التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:23:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 03-04-2007 19:54:49

الانتقال القادم... الى أين؟

بقلم د. احــمد الهيبة ولد محـمد فاضـــل
- مستشفي بني مسوس الجامعي- الجزائر
[email protected]

رغم قناعتي بأن كلا مرشحي الشوط الثاني أحرز حظا من النجاح وناله قدر من الفشل فان فارق الاصوات الذي تفوق به السيد الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله على منافسه السيد احمد ولد داداه سيمنح الاول شرف الجلوس على أول كرسي رئاسي ساهم جميع افراد الشعب- بشكل ما- في بناء هيكله وتحديد لونه، عبر سلسلة من الانتخابات حافظت- رغم الشوائب- على قدر كبير من المصداقية وتجاوزت بالتاكيد العديد من الممارسات السابقة.

وبقدر ذالك الشرف تكبر مسؤولية الرئيس الجديد باعتباره يقود مرحلة انتقالية بحق،لما لها من دور حاسم في تحديد مستقبل الممارسة الديمقراطية في البلد، ولكونها فرصة قد لا تتكرر لتكريس ثقافة ديمقراطية حقيقيةأو- لا قدر الله- العودة الى الصفر بكل ما يحمله من دلالات،بدء بالعودة للحكم الفردي وتراجع اوغياب التنمية الاقتصادية وسيطرة الفساد ، وانتهاء بدخول دائرة الانقلابات من جديد ولكن ربما دون قيادة رجل بمستوى وفاء الرئيس اعل ولد محمد فال .

الماضي...

اذا فارق مئوي لا يتجاوز اصابع اليد الخمسة منح الرئيس الجديد كرسي الرئاسة ، فكيف سيتعامل مع اليد –ذات العدد الاسطوري من الاصابع – التي ساهمت بشكل كبير في ادخاله القصر الرمادي، كما ساهمت تماما في اخراج سلفه بفسادها و افسادها ثم بقيت خلفه محملة اياه المسؤولية وحده عن كل الويلات التي عاشها الوطن والجرائم التي مورست في حق المواطنين ، ثم بدأت تحيك خططها لاستعادة السلطة ، مستعملة نفس اساليب الترغيب والترهيب التي تعودت عليها في السابق ،ومستفيدة من واقع قبلي وجهوي عملت على ترسيخه وتعميقه ايام سطوتها .

سيكون تعامل الرئيس مع سدنة الفساد -ايا كانت عناوينهم الجديدة ومهما كانت انتماءاتهم الان وسواء كانوا ممن تحالف معه أو مع منافسه- اساسيا في الحكم على المرحلة القادمة، باعتباره اول امتحان لمدى الالتزام بالوعود الانتخابية واسلوب التعاطي مع\" موروثات\" النظام السابق.

الحاضر ...

ملفات كبرى سيجدها الرئيس الجديد امامه على مكتبه او في دهاليز القصر الرمادي:

يتصدرها تشكيل الحكومة والتي يجب أن تستجيب للخريطة السياسية الجديدة ،وان لا تسلم حقائبها الا لذوي الايدي النظيفة واصحاب الخبرات الحقيقية حتى تكون قادرة على مواجهة تحديات المرحلة،يلي ذالك ملف العلاقات مع الكيان الصهيوني حيث يكاد يجمع كل الموريتانيين على ضرورة قطعها وبشكل فوري لتعارضها مع جميع الثوابت الاسلامية والمصالح الوطنية و الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،ولفقدانها لاي مسوغ –و لم يكن لها يوما -امام بطش العدو الصهيوني وجبروته وخططه المكشوفة لهدم اولى القبلتين ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم، كماسيكون على الرئيس تطبيقا للمبادئ الديمقراطية ازالة كل القيودأمام تشكيل الاحزاب السياسية وتمكين الاسلاميين من تشكيل حزب سياسي يسمح لقواعدهم الشعبية غير القليلة بممارسة حقوقها كباقي افراد الشعب،وليس اخيرا يجب انهاء ملف\" السلفيين \"باصدارعفو شامل او على الاقل اجراء محاكمة عادلةتنظر بعين الرحمة حتى لمن قد يدانون باعتبارهم من بين ضحايا النظام السابق .

وعلى الصعيد الاقتصادي ترث المرحلة الجديدة بلدا يشكل فيه الفقر القاعدة رغم ثرواته الهائلة وعدد سكانه المحدود ،و رغم بعض التحسن في السنتين الاخيرتين فان الوضع لايزال كارثيا ،و الرئيس الجديد يدرك -دون شك- مكامن الخلل مثل سوء التسيير والهدر وغياب أو عشوائية التخطيط وفوضوية التنفيذ ،ونأمل ان تكون لديه الحلول مع الاصرارعلى تطبيقها بما يتطلبه ذلك من اختيار الفريق المناسب وتفعيل المراقبة الدقيقة، وصولا بالمواطن الى الحد الادنى من العيش الكريم بشكل عاجل في انتظار نيله ما يستحق من رفاهية تكفلها له موارده الوفيرة وتعداده المحدود.

كما يشهد التعليم ترديا غير مسبوق سواء لجهة تدني المستوى العلمي وانحطاط المستوى الاخلاقي في المدارس أو لجهة ارتفاع نسبة التسرب المدرسي ، وتعود هذه المشاكل الى تخبط السياسة التربوية للبلد بدء بالتعريب غير المدروس الذي أدى لتخريج اجيال لا تتقن حتى العربية ولا تمتلك أي لغة اجنبية، وانتهاء بالعودة الى\"فرنسة \" غيرمبرمجة تتنكر لتاريخ البلد العريق ودينه الاسلامي وموروثه العربي الاصيل،والاصوب تطبيق منهج يعتمد العربية لغة اساسية ولكن يولي اهمية قصوى لتعليم اللغات الاجنبية خاصة الانكليزية باعتبارها لغة العلم في هذا العصر،ولن ينجح أي اصلاح تربوي دون تحسين ظروف الجهاز التعليمي وتوفير الشروط الملائمة له لاداء رسالته النبيلة، بل لا بد كذالك من تقديم اعانات مالية للطلاب ذوي الظروف الاقتصادية الصعبة .

أما الصحة فلا زالت تعاني من مشاكل هائلة رغم كل الجهود ورغم تحقيق بعض التحسن،ومن اهم تلك المشاكل : نقص الموارد البشرية من اطباء وممرضين فهو ابلغ اثرا في نظري من نقص الموارد المالية على اهمية هذا الاخير ،فقد ادى العجزفي الكادر البشري الى نقص شديد في الخدمات الطبية أفقيا وعموديا حيث تغيب هذه الخدمات تماما عن مناطق عديدة تتوفرعلى البنيات التحتية الصحية وتنحصر في العناية التمريضية في اغلب المناطق ،ويؤثر هذا العجز ايضا على مستوى تقديم هذه الخدمات حتى في المشافي الوطنية الرئيسة خاصة في انواكشوط،ونرجو ان تلعب الكلية الجديدة دورا في حل جزء من المشكلة ولوبعد حين، واستكمالايجب فتح معاهد لتكوين الممرضين في كافة الاختصاصات الطبية وبمستويات علمية عالية كما يجب الاهتمام بالتكوين واعادة التكوين في شتى الفروع الطبية، وبموازاة ذالك يجب تعميم مجانية الخدمات الطبية كواحد من ابسط حقوق المواطن واهمها، ووضع الكادر البشري في ظروف ملائمة ومتناسبة مع عظم مهمته، كمايجب تشديد الرقابة على الواردات من الادوية و ظروف حفظها وتحديد اسعارها وشروط بيعها.

وعلى الصعيد الاجتماعي يجب على المرحلة الجديدة معالجة ملف المبعدين واعادة الموريتانيين منهم و الموريتانيين فقط وتعويضهم بشكل عادل ،واما البقية فيجب الضغط على دولها وخاصة السنغال لاجل استعادتها واغلاق المخيمات وانهاء الملف،كما يجب العمل على معالجة مخلفات الطبقية الاجتماعية ابتداء بنشر ثقافة المساواة وانتهاء بتطبيق صارم لمبدإ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين .

المستقبل...

خمس سنوات قادمة ينبغي فيها على مختلف التشكيلات السياسية بقطبيها التقليديين المعارضة و الموالاة تكريس ثقافة التشارك في السلطة وتغليب المصلحة العامة على كل الحسابات الضيقة ، كما يجب على الجميع السعي الجاد لبناء قواعد شعبية يرتكز تأييدها على ايمان راسخ بمنطلقات واهداف احزابها و نبذ العصبيات العرقية والقبلية والجهوية والتي لعبت للاسف الشديد دورا مشهودا في الاستحقاقات السابقة.

خمس سنوات قادمة سيكون على الرئيس المنتخب خلالها مواجهة كل ما سبق وغيره من التحديات، وبنجاحه في تخطي كل تلك العقبات تكون البلاد قد تجاوزت بحق المرحلة الانتقالية، ووضعت اقدامها بثبات على طريق الازدهاروبناء دولة الحرية الكاملة والعدالة الشاملة والرخاء المستديم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!