التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:20 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.05.2012 23:29:47

نزعة طالبانية في موريتانيا (ورقة تنبيه وإنذار)

في يوم 28 ابريل 2012، شارك بيرام الداه اعبيدي، رئيس المبادرة من أجل الحركة الانعتاقية (إيرا)، وهي منظمة غير معترف بها، رفقة بضعة من مناضلي الحركة في صلاة جمعة، في تصرف أصبح شائعا، تحديا لأماكن العبادة الرسمية التي يبقى الحديث فيها عن موضوع الاسترقاق محظورا. وبعد انتهاء ركعتي الصلاة، قام بيرام، أمام بعض المناصرين وبعض الصحفيين تم إخطارهم مسبقا، بحرق بضعة كتب في الفقه الإسلامي تتضمن عروضا مفصلة عن استغلال الإنسان وحقوق الرقيق وواجبات السيد. وقبل قيامه بحرق الكتب المذكورة، في ساحة عمومية بمقاطعة الرياض، وهي إحدى الأحياء الشعبية النائية بانواكشوط العاصمة، حرص زعيم حركة (إيرا)، تجنبا لمصادمة مشاعر المؤمنين، على نزع كافة الصفحات التي تتضمن نصوصا من القرآن أو اسما من أسماء الله أو ذكرا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

2- الفاعلون:

لم تتحرك أجهزة الأمن حتى الغد على الرغم من إخبارها بالحادثة من طرف عناصر مخترقة لحركة إيرا، تاركة بذلك الوقت للصحافة لتحضير الرأي العام ببشاعة الفعلة وشناعتها. وبعد مرور 24 ساعة، تم اعتقال رئيس إيرا في منزله دون أمر قضائي، من طرف وحدات من الشرطة، جاءت في أعداد كبيرة، ملقية قنابل مسيلة للدموع في المنزل، حيث كان يوجد عشرات من المناضلين وأقارب المعني، قام بعضهم بالدفاع عن أنفسهم في مواجهات التحام جسدية (مع فرقة الشرطة). وبالاعتماد على سجل المكالمات بجهازه الهاتفي، قامت الشرطة باستخراج قائمة الأشخاص الذين يتصل بهم وحددت آخر مكالماته لتقوم باعتقال كل من:

1- بيرام الداه اعبيد: رئيس إيرا

2- عيسى ولد علي: منسق الحركة في انواكشوط

3- يعقوب جارا: رئيس لجنة السلام لأمن بيرام الداه أعبيد

4- عابدين ولد معطل: عضو المكتب التنفيذي، الأمين العام للجنة السلام

5- أحمد حمدي ولد همر فال: عضو المكتب التنفيذي، أمين خزينة إيرا

6- العيد ولد أمبارك: متعاطف مع إيرا

7- بلال ولد صمب: رئيس الحزب المعترف به اتحاد القوى الاشتراكية في موريتانيا (UFSM)، متعاطف مع إيرا

8- العيد ولد الميلح: إمام إيرا، معاق حركيا

9- عبد الله آبو جوب: مصور ومخرج، متعاطف مع إيرا تم إطلاق سراحه لاحقا

10- عبيد ولد إيمجن : صحفي، مدير المنتدى الإعلامي www.initi.net، المتحدث باسم إيرا

11- بومدين ولد اباته: متعاطف مع إيرا-موريتانيا

12- زيدان ولد مولود: ممثل إيرا في المذرذره، الذي أخطر بعدم مغادرة المقاطعة، ولكنه كان قد اتصل ببيرام هاتفيا من داكار، عشية الحادثة.

13- الشيباني ولد بلال: وهو قريب ولد صمب (رقم 7) عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وقد تم الإفراج عنه بعد يوم من الاعتقال.

وإلى غاية هذا اليوم، فإن أيا من هؤلاء لا يتلقى أي زيارة من أسرته أو من محاميه، وبعد مثولهم أمام وكيل الجمهورية، تمت إعادة هؤلاء المساجين يوم 2 مايو إلى إدارة أمن الدولة، وهي الشرطة السياسية، حيث يوجد عشرات من الجلادين، في حصانة كاملة ضد العقاب، منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي.

وأخيرا أبلغ بيرام وأصدقاؤه، وهم في انتظار توجيه الاتهام رسميا إليهم، باتهامهم بالمساس بأمن الدولة، وهو اتهام عار من أي أساس أو صحة. وقبل الوصول إلى تكييف أكثر دقة، فإن قاضي التحقيق والمدعي العام، المرتبكين بسبب الفراغ القانوني في المسألة، مترددان وينتظران أوامر رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، الذي أصبح ملاذ ومرجع المطالبات القصوى المقدمة باسم الأمة. وفعلا ترأس هذا الأخير مجلس الحكومة في اليوم الموالي ليصدر بيان يوعد بإنزال اشد العقوبات بمرتكبي "الفعلة البشعة". وبذلك فإن إخضاع القضاء للسلطة التنفيذية قد أصبح أمرا مفروغا منه وكاملا، كما يبدو.

3- الإلهاء:

في مساء الليلة نفسها ومنذ صبيحة اليوم الموالي، انطلقت، في شوارع مدن وقرى كثيرة في البلاد، حشود هستيرية تصيح منددة بالتجديف والكفر ومطالبة بقتل بيرام ورفاقه. وأخذ التلفزيون الرسمي للدولة يبث، في سلسلة مكررة، صور الكتب والمؤلفات المحروقة، مشفوعة بتقارير حماسية حول "مدى وحجم غضب الجماهير". وانهالت دعوات إلى الكراهية وإلى القتل على شاشة التلفاز، تناقلتها في حملة مزايدة على الكراهية، فضائيات عربية، وهو ما شكل سياقا يعيد إلى الأذهان أعمال الشغب العنصرية التي حصلت سنة 1989. وهكذا وخلال بضع ساعات، وفيما يصدق نظرية الفخ المنصوب لبيرام، استطاعت الحكومة تحويل وجهة الرأي الوطني، في لحظة كانت المعارضة فيها تستعد لتنظم يوم 4 مايو مسيرة حاشدة للمطالبة بتنحي محمد ولد عبد العزيز.

وخلال 48 ساعة، قامت السلطات، كعادتها بعملية خوصصة للإسلام، محاولة اختزال الرسالة الثورية التي جاء بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في انكفاء على الذات ومضمون قاتل للحرية وفئوي هو في حقيقته نقيض كامل لرسالة خطبة الوداع العظيمة.

وعند استقباله لوفود المسيرات التي جاءت تناشده "..إنزال عقاب رادع بمناضلي إيرا.."، نفى رئيس الجمهورية وجود الرق في موريتانيا، وانطلق في حديث مرتجل بوصفه حامي حمى الدين، مستبعدا أي تطور نحو العلمانية وواعدا- في تعهد غير مسبوق من قبله- بتطبيق الشريعة في البلاد. وبين عشية وضحاها، وكما لو كان الأمر مبيتا ومدبرا، خرجت وانطلقت فروع وأقسام من مبادرة تدعى "كلنا عزيز"، تحت إشراف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الحزب الحاكم. والأدهى من ذلك هو أن السلطات أخذت ترسل باصات إلى محيط المساجد لتنقل المتظاهرين؛ وطلب من كل إمام أن يعلن في المصلين قبل تفرقهم: "هناك سيارات تنتظر في الخارج إن كنتم تريدون الالتحاق بالمسيرة المتوجهة إلى رئاسة الجمهورية للتنديد بالفعلة الشنيعة"، الخ.

إن رئيس الجمهورية، في سعي إلى مواجهة خصومه الإسلاميين الذين أصبحوا شديدي الحيوية والنشاط في الأسابيع الأخيرة، ينصب نفسه في مقام آية الله المدافع عن الإسلام ضد الكفر والفسوق الذي قام به بيرام ورفاقه. من جهة أخرى، ومنذ أن بثت قناة CNN فيلما وثائقيا بتاريخ 18 مارس 2012 عن استمرار الاسترقاق في موريتانيا، أخذ الطرح شبه الرسمي يعمل جاهدا إلى الإيحاء بأن بيرام وأصدقاءه أصبحوا يعملون لصالح "المؤامرة اليهودية-المسيحية". وأما الأسياد، الذين كان قد لفهم العار وتواروا عن الأنظار نسبيا منذ سقوط دكتاتورية ولد الطايع، فقد كشفوا عن وجوههم فجأة وتخلصوا من العقدة وصعدوا إلى الساحة العامة: لقد أخذوا أخيرا بثأرهم.

وكما يحدث في العالم الإسلامي عند حصول أبسط نزاع، تداعى البعض إلى الحديث عن تمويل إيرا من طرف إسرائيل. وعلى الرغم من صدور فتوى شجاعة تبرئه من تهمة الكفر، فقد أصبح بيرام "مرتدا" و"كافرا" و"طاعنا في الدين" تجب تصفيته جسديا". وجاء جميع المتشددين والغلاة والمصفقين ليشاركوا في هذا المنحى. وفي يوم الأحد 29 إبريل سارع سفراء الدول العربية، المجتمعين مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون، إلى التنديد بهذه الجريمة وأعربوا عن تضامنهم مع موريتانيا، حسب تعبير عميدهم، السفير المغربي عبد الرحمن بن عمر؛ أما الدبلوماسيون الآخرون فقد أخذوا علما بحملة الاعتقالات؛ في حين قال سفراء الديمقراطيات الغربية إنهم أخذوا علما بالأمر مع تحفظهم عن التذكير بالمبادئ الأساسية الضامنة للحق في حرية التعبير.

4- أصل وجوهر المشكلة

إن موضوع الرق، الذي يتردد في مؤلفات فقهية يعود تاريخها غالبا إلى عدة قرون، أصبح اليوم ينتمي إلى ماض ولى عهده في المجتمع الإسلامي، باستثناء موريتانيا وبعض مجموعات سكان الصحراء والساحل؛ وفي موريتانيا، لم يتم إلغاء هذه الظاهرة إلا سنة 1981؛ وقد تطلب الأمر عقدين من الزمن من النضال قبل أن يصدر قانون سنة 2007، يجرم ويعاقب صراحة هذه الممارسة وعلى الرغم مما يمثله من تقدم نظري على طريق الانعتاق، فما يزال هذا النص دون تطبيق، وقد اعتمدت السلطات العليا في الدولة، ابتداء من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، بخصوص بقايا ظاهرة القهر الإثني والاجتماعي هذه، خطابا يقوم على إنكارها وممارسة اللاعقاب بالنسبة لمرتكبيها. وهكذا، فإن التصرف المتهور الذي قام به بيرام الداه أعبيد يأتي في سياق من تتفيه وابتذال جريمة الاسترقاق، على الرغم من تضاعف حالات التظلم والشكاية من الرق، لدى القضاء، وهي الحالات التي يتم تقريبا حفظها كلها دون متابعة أو إفشالها على مستوى التحقيق. إننا اليوم أمام حالة بيرام بسبب الاسترقاق، وغدا سنكون أمام حالة فاطمة أو أمباركه إذا جازفت أي منهما على فضح وكشف تبنيت المرأة وإخضاعها الأبدية، انطلاقا من أحكام مذهب ما، أو مدرسة فقهية ما.

5- الخطر الخفي إن قضية بيرام الداه أعبيد تكشف اليوم، فضلا عن طابع الفضيحة الذي يميزها، عن عملية طلبنة متسارعة للمجتمع الموريتاني، هذا المجتمع الذي يعيش صدعا عميقا: ذلك أن المجموعة البيظانية، وهي تواجه صعود الاحتجاجات ضد هيمنتها من طرف المجموعات الاجتماعية والإثنية الأخرى، تتعرض أكثر من غيرها من سكان البلد، لضغط متصاعد من الأصولية على مستوى الصرامة الأخلاقية، والتزمت على مستوى الآداب العامة وكراهية النساء، في قراءة حرفية للقرآن، و نزعة عروبية القيم والأفق، صماء عن التنوع الثقافي للبلد، وذات توجه حصري نحو الماضي المجيد للأمة. وبدلا من مقاومة هذا الواقع من خلال مواجهته بأصالة الثقافات الوطنية ونموذج التدين الصوفي- الأكثر تسامحا وروحانية- فإن القطاعات الأكثر وعيا في النخب البيظانية يغلب عليها المذهب السلفي، والأدهى من ذلك، فإن التشكيك في مشروع إقامة المدينة الدينية في موريتانيا، أصبح اليوم يعامل بواسطة وسائل الإقصاء، بل والتهديد بالقتل. وبطبيعة الحال فإن الانحراف والانجراف المحلي نحو الوهابية يتجاهل مطالب الأرقاء السابقين في الحرية والمساواة، وهو ما يشكل مصدر خطر على وحدة البلاد، كما أنه يؤجل من جديد آمال الزنوج وطموحهم بعيد المنال بعد في مواطنة كاملة، بعد عمليات القتل والترحيل واغتصاب الأرض التي كانوا قد تعرضوا لها. إن السلفية الموريتانية تشكل اكتمالا للطفرة ذات المفارقات التي تميزت بها النزعة القومية البيظانية. وتأتي شبكة هائلة من الهيئات الخيرية، ممولة من بلدان المشرق البعيدة، لتحضر المهاد والأرضية للطغيان القادم، في أوساط السكان المحرومين.

6- موقفنا

أ‌- إن الفعلة الخرقاء والاستفزازية التي قام بها بيرام الداه أعبيد تنطلق، في جوهر الأمر، من تعطش شديد إلى الإنصاف وجبر الضرر؛ وبذلك، فإن الإفراج عنه وعن أصدقائه المعتقلين معه، أمر متعين بشكل عاجل، وإلا فيجب أن تضمن لهم، في أقرب الآجال، محاكمة وفق المعايير الدولية.

ب‌- من أجل عدم الاستخفاف بإهانة أغلبية من الموريتانيين، في ذاكرتهم التاريخية وحاضرهم معا، فإن مجموع المؤلفات الدينية التي تتضمن إشارة إلى الرق تستلزم من السلطات العمومية والسلطات الدينية، جهدا بحثيا حقيقيا، واعيا من أجل تمييز ما تجاوزه الزمن منها مما هو صالح ومناسب؛ ويجب أن يشرع، على جناح السرعة، في حملة دائمة للشرح والإيضاح، بما في ذلك داخل المدارس أو المحاظر التي يقدم فيها التعليم المدني والأخلاقي. كما أن وجود ملاحظات توضيحية، بل وربما مؤلفات نقدية، في المكتبات العمومية والتجارية، تبين التسلسل والنسق الزمني لمثل تلك الأقوال الفقهية، سيوفر للشباب الموريتاني حماية من الفرقة والشقاق العنصري.

جـ- إن مما يثير الاستهجان ويعد دليلا على الإفلاس المعنوي أن تتعبأ حشود كبيرة، بشكل عفوي ضد حرق كتب فقهية، في حين تبقى تلك الحشود صامتة، وغائبة وغير مكترثة بحالات الاسترقاق والعنصرية العديدة، كما لو أن الدين، في تصورها، يحمي القوي ويعاقب الضعيف.

د- ونظرا للطابع الشامل للخطر، فإن المنظمات الموقعة على هذه الورقة تدعو المناضلين من أجل الديمقراطية وكرامة الإنسان، داخل البلاد وخارجها، إلى التحلي بيقظة يومية دائمة أمام محاولة إقامة دولة ثيوقراطية في موريتانيا وفي منطقة الصحراء والساحل. إن الخطر وشيك وموجود في أقرب الجوار.

انواكشوط بتاريخ 10 مايو 2012

الموقعون:

1. جمعية النساء معيلات الأسر الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان

2. الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان

3. الجمعية الموريتانية لمؤازرة ودعم المساجين

4. جمعية مغاربيي فرنسا

5. ضمير ومقاومة

6. لجنة التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان

7. المبادرة من أجل الحركة الانعتاقية (إيرا)

8. الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان

9. الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان

10. الرابطة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان

11. المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان

12. نجدة العبيد.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!