التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:10 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.07.2008 20:20:44

الحياة الحزبية في موريتانيا" مقاربة تحليلية "

بقلم : الب ولد معلوم/ باحث موريتاني - دمشق

بقلم : الب ولد معلوم/ باحث موريتاني - دمشق

من بين النتائج المترتبة على نهاية الحرب العالمية الثانية ، خروج القوى الاستعمارية التقليدية
( ومنها فرنسا ) منهكة من جراء تلك الحرب. وكي لا تفقد الدولة الفرنسية مستعمراتها أرادت أن تدخل بعض التطوير في علاقتها بالمستعمرات التابعة لها. وهكذا منح الدستور الفرنسي للجمهورية الرابعة شعوب ما وراء البحار حق التمثيل في البرلمان الفرنسي. وعن إقليم موريتانيا انتخب السيد حرمة ولد ببان ممثلا لموريتانيا في الجمعية العمومية الفرنسية .
لقد كانت هذه الخطوة بمثابة الشرارة الأولى لانتشار وتعميق الوعي والإحساس بأهمية العمل السياسي لدى النخبة الموريتانية. وسنحاول في هذه المعالجة التحليلية السريعة مقاربة الحياة الحزبية في بلادنا منذو نشأتها مرورا بأبرز محطاتها التاريخية , على أن نتلمس بعض ملامحها المستقبلية . لكننا سنكتفي فقط في هذه المعالجة بتناول ما نسميه النشأة الأولى للحياة الحزبية, وهي المرحلة الممتدة من ظهور أول حزب سياسي حتى قيام أول انقلاب عسكري أطاح بأول رئيس للبلاد على أن نتناول النشأة الثانية ( الانفتاح السياسي خلال التسعينات ) والمرحلة الانتقالية وما بعدها في معالجة قادمة بحول الله .

مرحلة النشأة الحزبية الأولى :
كانت أول انطلاقة لميسرة للحياة الحزبية الموريتانية مع تأسيس حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني عام 1947 بمدينة روصو, الذي تلاه قيام حزب الوفاق الوطني ( أو الوئام الوطني ) 1950 ثم رابطة الشباب الموريتاني. وقد جاء هذا النشاط السياسي الحزبي غير المسبوق إثر انتخاب السيد حرمة ولد ببانة ممثلا لإقليم موريتانيا في البرلمان الفرنسي ملحقاً بذلك الهزيمة بمرشح الإدارة الاستعمارية ( إيفون رازاك ) الذي نال الدعم والمساندة من لدن العديد من الوجهاء والزعامات القبلية وهكذا كان تأسيس الاتحاد التقدمي الموريتاني ضمن سياق المواجهة مع حرمة ولد ببانة وتياره وهذا ما تأكد تماما بعدما قاد الحزب الجديد المنافسة ضد الزعيم حرمة في الانتخابات الموالية بمرشحه سيدي المختار ولد يحي انجاي .وهي الخطوة التي رد عليها ولد ببانه بتأسيس حزبه الوئام الوطني, ومع ذلك تمت هزيمته في تلك الانتخابات والتي تلتها .
وإذا كان أحد الباحثين يرى أن الزعامات التقليدية قد انساقت وراء المرشح الفرنسي بسبب الخوف من تدعيم شوكة قبيلة ولد ببانه وتعزيز مكاسبها على حساب القبائل الأخرى ( , إلا أنني لا استبعد أبدا أن يكون الحفاظ على الامتيازات والخوف من عواقب الوقوف في وجه المرشح الذي تدعمه فرنسا واحداً من أهم ألأسباب التي قد تفسر ذلك الموقف من جانب القوى القبلية , أما رابطة الشباب الموريتاني فقد تأسست عام 1955وأصرَّ مؤسسوها بداية أنّها رابطة ثقافية وليست سياسية , إلا أن طموح أصحابها السياسي سرعان ما تأكد بعد أن قدمت مرشحها للانتخابات النيابية عام 1956. " وقد قوبلت رابطة الشباب الموريتاني هذه , منذ نشأتها بمناهضة الإدارة الاستعمارية والزعامات التقليدية وضايقتا أعضاءها كافة أشكال المضايقات وكان من بين أعضائها على الخصوص محمد ولد الشيخ , ود. بوبكر الفا با , احمد بابا ولد أحمد مسكه , أحمد بزيد ولد أحمد مسكه . سوماري كي سيلي , يعقوب ولد أبو مدينة , كوني علي بري , وكان لهذه الرابطة الفضل في أنها كانت أول تشكله معارضة تدعو إلى الوحدة السياسية للبلد بعد الاتحاد التقدمي الموريتاني وقد أنشئ في كوركول حزب محلي صغير وأطلق عليه " كتلة كوركول الديمقراطية " بزعامة مما دو صانبولي با "( ). ولابد من الإشارة إلى أن كتلة كوركول الديمقراطية كانت داعمة بقوة لانضمام البلاد لمشروع الفدرالية المالية الذي كان مطروحا في تلك المدة كأحد الخيارات حول مستقبل البلاد, على أنها لم تكن بدعاً في ذلك, فهناك في الجانب الأخر, بعض النخبة الوطنية أيدت الأطماع المغربية في موريتانيا , في حين أصرَّ بعضها لآخر على بقاء البلاد تحت قبضة الاستعمار الفرنسي . وقد يكون الغموض الذي لا يزال يلف مستقبل البلاد في ذلك الحين, وانعدام مقومات الدولة وتضارب المصالح الفئوية والافتقار للنضج والتجربة السياسية وراء مواقف نخبتها من الكيان الموريتاني ما قبل الاستقلال. هكذا كان المشهد السياسي الموريتاني خلال شهر مايو 1957.
وفي تاريخ 20 ما يو 1957 حصلت موريتانيا على الحكم الذاتي ضمن قانون الإطار, وتولى المرحوم المختار ولد داداه (من حزب الاتحاد التقدمي ) منصب نائب الرئيس, وقد أبدى تعلقا شديداً بمسألة الوحدة السياسية والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الإجماع الوطني. وهكذا شارك حزب الوفاق الوطني في الحكومة كما أسندت بعض الوظائف لرابطة الشباب. كل ذلك بالرغم من المعارضة القوية من جانب قيادات حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني والمسؤلين ألفرنسيين( ). لكن هذا التوجه سوف يتحقق في مؤتمر ألاك عام 1958عندما تكرست الوحدة الاندماجية بين حزب الوفاق والاتحاد وبعض الحساسيات السياسية الأخرى, تحت مسمى "حزب التجمع الموريتاني" .
"وفى مدينة "كيهيدى" أُسِّسَ حزب جديد هو "حزب النهضة " وذلك فى 25-09-1958 وقد تولى "بوياغى ولد عابدين" رئاسة الحزب الجديد والأستاذ أحمد باب ولد أحمد مسكه أمانته العامة وكانت توجهات الحزب عروبية وإسلامية حيث كانت بطاقة العضوية تحمل الآية الكريمة (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...)"( ) . ولم يكن هذا الحزب سوى امتداد لكل من حزب الوفاق ورابطة الشبيبة إذ استوعب العديد من قيادات تلك الحساسيات الوطنية.
"كما أنشئ بعد ذلك حزبان جهويان هما :
1- الاتحاد الاشتراكي الإسلامي الذي أسسه سكان آدرار.
2- اتحاد المنحدرين من الضفة والذي أسسه بعض أطر الضفة"( ) .
وإذا كان هذا هو ما لدينا من تصور عام عن النشأة الأولى للأحزاب الموريتانية, فماذا يمكن أن نخرج به من ملاحظات عامة ؟
هناك ست ملاحظات أساسية :
1)- لبثت التوجهات الجهوية والتعلق بالمصالح الشخصية الضيقة على حساب مستقبل الوطن وقضاياه الكبرى أهم ما يميز أحزاب هذه المرحلة .
2)- لم تكن المشاركة السياسية عبر القنوات الحزبية سوى امتياز تحظى به بعض الفئات والوجهاء والقيادات, ومع ذلك مكنت هذه الأحزاب بلا شك "عددا من الشباب من احتراف السياسة والبحث عن موطئ قدم داخل النسيج المؤسسي الآخذ في الاتساع داخل المدن الموريتانية..."( ) .
3)- لم تكن ولادة الأحزاب السياسية في موريتانيا ولادة متأخرة نسبياً مقارنة بالمحيط على أن ذلك لا يعني أن نشأتها كانت ثمرة نضج وتطور طبيعي فبعضها نشأ بإيعاز من المستعمر الفرنسي وبعضها الآخر كان ردة فعل على ذلك .
4)- كانت ظروف البداوة المهيمنة ونتائج المقاطعة الثقافية للمدارس الفرنسية من قبل المجتمع مع أمور أخرى وراء عجز أحزاب النشأة عن الاضطلاع بدورها .
5)- مع ما يمكن ملاحظته بوضوح من هشاشة وانشقاقات وضعف في مجلات كثيرة لدى أحزاب النشأة إلا أنها بشكل عام مثلت دون أدنى شك الوجه السياسي للمقاومة ضد الاستعمار, وظلت محكومة بمتطلبات المرحلة وهي النضال لأجل رحيله عن البلاد .
6)- برهنت الأحداث اللّاحقة أن النشأة ألأولى لأحزابنا لم تكن إلا أعراضاً لعملية مخاض سبقت ولادة كيان سياسي مستقل سيبصر النور في 28 \نوفمبر\ 1960 , وذلك بالرغم مما كان وراء قيامها (أي الأحزاب ) من أجندة خاصة ونوايا . والمؤكد أن مرحلة الاستقلال السياسي بقيادة الرئيس المختار ولد داداه كانت مرحلة فارقة في تاريخ الحياة السياسية والحزبية في موريتانيا , إذ سرعان ما أقدمت دولة الاستقلال على القضاء التام على التعددية السياسية في البلاد, وجاءت مراجعة دستور عام 1959 لتنسجم مع هذا التوجه , وقد استخدم النظام في سبيل ذلك كل أساليب الإقناع ووسائل الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى , ويكفي لإثبات ذلك مطالعة الفقرة التالية مما كتبه الرئيس المختار في مذكراته " فكان علينا أن نواجه هؤلاء بكل حزم ومرونة في الوقت ذاته . وهكذا استمر الاتصال سراً بأكثر عناصر هذه الأحزاب اعتدالا عن طريق وسطاء رصينين يوثق بهم , وذلك بقصد الإبقاء عليهم قدر الإمكان في رحاب الوحدة الوطنية . وفي الوقت ذاته تم إخضاع أكثرهم نشاطا للإقامة الجبرية في أماكن مختلفة من البلد, دون قطع الصلة بهم. وبعد ذلك تطورت الأمور بشكل إيجابي في ظل الحوار الذي كنا قد قررنا الإبقاء عليه " ( ) .
وكانت حماية الوحدة الوطنية وصون مكسب الاستقلال والقضاء على النزعات القبلية والجهوية والعرقية لصالح بناء الأمة الموريتانية من أبرز ما ساقه النظام من مسوغات لتحقيق الأحادية الحزبية, وهذا ما حصل فعلا بميلاد حزب الشعب الموريتاني إثر مؤتمر الوحدة الذي عقد نهاية 1961 . وأقر المؤتمر أولوية الحزب على مختلف دوائر الدولة.
ومما لاشك فيه أن أي باحث لا يجد صعوبة كبيرة في ملاحظة أن مرحلة حياة الحزب الواحد تشهد على حصول تطور بارز في إطار العمل الحزبي وفاعليته في موريتانيا خلافا لما قبلها وهي مفارقة تقف وراءها مجموعة من العوامل والسياقات التاريخية لا مجال للتطرق لها هنا .
ويمكن إجمال أبرز جوانب التطور الذي حصل فيما يلي:
أ)- بدأ الاهتمام الفعلي الجاد بمسألة التكوين والبناء المؤسسي, وتعميق البرنامج والإستراتيجية الحزبية, وفي هذا الإطار تم بناء دار للحزب ومدرسة لتكوين الأطر وتنظيم دورات لمنعشي الحزب, بغرض التسويق لأهدافه وتوجهاته والتعريف به. وفي عام 1964 عين المكتب السياسي للحزب ثلاث لجان تتكفل كل منها بقطاع محدّدٍ . وهذه اللجان هي اللجنة السياسية, واللجنة الإدارية, واللجنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( ) .
ب)- الانطلاق بالعمل الحزبي وتوسيعه داخل بقية أنحاء البلاد.
ج)- الاستفادة من بعض التجارب وخاصة التجربتين الغينيَّة والجزائرية اللَّتين بدأ النظام ينفتح عليهما بصفة متزايدة ( ).

وإذا كان النظام كما هو بيِّنٌ قد نجح عبر استخدامه كل ما أوتي من قوة في تكريس منهج الأحادية الحزبية إلا أن الرياح لم تجري دوماً كما اشتهت سفنه, فقد تعرض لبعض العواصف الهوجاء - التي وإن نجي من بعضها- إلا أنها أودت به في نهاية المطاف. وكان من أهم الهزات العنيفة المتلاحقة التي عصفت بالنظام , موقف بعض الفئات الوطنية , ورد فعلها القويِّ على ترسيم اللغة العربية , بالإضافة إلي الإضراب الذي نفذته شغيلة المناجم في الشمال, كما أن بروز تيار اليساريين عبر الحركة الوطنية , وحزب الكادحين لاحقاً , وانخراطهم في صراع مع السلطة مستخدمين التنظيمات الطلابية, والنقابات العمالية , كان من الأمور التي أقَضَّت مضجع النظام , وإذا كان استطاع رغم ذلك كله الصمود بفضل اتخاذه بعض القرارات الثورية التي مكنته من الالتفاف على مطالب القوى المناهضة, وكسب المزيد من التعاطف الجماهيري من جراء تأميم شركة "ميفرما" , وصك عملة وطنية, ومراجعة الاتفاقيات المجحفة مع فرنسا , إلا أن الدخول في حرب الصحراء التي استنزفت خزينة الدولة في وقت كانت البلاد أحوج ما تكون لمعالجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن موجة الجفاف في السبعينات , بالإضافة إلى موقف بعض كبار الجيش من الحرب, ومحاولة النظام فتح ملفات الفساد ,كل ذلك وغيره ، مهد لانقلاب عسكري في 10 تموز \يوليو 1978, أعقبته مرحلة من الانقلابات, والانقلابات المضادة اختفت معها الحياة الحزبية في البلاد لأكثر من عقد من الزمن, لتعود من جديد في مطلع التسعينات . وهي المرحلة التي سنتناولها بالتحليل والمناقشة بعد حين إن شاء الله
...............................................
الهوامش:
) ) محمد الأمين ولد سيدي باب: " مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا"، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، أيلول/ سبتمبر 2005 ، ص52
(2) "مذكرات المختار ولد داداه النسخة الالكترونية بحوزتي نسخة منها " ص130
(3 ) مذكرات المختار ولد داداه المرجع السابق ص 132,133
(4) ندوة أقامها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الأربعاء 28-11-2007 موقع وكالة الأنباء المستقلة www.alakhbarinfo.com
(5) ندوة التجمع الوطني لللإصلاح والتنمية المرجع السابق
(6 ) محمد الأمين ولد سيدي باب: " مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا"، مرجع سابق، ص 54
7)) مذكرات المختار ولد داداه مرجع سابق ص 175
(8 ) مذكرات المختار ولد داداه المرج السابق ص282
(9) عمل جماعي: " موريتانيا الثقافة والدولة والمجتمع " بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولي، أغسطس/، ص107


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!