التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 30.04.2012 22:07:24

نصرة الثوابت

تتعرض شخصية البلاد الحضارية ومرتكزاتها منذ فترة طويلة لاعتداء وتبخيس متكررين، وسعي أطراف عديدة لتشويه معالمها وأسسها. بعد أن تأكد أن ذلك هو المدخل المناسب لنشر مخطط يسعى للانقضاض على أهم عناصر وجودنا الراهن ونسف لحمته التي تشكل الهوية العربية الإسلامية الناظم الأساس لقوتها واستمرارها، بما تمثله عناصر هذه الهوية من رسوخ وتجذر في النسيج الوجداني لمختلف مكوناتنا الوطنية، وما حازته من أفق خلاق على مستوى علاقتنا الداخلية وعلاقتنا بالآخر، ولكونها لم تقم في يوم من الأيام ولم تطمح لأن تكون هوية عرق أو دم أو مجموعة، وإنما هوية عقيدة ومعرفة ووجود تاريخي متجدد لم يصدر بقرار من فرد ولا مجموعة، ولا على أساس رغبة منهما.

وقد بدأت نذر الإساءة إلى مرتكزات هوية البلد بالاستخفاف العلني بلغته، اللغة العربية التي هي لغة الدين الإسلامي ووعائه وأداة التواصل الثقافي الوحيدة ووسيلة أداء الشعائر والتعليم بين كل مكونات الشعب الموريتاني، ثم لحق بذلك العبث والمحاولات المتكررة لنزع الهيبة والوقار عن مرجعيتنا العقدية والمذهبية التي وضعت قواعدها منذ القرن الخامس الهجري ، واستمر التمسك بأكنافها من طرف علمائنا ومحاظرنا، تلقينا وتدريسا، إلى الآن.

ها قد وصل الأمر اليوم إلى مستوى من الوقاحة والاستفزاز يحاول أصحابه ربط المذهب المالكي بأخطر ظواهر التخلف والظلم والإهانة والتهميش ، وهي ظاهرة الرق التي سادت ربوعه لفترة طويلة عانت بسببها شرائح واسعة من مجتمعنا، ولم يقفوا عند الاتهام، بل ذهبوا أبعد منه كثيرا حين أحرقوا في ساحة عمومية من ساحات عاصمتنا وقت صلاة الجمعة أمهات كتب هذا المذهب الذي تتعبد به الأمة وتتبرك. لقد فعلوا ذلك وهم يدركون جيدا أن الرق ومخلفاته الكثيرة ممارسة اجتماعية مقيتة لا علاقة لها بدين ولا بمذهب. ناجمة عن إرث تاريخي حٌسم أمره من الناحية القانونية 1981 ومن الناحية الفقهية الشرعية على نحو واضح وقوي من طرف علماء وفقهاء المالكية في موريتانيا في الفترة ذاتها من القرن الماضي، وتعزز البت إيجابيا في أمره من الناحية القانونية والسياسية بعد إجماع مختلف القوى السياسية الوطنية على إقرار القانون المجرم للرق 2007، وحسم أمره أخيرا في أهم وثيقة أخلاقية وقانونية وفلسفية تحكم البلاد اليوم وهي الدستور الذي تضمنت إحدى مواده في التغيير الأخير نصا يٌجَرِّمُ ممارسة الاسترقاق.

إننا في حزب الصواب ندعو كل الموريتانيين اليوم على اختلاف مشاربهم السياسية والطبقية أن لا يعالجوا هذا الأمر بصفة معزولة، لأنه الجزء الأوقح لحد الآن من تجلي ظاهرة العبث بالمرجعيات وتمييعها والمحاولات المتكررة لفك التعبئة النفسية الطبيعية الموجودة في المجتمع، التي تجعله يهب بكل تلقائية للدفاع عن رموز هويته الدينية والثقافية.

فنحن أمة، و لكل أمة ثوابت ومرجعيات، لا ينبغي أن تصلها الاجتهادات ولا الخيارات المصلحية والسياسية الآنية ، وهذه الثوابت محددة بوضوح في عقدنا الاجتماعي والديني الذي حكمنا منذ مئات السنين، قبل أن نصوغه في وثيقتنا الدستورية التي حظيت برضانا أو رضى سوادنا الأعظم على الأقل.
ولهذا نعتبر انه من الضروري اليوم بعد ما أقدمت عليه هذه المجموعة مراعاة الأمور التالية:
أولا: على المجتمع أن يعيد التفكير الجدي في الطريقة التي تتعامل بها مكوناته السياسية مع ثوابته، وأن يضع حدودا صارمة بين هذه الثوابت ومجالات الاختلاف والتعدد، وأن يعتبر أنه لا أحد له الحق – كائنا من كان – في التطاول على تلك الثوابت، التي لا يمكن التسامح أو التساهل مع منتهكي حرمتها.

ثانيا: أن هذا الفعل الشنيع الذي قامت به حركة "إيرا "ينزع عنها كل غطاء أدبي و اخلاقي، فهذا الغطاء منوط بمراعاة صيانة الأمن النفسي والروحي للمجتمع فيما تقوم به مجموعة من مجموعاته، وهو ما لم تراعه الحركة ، لكن يبقى نزع الشرعية القانونية عنها من اختصاص الجهات المعنية، إن كانت قد حصلت على هذه الشرعية.

ثالثا: إنه لفرق كبير بين من يستدرك أو يوجه نقدا مثبتا أو غير مثبت لكتاب معين، أو فهم لنص شرعي أو تأويل له وبين من يشهد الناس على استهزائه وحقده على أمهات كتب مذهب فقهي يدين به شعب بكامله. وعلى من قام بهذا الفعل الشنيع المعبر عن شهوة الفتنة والتدمير والاستخفاف بقيم المجتمع ومرجعياته، أن يمارس نقده الذاتي أمام الشعب الموريتاني الذي جرحت مشاعره قاطبة.

رابعا: نعتبر أننا - سلطة وقوى سياسية – عجزنا عن إنجاز خطوات متاحة بسهولة للتعامل مع واقع مؤلم حقا وهو الرق وآثاره التي جعلت بلادنا إلى وقت قريب نموذجا واضحا للمجتمعات المتخلفة التي تمارس فيها العبودية. وهو ما يحتم علينا أن نسارع في التطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بها، لأن تحقيق ذلك هو المنجز الأهم في سبيل وحدة الشعب الموريتاني، وإبعاد فتيل التوتر الأهلي وتأجيج الصراعات العقيمة في صفوف الشعب الواحد، قبل أن يكون مطلبا أساسيا من مطالب العدل والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

نواكشوط بتاريخ: 30/04/ 2012
القيادة السياسية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!