بين توفير الأدوات الضرورية وتكوين الكفاءات القادرة على تشغيلها وتوعية المواطنين حول ضرورة الاعتماد على إمكانيات بلادهم الذاتية وعدم اللجوء إلى ما عند الدول الأخرى.
كما أن الجمع بين العمل في المستشفيات العمومية وتلك الخاصة عقبة أخرى أمام استشفاء ذوي الإمكانيات الضئيلة حيث يضطرون للبحث عن الأطباء في المستشفيات الخاصة وبأسعار غالية وغالبا ما تكون الظروف مرهقة للمرضى والأطباء معا.
أما الإنجازات التي يتحدث عنها النظام في مجال الصحة فيتجلى زيفها من خلال انعدام التغطية الصحية وخاصة ما يتعلق بالصحة القاعدية، فالمستشفيات و المستوصفات عاجزة عن لعب دورها في معظم المناطق بما فيها معظم الولايات ويبلغ هذا العجز حدا كارثيا في المقاطعات الريفية حيث تخلو المستوصفات و النقاط الصحية من الممرضين والأدوية وسيارات الإسعاف ويضطر المواطنون لحمل مرضاهم على ظهور الماشية مسافات طويلة وكثيرا ما ينتهي بهم المطاف لدى الأطباء التقليديين و "الحجابه".
لقد بلغت "ديماغوجية" عزيز في خطابه الأخير بمناسبة عيد الاستقلال الو طني حد الفخر ببناء مستشفى للأطفال ومركزا للأمراض السرطانية، في حين يعلم الجميع أن بناية هذا المستشفى كانت قائمة ومعدة لسكن الوزير الأول وقد اختفى أثاثها و نهبت تجهيزاتها الحديثة، أما بناية المركز المذكور فقد تم ترميمها منذ سنوات قبل وصول ولد عبد العزيز إلى السلطة ولم ينجز هذا الأخير سوى أنه اقتنى لهذا المركز على حساب خزينة الدولة تجهيزات بمبلغ تجاوز سبع ملايين أورو في إحدى صفقات الفساد التي لم تتمكن مصالح الرقابة من العثور على الوثائق المتعلقة بها!؟
وبالرغم من كل هذا الحديث عن انجازات وهمية في مجال الصحة، فإن ما نستطيع استخلاصه هو حالة عامة من التردي على مستوى هذا القطاع أدت إلى عودة بعض الأمراض التي تمكن البلد في ظروف أخرى من قهرها ، وخاصة في شرائح عمرية مبكرة بسبب غياب العلاجات القاعدية و تراجع برامج التلقيح .
III. الأوضاع المعيشية...أسعار ترتفع، مجاعة تنتشر، ومواشي مهددة بالانقراض
قد لا تكتمل قتامة الصورة الاجتماعية دون الإشارة إلى الوضع المعيشي العام لمعظم السكان، فرغم انه تم التهليل كثيرا لما سمى في السابق عملية التضامن وأصبح يسمى "خطة الأمل" - عبر الدكاكين الرسمية ذات البعد الدعائي الواضح - في تحسين الظروف الصعبة للسكان ، فإنها لم تتمكن من التأثير على المستوى العام لأسعار المواد الغذائية لمعظم المستهلكين.
فمؤشر أسعار المواد الغذائية زاد بنسبة 20% في الفترة مابين يناير 2009 و دجمبر 2010، أما أسعار الملابس فزادت بنسبة 19% في نفس الفترة. ومن المؤكد أن هذا المؤشر ارتفع بشكل كبير خلال سنة 2011، إذ يمكن أن نلاحظ الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات بوتيرة غير مسبوقة. ويتوقع أن ترتفع هذه الأسعار المجحفة أصلا مع تعهد الحكومة في الأسابيع الأخيرة لهيئات التمويل الأجنبية بالعمل في هذا المنحى!.
ويوضح الجدول التالي تطور أسعار بعض المواد الاستهلاكية في فترة 2010/2011 ( بالأوقية):
نسبة التغطية للأسر أسعار دكاكين التضامن 2011 2010 المنتج
إلى20 %25 200 280/300 180 كيلو السكر
إلى20 %25 200 250 200 كيلو الأرز
إلى20 %25 280 550/600 450 لتر الزيت
400 360 كيلو مكرونه
1500 1200 كيلو سليا
250 180 كيلو بشنه
250 200 كيلو تغليت
7000 4800 زكيبة 50 كيلو ركل الكشرة
6000 5000 زكيبة 50 كيلو ركل الصفية
331,9ديسمبر 276,8 (نوفمبر) لتر كزوال

كما يمكن ملاحظته من الجدول أعلاه:
ـ ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل ملحوظ من سنة لأخرى
ـ لا يغطى برنامج "دكاكين التضامن" سوى ما بين 20 إلى 25 % من الأسر أي أن 75 إلى 80 % من الأسر الموريتانية لم يستفيدوا من عشرات ملايير الأوقية المرصودة لهذه العملية، وتركوا ضحية للارتفاع الجنوني للأسعار.
إن خطورة زيادة أسعار هذه المواد تكمن في أن الأمر يتعلق بمجتمع يشهد تفاوتا كبيرا في توزيع الدخل بين الأفراد والفئات، حيث 80% من السكان لا يملكون سوى 20% من الدخل، و10% من الناس الذين لا يحصلون على 1% من الدخل الوطني، مما يهدد قدرات الكثيرين في تأمين المستلزمات الحياتية الضرورية .
كل هذا في سياق اجتماعي يتسم بجمود أجور الأقلية العاملة، وانتشار الفقر والبؤس في صفوف الأكثرية الساحقة من السكان، الأمر الذي يتطلب خطة استعجاليه محكمة على قدر الكارثة التي حلت بالبلد، يتم تنفيذها في الوقت المطلوب على غرار تجارب مماثلة في هذا المجال (خطة المختار ولد داداه سنة 1970، خطة معاوية 2002، خطة سيدي ولد الشيخ عبد الله 2008)
ومقارنة مع الخطط المذكورة التي عرفتها البلاد في ظروف مماثلة، فإن ما يقوم به نظام ولد عبد العزيز لا يرقى إلى مستوى خطة جادة بل هو مجرد ترقيع لنظام الحوانيت التي أثبتت فشلها وأرهقت المواطنين بالاصطفاف أمامها، لما ينطوي عليه من نواقص جوهرية من بينها:
ـ أنه عمل متأخر
ـ أنه غير مكتمل التمويل، حيث 50% من الغلاف المالي(22 مليار أوقية) منتظرة من الخارج مع أن الشركاء الخارجيين لم يتم الاتصال بهم في الوقت المناسب. أي بعد ما أوقفوا ميزانياتهم السنوية.
ـ أن جزء كبيرا من التمويل (10 مليار أوقية أي قرابة 50% من التمويل الوطني) مخصصة للنقل!
ـ أن أسعار المواد الغذائية وأعلاف الحيوان المبرمجة لم يتم تحديدها.
ـ أن كمية أعلاف الحيوان المبرمجة لا تغطى سوى حاجيات 30% من البقر و 10% من الإبل والغنم فقط.
وكحصيلة مأساوية لهذه الوضعية العامة التي تتسم بجفاف قوي وضعف في العمل لاستعجالي الحكومي، وصعوبات تنقل الحيوان إلى مراعي الدول المجاورة، فإن أسعار المواشي انهارت بشكل ملحوظ مما سبب افتقارا عاما لشريحة المنمين وانتشار المجاعة في ولايات بأكملها.
والواقع أن تخلي الدولة عن وظائفها الاجتماعية المعهودة، المتمثلة في رعاية التعليم والصحة وتوفير فرص العمل وحماية المواطن من تقلبات الأسعار وآثار الكوارث الطبيعية، ينذر بانهيارها في ظل سلطة محمد ولد عبد العزيز . فرئيس الفقراء أفقر الأغنياء وخدع الفقراء.




ثالثا: فساد مستشر ونهب منظم لثروات البلاد
خلافا لما يطبل له النظام عبر وسائل الإعلام العمومية في دعايته وفي خطابه الرسمي من أن حكومة ولد عبد العزيز تقوم بسياسة تقويم و محاربة للفساد، فإن إلقاء نظرة سريعة علي حالة أهم قطاعات الاقتصاد الوطني تظهر بجلاء أن ما يحدث هو العكس تماما.
ولتوضيح ذلك فإننا سنحاول تباعا تسليط الضوء على ما يجري في قطاعات:
- المعادن والنفط
- الصيد البحري
- الزراعة والتنمية الحيوانية
- ميزانية الدولة
- الصفقات العمومية
- الأراضي والعقارات المملوكة للدولة
- البنية التحية
- المحروقات المكررة
I. المعادن و النفط
1. الذهب في تازيازت
في البداية كان مشروع تازيازت مؤسسا علي افتراض أن الاحتياط الكامن يقدر ب 10 ملايين أونصة والقدرة الإنتاجية السنوية تبلغ 200.000 أونصة وبسعر 400 دولار للأونصة. ولكن مع الاكتشافات الجديدة والظروف المشجعة للأسواق الدولية، تغيرت هذه المعطيات بشكل جذري، حيث قفز الاحتياط الكامن إلي 21 مليون أونصة والقدرة الإنتاجية السنوية إلي 1.500.000 أونصة والسعر إلي 1.600/1.800 دولارا للأونصة، الأمر الذي جعل الاستثمارات تقفز أيضا إلى حوالي 1.5 مليار دولار مما سيجعل من منجم الذهب في تازيازت أحد أكبر مناجم الذهب في العالم.
وكان من المفروض أن يدفع هذا الوضع الجديد الحكومة الموريتانية لإعادة التفاوض بشكل جدي لبنود الاتفاق الأول الذي يمنح موريتانيا في الأصل 3% فقط من مداخيل الإنتاج. إلا أن الحكومة اكتفت بزيادة 1% ليصبح نصيب موريتانيا بعد كل تلك المتغيرات 4% فقط ، مع أن دولا افريقية أخري مثل غينيا كناكري حققت نتائج أحسن بكثير. تري ما تفسير ذالك؟
2. النحاس في إنشيري
إن إنتاج شركة أم سي أم قفز من 120.000 طن بتركيز 25% في بداية العقد الماضي إلى 200.000 طن بنفس التركيز سنة 2010 بزيادة في الإنتاج بلغت 67%. في الوقت الذي تضاعف فيه سعر رطل النحاس خمس مرات تقريبا حيث ارتفع من 0.75 دولارا إلى 3.55 دولارا. وجدير بالملاحظة هنا أن معطيات المشروع تغيرت هي الأخرى بشكل جذري، وبالتالي كان على الحكومة أن تراجع الاتفاق السابق على ضوء هذه الوضعية الجديدة، ولكنها لم تفعل. تري ما تفسير ذالك أيضا؟
3.فوسفات بوفال
إن الاحتياط المقدر لهذا المنجم يبلغ 150 مليون طن وأهمية هذا المعدن بارزة لأنه يشكل أساس الأسمدة الزراعية في عالم تزداد فيه الحاجة الغذائية باطراد بزيادة السكان وتناقص الأراضي الصالحة للزراعة بفعل استغلال نسبة منها في إنتاج الوقود الحيوي.
وللتذكير فإن ولد عبد العزيز سحب رخصة استغلال هذا المنجم من مجموعة تجارية وطنية خاصة ومنحها لشركة SNIM ليسحبها منها هي الأخرى، كي يسلمها في ظروف غامضة لمجموعة هندية دون أي إعلان مناقصة وبدون دفتر التزامات. تري ما تفسير ذالك أيضا؟
4. الكوارتز
هو معدن مهم يستعمل في صناعة الزجاج والاليكترونيات وقد منحت رخصة استغلاله بطريقة ملتوية وغامضة لخصوصي أجنبي دون أي إعلان مناقصة و بدون دفتر التزامات. تري ما تفسير ذالك أيضا؟
5. النفط
يكتنف الغموض التام استكشاف و استغلال هذه الثروة. و الغريب في الأمر هو هذا القانون المصادق عليه أخيرا في الجمعية الوطنية، بتصويت 20 نائبا من أصل 95، والذي يقضي بإخراج عقود تقاسم الثروة النفطية من الإطار التشريعي لتنفرد الحكومة بالتصرف فيها. تري ما تفسير ذالك أيضا؟
II. الصيد البحري
في هذا الميدان تعتبر اتفاقية الصيد التي عقدها ولد عبد العزيز مع الشركة الصينية المسماة بولي هوندون فيشري مثالا مفيدا لفهم أبعاد فساد هذا النظام، ويتضح ذالك بمجرد الاطلاع علي النقاط الأساسية لهذه الاتفاقية:
1. يدعي النظام أن الاتفاقية مقصورة على استغلال الصيد السطحي فقط، ومع ذلك تضم لائحة الأسطول الصيني المنصوص عليه في الاتفاقية قوارب و زوارق مخصصة لصيد الأعماق. وهو ما يزيد الضغط علي ثروة سمكية منهكة أصلا بفعل الاستغلال الزائد.
2. تعتزم الاتفاقية إنشاء مصنع لإنتاج زيوت ودقيق السمك مع أن سبعة تراخيص منحت لشركات محلية في هذا الصنف من الصناعات وهي صناعات لا تتمتع بقيمة مضافة كبيرة في العادة.
3. تتحدث الاتفاقية عن مصانع لمعالجة الأسماك ولكنها لا تحدد طبيعة هذه المعالجة، وبالنظر إلي عدد فرص العمل المتوقع توفيرها (2.463 )، منها 800 في اليابسة و 1.663 في البحر، يتبين لنا بوضوح أن المشروع موجه للتصدير وأن تموين المصانع في اليابسة الذي يعود بالنفع على الموريتانيين، ليس أولوية في الاتفاقية، وبالتالي تكون القيمة المضافة المعلن عنها علي المستوي الوطني مجرد كذب وخداع.
4. مخازن التبريد المزمع إنشاؤها ليست ضرورية لأن مخازن التبريد الموجودة حاليا لا تعمل إلا ب 30% من قدرتها.
5. إن ورشة تركيب زوارق الصيد المنصوص عليها في الاتفاقية غير ضرورية هي الأخرى لأن الوزارة حددت عدد الزوارق ب 6.000 زورق وهو عدد موجود في الخدمة بالكامل من جهة، ومن جهة أخري هنالك 15 شركة محلية قادرة علي إنتاج زوارق من البوليستير.
6. تنص الاتفاقية إنشاء مركز تكوين مع أن البلد يتوفر علي مدرسة وخمس مراكز تكوين للصيد، أليس حريا بنا أن نحسن من مرد ودية المنشآت الموجودة؟
7. إن الإذن الممنوح للشركة الصينية لتسويق إنتاجها خارج منظومة الشركة الوطنية لتسويق الأسماك (SMCP) يفتح بابا آخر لعدم الشفافية.
8. الامتيازات الضريبية الممنوحة للشركة هائلة وغير مبررة (الإعفاء من الضريبة الجزافية الدنيا مدة 25 سنة، تحويل الأسهم وزيادة رأس المال تتم دون رسوم أو ضرائب، التخفيض بنسبة 50% على ضريبة المعاملات والخدمات المصرفية المحلية ، الإعفاء من الضرائب العقارية...إلخ)
9. مع كل ذالك يسمح للشركة الصينية بفتح حساب بالعملة الصعبة وإيداع 70% من مداخيلها وتحويلها بكل حرية.
وانطلاقا مما تقدم، فإنه من المشروع لنا أن نتساءل لماذا زج ولد عبد العزيز بالبلد في هذه الاتفاقية ذات المردودية الضعيفة والتي ستؤدي لا محالة إلى استنزاف ونهب ثرواتنا السمكية؟ ترى ما تفسير ذالك أيضا؟
III. الزراعة و التنمية الحيوانية
1. من المعروف أن هذا القطاع أساسي، حيث يشتغل في الزراعة 67% من السكان النشطين. كما تشكل 17% من الناتج الوطني الإجمالي. في الوقت الذي تشغل فيه التنمية الحيوانية بصفة دائمة أو مؤقتة 60 % من السكان النشطين وترتفع نسبة مشاركتها في الناتج الوطني الإجمالي إلى 12% ؟.
2. وبالرغم من هذه المعطيات، فإن قطاع التنمية الريفية لم يدرج في أولويات نظام ولد عبد العزيز، ويتجلى ذلك في عدم تحقيق استثمار عمومي جدير بالذكر فيه. كما أن الاستثمار الخاص فيه لم يحظ بالتشجيع اللازم.
فمؤسسة القرض الزراعي استمر تركها في عجز متعمد ليتراجع دورها بشكل ملحوظ مع مرور الوقت. أما القرض الحيواني فقد تم الاكتفاء بالإعلان عنه على الورق.
3. إن الجفاف القوي الذي عم البلاد هذه السنة بشكل لم يسبق له مثيل يعتبر معطى جديدا من شأنه أن يزيد الطين بلة، حيث من المتوقع أن يهبط الإنتاج الزراعي والحيواني بنسبة كبيرة وبالتالي ترتفع الواردات من المواد الغذائية كما ترتفع أسعار هذه المواد أيضا وبدرجة كبيرة(كما رأينا في الجزء الأخير من الفصل السابق).
IV. ميزانية الدولة
إن الممارسات التالية والخرق المستمر لقانون مصاريف الدولة أصبحت هي المنهج السائد والمتبع في عهد ولد عبد العزيز:
1. مع أن قانون المالية يصادق عليه سنويا طبقا للدستور ،ولكن هذه المصادقة تبقي حبرا علي ورق لأن الأمر بصرف الأموال العمومية يتم في الواقع بأمر شفهي أو مكتوب لوزير المالية ليصاغ بعد ذالك كمراسيم سلف، لا تمر علي البرلمان إلا في الأسبوع الأخير من السنة للتسوية، مما يعني باختصار شديد أن مصاريف الدولة تجري خارج رقابة البرلمان طيلة السنة.
2. فتح حسابات مالية خاصة بصفة عشوائية خارج الإجراءات القانونية، التي تنص على أن هذا النوع من الحسابات مخصص لاستقبال التمويلات الأجنبية فقط.
وفي هذا الإطار أنشأ ولد عبد العزيز في سنة 2008 مباشرة بعد انقلابه، صندوقا بمبلغ 16 مليار أوقية وفي سنة 2009 أنشأ الصندوق المسمي .أف.آ .إي .د.بمبلغ 20 مليار أوقية من ضمنها 15 مليار أوقية من واردات الضرائب علي المكالمات الهاتفية و 20 أوقية علي كل لتر من البنزين السائل. هذه الصناديق هي في الحقيقة حسابات خاصة يسهل نهبها واستعمالها في الظلام وبطرق غامضة.
3. تسمح الدولة لنفسها أن تمنح ضمانات مالية دون الرجوع إلي المشرع، ومثال ذالك الضمانة المالية بمبلغي 5.683.091 يورو و14358503 دولار الممنوحين لشركة(سنات).ومبلغ 760 مليون أوقية لشركة سونيمكس، وإلى حد الآن لم تعرض هذه الضمانات على البرلمان.
4. تشكل النفقات المشتركة في الميزانية الأولية 30% من مجموع النفقات لترتفع في الميزانية المراجعة إلى 40%(73 مليار أوقية)
5. وقد بلغت استهانة ولد عبد العزيز بالقوانين مداها حينما وصل الأمر بأن المصاريف العمومية لا تسوي وضعيتها ولو شكليا في إطار قانون تصحيحي و المثال الساطع على ذالك هو المنحة السعودية التي تبلغ 50 مليون دولار و لتي لا يعرف حتى الآن مصيرها.
من هذه الأمثلة يتبين لنا بوضوح أن موريتانيا ولد عبد العزيز يتم تسييرها بلا ميزانية محددة فتصرف أموال طائلة لقطاعات لم تبوب أصلا في الميزانية وتحرم قطاعات أخري من نصيبها المقرر لها في الميزانية وكل ذالك في فوضي عارمة تنتهي في أحسن الأحوال بقانون تصحيحي تصادق عليه الأكثرية الأوتوماتيكية لولد عبد العزيز في البرلمان. تري ما تفسير ذالك أيضا؟
V. الصفقات الممنوحة بالتراضي
كما هو معلوم فإن المناقصة هي الوسيلة الأكثر شفافية في مجال منح الصفقات، أما منح الصفقات بالتراضي فهو استثناء خاص بالحالات الاستعجالية جدا أو في حالة احتكار المادة أو الخدمة المطلوبة من طرف ممون واحد.
وهذه لائحة من الصفقات الممنوحة بالتراضي مخالفة للقوانين وللقواعد المنظمة للصفقات العمومية، مما جعل شكوكا قوية بالرشوة وبالفساد تحوم حولها:
1. صفقة بناء مطار نواكشوط الدولي التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات وقد منحت في إطار سري لمجوعة مؤسسات وطنية، لا تملك أي مراجع تقنية في ميدان بناء المطارات الدولية و ستضطر هذه المجموعات لا محالة للتعاقد هي الأخرى مع أطراف أجنبية لإنجاز المشروع.
2. شراء ثلاث طائرات مستعملة من طرف شركة موريتانيا للطيران.
3. صفقة شبكة الصرف الصحي في سبع مقاطعات من نواكشوط بمبلغ 200 مليون دولار.
4. صفقة الطريق الرابط بين الغايرة و باركيول.
5. مشروع إعادة تشجير مدينة نواكشوط الذي اعترف ولد عبد العزيز نفسه أنه فشل ونهب للمال العام.
6. تجهيز وحدة العلاج الإشعاعي بالمركز الوطني لأمراض السرطان ( لم تعثر المفتشية العامة للدولة في بحثها عن المستندات ـ لدى إدارة المركز أو الوزارة الوصية ـ للوثائق المتعلقة بهذه الصفقة التي تجاوز غلافها المالي سبعة ملايين 7000000 أورو)
7. صفقة تجهيز مستشفي كيفة
8. صفقة شراء تجهيزات مستشفي النعمة
9. صفقات الطرق في نواكشوط التي تمنح في البداية بالتراضي لشركة آ.ت.ت.م لتوزع بعد ذالك علي المقربين من النظام.
10. صفقات تخطيط الكزرة في نواكشوط وبعض الطرق وشبكات المياه في ولايات الداخل التي تسند رسميا بالتراضي للهندسة العسكرية لتوزع بعد ذالك بصفقات التراضي على المقربين من النظام.
تري ما تفسير ذالك أيضا؟

VI. الأراضي والممتلكات العقارية المملوكة للدولة
يمكننا أن نلاحظ بوضوح أن أراضي وممتلكات الدولة العقارية شكلت في عهد ولد عبد العزيز أداة أساسية في المنظومة الزبونية العامة، وفي هذا الإطار يمكننا أن نلاحظ:
1. توزيعا عشوائيا لأراض شاسعة تحت مسمي إقطاعات ريفية تصل مساحتها في بعض الأحيان إلي ملايين الأمتار المربعة للشخص الواحد مع أنها ليست لأغراض ريفية ولكنها فقط بهدف المضاربة العقارية والثراء السريع. وتستفز مشاعر الناظر هذه الأراضي الشاسعة المسيجة والممعلمة الموجودة على شارع المقاومة وطريق نواذيبو و منطقة الصكوك والمنطقة الشاطئية من مرفأ الصيادين إلى ميناء الصداقة، وأكثر من ذلك بلغت الوقاحة حد منح الحزام الأخضر الذي يعد محمية طبيعية بموجب القانون، لخصوصيين مقربين.
2. منح أفضل القطع الأرضية في الكزرة – تلك الموجودة بمحاذاة الشوارع الرئيسية وعند ملتقيات الطرق مثلا - للزبائن السياسيين
3. البيع بثمن بخس لأراضي و بنايات الدولة ابلوكات والموسيقى العسكرية بدون أسباب مقنعة ودائما لنفس الزبائن السياسيين.
تري ما تفسير ذالك أيضا؟
VII. البنية التحتية
سنكتفي في هذا المجال بمثال صفقة مطار نواكشوط الدولي التي تعتبر فضيحة بكل المعايير، لنر ذلك فيما يلي:
1. إن محتوى الصفقة وخاصة ثمنها محاط بالسرية المطلقة رغم أنها صفقة مدنية عادية لا تحوي أي جانب عسكري أو أمني يبرر وضعها في خانة أسرار الدفاع وبالتالي ليس هناك أي داع لعدم نشرها.
2. تم منح الصفقة بالتراضي في حين كان يجب فتح مناقصة لمنحها
3. ليس لتجمع الشركات الحاصل على الصفقة أية تجربة في مجال بناء المطارات من هذا الحجم
4. مكتب مراقبة الأشغال إما غير موجود أصلا وإما غير معروف
5. وأخيرا، وفيما يخص جدوائية المطار نفسها فلا شك أنها تطرح تساؤلا حيث إن المشروع الجديد مصمم ل 2.000.000 مسافر في الوقت الذي لا تتعدى حركة المطار الحالي 100.000 مسافر. ولأنه لا توجد مؤشرات تجعل من موريتانيا وجهة كبيرة لتدفق المسافرين في المستقبل القريب والمتوسط، فيكون من المشروع التساؤل من أين سيأتي كل هؤلاء المسافرين الإضافيين الضروريين لتشغيل المطار الجديد وكل مكوناته. وفي هذا المجال علينا أن نتذكر أنه لا يمكن التعويل على حركة الطيران والمسافرين العابرين من الخليج وأوروبا إلى أمريكا الجنوبية، لأن الرحلات في هذه الحالة كثيرا ما تكون مباشرة وبدون توقف، وحتى إذا ما حصل توقف فإن المسافرين لا يغادرون الطائرات.
VIII. المحروقات المكررة
توجد على الأقل أربع حالات فساد في هذه القطاع الحيوي جديرة بالذكر:
1. تتم مراجعة أسعار المحروقات كل أسبوعين أو ثلاثة، وفي أغلب الأحيان دون أسباب موضوعية، و هكذا قفز سعر لتر الكزوال من 276.8 أوقية في نوفمبر 2010 إلى 331.9 في ديسمبر 2011
2. تمنح رخص استيراد و توزيع المحروقات على أسس زبونية صرفة لشركات تابعة لمحمد ولد عبد العزيز، دون تجربة تقنية و دون شريك استراتيجي(مثال شركة NP)
3. رجوع قطاع النقل البحري للمحروقات بين نواذيبو و نواكشوط إلى حالة الاحتكار الذي ظل يسيطر عليه أكثر من عشرين سنة في الوقت الذي جنت البلاد أرباحا معتبرة تقاس بملايين الدولارات من تجربة المنافسة القصيرة التي عرفها هذا القطاع، والتي نتج عنها انخفاض سعر حمل طن المحروقات من 22 دولارا إلى 14.5 دولارا.
4. إن عقد تزويد بواخر الصيد بالمازوت في عرض البحر يمنح احتكارا لشركة سودانية موريتانية ميزتها الوحيدة أن إدارتها تتكون من مقربين من النظام، و هم يستقوون بهذه العلاقة لتطبيق أسعار تفوق تلك المطبقة في السوق ب70 دولارا للطن المتري.
يمكن أن نفهم مما تقدم المفارقة التي تعيشها موريتانيا اليوم، بلد غني وشعب فقير.
ولأن الفساد ينخر مفاصل المجتمع و الاقتصاد كما يتضح ذلك من تراجع موقع موريتانيا في تقرير الهيئة الدولية المختصة بالشفافية من 115 سنة 2008 إلى 143 سنة 2011، فإن الموارد الوطنية لا يستفيد منها بالأساس سوى ثلة من الأشخاص، على رأسهم محمد ولد عبد العزيز، الذي يمعن في رفض التصريح العلني بممتلكاته منتهكا بذلك نص القانون الصريح.
وكحصيلة لهذه الممارسات اللا مسؤولة ارتفعت نسبة البطالة إلى 36% وبلغت نسبة الفقر في الشعب الموريتاني 43% .
وفي هذا السياق، لا تتعدى الخطابات العنترية الرسمية حول الإنجازات والنمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم وحول سيولة الخزينة العامة والنسبة المرتفعة لموجودات البنك المركزي من العملة الصعبة، سوى محاولة مكشوفة للتغطية على عملية النهب الأكبر والاحتواء الفاضح على الثروات الوطنية من طرف محمد ولد عبد العزيز وحاشيته الضيقة وتهميش جل الفاعلين الاقتصاديين وتدمير قطاعات اقتصادية برمتها.


رابعا: مغامرات عسكرية و تخبط دبلوماسي
الإرهاب ظاهرة خطيرة تهدد استقرار الدول وكيان الشعوب وهو ما تجمع عليه الطبقة السياسية الموريتانية، التي تسعى بكافة أطيافها إلى استئصاله. و يتعلق الاختلاف في هذه النقطة بأسلوب المحاربة وليس بمبدئها. فبينما يستغل عزيز تهديد الإرهاب دوما لأغراض شخصية من قبيل المساس بالنظام الذي سبقه واسما إياه بالضعف عن مقاومة هذه الظاهرة في حين أن السياسة الأمنية كانت كلها ممركزة بيديه.
بل إن العديد من المحللين يرون في هذا السياق أن أحداثا من قبيل قتل وحدة من الجيش في "تورين" بعد أن أجبرتها القيادة على السير ليلا امتثالا لأوامر ضابط إداري مخالفة بذلك رأي القائد الجهوي، وكذا قتل الفرنسيين في وضح النهار، علي مشارف مدينة ألاك، كانت بتدبيره؛ كي يبرر بها انقلابه العسكري.
وقد استغل عزيز بعد استيلائه على الحكم خطر الإرهاب بانجرافه وراء الإستراتيجية الفرنسية، كي يبرر هذه المرة بقاءه في السلطة و يحسن من صورة انقلابه.
وتتناول هذه الورقة تحليل أخطار السياسة التي ينتهجها عزيز في هذا المجال وتقييم الحالة التي يوجد فيها البلد.
I. كيف تعامل محمد ولد عزيز مع الإرهاب؟
من أجل محاربة الإرهاب بشكله المتجلي في بلادنا يتحتم العمل، من بين أمور أخرى، علي المحاور الأربعة التالية:
• تحصين الشباب ضد هذا الخطر، وذلك باعتباره الشريحة الأكثر عرضة للانخراط في الإرهاب.
• تهيئة الرأي العام الوطني بصورة عامة لتعبئته حول مخاطر الإرهاب.
• تعزيز العلاقات مع دول الجوار و غيرها من الدول المعنية بمكافحة الإرهاب لإعداد أكبر تحالف ممكن ضد هذه الظاهرة.
• إعداد تقني يستهدف تفكيك الشبكات التي قد تشكلت من قبل.
ولنر الآن كيف تم تسيير مختلف هذه المحاور:
1. تتعلق الخطوة الأولي لأي إستراتيجية لمناهضة الإرهاب، يراد لها الاستمرار، بالنواحي السيكولوجية و السياسية، و ذلك بانتهاج سياسة إقناع تستهدف بالدرجة الأولي تحطيم المنطق الإيديولوجي الذي يستند عليه الخطاب الإرهابي المتمثل في مفهوم خاطئ للإسلام .
و في هذا المجال يضطلع العلماء ذوو المصداقية، المتمتعون باستقلالية سياسية تبعدهم عن الشبهات بدور أساسي في تنوير و توجيه الأوساط الشبابية التي يكتتب ضمنها هؤلاء الإرهابيون حتى يتبينوا أن ما يقومون به ليس جهادا في سبيل الله و لا يقرب إلي الجنة. كما يجب أن تشمل هذه السياسة جوانب أخري، أولها يتعلق بضمان التمدرس وثانيها يتعلق ببناء اقتصاد كفيل بخلق فرص عمل للشباب وثالثها يتعلق بضبط الهجرة.
غير أن جميع الجهود التي قيم بها في هذه المجالات المختلفة أخفقت بصفة جلية كما يعرف الجميع.
ولنر ذلك فيما يلي:
أ. فالزيارات التي قام بها العلماء للسجون للالتقاء بالإرهابيين من أجل إرجاعهم للصواب تحولت إلى منبر لتمجيد الإرهاب وإهانة العلماء وأعطت فرصة سانحة للمتطرفين عبر وسائل الإعلام المسخرة لهم للترويج لفكرهم و توجيه الدعوة لمن لم يلتحق بعد بصفوفهم.
ب. كما أن السياسة التعليمية المنتهجة لا تفتح أي أفق أمام الشباب، لأن من 50% من تلاميذ التعليم الأساسي يفشلون في التجاوز إلي التعليم الإعدادي، و 80% من المشاركين في امتحانات شهادة الباكالوريا يفشلون في الحصول عليها.
ج. أما نتائج النمو الاقتصادي ـ إن وجد أصلا ـ فلا تنعكس على الكثير من مكونات المجتمع، لأن نسبة البطالة تصل إلى 36%، و نسبة الفقر في حدود43%.
د. و أخيرا يمكننا أن نلاحظ أن البلاد توشك أن تغمرها أمواج هجرة يفوق حجمها طاقتنا الاستيعابية في ظل عجز واضح للسلطات عن تبني سياسة شفافة لتسيير إقامة المهاجرين على التراب الوطني. و يزداد هذا الوضع تعقيدا بسبب إصرار الأروبيين على إيقاف المهاجرين بعيدا عن حدودهم، حتى ولو كان ذلك في أرضنا وعلى حساب بلادنا.
2. وفي المجال السياسي كان علي عزيز قبل الدخول في مغامرته العسكرية أن يسعي إلي إقناع الرأي العام الوطني وتوحيده وحشده حول دوافع سياسته و مراميها.
لقد كان عليه أن يمتلك من الشجاعة والمسؤولية ما يجعله قادرا علي أن يعلن لهذا الرأي العام بمختلف اتجاهاته أنه بمحاربته للإرهاب يحمي الوطن والشعب معا، ويرفع معنويات الوحدات المرابطة على الثغور؛ كما كان عليه أن يعلم أن المعارضة وإن وقفت ضد نظامه الاستبدادي، تظل متشبثة ببلدها ومتعلقة بمصالحه، متعلقة بأمنه وباستقراره وحسن علاقته مع جيرانه. فلو عمل علي ذلك لحظي بتفهمها بل بتأييدها علي الأقل حماية للبلد وليس للنظام.
لكن محمد ولد عزيز كان يدرك تماما أن ليس بإمكانه إقناع المعارضة بمبرراته الحقيقية. فهو يعلم أننا لسنا أكثر تهديدا من دولة مالي، التي تحتل القاعدة جزء من أراضيها، ولا من الجزائر التي ينتمي إليها معظم قادة الحركة، ولا من فرنسا التي تتخذ القاعدة رعاياها رهائن لديها. كما كان يدرك أن ليس بإمكانه البوح لنا بأنه مدين لفرنسا بدعمها لانقلابه العسكري، وأنه مجبر علي الامتثال لأوامر فرنسا التي فرضته علينا، حتى ولو كان ذلك علي حساب مصلحة الوطن والجيش .
و لأنه لا يستطيع أن يكشف لنا دوافعه الحقييقية، فقد اختار الحل الأسهل المتمثل في إلصاق التهم بمن يعارضون حربه بعدم الوطنية و عدم دعم جيشنا الوطني.
3. أما المطلب الثالث الواجب القيام به بعد تجفيف منابع اكتتاب الشباب من قبل الشبكات الإرهابية و تجميع القوي السياسية حول أسلوب محاربة الإرهاب حتى لا يكون أسلوب عزيز وحده و إنما أسلوب الأمة بأكملها، فيتمثل في انتهاج دبلوماسية ديناميكية لتعبئة دول الجوار و باقي المجموعة الدولية حول أهدافنا.
و لسذاجته الممزوجة بالتهور، فقد اندفع وحيدا في الحرب و زج بجيشنا الوطني على جبهة خارج ترابنا الوطني متقمصا دور البطل الأسطوري وطامعا في الانفراد وحده بنيل الجائزة...
فهل نسي عزيز مدى الصبر الذي تحلى به الأمريكيون ـ وهم الأكثر تجهيزا و خبرة بمتطلبات الحرب ـ من أجل تشكيل تحالف دولي واسع قد يكون البعض فيه مجرد ديكور لشن حروبهم في العراق و افغانستان؟.
4. وأخيرا يأتي المطلب الرابع وهو المعالجة الفنية لمشكل الإرهاب الذي يشمل جوانب عسكرية وأمنية وقضائية؛ ولننظر بصورة موجزة ولكن متمايزة في هذه الجوانب الثلاثة.
أ ـ إن البعد العسكري كان يتحتم أن يسبقه اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها تقليص حظوظ تمدد خلايا الإرهاب وتهيئة الرأي العام الوطني وحشد التحالف الدولي، غير أن جيشنا للأسف تم الزج به في هذا الصراع بصورة ارتجالية و في ظل تدهور ملحوظ في معنويات الجنود و الضباط بسبب الظلم المتفشي في توزيع الرتب ومنح التكوين ومناصب القيادة، فضلا عن افتقاده(الجيش) لخيرة قادته الذين أبعدوا إلى الخارج، كما لو كانوا سجناء في السفارات، دون أن ننسى الشعور المتزايد بالذل و الهوان لكون قيادة الدولة والجيش في يد شخص يعرف الجميع سيرته المهنية ودرجة استقامته. فالجيش لا يعرف لماذا أرسل إلى الأراضي المالية تحت قيادة فرنسية وطبقا لمعلومات ليس هو مصدرها وبالتالي لا يستطيع التحقق منها، وفي بيئة غير مواتية لم يسبق له استجلاؤها.
ويضاف إلي هذا الجانب النفسي المعطيات اللوجيستية؛ حيث تبعد خطوط الإمداد أكثر من ألفي كيلو مترا و كل الوحدات التي تدخلت في عمليتي "حاسي سيدي" و "واكادو" كانت تفتقر لكل شيء، حتى الماء الذي تم إنزاله في "قرب" مطاطية مؤقتة.
لقد وجد الماليون أنفسهم مضطرين لنجدة جنودنا المنكوبين، رغم استيائهم من دهسنا لكرامتهم. فكيف نتصور في ظروف كهذه أن يحافظ جنودنا على معنوياتهم؟ و هذا ما يفسر حجم الخسائر التي لم يعلن عنها، و كون نسبة الهروب من الخدمة في جيشنا من أعلى النسب في دول المنطقة .
ألا يعرف عزيز أن التهيئة اللوجستية هي عصب الحرب؟
كل هذا لا يهم عزيز، لأن الهاجس الأكبر الذي يتملكه هو أن يشغل الجيش بعيدا عن البلد أو على الأقل بعيدا عن نواكشوط علما أن أمنه الشخصي مصان عن طريق كتيبة الحرس الرئاسي...
أما نحن في المعارضة، فلدينا قناعة راسخة بأن الجيش مطالب بتأمين البلد، وهو من أجل ذلك مطالب بمحاربة الإرهاب، لكنه لا يقوم بهذه المهمة إلا حين تتوفر له الظروف النفسية واللوجستية والتنظيمية والعملية. فأرواحه أغلى من أن يضحي بها لأغراض مشبوهة و في مغامرات غير محسوبة النتائج.
ب ـ وترجع مسؤولية الأمن وهو (الأداة الثانية) إلى قطاع الشرطة الوطنية الذي مافتئ عزيز يحتقره ويسلبه مهامه بدء بأمن الطرق إلي أمن المطارات، مرورا بإعداد وثائق هويات السكان وأسفارهم. فالشرطة أصبحت مهمشة ومعنوياتها منهارة. فكيف والحالة هذه أن نتوقع من هذا القطاع أن يؤدي دوره بصفة فعالة في وضع عصيب لبلد يهزه وجود الشبكات الإرهابية وافتقاد ثلث سكانه لأوراق هوية وطنية واستيطان موجات من المهاجرين فيه دون ضوابط واضحة تجبرهم علي البقاء كأجانب؟
إن هذه العوامل من ضمن أمور أخرى هي التي جعلتنا نعتقد أن عزيز يمثل خطرا علي البلد وتوازنه الداخلي.
ج ـ ولم تكن المعالجة القضائية بأحسن حظا من سابقاتها. فالجميع يتذكر أن عزيز وأتباعه اتهموا الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بالفضيحة السياسية والتخاذل حين ترك العدالة تتبع مجراها في الأمور المتعلقة بالإرهاب، فتسرح من تشاء وتخفف علي من تشاء من الشباب ذوي الخلفيات الإسلامية. و رغم ما يبديه عزيز من صرامة إزاء الإسلاميين، فقد أمر بإطلاق سراح ثلثي المعتقلين تحت ذريعة توبة مزعومة خلال زيارة العلماء للسجون، وهي "توبة" سرعانما اتضح أنها كاذبة لأن بعض من أطلق سراحهم شاركوا في عمليات إرهابية بعد ذلك. ثم إن عزيز أمر بتسليم عمر الصحراوي إلي مالي بادعاء أنه من رعاياها لتسهيل صفقة تبادله بالرهائن الإسبان. في حين أن هذا الشخص هو في الحقيقة شاب موريتاني ينتمي إلى إحدى المجموعات القاطنة في مقاطعة تمبدغة بالحوض الشرقي. كما قام عزيز بالعفو عن بعض " السلفيين " ونقل آخرين إلي مكان مجهول في مخالفة صارخة للقانون بينما فر فريق ثالث من السجن. و الحقيقة أن سياسة عزيز في هذا المجال كما في مجالات أخري عديدة تعبر عن التناقض و الاضطراب .
II. هل نحن اليوم أقرب أم أبعد من هزيمة الإرهاب في الساحل؟
أقسم عزيز إبان أخذه للسلطة على أن يستأصل الإرهاب في فترة وجيزة؛ لذا عمل الفرنسيون ما في وسعهم من أجل تقبل العالم لانقلابه. وكانت شبكة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقتها لا تتجاوز كهوف وممرات سفوح سلسلة جبال "هير" الواقعة في أقصي الشمال الغربي لمالي، وخلايا قليلة نائمة، ووسطاء يستأجرون من حين لآخر لاختطاف السياح . ولقد برر عزيز حملته في مالي بنيته إبعاد ساحة الحرب على الإرهاب عن موريتانيا بسبعمائة كيلومتر. فأين نحن من كل ذلك اليوم؟
فعلى المستوى السياسي أصبحنا مستهدفين بوصفنا عدوا مباشرا، لأننا في نظر الجماعة الإرهابية نمثل الصليبيين الذين مددنا لهم يد العون. وعلى الصعيد الداخلي، فإن سكان الولايات الشرقية يعتبرون أنهم وضعوا في حالة حرب دون أن توفر لهم الحماية ضد انتقامات الإرهابيين. وهي وضعية أجبرت بعض القبائل علي إبرام اتفاقيات مع الشبكات الإرهابية لتحمي مصالحها في غياب دولة حامية وذات مصداقية.
وعلي الصعيد العسكري، أضحت مدننا الداخلية في غرب البلاد وشرقها وجنوبها (نواكشوط، لكصيبة، باسكنو، النعمة، عدل بكرو...) مسرحا للمواجهة مع القاعدة. وفجع شعبنا بموت العشرات من خيرة شبابه بين جنود وضباط وضباط صف أثناء المعارك من جهة، ومدنيين تمت تصفيتهم بدم بارد على يد القاعدة بتهمة الاستخبار لصالح النظام الموريتاني من جهة ثانية؛ فضلا عن ضحايا عديدين ماتوا خطأ بنيران الجيش والأمن الوطنيين. وتتزايد المخاوف الآن من أن تتحول حامياتنا العسكرية إلى مصائد لعمليات الاختطاف بعد أن نجحت القاعدة في خطف الدركي اعل ولد المخطار من مقر عمله نهارا في مدينة عدل بكرو في سابقة من نوعها!.
فالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تتحرك اليوم بعشرات السيارات علي حدودنا الشرقية والجنوبية الشرقية، ويبدو أنها تسلحت بما فيه الكفاية بعد الأزمة الليبية ، وكل المحاربين العاطلين عن العمل بعد هدوء بؤر التوتر في ليبيا والنيجر ومالي يشكلون جيشا احتياطيا لها، نظرا للبطالة المتفشية في تلك البلدان ولغياب سياسات خاصة تستهدف إدماج هذه المجموعات التي لا تعرف غير السلاح.
وفي المقابل فإن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بأموالها التي تجنيها من الفدية قد توفر لهم مداخيل قريبة منهم. وعلي مستوي المصادر البشرية، فإن الإرهاب كان يقتصر علي مجموعات " البيظان" و"الطوارق"؛ أما الآن، فقد اتسع مجال اكتتابه إلى حدود نيجريا بالإضافة إلي أمواج المهاجرين . ويعني هذا أن الإرهاب بات أقرب منا اليوم مما كان عليه بالأمس وهو ما يؤكد فشل سياسة عزيز المناوئة للإرهاب.
إننا نعيش مساوئ فشل تلك السياسة بتوقف السياحة التي تعتمد على عائداتها ولايات بأكملها وحظر غالبية ترابنا علي الخبراء الأجانب الذين ينسقون المشاريع التنموية.
III. تخبط دبلوماسي... و تصرف يستعدي الجوار ؟
لم تكن دبلوماسية عزيز أكثر توفيقا من حربه على الإرهاب. فالإنجاز الأساسي الذي حققه عزيز هو سوء تفاهمه مع جيرانه وخاصة حول سياسته المتعلقة بمحاربة الإرهاب أو بتحرير الرهائن. وحتى الوساطات التي أنجزت بخبرة موريتانية، تمت عن طريق دول أخرى في المنطقة ولصالحها.
ولقد أدى تأييد عزيز لاكباكبو والقذافي إلى الإضرار برعايانا في ساحل العاج وليبيا لأنهم أجبروا علي العودة إلي البلاد في ظروف تسودها البطالة وتتسم بالتأزم الاقتصادي . كما كانت علاقات عزيز بإيران سببا في طرد جالياتنا في الخليج و بالذات أهمها عددا وأكثرها مردودا على الوطن، تلك التي توجد في الإمارات العربية المتحدة .
فدبلوماسية عزيز تهدد أمننا الوطني وعلاقاتنا بأشقائنا وجوارنا، كما تهدد اقتصادنا بتعليق الأنشطة السياحية و تناقص التمويلات وبالخصوص التمويلات الخليجية. ولعل أكبر دليل على فشل هذه الدبلوماسية هو رفض كل الترشيحات التي تقدم بها نظام عزيز لمناصب في الهيئات الدولية.

خلاصــــــة عامــــــة:
يتضح بجلاء مما سبق أن سياسات محمد ولد عبد العزيز التي يطبعها الارتجال و تتسم بالمزاجية وروح المغامرة تسببت في تأزيم أوضاع البلاد، بخلق أزمة مؤسسية جديدة، وإضعاف الوحدة الوطنية، وانتهاك الحريات العامة، واحتكار الإعلام العمومي ، وتقويض جهاز الإدارة، وإقصاء الفاعلين السياسيين والاقتصاديين؛ و تدني الظروف المعيشية للشعب وانهيار النظام التربوي وضعف الرعاية الصحية و انتشار البطالة في صفوف الشباب؛ ونهب ثروات البلاد في باطن الأرض وفوق سطحها وفي جوف البحر؛ والزج بالجيش وقوى الأمن الوطنية في أتون حرب بالوكالة؛ والإساءة إلى الجيران؛ ؛ فضلا عن إفراغ البرلمان من دوره؛ واستغلال القضاء في تصفية الحسابات السياسية؛ وانتزاع صلاحيات الحكومة؛ لتختزل جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد شخص واحد.
لقد أخفق محمد ولد عبد العزيز في كل شيء إلا في نهب ثروات البلاد والتفريط في مصالح العباد، فأصبح بقاؤه على رأس الدولة خطرا على وحدة موريتانيا وأمنها و سير مؤسساتها، بل على وجودها.

ملحق: يتعلق بعدم دستورية تأجيل الانتخابات
تأجيل الانتخابات التشريعية خرق للدستور:
في محاولة لتغطية عجزه السياسي والفني واللوجستي عن تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية في آجالها، قرر ولد عبد العزيز تأجيل هذه الانتخابات بصفة مخالفة لنص الدستور والقوانين ذات الصلة. وتتناول الفقرات التالية مضمون استشارة أعدتها مجموعة من أخصائيي القانون الدستوري في البلاد حول عدم شرعية هذا التأجيل و ما يترتب عليه من تبعات قانونية وسياسية، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
• ما هي الآجال القانونية التي كان يفترض أن تجري فيها الانتخابات؟
• هل يجيز القانون هذه الانتخابات؟
• ما هي النتائج القانونية والسياسية المترتبة على تأجيل غير شرعي للانتخابات؟
I. متى يتم تنظيم الانتخابات؟
تحدد النصوص الأساسية التي تقر فترة مأمورية كل مؤسسة تاريخ انتخاب أعضائها وكذلك النص التطبيقي الذي يجسده باستدعاء الناخبين في التاريخ المحدد أو في أقرب أجل منه تحت طائلة انقضاء تلك المأمورية ومن ثم فقدان المؤسسة لسلطاتها الشرعية.
وإذا اكتفينا، كمثال على ذلك، بانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية نلاحظ أن الدستور بفرضه مأمورية أولئك الأعضاء يحدد تلقائيا الجدول الانتخابي لهذه الغرفة. وهو ما تنص عليه المادة 47 بصفة صريحة:
" ينتخب النواب في الجمعية الوطنية لمدة 5 سنوات بالاقتراع المباشر".
ومن أجل تحديد دقيق للجدول الانتخابي المتأتي من تلك المأمورية ينص قانون تنظيمي (الأمر القانوني رقم 019-028 بتاريخ 7 أكتوبر 1991) بكل وضوح على أن " سلطات الجمعية الوطنية تنتهي عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة بعد انتخابها"، والسبب في ذلك يكمن في أنه لا بد أن تكون انتخابات تجديد الغرفة قد أجريت خلال ستين يوما قبل أن يباشر المنتخبون الجدد مهامهم فور افتتاح الدورة البرلمانية. وهو ما نصت عليه المادة الثانية من هذا القانون إلا في حالة حل البرلمان.
ويعني انتهاء مأمورية النواب في شهر نوفمبر من السنة الانتخابية أنه بدون انتخاب نواب جدد عند حلول الأجل، فإن الجمعية الوطنية تفقد جميع صلاحياتها الدستورية.
وعند ئذ فإنها تجتمع إلا أنها لا تتمتع بأي سلطة وتصبح مؤسسة ميتة. وهذا بالتحديد ما أعلنه نائب رئيس الجمعية الوطنية بنوع من الصراحة المشبوهة لدى افتتاحه لدورة شهر مايو الأخير عندما قال بالحرف: "إن الدورة البرلمانية التي نبدأها اليوم يفترض أنها الأخيرة قبل الانتخابات التشريعية المقبلة ".
وبالتالي فإن أي دورة أخرى تعد من حيث المبدأ غير طبيعية أي أنها انقلاب على الدستور. وذلك أيضا ما أقر به رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز نفسه عندما ركز أمام الصحافة الأجنبية على استحالة تأخير إجراء الانتخابات عن أجلها المحدد إذا أردنا تجنب خلق "فراغ قانوني". ومن ثم باتت المصالح المختصة والرأي العام على يقين من أن الانتخابات التشريعية ستجرى ما بين 15 سبتمبر و 13 نوفمبر حتى يحترم الأجل القانوني لفترة التجديد الدستوري للجمعية الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ اعتماد دستور 1991 وبالرغم من التطورات القانونية والسياسية المتلاحقة فقد تم التقيد بالجدول الانتخابي العام بالنسبة للانتخابات التشريعية والبلدية (خلافا لمؤسسة الرئاسية التي تخضع لمسطرة أخرى)، وبالتالي فإن التأجيلات المتكررة لهذه الانتخابات في ظل حكم عزيز تشكل سابقة خطيرة في السير الطبيعي لمؤسساتنا وتفتح الباب لانحرافات دستورية أخرى كتلك التي قد تؤثر على الدورية الطبيعية للمأمورية الرئاسية كما شاهدنا ذلك في بلدان إفريقية أخرى مثل النيجر في عهد الرئيس الأسبق ممادو تانجيا و في كوت ديفوار في عهد لوران غباغبو.
II. هل من الممكن، قانونا، تأجيل تاريخ تلك الانتخابات بالذات؟
باستثناء حل البرلمان، ونظرا لكون المأمورية البرلمانية محددة في بلادنا من طرف الدستور ومفصلة بموجب قانون تنظيمي؛ فإن أي تغيير في تاريخ الانتخابات يجب أن يخضع بالضرورة لنفس المسطرة أي أن يعتمد من قبل هيئة مختصة سعيا إلى إقامة أو إعادة توازن المؤسسات العمومية طبقا لروح ونص الدستور.
والواقع أنه لم يتم احترام القانون الدستوري المعمول به، لا من حيث الإجراءات المتبعة ولا من حيث المسوغات التي بررت بها السلطة التنفيذية تأجيلها لمختلف الاستحقاقات التي حان أجلها، سواء تعلق الأمر بمأمورية الشيوخ التي انتهت فترتها منذ مارس 2011 أو بمأمورية النواب والمستشارين البلديين المنتهية منذ أكتوبر – نوفمبر.
ثم إن قرار التأجيل اتخذ في كل مرة بمجرد قرار إداري عادي كما هو الحال بالنسبة للنواب بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 15 سبتمبر مما يعد خرقا صارخا لهرم المساطر المعتمدة في البلد حيث تم تحويل الدستور والقانون التنظيمي إلى مجرد ترتيبات ثانوية!
ومن أجل تغطية هذا الانتهاك الخطير لمبدأي الشرعية ودولة القانون طلبت السلطة بعد إعلان التأجيل ممثلة في وزارة الداخلية، رأيا من المجلس الدستوري ليمنحها مهلة إلا أنه دفعها أكثر في أوحال اللادستورية.
وقد اعتمد المجلس الدستوري من أجل تبرير هذا التأجيل على السلطة التقديرية التي يتمتع بها الجهاز التنفيذي في تحديد وتعديل موعد الانتخابات مع أنه لم ينشر رأيه المذكور!.
و إذا كان الأمر كذلك، فإن المجلس الموقر لا يكون ارتكب خطأ قانونيا صارخا فحسب، بل انتهاكا للدستور وللقوانين التنظيمية التي يعتبر حاميا لها إذ يكون قد منح قرارات الإدارة قيمة أكبر من الدستور!
والواقع أن المجلس تجاهل عدم اختصاصه في هذا الأمر إذ أنه لا يوجد أي ترتيب في الدستور ولا أي نص آخر يخوله صلاحية إصدار رأي بهذا الشأن. فمهمته تنحصر، علاوة على مراقبة دستورية القوانين، في فض النزاعات الانتخابية: الرئاسية والبرلمانية. و من ثم فإن أي اختصاص آخر خارج عن نطاق تدخله لا يمكن الاعتداد به لتبرير قرار انفرادي بتأجيل الانتخابات.
إن المجلس الدستوري بتمريره لهذا الخرق السافر للدستور زاد من حجم الفراغ القانوني الذي تحدث عنه رئيس الدولة نفسه بدلا من سده، مؤكدا مرة أخرى عدم اكتراثه بالدستور والتعامل معه كأحد المعايير الثانوية في ترسانتنا المؤسسية. و هو ما يعد في حد ذاته خطأ إجرائيا صارخا، إضافة إلى كونه انحرافا خطيرا من حيث جوهر المساطر المستدل بها من أجل تبرير ذلك التأجيل غير الشرعي.
إن الدافع للتأجيل قد يكون بحسب الحالات إما طلبا من "المعارضة بهدف إعداد أحسن للانتخابات وإما ضرورة إيجاد توافق بين كافة الفاعلين السياسيين من أجل ضمان مشاركة الجميع في الانتخابات المرتقبة وذلك في إطار من المصالحة والإجماع الوطني" (نائب رئيس الجمعية الوطنية لدى افتتاحه دورة مايو 2011).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من حيث الشكل فإن المعارضة تتوفر على ممثلية مؤسسية وشرعية هي "مؤسسة المعارضة الديمقراطية" يقودها زعيم تساعده لجنة تسيير مخولة بإصدار الطلبات والمطالبات الرسمية للمعارضة البرلمانية. وإن المؤسسة المذكورة شأنها شأن الإطار الأوسع الذي تمثله منسقية المعارضة الديمقراطية لم تتلقيا في أي وقت طلبا للإدلاء برأي حول التأجيل.
بل على العكس من ذلك فإن أغلبية أعضاء هذين التجمعين لأحزاب المعارضة ما انفكت تكرر رفضها لأي تأجيل يستهدف فقط إرضاء السلطة التنفيذية وأغلبيتها البرلمانية كما طالبت باستمرار بتنظيم انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة في الآجال القانونية المحددة في الدستور وفي القوانين المعمول بها.
وحتى لو افترضنا أن طلب التأجيل صدر عن المعارضة ونال موافقة السلطة الحاكمة فهل يكفي ذلك لإضفاء الشرعية عليه؟ بالتأكيد لن يكون ذلك كافيا. لأن حصول اتفاق بين فرقاء الساحة السياسية لا يحل إشكالية الأساس القانوني للقرار الناتج عن ذلك الاتفاق الذي لا يمكن أن يكون له أي مفعول من قانوني.
فلكي يكون للقرار أساس قانوني لا بد أن يكون ذلك الأساس ذا قيمة دستورية تضمن القوة القانونية للاتفاق السياسي بين الأطراف (السلطة والمعارضة البرلمانية).
هنالك ثلاث حالات من الناحية القانونية يمكن فيها اتخاذ قرار من هذا القبيل فيما يتعلق بالبرلمان.
• حل البرلمان الذي كان سيفرض تلقائيا جدولا انتخابيا جديدا، وهو إجراء وارد بشكل صريح في الدستور نفسه ولكنه لا يمكن أن يؤدي إلى تمديد مأمورية البرلمانيين بل بالضرورة إلى تقليصها نظرا لأن الانتخابات العامة تجري 30 يوما على الأقل و60 يوما على الأكثر بعد حل البرلمان (المادة 31 من الدستور).
• مصادقة البرلمان قبل انقضاء مأموريته الشرعية على قانون دستوري طبقا للشروط المحددة في الدستور وهو ما كان من شأنه تغيير الجدول الانتخابي دون صعوبات، تلك الطريقة التي تم اعتمادها سنة 1970 عندما تم تمديد مأمورية أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبين في 9 مايو 1965 وذلك بموجب القانون الدستوري رقم 70/124 (انظر الجريدة الرسمية بتاريخ 29 إبريل .(1970
وتجدر الإشارة إلى أن تلك السابقة كانت الوحيدة خلال خمسين سنة من التاريخ الدستوري؛
• اعتماد التأجيل في إطار اتفاق دكار الذي نص بشكل صريح على إمكانية أن تواصل الأطراف جهودها في الحوار وتتوجها باتفاقات محددة بما في ذلك اتفاقات انتخابية. والواقع أن اتفاق دكار يكتسي قيمة فوق دستورية حيث أنه لم يسمح بإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية (الدستورية المادية أو من حيث غرضه) فحسب، بل كذلك لأنه حظي بموافقة المجموعة الدولية التي وقعه ممثلوها الرسميون مما جعل منه مرجعية دستورية دولية.
ولو كان تحت مظلة ذلك الاتفاق لكان التأجيل مبررا من الناحية الشكلية وصالحا من الناحية القانونية كتجسيد لاستمرار جهود تسوية الأزمة الناجمة عن الانقلاب- وبذلك كان التأجيل سيشكل آخر إجراء يعتمد في إطار تطبيع الأوضاع السياسية والمؤسسية في البلاد.
باستثناء تلك الاحتمالات الثلاث لم تكن هناك أي إمكانية لتشريع تأجيل الانتخابات. وبتجاهلها لذلكن حرمت السلطة الحاكمة نفسها من العمل وفقا لمقتضيات الدستور. فما هي انعكاسات ذلك على الصعيد القانوني والسياسي؟
III. العواقب القانونية والسياسية المترتبة على عدم شرعة التأجيل
تنتج عن عدم شرعية هذا التأجيل جملة من العواقب السياسية والقانونية، أولها أنه يكرس انتهاء مأمورية البرلمان بكامله طبقا للمادة الثانية من الأمر القانوني المذكور أعلاه حسب المبدأ العام الذي يقضي بأن ممارسة الصلاحيات مرهونة بشرعية المأمورية التي تقوم عليها. هذا ما يجسده القانون التنظيمي إذ يوضح أن "سلطات الجمعية الوطنية تنتهي مع افتتاح الدورة العادية" الموافقة للشهر الذي تنتهي فيه مأموريتها.
وعليه فإن كافة المؤسسات التي تنقضي فترة مأمورية أعضائها تفقد جميع صلاحياتها الدستورية (البرلمان) أو التنظيمية (البلديات). و بالتالي فإنها لم تعد تعمل كمؤسسات عادية من مؤسسات الجمهورية بل بوصفها أمرا واقعا أو كالجسم الميت الذي يتم الإبقاء عليه كي يضطلع بالحد الأدنى من المهام العامة الضرورية لضمان الاستمرارية المؤسسية للدولة.
من هنا فإن كافة القوانين والقرارات التي تتم المصادقة عليها خارجا عن إطار السير الروتيني للدولة تصبح فاقدة للشرعية وللصلاحية سواء كان ذلك بموافقة أو بدون موافقة أعضاء المؤسسة المعنية، شأنهم في ذلك شأن جميع أعضاء مؤسسات الدولة المختلفة عند ما يتم الاستيلاء على السلطة بشكل غير شرعي (الانقلاب).
ذلك أن البقاء في المناصب لا يعني بأي شكل من الأشكال تشريع الأمر الواقع أو القبول به.
والواقع أن هذا التأجيل غير شرعي ويقحم البلاد في أزمة مؤسسية خطيرة حيث أن الحكومة هي الأخرى تفقد شرعيتها لأنها لم تعد تتوفر على الأغلبية البرلمانية الضرورية لوجودها (المبدأ الدستوري المتعلق بمسؤولية الوزير الأول أمام رئيس الجمهورية وأمام البرلمان).



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!