التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:47 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.08.2008 08:26:02

لماذا يصر ولد الشيخ عبد الله على تغييب هذه المجموعات؟!

رغم الظروف التي اكتنفت ظهور الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله كمرشح؛ وما رافق عملية إخراج تلك الاستحقاقات من دلالات ورموز تشير في بعض تجلياتها إلى بزوغ عهد جديد، تنتفي فيه الفوارق الطبقية وتتضاءل الاحتياجات وتختفي المحسوبية وتنتصر إرادة المشاركة واستشعار المسؤولية تجاه الجميع على التفكير الأحادي الإقصائي الذي يميز بين المواطنين بسبب انتماءاتهم القبلية والجهوية أوتوجهاتهم السياسية، وهو ما جعلنا نعلق آمالا عريضة على فخامة الرئيس بوصفه جديرا بالثقة التي منحناه إياها؛ وبحمل الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، والتي جعل فخامة الرئيس منها شعار حملته.
إلا أن الأمور لا تجري دائما كما نتمنى – وما كل ما يتمنى المرء يدركه – فقد فاجأنا ولد الشيخ عبد الله عند تسلمه للسلطة على ممارسة نوع من التمييز والإقصاء والتهميش تجاه بعض أهم المجموعات ذات الثقل الانتخابي والمخزون الكفاءاتي، وهو ما لا ينسجم مع رسالة التكليف التي تملي عليه أن يكون رئيسا لكل الموريتانيين باختلاف توجهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم. ومحاولات صرف الأنظار عن هذا الإقصاء الممنهج من كعكة التعيينات من خلال إيهام المتضررين منه بتجاهل معيار القبيلة كعامل جوهري في تحديد نصيب هذا الطرف أو ذاك، هي محاولات يائسة لا تعضدها الوقائع على الأرض، حيث أن فخامة الرئيس لم يشمل وسطه الاجتماعي بما فيه أقرب الأقربين بهذه الشفافية والعدالة الاجتماعية المزعومة، إلا إذا كان فخامته يعاني من ضعف نظر لا يسمح له برؤية البعيد في النسب والجغرافيا. وهكذا، جاءت المحاصصة على حساب مجموعات عشائرية، حافظت دائما على صدارتها في الشأن السياسي.
ولئن كان ولد الشيخ عبد الله قد مارس ذلك التهميش والإقصاء بذريعة الابتعاد عن لوثة القبيلة واعتماد معايير الكفاءة بوصفه كائنا مطهرا من أوصاب القبلية كما يريد منا أن نفهم، فإنه قد أغفل أن قيام دولة موريتانية حديثة أساسها المواطنة القائمة على مبدأ "الأمة الواحدة" يقتضي إتباع الأساليب الحضارية والأنماط الثقافية والاجتماعية التي من شأنها أن تنشئ هذه الأمة بعيدا عن غيرها من القيم المتخلفة والأنماط البائدة التي تقوم على أساس التمييز بين المواطنين؛ بحيث تتضاءل حصة جهة معينة وتحرم كفاءاتها من حقها في المشاركة في بناء الوطن بدعوى عدم التصويت لهذا أو ذاك.
ويبدو أن الرئيس لم يقرأ كثيرا عن الغاية من الديمقراطية، وهو الذي جاءت به صناديق الاقتراع، لأن الغاية من حماية الحريات هي بناء نهضة تنموية شاملة؛ تنتشل المواطن من  الغبن والإقصاء وتعمل على تساوي الحظوظ، وتلك خصلة ربما فاتت على ولد الشيخ عبد الله منذ ولوجه للقصر الرمادي، حيث عمل على تغييب مجموعات عشائرية راسخة ومتجذرة في التاريخ، فقد تعمد إقصاء قبيلة إدوعيش ذات الشوكة السياسية والعمق الحضاري وعمل على إلغاء وتقزيم قبيلة مهمّة من قبائل هذا الوطن، من حيث تعدادها السكاني؛ ومن حيث مخزونها من الكفاءات في شتى مجالات المعرفة؛ وهي قبيلة أولاد ابييري؛ ربما لأن طموح أحد أبنائها السيد أحمد ولد داداه قد أوصله إلى الرغبة في المنافسة على كرسي الرئاسة، وهو ما كان ينبغي أن يحسب لها لا عليها، هذا فضلا عن تقليص حصة قبيلة إدوعل التي يشكل أبناؤها حوالي 20% من الكفاءات الوطنية إلى وزير واحد؛ وحرمان قبيلة مهمة لها مكانتها اللافتة في الفعل السياسي؛ ولها ثقلها الانتخابي المميز وهي قبيلة مشظوف التي اكتفى ولد الشيخ عبد الله بإكرامها بكاتب صغير مكلف بالموريتانيين في الخارج؛ وهي وظيفة غير واضحة المعالم يأتمر صاحبها بأوامر وزير الخارجية؛ فيا للسخرية!
أما مجموعة أقلال الحوض الغربي الممثلة انتخابيا في مقاطعات الولاية الأربع (لعيون، الطينطان، كوبني، تامشكط) فقد حرمت منذ قدوم فخامة الرئيس المؤتمن وخلال عهدي وزيريه: المقال الزين ولد زيدان والحالي ولد أحمد الوقف؛ وهذا الأخير أساء الرد على أحد أصحاب النوايا الحسنة عندما نبّهه إلى خطأ إهمال هذه المجموعة قائلا: "لقد أتعبتنا هذه القبيلة؛ فهي تريد أن تمثل في كل مكان"، وهو رد يفتقر إلى النضج السياسي والمبرر الأخلاقي، فكأنما يعبّر هذا الوزير عن انزعاجه من تعداد هذه العشيرة وانتشارها وتوزعها على مختلف مناطق البلاد؛ ويغفل الحكمة من قوله تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا"؛ فتعيين شخص من ولاية آدرار لا يبرر حرمان شريحة واسعة من السكان من حقها في التوظيف في ولاية أخرى بدعوى ارتباطها مع شخص في منطقة مغايرة بنفس النسب؛ حتى وإن فرقتهما الجغرافيا والمصالح والاهتمامات، وليس مبررا لإقصائها في المحاصصة من الوزراء والسفراء والولاة ومدراء المؤسسات العمومية؛ ومن المستشارين في الرئاسة وفي رئاسة الوزراء ؛ وحتى في الوزارات!
هل يمثل هاجس الخوف من تهمة الانتماء إلى الفكر القبلي البائد باعثا للركون للظلم وتقبل الأمر الواقع؟ وهل يستطيع ولد الشيخ عبد الله أن يطالب أحدا من أبناء بلده بأن يعبأ بحجية عدم تسييس القبيلة وتصنيفها إلى أصدقاء وخصوم؟!، وحين يصر على إقناع الأطراف التي غيبها بعدم نهجه للتوازنات الفئوية والقبلية؛ فإنه لن يتمكن من إقناعها بأن القبيلة لم تعد تتمتع بالسند التاريخي، بحيث توفر للفرد الأمن والحماية في ظل سلخ الدولة وتجريدها لصالح دوائر الرئيس الضيقة؛ ولم تعد تتمتع بالبعد الروحي والمعنوي من خلال تمايز مكانة الأفراد على أساس انتمائهم القبلي.
وإذا كان ولد الشيخ عبد الله يقصد من وراء تهميش هذه المجموعات إجبارها على دفع ضريبة ادعائه - الذي تفنده الوقائع - بعدم تأييدها له خلال الاستحقاقات الانتخابية التي أوصلته إلى السلطة حتى يأكل الإحباط واليأس حشاشات نفوسها ويأسرها الندم والقنوط؛ فإن عزاء المجموعات العشائرية المهملة من برنامج فخامة الرئيس هو أن وجودها مثلما هو متقدم على طموحات ولد الشيخ عبد الله في الوصول إلى السلطة؛ والذي سيغادرها - في أحسن حالاته - خلال أقل من أربع سنوات؛ فإنه باق بعده، وأنها تملك من مقوّمات الصدارة ما جعلها شريكا فاعلا في كل مسيرة البلد منذ قيام الدولة الموريتانية الحديثة، كما أن قوتها الانتخابية المتأتية من تعداد نسماتها وتوزع مناطق انتشارها ومخزونها من الكفاءات العلمية ستتعزز وتتضاعف رغم المحاولات اليائسة لتجاهلها قصد تدجينها وهضمها، وحينها يحق لنا أن نتساءل – معاشر المتضررين من حقبة ولد الشيخ عبد الله – عن الوجهة الحقيقية التي ستقذف بها رياح التغيير فخامة الرئيس! وأين سترسو سفينة البلاد في ظل التعامل مع خريطة الوطن بازدواجية مشينة وانتقائية لا تتناسب مع موقع الأبوة التي يفترض أن فخامة الرئيس قد استحقها بفوزه بأمانة قيادة سفينة الوطن لخمس سنوات كاملة؛ حتى وإن تخلف بعض أبنائه عن تقديم آيات الولاء والطاعة.

الكاتب /خطرى ولد عبد الرحمن


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!