التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:18:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 25.07.2008 09:49:42

مطاعم الأعرشة في لبراكنه .. فنادق ريفية

عايده صاحبة أحد المطاعم بمدينة بوكي (الأخبار)

عايده صاحبة أحد المطاعم بمدينة بوكي (الأخبار)

على طول طريق الأمل الرابط بين العاصمة نواكشوط والمناطق القصوى في الحوض الشرقي بموريتانية، كما على طول الطريق الرابط بين عاصمة ولاية لبراكنه (ألاك) وبين عاصمة ولاية كوركول (كيهيدي) على طول الطريقين إذا تنتشر أعرشة هي أشبه بفنادق متخصصة في بيع الطعام إضافة إلى الخدمات المصاحبة كالشاي والأشربة.
اللحم بضاعتها الأساسية في بعض المناطق، وهو بارز الحضور في كل المحطات تبيعه طازجا نيئا وشواء .. تحت الطلب، وتضيف إليه بعض الوجبات الأخرى بحسب تنوع الزائرين والرغبات، ففي حين تكثر وجبات الأرز باللحم، والكسكس، وأنواع المكرونة على طريق الأمل، تعرف وجبة الأرز بالسمك حضورا كبيرا في مدينة مثل بوكي غالبية المسافرين عبرها من سكان الضفة.
غالبية ملاك هذه المطاعم من النساء مع أن عملها الأساسي هو من اختصاص الرجال في المجتمع (الذبح، والشي..).

واجهة مطعم يبرك في مدينة ألاك

واجهة مطعم يبرك في مدينة ألاك

انتشرت هذه التجارة بشكل كبير في مدينة بوكي المحاذية لنهر السنغال من سنة تسع وثمانين تسعمائة وألف وهي السنة التي أغلقت فيها الحدود بين البلدين على خلفية الأحداث الدامية التي أعقبها إبعاد مجموعات كبيرة من الموريتانيين الزنوج إلى السنغال ومالي، لكن تاريخها في مناطق أخرى أقدم من هذا بكثير.
عائده (أو عيديس) كما تعرف محليا واحدة من أشهر عشرات النساء اللاتي يعملن في مهنة "الفندقة التقليدية" هذه، تملك عيديس واحدا من أشهر المطاعم (لمبارات) في مدينة بوكي وهي تتولى عملية شي اللحم وتقديمه للزبناء بنفسها كانت بداية عيديس (التي لا تدرك لماذا يعدلون عن اسمها الصحيح إلى هذه التسمية) قبل خمس سنوات من الآن بعدما فرض عليها الفقر الهجرة إلى العاصمة الاقتصادية نواذيبو، هناك تقول عايده "عملت خادمة منزلية لمدة ستة أشهر حصلت على خلالها على مبلغ ستين ألف أوقية وعدت إلى مسقط رأسي بوكي واستأجرت هذا المكان (تشير إلى الغرفة والعريش الذين يكونان فندقها) من صاحبه بمبلغ ألفي أوقية شهريا (وأدفع عنه الآن مبلغ 20 ألف أوقية شهريا) واشترط لإخراج من كانوا في المكان أن أدفع أجرة عشرة أشهر مقدما وهو الشرط الذي استجبت له لتبدأ رحلتي مع العمل، لدي الآن أربع منازل أأجرها في مدينة بوكي إضافة إلى المنزل الذي أسكنه أنا وعيالي، أنفق على البيت أكثر مما ينفق زوجي الذي يعمل حارسا... كما أني بصدد بناء فندق هنا في المدينة.
"عيديس" لا تنوي التخلي عن المهنة التي تعمل بها أيضا أمها وإن كانت لا تنوي توريثها لبناتها فهن متعلمات وتتمنى لهن مستقبلا في أوربا.
ترفض عيديس مثل زميلاتها في المهنة الحديث عن الدخل بشكل محدد وإن كن يجبن بالإيجاب عندما تقول أمامهن إنه "مريح نسبيا".
تعتقد عايده أن سر نجاحها هو المثابرة والاجتهاد في العمل وهي ترفض أي تأثر سلبي بنظرة المجتمع إلى عملها على أنه عمل رجالي "فأنا لا أختلف في شيء عن مالكات المطاعم الأخرى، إلا أنني أتولى عملية شي اللحم بنفسي، في حين ينبغي أن يتولاها بالنسبة لهن مساعدون من الرجال".
وعندما تسألها عن المعايير الصحية في عملها تجيبك بأن عملها وجل مثيلاتها في المطاعم بأيديهن وتحملهن مسؤولية ما يقدمن لزبنائهن، وعدم استئجار عاملات هو خير ضمان لنظافة المأكولات وجودة العمل فيها.
تقوم هذه المطاعم على الطرقات بمثابة إقامات رخيصة للمسافرين الذين يقطعون الطريق إلى محطات بسبب بعد الشقة، وقليلون جدا هم المسافرون الذين يرفضون تناول الطعام فيها، محمد واحد من هؤلاء يسوي في الرفض، بين طعام هذه المطاعم والتصوير والحديث إلى الصحافة لكن نقاشه يخولك سرقة بعض الأسباب؛ فهذه المطاعم بالنسبة إليه لا تحترم المعايير الصحية في إعداد االطعام كما أن الجميع يجلسون في مكان مكشوف للشارع وهو غير مريح ولا نظيف، "شرب الشاي هنا هو أقصى ما يمكن أن تضطرني إليه الظروف”.

محمد فاضل هو الآخر لا يرغب في التصوير لكنه مستعد لإعطاء رأيه الإيجابي حول هذه المطاعم "نحن السائقون لا نملك أحسن من هذه المطام فهي تمنحك مكانا للاضطجاع من دون أية إزعاجات تقريبا ولا رسوم، كما أنك تتناول فيها طعامك المفضل وبأسعار معقولة”.
السلطات المحلية لا تعير اهتماما كبيرا للاختلالات التي قد تقع فيها هذه المطاعم بقدرما تهتم بجباية الضرائب منها، تاركة أمور المحاسبة حتى يتطور القانو ويجد المواطنون بدائل، وتدخل مشاريع تنظيمها ضمن المشروع العام لتنظيم الأسواق.
مدينة ألاك إحدى أشهر المدن بأعرشتها المنتشرة على طول الطريق الذي يشقها شرقا وغربا وتزدهر فيها هذه التجارة لكونها أكبر محطة بعد مدينة نواكشوط، ولكونها محطة استراحة مناسبة لطول المسافة قبلها وبعدها (تقع في منتصف الطريق تقريبا بين نواكشوط وكيفه عاصمة ولاية لعصابه).
حوالي ثلاث كلمترات هي المسافة التي يقطعها طريق الأمل في مدينة ألاك وعلى جانبيه تنتثر قرابة الثلاثين من هذه "الفنادق المحلية"، ومتوسط العاملين فيها ما بين السبعة والعشرة أشخاص.
الأسعار في فنادق الطريق لا تنضبط بضابط محدد، تشرح خدي (أربعين عاما) لا تثبت الأسعار عندنا على حال فحين تكون المواشي رخيصة ومتوفرة، في فصلي الربيع والشتاء نبيع بأسعار رخيصة، وحين تشتد وطأة الصيف على المواشي ويندر السمين منها نضطر لزياة الأسعار.
وكما لا تستقر الأسعار لا يستقر عدد الزبناء يقول محمد ولد الكوري "في بعض الأيام نحتاج إلى ثلاث شياه وفي بعض الأيام لا نذبح شاة واحدة، زبناؤنا يخضعون لحركة السير سلبا وإيجابا"

محمد ولد الكوري متحدثا إلى موفد الأخبار

محمد ولد الكوري متحدثا إلى موفد الأخبار

محمد ولد الكوري مسير أحد أهم المطاعم (كما يسمونها) الموجودة في مدينة ألاك وأعرقها بإطلاق، فقد أنشئ سنة 1975، يقول محمد إنه سئم الحديث عن مشاكل هذا القطاع للصحافة والمسؤولين على حد سواء، "فقد زارتنا الصحافة أكثر من مرة كما زرانا وزير السياحة في الحكومة السابقة على عهد ولد الطايع، ووعدنا بأن يحسن من واقعنا، لأننا نحن من يعبر عن وجه المدينة ونحن من يعطي الانطباع عنها للزائرين وطنيين وأجانب" ويستطرد ولد الكوري في المشاكل التي يعاني منها القطاع، "ليس لدينا مكان للادخار وبالتالي إما أن نبيع في نفس اليوم أو تتلف اللحوم والمواد التي نعد للزائرين، لقد طالبنا أكثر من مرة بتحسين وضعنا، والدولة تعد ولا تفي، قالوا إنهم أرسلوا مبلغ 72 مليون أوقية إلى الولاية لمساعدة أصحاب المهن ولم يصلنا منها درهم واحد، وعندما جئناهم قالوا لنا سيرهن كل واحد منكم منزلا ونعطيه قرضا، ونحن لا نجد ثمن شاة فأنى لنا بمنزل ندفعه رهنا... نحن نوفر الكثير من فرص العمل، مثلا يعمل معي أكثر من عشرة أشخاص يتقاضى أقلهم راتبا شهريا مبلغ ثلاثين ألف أوقية. بل ونقوم بأدوار أخرى مثل ضيافة عابري السبيل الضعاف الذين لا يجدون من يؤويهم، كما نوفر حاجزا بين السكان والضيوف الكثر الذين يتهاطلون على المدينة بكحم موقعها الخاص، بسببنا ازدهرت التجارة في المنطقة، وعلى هامش مهنتنا يعيش الكثير من باعة النعناع، والمشروبات الخفيفة ..”
وعن تعامل السلطات المحلية معهم يقول محمد ولد الكوري، الذي يسير مطع زوجته، إنه جيد في عمومه "لا نتعرض لأي مضايقات ندفع ضرائب خفيفة نسبيا، ندفع عن كل شاة مبلغ خمسين أوقية وندفع ضريبة سنوية تبلغ ألف أوقية، كلها للبلدية".
وعن الحماية الصحية للمنتوج وما إن كانت لها معايير يقول محمد ولد الكوري "نحن لا نملك آلات الصيانة الكافية، لو كانت لدي مثلا ثلاجة زجاجية لما عرضت اللحم بهذه الطريقة في الهواء الطلق، لكننا مع ذلك نولي النظافة أهمية كبيرة، أنا مثلا تكلفني النظافة شهريا مبلغ تسعة آلاف أوقية شهريا، وأنقل النفايات كل يوم إلى خارج المدينة".
منذ سنوات عرفت هذه المهنة بعض التطور فأسس بعض المشتغلين بها سلسلة مطاعم أطلق عليها "مطاعم يبرك" (بمعنى: يلمع) فتحت حتى الآن علاوة على مركزها الأول في مكطع لحجار (بولاية لبراكنه) فرعا في مدينة ألاك، وأثناء زيارتنا لفرعها في عاصمة ولاية لبراكنه كان السيد الكبير غائبا، ولم نتمكن من لقائه.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!