التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:10 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.07.2008 11:32:50

قرار وكامبو بعيون إفريقية

سيدي ولد عبد المالك
[email protected]

العدالة شيء محمود و مطلوب و مرغوب في تحقيقه؛ و قيام محكمة دولية ذات استقلالية و اختصاص تهدف إلي إلحاق العقوبات المستحقة بمن ينغصون علي العباد حياتهم، و يسلبون الناس كرامتهم و حريتهم و أرواحهم شيء جميل و في غاية الأهمية.
و اعتقد جازما أن شعوب البشرية ببرها و فاجرها تحبذ قيام هذا النوع من المحاكم، لأن الناس بالفطرة ميالون إلي العدالة؛ غير أن ما يعاب علي العدالة الدولية اليوم أو علي الأصح ما يسمي بمحكمة الجنايات الدولية هو كونها انتقائية في قراراتها لا تستهدف إلا الدول الصغيرة الضعيفة. و هذا هو حال العدالة الظالمة من قبل فقد اخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم و هو الصادق المصدوق انه كان في من قبلنا "إذا سرق فيهم القوي تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا الحد عليه"، كما هو حال عدالة الكبار اليوم، فهم محصنون من المتابعات القضائية، و متغاضا عن جرائهم التي يشهدون بأنفسهم عليها، فمندوب المحكمة الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال الصهيوني ضد العزل في جنين، القس الجنوب الإفريقي ديسموند توتوا لم يتمالك أن بكي لهول مارأي من آثار المجزرة المرتكبة في حق المواطنين الفلسطينيين، و من ما سمع من قصص تتفطر لها القلوب، إلا انه عاجز مع كل ما أبداه من تعاطف مع الشعب الفلسطيني المحتل من أن يستصدر قرار من المحكمة التي بعثته للتحقيق لمقاضاة المجرمين الصهاينة، لأن إسرائيل كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية دولتان فوق القانون.
قرار وكامبو بخصوص الرئيس السوداني عمر حسن البشير لم يستقبل بالترحاب من طرف منظمة الاتحاد الإفريقي التي كانت أسرع ردة فعل من الجامعة العربية، حيث أدان الاتحاد الإفريقي قرار وكامبوا، و رأى فيه خطوة لتأزيم الوضع في دارفور وصبا للنار علي الزيت، و تقويضا لجهود السلام المبذولة لنزع فتيل التوتر في الإقليم المضطرب، ومساسا بسيادة بلد عضو من خلال إصدار مذكرة توقيف قضائية في حق رئيس شرعي يتمتع بالحصانة.
و قد استنكر بيان الاتحاد الإفريقي موقف المحكمة الدولية من القارة السمراء ، المتبني لسياسة الكيل بمكيالين، إذ أشار البيان إلي انه ليس في إفريقا وحدها تحدث الانتهاكات الحقوقية الصارخة، و يشتم من لغة بيان الاتحاد الإفريقي رفض الزعماء الأفارقة لسياسة التحيز المنتهجة من طرف المحكمة الدولية و تركيزها علي إفريقيا دون غيرها، وكانت محكمة الجنايات الدولية قد أصدرت في السنتين الأخيرتين عدة مذكرات توقيف في حق من تعتبرهم متورطين في جرائم حرب ، و ذلك في أربع دول ثلاثة منها افريقية (السودان –أوغندا – الكونغو الديمقراطية)، كما تمكنت من توقيف بعض المتهمين بجرائم حرب كلهم من دول افريقية، و كان من بين آخر المسلمين لها نائب رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية "جان بير بامبا".
ردود فعل الحقوقيين الأفارقة علي الموضوع لم تكن أحسن حالا بكثير من ردود فعل القادة، فأكبر منظمة افريقية تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان، و هي الملتقي الإفريقي لحقوق الإنسان، أعرب رئيسها السيد علين تين عن ارتياحه لقرار المحكمة الدولية غير أنه طلب من المدعي العام لوكومبو أن يفتح بنفس الجرأة التي فتح بها ملفات إفريقية حساسة ملفات أبو غريب و جرائم التعذيب في كوانتنامو، و الاعتقالات التعسفية و السجون السرية في أوربا، و ما أكثر جرائم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لمن أراد الوقوف عليها.
المؤكد منه أن المحكمة بدأت تفقد الكثير من المصداقية لدي الدول الإفريقية، و هو ما سيؤثر حتما علي سير عملها في المستقبل، إذ ستفقد المحكمة تعاون الكثير من دول القارة السمراء بما فها الدول الموقعة علي اتفاقية روما المنشئة للمحكمة عام 2002 في بعض النواحي الأمنية المهمة كالملاحقات و الاعتقالات و التسليم، و ذلك بسبب استمرار محكمة الجنايات الدولية في تسليط الأضواء علي دول القارة وملاحقة أبنائها، و استثناء الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان في القارات الأخرى، كما أن هذه السياسة العنصرية للقضاء الدولي باتت تعطي صورة مجزأة و منقوصة عن العدالة الدولية المفترض أن تطال الجميع، و بموجب هذه الصورة المختلة يحق لمعاشر المستضعفين في العالم الحكم علي محكمة الجنايات الدولية كأداة قضائية جديدة تضاف إلي قائمة الأدوات المتعددة العسكرية والإعلامية والمالية التي تمتلكها القوي الغربية المتنفذة لترويض خصومها في العالم.
و قديما قال الشاعر عمر ابن الوردي:
إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!