التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:16 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.07.2008 13:27:55

موريتانيا صعوبة النجاح وقبح الانتكاس

المعلوم ولد أوبك

المعلوم ولد أوبك

شهدت البلاد خلال عمرها السياسي الطويل نهجا أحاديا قاد البلد إلى سبيل مسدود وأفق مظلم في وقت انتهجت معظم الأنظمة الجمهورية المجاورة طريق التناوب أمام هذه الحالة المزرية كانت الأوضاع تفرض إيجاد حل لهذا المشكل المزمن , فكان الثالث أغسطس الأول والأخير في مسيرة الانقلابات بعد أن عرفت بلادنا سلسلة من المحاولات والمخططات الانقلابية كان آخرها تلك التي أعادت للأذهان بعد طول غياب هذه الظاهرة عن مسرح الأحداث العربية والدولية مما أدى إلى تصحيح المسار وقلع جذور الديكتاتورية بالنهج الانقلابي فمثل الثالث أغسطس حدثا هاما بارزا خلال فترة 19 شهرا التي عمر خلالها وظل كثيرون لا يصدقون بالوعود التي قدموها، إلا أن المجلس العسكري يظل الوحيد الذي تميز بتحديد فترته لممارسة السلطة والتزام قادته بعهودهم حين سلموا السلطة في يوم من أندر أيامنا بعد طول عناء من الحكم العسكري الذي تتابع علينا منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن، واختلف المجلس عن سابقيه باحترام الوعود وبناء المؤسسات الديمقراطية فأبرأ بذلك ذمته حينما أعاد السلطة لرئيس منتخب مستحقا بذلك كل الثناء على الشهامة والوفاء بالعهود، فجاء ساعيا لتكريس ثقافة التناوب بصورة أكيدة الضمانات، ومثلت مرحلته مرحلة تمهيدية أو ما قبل الانتقالية، فشهدت ما شهدت من إرساء قواعد التناوب وإحداث تغييرات جذرية أفضت في جملتها عن تنظيم انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية نتجت عنها أغلبية رئاسية حاكمة هاجرت إليها أطراف من المعارضة وقد أحدثت المشاغبات التي انتهجها جزء من تيار الأغلبية ذا النصيب الكبير إلى حدوث أزمة لا تزال جارية تلتها عدة ترشيحات بإمكانية العودة عن مسيرة نجاح التجربة الموريتانية وإحتمالية الانتكاسة ؟


صعوبة النجاح

استبشر الكل خيرا غداة أن تنازل العسكر عن السلطة في مشهد لم تألفه الأنظمة العسكرية طوال فترات طويلة , فلطالما جربنا زعامات عسكرية عدة وصلت إلى السلطة ووعدت بتسليمها للمدنيين فنقضت عهودها الواحد تلو الآخر، ولم يسجل أن سلم العسكر بعد وصولهم للسلطة إلا ما كان من المجلس العسكري وقبله سوار الذهب، وحسب رأيي أن تجربتنا لن تكون مماثلة للتجربة السودانية – فيما يخص العسكر - لقناعتي أنهم لا يريدون لنا ذلك ولا يرتضوه لنا من باب أنهم يأملون أن تطوي تجربتهم الفريدة صفحة الانقلابات هنا، بيد أن مجموعة من معشر المدنيين منذ فترة طويلة ترى أن الذي رحل هو المجلس العسكري ولكن بقيت مشتقاته، ورغم عدم تأييدي لهذه النظرة وذلك انطلاقا من تسليم العسكر للسلطة والتي ظلوا خلال مسيرة من عمر هذا البلاد يتمسكون بها بحجة عدم نضج الشعب لحكم نفسه بنفسه مما ترسخ لهم في النهاية بداية قناعة بضرورة الحكم المدني ووعوا بضرورة إقامة نظام ديمقراطي، لكن بغض النظر عن نظرة العسكر لما يحدث فإن الذي أراه هو أن تشكيلة العسكر الحالية غدت لا تخدم العسكر أنفسهم في القيام بانقلاب تحت أي ذريعة وبأي حجة، وذلك في ظل صعود أجيال عسكرية جديدة على مستوى القيادة تعتمد عامل الاحتراف والتكوين بدل الأقدمية، إن المؤسسة الصامتة ليست مؤهلة في الظرف الآني بقيادة أي انقلاب نتيجة شرعية الرئيس الحالي وفي ظل الدستور الجديد الذي يكفل عدم تعمير الرئيس وثانيها واقع المؤسسة ذاته وثالثها الظروف الدولية الحالية .
إن نجاح التجربة يتوقف على مدى قوة السلطة السياسية الحاكمة وتمكنها من تحييد الجيش بعدم إقحامه في السياسة بشكل كبير من ناحية وتحسين أوضاعه الداخلية وتطوير مؤسساته ومنح أفراده حقوقهم ووضعه " الجيش " باعتباره ركيزة الدولة الأساسية في مكانة مناسبة تمكن البلد من تطليق الانقلابات، صحيح أن هذا السلوك أليم وتنجر عنه عدة أمور خاصة إذا علمنا أن الانقلاب وإن كان محاولة من العسكريين لقلب الحكم إلا أن طابعه في الجوهر سياسي وانطلاقا من ذلك فإن الحديث عن عدم خوض العسكر غمار السياسة هو نوع من السذاجة والجهل المعرفي وبذا يكون عدم إشراك المؤسسة العسكرية في السياسة أمر في غاية الصعوبة وذا آلام عديدة وصعوبات جمة وعليه فإن الصيحة بإبعاد المؤسسة الصامتة بشكل تام عن العمل السياسي لا أراها نظرية ذات جدوى أو نتيجة إيجابية فباعتبار السياسة إدارة شؤون الناس فإن الجيش من حقه الاشتراك والمشاركة في إدارة شأن المواطنين ولكن ليس بالشكل الذي يجعله هو السيد والآمر والناهي ويعود إليه القول والفعل، بل ضرورة التعاون فيما بين الطرفين أمر إيجابي ولا غنى عنه ولا وجود لدولة بدون إشراك جيشها في تدعيم نظامها، خاصة إذا كان هنالك بلد معين خارجا للتو من فترة طويلة العمر من إدارة العسكر للسلطة وإن بأسلوب في ظاهره مدني، إن النقطة الوحيدة التي أراها وإن اختلف معي كثيرون حول إشكالية المؤسسة العسكرية فإن الإصلاح يعد أساس النجاح للتجربة الوليدة .
الإصلاح أولا
الكل يدعوا للإصلاح ويراه الأساس والمنقذ الوحيد، مما أدى مؤخرا إلى أن تعالت صيحات رفض أشخاص باعتبارهم شخوص للإصلاح مما يعني أن الفساد غدا جريمة تحرم صاحبها من المناصب الوزارية، إلا أن وصف بعض أفراد الحكومة المقالة بالفساد دون تقديمهم للمحاكمة يظل نفخا في الرياح فلماذا لا ندع لهم مجالا للتوبة إن كانوا أفسدوا وندع المحاكم تقول كلمة الفصل في شأنهم ما داموا مفسدين ونتأكد أن التنديد بعناصر تنسب لعصر ما قبل المجلس العسكري لا ينبعث من خلافات شخصية ولا أحقاد، لا يكفي وإن كان الشعب يرى اللذة في الصيحات برفض المفسدين في ظل عجز منه عن العمل المطلوب (محاكمة هؤلاء)، إنه وإن كان هدفنا جميعا خلق قطيعة مع نظام الظلام السياسي فإن ذلك لا يتأتى بالانتقاء ورفض أجزاء من هذا النظام وقبول أخرى، بل يتطلب الأمر رفض الجميع أو قبول الجميع بعيدا عن الانتقائية، إن أول خطوة نحو الوداع مع الماضي المظلم بكل حيثياته والنجاح لتجربتنا - وهو الأمر الأجدى لنا - والأجدى لمن يوصفون بالفساد أنفسهم هو أن يعلنوا تقدمهم إلى المحكمة للنظر في أمر فسادهم أو عدمه ومن أدين أدناه ومن برء أصدرنا له صك البراءة من الفساد وحق له تولي أي منصب، فإن كنا ننشد الإصلاح حقا فذاك هو السبيل والأمر السديد، أما الحكم بشكل عاطفي وتوزيع صكوك الأحكام جزافا هذا مفسد وذاك دون المنزلتين كل هذا لا يخدم مصلحتنا و لا مصلحة البلد، إن علينا أن نتجرأ على محاكمة رؤوس الفساد ليتسنى لنا أن نفهم معنى الإصلاح فأي إصلاح بغير محاكمة فاسد هو إصلاح فاسد يؤدي إلى فساد أشنع من الفساد الذي كان مستشريا فكيف نتصور أمة تسعى لمجاوزة الفساد والمفسدين مع ذلك لم نسمع فيها يوما واحدا عن محاكمة مفسد واحد ولا نصف مفسد أحرى مجموعة مفسدين، إن على قوم مثلنا إن كانوا حقا يطمحون للإصلاح ولديهم رغبة الإصلاح أن يتقدموا بملتمس مطالبة بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة فراعنة الفساد، لنعلم من هم المفسدين ونحذرهم ونحرم عليهم تولي المناصب، لا نريد معاقبة أي فرد ولكن نسعى لمحاكمته ليكون حرمانه من الوظائف له ما يبرره، فعلى البرلمانيين إن كانوا على حقيقة من أمرهم ويسعون للإصلاح أن يدعوا البرلمان لجلسة غير عادية من بين أجندتها تنظيم محاكمة المفسدين دون عقوبات لتمييزهم، وبهذا نضمن نجاح التجربة وإن بألم وصعوبة بالغة، إننا حينما نظل نغض الطرف عن عدم الخوض في مسألة فساد المفسدين من عدمه فإننا في كل عام وفي كل فترة ستقصى مجموعة وأبناء من هذا البلد بحجة أنهم مفسدين وقد لا يكونوا كذلكن بل قد يظل التبرير الذي يستعمله أي نظام كوسيلة لإقصاء أطرافه وهذا لا يخدم الجميع .
إن النظام السياسي الحالي يحتاج في سبيل أن يتم لنا نجاح تجربتنا مساندة الكل بعيدا عن التشنجات والرغبات المعيقة لنتجاوز الفترة الانتقالية الحالية إلى بر التناوب على السلطة، صحيح أن الديمقراطية هبة العسكر وصحيح أن الاستقلال هبة المستعمر الفرنسي ولكن الأخير( هبة المستعمر أعني ) هل فرض علينا أن نظل أسارى لفرنسا وهبتها لا نتحرك إلا بأمرها ولا ننسج العلاقات إلا بأمر منها أولم يعلن النظام السياسي في بدايات الدولة الوطنية إعلان ضرب فرنسا عرض الحائط أولم يدير نظام الطغيان ظهره لفرنسا ويتجه إلى سيدة العالم، طبيعي إذن أن يدير أي نظام سياسي ظهره لمن وهب له الديمقراطية فلا يلزمه من أي باب أن يظل رهين هؤلاء حبيس توجهاتهم ورؤاهم بل إن عليه العصيان والتظاهر والخروج ليكون هو من وهب ترسيخ الديمقراطية
صحيح أن الانقلاب المضاد الذي قام به المجلس العسكري كان لأجل إنهاء دوامة هذه الظاهرة في البلد ولا أدل من ذلك التغيرات التي أدرجت في الدستور بعد المشاورات واللقاءات والتي في الأخير صوت لها الشعب بنسبة 96 % من أصل نسبة مشاركة بلغت 77% ، وواضح كذلك أن الرئيس الحالي لا يسعى إلى تأزيم الوضع ولا العسكر كذلك يسعون إلى الأمر ذاته، لكن الملاحظ أن ثلة من المدنيين تسعى بحسن نية أو سوئها إلى خلق وضع سياسي مأزوم قد يجر إلى إحتمالية انتكاس تجربة موريتانيا السياسية ؟



سيناريوهات الانتكاس
ذاع مؤخرا - ولم يتبين صدقيه ذلك - أن للسيدين تدخل كبير فيما يحدث بوقوفهم وراء المتحركين ولكن بغض النظر عن ذلك وعدم قناعتنا بالاتهامات دعونا ننظر للمسألة من باب أنه شاع في الساحة أنه مما شاع , و بعيدا عن ذلك كله لا ننظر لهذا الأمر من هذه الزاوية وحدها وإنما من أوجه الأرضيات والسلوكيات الممارسة التي قد تؤدي إلى الانتكاسة للتجربة الوليدة .عوامل عديدة تتداخل في انتكاسة التجربة منها ما هو داخلي وآخر خارجي سواء نهج الأنظمة العالمية الجديدة والتي تسعى جاهدة إلى استعمال أساليبها ولعل أسلوب أضحوكة مكافحة الإرهاب أهم أسلوب قمعي لوأد كل الأنظمة التي لا تنخدع به ولا تعلن الطواعية من خلاله، ثم أسلوب التضييق الاقتصادي الداخلي والخارجي في الأزمة العالمية الحالية ثم بروز وظهور بعض النعرات العرقية ثم مراودة بعض ذيول النظام السابق المريض في العودة إلى السلطة، إن مخاطر عددية قد تؤدي إلى انتكاسة تجربة موريتانيا سواء من زيادة لحدة الفقر أو تفاقم الشرخ الاجتماعي والتنازع بين القوى الغربية وواقع الجيش كل هذه تمثل تهديدات عميقة لوأد التجربة في مرحلتها الأولى .
إن بلادنا وإن ودعت ثقافة الانقلابات العسكرية فقد تدشن -لا قدر الله- الانقلابات السياسية فالدعوة لتنحية رئيس إحدى الغرفتين -إن تم- فإنه بداية الإعداد لمخطط وسيناريو أقل ما يمكن تفسيره بأنه تحرك لمحاولة اغتصاب السلطة من طرف مجموعة لها مراكز عليا في النظام السياسي كالانقلاب السياسي الذي قام به زين العابدين بن علي سنة 1987 ضد بورقيبه عندما عزله وأستخدم الدستور في تحقيق شرعية إجراء توليه السلطة واستصدار موافقة البرلمان , فوحدهم المدنيون إذن من بإمكانهم جر بلادنا إلى مستنقع الانقلابات السياسية .
أما السيناريو الثاني وهو نتاج الأول انقلاب الحل الوسط الذي يأتي جراء حالتين إزاحة الحاكم من قمة السلطة بشكل ناجح لكن المجموعة المقاومة للانقلاب تكون قوية إلى حد أنها تملي ترتيباتها وتوجهاتها على الانقلابيين بسبب ضعفهم، والحالة الثانية أن يكون كلا من مجموعة الانقلاب والمقاومة في وضع متكافئ وكليهما تعوزه القدرة الكافية لحسم الصراع لصالحه ومن ثم يتم قبول حلول وسطى مؤقتة حتى يتمكن أحدهما من فرض سيطرته في وقت لاحق، إن فرضية وجود هذا الصنف لها مرشحيها خاصة إذا علمنا أنه في حالة ما إذا انقلب القوم على رئيسهم فإن المقاومة قد تكون من الطرف المتمثل في المعارضة حينما ترى أن هذا الانقلاب يستأثر به جناح سياسي معين أو معادي وبهذا يستمد كلا من الطرفين القوة، فالمعارضة تنطلق من أنها ترفض الانقلاب على الشرعية والأخرى ترى أن الأخطاء التي وقعت فيها الأخيرة كفيلة بأن تخرج وترفع عليها راية العصيان، وفي الأخير يضطر كلا الطرفين إلى إنفاق مؤقت حتى لا يتم جر البلد إلى النزاع .
أما احتمالية حدوث انقلاب عسكري فإن هذا الأمر مستبعد وإذا ما تم هذا وهو غير معقول فإنه انقلاب الجنرالات لا الكونولونات أو الرتب الصغيرة في الجيش أو المتوسطة , وانطلاقا من كل هذا فإن الانقلاب العسكري غير مرشح وغير مطروح على أرضية الافتراضات المطروحة.
غريب جدا أن يجهل فيلق نواب الأغلبية القاعدة المعروفة - والتي وعيتها منذ أن كنت أدرس في الإعدادية – أن إدارة شون الدولة وبناء الديمقراطية جهد جماعي وليس عملا فرديا تقوم به مجموعة سياسية دون أخرى، فكيف يرضون أن يسيروا حكومة بمفردهم نفهم جدا أن الرئيس انتخبته 52% ونفهم أن عدم إشراك البقية هو ظلم وديكتاتورية وحب للمناصب، والبلد مهما كانت الظرفية التي يعيشها لن يعود إلى زمن الأحادية والحكم بشكل فردي أو جماعي شمولي يسعى للخلود طوال الفترة الطبيعية , أمر مثار رفض وغير مقبول، إن المشاركة التي تتجاهل بعض أطراف الجناح السياسي هي مشاركة إقصاء وانتقاء، وعلينا أن لا نغتر بتحركات جيش حجب الثقة فليس كل ناقم على الحكومة المقالة ديمقراطي كما دلت على ذلك بعض تصريحاتهم وأفعالهم ولا كل ساع لمحاربة الفساد مصلح بل السبب قد يكون أبعد من ذلك وأشنع , في السابق في زمن المنفي في قطر لم تكن الأغلبية متماسكة ولكن مجتمعة على هيبة الرئيس رئيس الحزب الحاكم آنذاك’ كل اتجاه يحاول أن يؤثر على القرار حسب مصالحه , أما الآن فإن الأغلبية لا تزال غير متماسكة وزيادة على ذلك لا هيبة للرئيس ولا لرئيس الحزب ويوجد اتجاه واحد صاحب السيطرة والأمر من قبل ومن بعد وصاحب القرار ويبحث عن مصالحه فقط , إن الموريتانيين الآن بين قلة تسعى لإنشاء ديمقراطية حقه وأكثرية تسعى لديمقراطية مقنعة مبنية على السيطرة على المناصب والاستئثار بتولي المراكز الحساسة بحجة الأغلبية , إن على الرئيس أن يعي أنه ينبغي أن يظل مرتفع الرأس لا يخشى أحدا , فلا منة لأي كان عليه إلا الشعب لا نوابه , واحتكار السلطة من طرف جانب سياسي تراجع عن روح التغيير , أن ينقلب النظام الحالي إلى المعارضة لإشراكها في الحكم ثم يتجه في الأخير إلى إقصائها أرجوا أن لا يكون سعادته غدي يتمنى الحفاظ على الحكم لا غيره , إن أوضاع البلد الحالية تشهد حالة من القلق والاحتقان قد تقود البلد إلى فشل تجربته الوليدة , فعدم إشراك الآخرين هو تجلي عن احتقان سياسي مفتعل يكتنف مسار البلد المنهك نتيجة عدم الصدق مع الذات وعدم جلد النفس بالنقد البناء والحوار المستمر ,
إن الخطأ القاتل والغرور الأحمق أن تعتبر أغلبية الأغلبية أن اتهام وعدم إشراك الباقين باسم القوة الشعبية والأغلبية التي انتخبتهم هو غرور وجهل بأدبيات فن السياسة , إن التعويل في ظرف وجيز كهذا ومرحلة حرجة كهذه في أحقية امتلاك ناصية المناصب الوزارية دون الآخرين أمر لا مبرر له , ما أرجوه أن لا يكون النظام الحالي يتجه نحو التعفن وبالتالي السقوط المحتوم وانتهاء الفترة الأولى وحدوث الانتكاسة ذاك الشؤم القبيح.

إن ما نعيشه الآن هو وجود مشهد سياسي مريض فما يحدث أقرب لديمقراطية الواجهة لا شيء أكثر فبعد إسقاط حكومة الرئيس علينا أن نعي أكثر من أي وقت مضى ونفهم جليا أننا وادعنا مرحلة من عمر موريتانيا السياسي تمثلت في قدرة الرئيس على تعيين حكومته فلا نفاجئ غدا أو بعد غد إن ضغطت جماعة هود وثمود على الرئيس محرضة إياه على تضييق الحرية الإعلامية أو إصدار خطاب يعود لزمن " يفتي يفتي " , إلا أن الشيء الوحيد الذي على الجميع أن يعرفه أن حل البرلمان أمر لا مفر منه وآن ولا يفصلنا عنه إلا الوقت وأنه لم يحن بعد , وعليهم كنصيحة مني أن يبحثوا عن طريقة جديدة لتأمين مستلزمات حياتهم ومتطلباتهم اليومية , إذا ما واصل قوم السيدان في رفع البطاقة الصفراء في وجه أي حكومة لا تروق لهم فإن الرئيس لن يتوارى عن أن يستعمل ضدهم البطاقة الطاردة من ساحة الملعب السياسي حتى وإن كان ذلك الأمر له أكثر من سوء , إن الشجاعة والقوة والإرادة القوية والاستقلالية في القرارات هي أساس النظام السياسي الناجح ولن يتميز النظام الحالي بهذه الصفة ما دامت هنالك مجموعة ترى أنها أقوى من رأس النظام وقادرة على استفزازه في أي وقت اشتهت ذلك ومن هنا فإن التفكير في أمر ذا مردودية كبيرة سيظل يجول في أذهان القوم ولن يتوقف ذلك إلا بالشجاعة والإقدام وبغير مقدمات على الحل والدعوة لانتخابات لا ندري نتيجتها الآن .

إن الانتكاسة غدت أمر لا محيد عنه وعلى الموريتانيين أن يبكون السماء إذا ما قدر لتجربتنا الانتكاسة وعلى السياسيين أن ينتظرون عذاب السموم الشعبي وعلى القادة والحكام والمنتخبين أن لايدعوا ثبورا واحدا حينما يحدث القبح الانتكاسي بل ليدعوا ثبورا كثيرا.
إن طائر شؤم انتكاس التجربة غدى يرفرف في السماء مبشرا بديجور يلقي بظلاله على هذه الأرض إنه القبح والسوداوية ’ قد لا يؤيدني كثيرون حينما أأكد أن الكثير من الموريتانيين أصبح لا يتطلع إلى الديمقراطية بعد أن كان يظن أن الأرض بعدها ستنتج ذهبا , إن الانتكاس والرجوع عن الحق والمثل السياسي الأعلى أصبح بين فكي كماشة فكل التباشير وظروف اغتيال التجربة لها الأرضية الخصبة فكل العلامات المبررة للنكوص والانتكاس بادية وحاضرة في هذا الزمن الرديء . إنه وإن سلمنا بواقعية الانتكاسة للتجربة الديمقراطية فإن ذلك سيقودنا إما إلى تجربة أسوء منها قوامها قمع وتنكيل ورجوع للأحوال على ما كانت عليه , وإما إلى خلق ثورة مناهضة للانتكاسة ميزتها اتساع المشاركة بتدخل الشعب وذلك بإحداث تغيير جوهري في النظام السياسي والطبقة الحاكمة , فكم هي خسارتنا حينما نفشل في إنجاح التجربة ؟ !


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!