التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:11:28 غرينتش


تاريخ الإضافة : 22.03.2012 20:00:13

دعوا العسكر في ثكناتهم.. لكن أخرجوهم من القصر

مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

شيئان فقط يرغمان المستبدين على الاستماع الجيد والانصياع التام؛ الانقلابات العسكرية والضغط الشعبي الجارف بالاعتصامات الجاثمة والإضرابات القاصمة.. لا ثالث يغني في مجابهة الاستبداد.

وفي موريتانيا يمكن القول إن ثورة شعبية بدأت تتخلق بعد مسيرة "الرحيل" ومهرجان "الرد الصادق" الذين نظمتهما المعارضة وأعلنت فيهما أن لا مناص من رحيل الجنرال طوعا أو "ترحيله" كرها.

حتى لا تكون انقلابا..

بين يدي هذا الحراك الشعبي المتصاعد والثورة المتخلقة تبدو فرضية حدوث انقلاب عسكري ينقل السلطة من عسكري إلى آخر واردة، وربما هي الخيار الأقرب إلى قلوب كثير من الساسة، لكن هذه الفرضية يجب أن تظل مرفوضة مهما كانت مغرية ومريحة ومختصرة.

لقد أثبتت التجربة أن الاستعانة بعسكري على عسكري طريق لا توصل إلى الديمقراطية والحرية ولا تحقق النمو ولا الاستقرار.. وقديما قال المتنبي:

إذا استشفيت من داء بداء *** فأقتل ما أعلّك ما شفاكا

المتنبي كان يعيش أيام تحكم العسكر في الدولة العباسية بعد أول انقلاب عسكري شهده التاريخ الإسلامي على الخليفة المتوكل بن المعتصم بقيادة القائدين العسكرين وصيف وبُغا وبممالأة مع جهة مدنية هي ابن المتوكل نفسه وولي عهده المنتصر، واكتنف العسكريان عرش الخلافة بسلاحهما يوليان الخلفاء ويعزلانهم.. حتى قال الشاعر:

خليفة في مجلس *** بين وصيف وبغا
يقول مـا قـالا له *** كما تقول الـبـبغـا

ظل العسكر منذئذ يتداولون الحكم ويولون ويعزلون وينهبون المال العام ويضعفون أجهزة الدولة العسكرية والقضائية والمالية إلى أن سقطت بغداد في قبضة المغول عام 656 هـ.

وفي موريتانيا ظل العسكر يتداولون الحكم بتمهيد دائم من المدنيين منذ انقلاب 1978م حتى انقلاب 2008م ولم يجنِ حكمهم للبلاد خيرا.

يجب على النخبة السياسية الوطنية أن تتخلى عن عادتها السيئة في استدراج العساكر لحكم البلاد تعجلا لاستبدال حاكم بحاكم وهروبا من دفع ضريبة التغيير الحقيقي، وعليها أن تستمر في عملية التحشيد الجماهيري لإخراج العسكر من القصر الرئاسي وإعادتهم إلى مكانهم الطبيعي في الثكنات.

المعارضة: سلاح الساحة والحشد

لقد أثبت المهرجان الذي نظمه حزب تواصل الإسلامي قبل يومين في العاصمة مدى قوة المعارضة وقدرتها التعبوية الكبيرة، وبدا واضحا الحضور القوي لعنصر الشباب في هذا المهرجان.

مهرجان "الرد الصادق" - الذي قُدّر حضوره بعشرات الآلاف وجاء ردا على طوفان من المغالطات أغرق به الجنرال الحاكم سكان شبه جزيزة انواذيبو في زيارته للعاصمة الاقتصادية - كان الصدمة الثانية للنظام الموريتاني في أقل من عشرة أيام بعد "مسيرة الرحيل" التي شاركت فيها جميع أحزاب المنسقية، ومن شأن المهرجان أن يزيد الضغط السياسي والشعبي بشكل هائل على نظام الجنرال وأن يؤسس لحراك جماهيري سلمي متدرج ومستمر وذا نفس طويل.

لقد أرسل خطاب قادة الحزب الإسلامي في المهرجان رسالة قوية بقرب مرحلة سياسية جديدة في البلد؛ فكان خطابا شديد التحدي والصراحة في مطالبة الرئيس بالرحيل عن السلطة، واثقا في الوقت نفسه من حتمية تحقق ذلك، وهو خطاب ينبئ كذلك بتصميم التيار الإسلامي القوي على مشاركة بقية أحزاب المنسقية في مسيرة "ترحيل" الجنرال، أما قدرة الإسلاميين على الاستمرار في التصعيد والإبقاء على جمرة الحراك الشعبي متّقدة فهي شيء بالغ الأهمية في هذا الصدد.

النظام: سلاح التمرة والسمكة

جعلت الانتفاضة الشعبية الرئيس ومستشاريه وأركان حكمه في حالة من الارتباك والخوف من مفاجآت المستقبل القريب، حتى وإن أظهر الجنرال شيئا من رحابة الصدر وطالب بالمزيد من "المسيرات السلمية".

المعلومات المتسربة من داخل منظومة الحكم تعكس قلقا شديدا ووهنا في العزائم وشُحا في خيارات مواجهة المعارضة بعد تصعيدها الأخير ونزولها إلى الشارع لفرض مطالبها، وليست سياسة "التمرة والسمكة" التي حاول النظام بها صدّ الناس عن المشاركة في الاحتجاجات الشعبية إلا دليلا على شح الخيارات المجدية والمؤثرة لكبح جماح الشعب الغاضب المتمرد.

بالتأكيد ليس الرئيس من النوع الذي يكون جادا عندما يطالب بخروج مسيرات تعارضه، ولن يسوق الرئيس بيّنة معتبرة عندما يدعي أنه بطل حرب على الفساد ليست في حقيقتها إلا تصفية حسابات، وليس الجنرال صادقا البتة عندما يقول إن المعهد العالي مفتوح لمن شاء التسجيل فيه أو عندما ينفي تعرض الطلاب والطالبات للقمع والتعذيب في سجون الشرطة، ولا يكون الرئيس الموريتاني جادا في العادة عندما يقول إنه جاد.

لكن رحابة الصدر هذه لمسيرات المعارضة ربما يعود إلى إحساسٍ لدى الرجل بأن المسيرات والمهرجانات ليست إلا أمرا عابرا لن يتحول إلى تصعيد شامل ومركّز، والمسيرات العابرة لا تؤلم الأنظمة المستبدة بما يكفي لإرغامها على تغيير سياساتها؛ أحرى أن تجبرها على الرحيل!

الجنرال لا يدرك أنه هو العابر.. لكن ربما يدرك في وقت غير بعيد!.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!