التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:23:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21-11-2007 08:02:56

هل تشكل ثورة الجياع فرصة لتحول شعبي.. نحو روح مطلبية تغييرية

بقلم:الحافظ ولد الغابد
[email protected]


ثورة الجياع مصطلح دخل إلى القاموس الإعلامي الموريتاني خلال أقل من شهر ومع صعود أول روح نالت "الشهادة"إلى باريها كانت أركان الوطن كلها تهتز مصداقا لمقولة "الشهيد" الخالدة "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها كتب لها الخلود ودبت فيها الحياة" تلك سنة الله الخالدة التي لاتتخلف: أن ينتصر من دفع ثمن النصر ولطالما وصف الشعب الموريتاني بالصبر على الضيم والظلم.

ولكن "ثورة الجياع" هذه المرة كسرت رتابة السكون الشعبيى الضارب أطنابه في زوايا وأركان "المنكب البرزخي " وحملت معها روحا مطلبية جديدة ونفسا تغييريا توعويا ربما يكون إرهاصا لماهو أعمق من تحولات تعصف بظلم الطغاة وجور الليبرالية المتوحشة وتحكم أقلية صغيرة من "مافيا" المال والأعمال في أرزاق الناس وقوتهم اليومي في ظل تنازل الدولة عن دورها واختطاف "حكم الأتوقراط" الكنولياني المغلف بزيف تحول ديمقراطي مغشوش سيق إليه الشعب تحت رحمة سياط من خوف وطمع.

انتفاضة الشرق: لادخان بلا نار

وقد عرفت المدن الشرقية في موريتانيا انتفاضة شعبية عارمة ليست مسبوقة ذلك أن هذه المناطق ظلت إلى وقت قريب هي خزان التأييد الشعبي للأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد كما أن طبقة "المحكوم بهم" انحدرت بالأساس من هذه المناطق النائية التي تعرف تخلفا منقطع النظير وانعداما شبه كلي للبنية التحتية سواء كانت صحية أو تعليمية فضلا عن الطرق التي لايوجد منها إلا طريق الأمل "المدفون" الرابط بين نواكشوط ومدينة النعمة (حوالي 1200كلم) أو الطريق الذي يربط مقاطعة كوبني بالعيون عاصمة الحوض الغربي كما تعرف هذه المقاطعات المنعزلة قبضة شبه حديدية للحكام الذين يتم تعينهم من الحكومة المركزية في نواكشوط وهو ما يجعلهم يتحكمون في رقاب العباد بعيدا عن أي رقابة مما مكنهم من الإستفراد الدائم بمن يشائون دون مساءلة وفي غياب أي رقيب.

وتبدو الكراهية الشعبية بارزة لرموز سلطة فاسدة لايعرف المواطن المسكين لها إلا وجها واحدا هو وجه الإتاوات والعقوبات القاسية وتصفية الحسابات والمظالم والوقوف في جانب النافذين سلطويا وماليا تلك هي الصورة التي يخرج بها أي زائر لتلك المقاطاعت المعزولة والتي تعيش عصر "العولمة" الحالي في غابر الدهور المتخلفة كأن لم يصلها بشير التقدم أو نذير التخلف.

محركات انتفاضة الشرق :

لايستغرب من عرف هذه المنطقة التي تتميز بالصدق مع الذات وحرية التعبير البدوي الصحراوي أن تشهد هزات عنيفة مشابهة للإنتفاضة الطلابية الحالية التي اشتعل أوارها مخلفا جدلا لن يهدأ قريبا حيث لاتتحمل الدخول الضعيفة لساكنة هذه المناطق الإرتفاع المذهل للأسعار والذي مس لأول مرة بشكل مباشر عصب الحياة اليومية للمواطن البسيط حيث داست طاحونة الأسعار الجشعة على أي أمل في البقاء بالنسبة لهاؤلاء البسطاء الذين تعودوا غش السياسيين كما خبروا المواعيد العرقوبية لمسئولي الدولة من الرئيس وحتى أصغر مسئول لكنهم عايشوا فقط تدني المستوى المعيشي بصورة مستمرة والإرتفاع المذهل للأسعار كمصداق لوعود الحكومة الجديدة التي يبدو أن المواطن البسيط أدرك أنها أشبه بمؤسسة مقاولة من الباطن لداعمي ولد الشيخ عبد الله (مسعود + الزين) ونافذي المؤسسة العسكرية الذين سرقو تراكمات الوعي المدني وحولوه في مشروع ديمقراطي زائف لخدمة أغراضهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العامة ذلك ما يخرج به أي متحدث إلى المواطن البسيط غير المسيس في موريتانيا اليوم.

وعي سياسي جديد:

لكن الخبرة السياسية ليست دائما حبيسة قالب واحد وهي في تطور مستمر والأحداث الوطنية التي عرفتها البلاد خلال العشرية الماضية والتي مثلت مقدمة ضرورية للتغير رأس النظام وقادت للمرحلة الإنتقالية بما مثلته من "أمل عائد" لاتزال تلقي بظلالها على الوعي السياسي الوطني حيث إن الفاعلين السياسين في الداخل أصبحت لديهم إرادة سياسية قوية وأصبحوا يدركون أنهم جزء من معادلة التوزنات السياسية وأبرز ما يترجم هذا التحول الجديد في الذهنية السياسية الموريتانية هو العرائض الطلبية التي تقدم بها الفاعلون السياسيون في المناطق التي عرفت الإشتعال في الأسابيع الأخيرة.

سمات مطلبية جديدة:

وقد واجهت رسل "حزب الرئيس" للمناطق الشرقية وضعية جديدة تماما حيث قدم الفاعلون السياسيون بهذه المناطق عرائضهم المطلبية وشروطهم للإنخراط في الحزب الجديد وهو الأمر الذي يفسر حالة الإرتباك التي عرفها نشاط المؤسيسن ووكلائهم خلال الأسابيع الأخيرة.
وقد تركزت المطالب التي طرحت على وفد "حزب السلطة" في مقاطات"أمرج" و"باسكوا" و"النعمة" و"جكني" حول هموم التنمية المحلية والواقع المعيشي واعتبر العديد من المتدخلين في هذه اللقائات أن الرئيس وحكومته لم يعطوا اهتماما للواقع المعيشي للسكان وانصب اهتمامهم حتى الآن على مشاكل سياسية بالأساس هي جزء من الهم السياسي لأصحابها مثل:(مشكل اللاجئين أو المبعدين وترخيص الحركات السياسية الممنوعة في الفترات السابقة من العمل الحزبي ..) وهذه حقوق يمكن أن تعطى لأصحابها لكنها لايمكن أن تكون أساسا إلا لإنجاز وهمي فما لم تتحسن ظروف المواطنين ووضعية البنى التحتية ويوضع حد لارتفاع الأسعار فلن يكسب المشروع الحزبي الجديد ثقة الناس لأن الخطاب السياسي المبني على الوعود المستقبلية الزبونية لم يعد كافيا ولا مقنعا بالنسبة للمستهدفين في النهاية بالإنتساب للحزب الجديد وفحوى الخطاب هذا جديد تماما حيث كانت رسل السلطة في السابق تلقى تأيدا مطلقا يبتعد تماما عن الإشتراط والإعتراض.
وحتى أحزاب المعارضة تواجه هي الأخرى ضغوطا جماهرية للتعديل في مواقفها المتفهمة لمعاذير السلطة أو التي تبدو مواقفها أكثر انصافا لنعدام فاعلية السلطة تجاه الهموم اليومية وهذا الإعتراض على الخطاب والنقاش للمواقف من طرف الجماهير دليل وعي سياسي جماهري جديد لم تعرفه الساحة السياسة على الأقل بهذا الوضوح وهو بشير تحول جديد في الوعي الشعبي لم تعرفه الساحة الساسية .. وأول الغيث قطرة ..

قانون الفرصة:

وهذه الحالة هي التي تبحث عنها الأحزاب والحركات السياسية الجادة في السعي للتغير لأنها هي الخيط الرفيع الذي يساعد على الدفع بحركة الوعي الشعبي الساعية للتغير والتقدم إلى الأمام كما هو أيضا من الفرص النادرة التي يحرص عليها كل المصلحين لأن المقدمة الأساسية لأي تغيير هي اصلاح ما بالنفس حسب التعبير القرآني (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيرو مابأنفسهم) فتغير الحالة النفسية للأمة والشعب شرط للإقلاع نحو الإصلاح وحالات صحوات الضمير والتوثب الشعبي نحو أشواق الحرية والعيش الكريم هي حالة غريزية طبيعية لكنها تحتاج للترشيد بالتشجيع والإحتضان لا بالكبح... وحقنات الفتور التي مافتئت أحزابنا تحقنها في وعينا الشعبي ثم تطالب بالثورة.. ولات حين مناص .. من العلل التي يجب تجاوزها وتلك مهمة القيادة الإصلاحيةالجادة في التغيير (لا ..الإصلاحوية الأنانية ) وعادة مايستقبل هذا النمط من القيادة هذه الوثبات كمؤشر إيجابي يحمل تباشير النصر وأمل التمكين.

وقادة التغيير والإصلاح هم من يوظف هذه الحالة الصحوية بذكاء واقتدار لأنهم يقرئون حركة التاريخ قراءة سليمة ويدركون تأثير النواميس الكونية وقوانين الحركة الإجتماعية التي آثر الله بعلمها (أولي الأيدي والأبصار) ذلك أنها تحتاج ذكاء اجتهاديا يندر في الناس فهي أشبه بالتصوير القرآني للحركة الطبيعية في الأشياء الكونية (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) والتي لايدركها إلا علماء الطبيعة بمالديهم من أدوات معرفية .. فالتحولات الإجتماعية لها علماؤها (قادتها) ولها أسبابها ومقدماتها وشروطها التي يتم بها صنعها ولها فرصها التي يتم بها توظيفها.
ولحظات الصحو الجمعي والتوثب الشعبي هي من الفرص النادرة التي ينقب عن توظيفها الأمثل قادة التغير والإصلاح في المجتمعات البشرية على امتداد تاريخها.. والأحداث الأخيرة تنذر في سياق الإنذار.. وتبشر من يسعى لصناعة الحركة التارخية أن اللحظة الراهنة مظنة للغاية والطلبة .. وفرصة.. يجب اقتناصها .. فهل من مؤمن يتسلط ويقود.. ولسان حال الشعوب المستضعفة ينادي هذا الطريق فأين السالكون...


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!