التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:46 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.08.2008 13:39:29

قيصر والعسكر جدلية العلاقة

المعلوم بن اوبك
[email protected]

في محاولة أخيرة حملت عنوان " موريتانيا صعوبة النجاح وقبح الانتكاس " تلقيت عدة ردود وتعليقات انصبت في مجملها في كوني داعية للعسكر حينما قلت في تلك المحاولة أن "" الحديث عن عدم خوض العسكر غمار السياسة سذاجة وجهل معرفي...... , وان إبعاد المؤسسة الصامتة بشكل تام عن العمل السياسي غير مجدي ........., وحينما أكدت أن العسكر لا يسعون لتأزيم الأوضاع " مما أدى بالبعض للقول أني داعية رخيص الثمن للعسكر وإن كانت هذه اتهامات تحتاج لأدلة مقنعة وحقيقية وتنطلق من الحقيقة.
بداية لا أكتب إلا ما أرى سواء اتفق مع من أو اختلف مع من يكونوا، ولا أزال على نفس الموقف وأرى نفس الوجهة ، لكن مهما يكن تظل الكتابة عن قيصر والعسكر وطبيعة جدلية العلاقة التي ينبغي أن تجمعهما ضرورية وإن كنت أرى أن الرؤية القائلة أن ما لقيصر لقيصر وما للعسكر للقيصر تحطمت على صخرة السياسة الموريتانية نتيجة رفضها وعدم وجودها من الأول، فالمتأمل جديا في تاريخية هذا البلد يجد أن شمس العسكر لم تغرب عن الواجهة المتحكمة في شرايين السلطة الموريتانية بل هم أصحاب الأمر، وإن كانت مرحلة ما قبل 1978 مرحلة مدنية إلا أنها لم تسلم من نفوذ عسكري في تلك المرحلة ولا أدل على ذلك من قيادة انقلاب أبيض وبالتالي نجاحه، إن موريتانيا خلال تاريخها تتلخص في أنها من صنع العسكر، والمدنيين كما يشهد على ذلك تاريخهم لم يكونوا في يوم من الأيام إلا بيد العسكر يحركونهم متى وأنى شاءوا وفي أي وقت سواء بالوعود في دخول تشكلة الحكومة أو أمر ما، بل المدنيين هم عصى العسكر التي ظلوا يتكئون عليها ولهم فيها مآرب أخرى ومتنوعة، وهم أنفسهم من سولت لهم أنفسهم في ظل جشعهم التخطيط مع الانقلابيين لإزاحة النظام المدني الأول، فلم تكن الانقلابات انقلابات العسكر لوحدهم بل لولا تلك الذئاب المدنية المحسوبة على بعض التيارات السياسية ما كان العسكر قرروا تنفيذ أي مخطط انقلابي، مما يؤكد أن المدنيين ظلوا دائما أداة تبرير للعسكر وتدجيل لهم في السعي للانقلاب بل لولاهم ما تم أي انقلاب على أديم هذه الأرض، فحينما يتصارح المدنيين الموريتانيين مع أنفسهم سيجدون أنهم لم يكونوا إلا محكومين من طرف العسكر مأمورين فيطيعون ويسمعون، وهذا العصيان الذي يسعون الآن لخلقه هو أمر في الوقت بدل المطلوب، بعد أن عجزوا عن دك حصون النظام العسكري المدني الذي لبس ثوب زور الديمقراطية فهادنوه في هذا الأمر وخدعهم بقوله الانفتاح السياسي وغيره من السلوكيات المتعددة كالتزوير فعجزوا بنهجهم السلمي عن إسقاطه وتحمل التبعات التي قد تنجر عن ذلك، إلى أن ُقيض أن يثور العسكر بعد ما بلغت الأوضاع المزرية الحناجر وظننا أن لا ملجأ من سباحة البلد في مياه الحروب الأهلية وليس لنا غير هذا النظام، فوضعوا بتصحيحهم الأغسطسي نقطة النهاية لهذا الظلام الأسود وقدموا لآل المدنيين درسا جديدا ووهبوهم ما ظلوا يحلمون به الإطاحة برأس القمع والفساد، فتم في إبريل 2007 تسليم الأمر لموريتاني لم يذق طعم العسكرية ولا حتى عرف عنه استهوائه لها وسلم الجميع بالأمر وظن خيرا بوضع السياسة في البلد وتتالت الأيام والشهور بعد الشهور من حكومة إلى ثانية قيل أنها حكومة الفلكلور السياسي فتفجرت عندها أزمة أعادت للسطح ضرورة أن يتم النظر في جدلية علاقة العسكر وقيصر، فانهالت الأحكام على أن قيصر لا يحكم، وأن العسكر هم من يحكمون وأصحاب الأمر من قبل ومن بعد، فأدت الوضعية في مجملها إلى أن يخرج من طرفي المشهد السياسي الموريتاني مناهضين للعسكر في الجناح الحاكم وشبه مؤيدين لفرضية سيطرة العسكر على السلطة في الجناح الآخر وضرورة الاتجاه صوبهم بدل قيصر؟ !

العسكر وقيصر
يتميز قيصر بخاصية الحق والقانون والشرعية التي يستمدها من اقتناع الأفراد بالقانون، بينما القوة والعنف مجهود عضلي يبذله الفرد العسكري وبهذا يكون كل نظام بحاجة للشرعية والقوة مما يقضي بتلازمية قيصر والعسكر فالأول امتداد للثاني، والبشر عسكريون بطبيعتهم حيث النفس البشرية تعمد إلى استخدام العنف أو القوة لما تشعر أن حياتها غدت في خطر ومهددة وبذلك يكون ما لقيصر للعسكر وما للعسكر ليس لقيصر، والنظام القيصري بذلك إملاء للقوة المسيطرة – كما أكدت على ذلك تجربة موريتانيا – فالعسكر هم من كانوا يحكمون زمام الأمور والنظام الحالي نتيجة املاءاتهم مما يفرض تبعية قيصر للعسكر لا محالة، فقادة العشائر والمدائن كانوا أوان الانتخابات ينتظرون ما يشير به أصحاب النفوذ في تلك الفترة وحينما حددوا وجهتهم نجد أن اليتامى السياسيين اتجهوا افي تجاه ميزان القوة، فأنتج الواقع نتاجه المعروف وإن بفارق طفيف، وعليه فإن أي نظام سياسي قادم لهذا البلد على ما يتضح لي لن يخرج عن سيطرة العسكر، إلا أن السبب الأساسي للأزمة الأخيرة في بلدنا هي أن قيصر ظن أن له الحرية في أن يفعل كل ما تمكنه منه صلاحياته وتناسى في الأخير قوة أقوى من صلاحياته، مما أدى في خاتمة الأمر لدخول الطرفان في حرب أشبه بالباردة لم تصل حد الاقتتال ( حل البرلمان ) نتجت في الأخير عن إذعان الشرعية للعنف وتم بذلك تأسيس نظرة جديدة خاصيتها قوة القانون التي تستمد على ما يبدوا من أصحاب العنف، الذين يستمدون قوتهم من النظام السياسي فلو لم يكن هنالك نظام هم على دراية به ما كانت لديهم قوة تضاهي قوة الشرعية فلا قوة لقيصر إذا كان هنالك عسكر لديهم فضل عليه .

العسكر: بين ضرورة الإشراك وإلزامية الإبعاد

لاحت ظاهرة عسكرة السلطة السياسية في موريتانيا ابتداء من عام 1978 تاريخ أول انقلاب في موريتانيا فأصبح التداخل بين العسكر والسلطة السياسية واحدا من العلامات المميزة للعمل السياسي في موريتانيا مدشنا ولد السالك - بقطع شريط الحكم المدني – لعبة العسكر والسياسة، لقد كان انقلاب 10 يوليو الأول في البلاد وبداية لتاريخ من الانقلابات العسكرية بكل أنواعها فاتحا صفحة من الانقلابات المتتالية في تاريخ موريتانيا حديثة النشأة حيث تتالت في السنوات السبع الأولى ( 1978- 1979- 1980- 1984 ) أربع انقلابات وظلت البلاد محكومة من طرف العسكر الذين تعاقبوا على السلطة لا عن طريق انتخابات وإنما بأسلوبهم المعتاد حتى سنة 1991 وفي ظروف دولية لها شأنها قدموا ( العسكر ) دستور للبلاد حصل في 20يوليو 1991 على نسبة 97.94 % وتلاه كخطوة موالية له انتحاب رئيس الجمهورية في 24 يناير 1992 وعادت البلاد نوعا ما ولو شكليا " للحكم المدني " .
إن مسيرة ما يزيد على 25 سنة من إدارة السلطة من طرف العسكر لم نمكن من الانفصال عنها في ظل 20 سنة أحرى 5 سنوات أخرى، فعلى النخبة السياسية الموريتانية أن لا تدفعها الرغبة الجامحة نحو ترسيخ الديمقراطية إلى تجاوز المنطقيات وأطراف ضمن المعادلة السياسية في البلد، إن من تحكموا في ناصية السلطة السياسية للبلد طوال هذا الفترة من غير المعقول أن نطلب التطليق معهم في ظرف وجيز، فما هذه سُنة أو طريقة مثلى لأمر كهذا، وإن كانت إلزامية ترسيخ دعائم دولة المؤسسات شرط لا غنى عنه لنجاح موريتانيا ودرسها الديمقراطي، الذي لا يمكن أن نتمكن منه في ظل تجاهل الحقائق والوقائع، علينا أن لا نتسرع في القطيعة معهم في أسرع وقت بل لندع الأيام مع طول الوقت تفعل ما تشاء ونطب خاطرا إذا حكم النظام السياسي قبضته، وعلى كل ذلك فإن الدعوة للقطيعة ما بين العسكر والسياسة لا جدوائية من ورائها في الوقت الحالي بل إن الأمر( الدعوة لانفصال العسكر عن السياسة ) لا يعدوا كونه بحث عن أمر مجهول، فلا أعول كثيرا على الساسة الرافضين لتدخل العسكر فغدا أو بعد غد سنجدهم من أشد الناس صداقة وحميمة لهم مما سيؤكد أن هذا الرفض لم يكن رفضا من أجل الديمقراطية بل إن الديمقراطية لما تجد بعد من يضحي من اجلها، إن أي نظام سياسي بعد فترة العسكر ما كان ليقوم بدون أن تكون لهم بصمات عليه فيكفي تدليلا على ذلك أن أحد المتنافسين في الشوط الثاني عبر في مؤتمر في باريس بما معناه " أنه لا يدعمه المجلس العسكري ولا يوجد لديه ما نع من ذلك وأنه لن يرفض إذا دعمه " فهي إذن حجة كافية على أن من كان سيصل كرسي رئاسة موريتانيا في إبريل 2007 كان عليه أن يمر على ببوابة العسكر وينال رضاهم وصك غفرانهم، ومنه فإن ما يعيشه النظام الحالي من تجاذبات نتيجة طبيعية لحالة لم يحسب لها الطرفان حسابها، بل حتى لو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن ظاهرة التعددية في هذا البلد لم تتشكل إلا في ظل العسكر، والانفتاح السياسي تم تحت إشرافهم، فلم المزايدة إذن على طيف من أطياف هذا البلد أسس وبنى الديمقراطية بغض النظر عن الظروف التي دفعته لذلك؟ هل يعقل أن يتركوا النار في أيدي صبية بعيدي العهد بالسياسة ليحرقونهم في خاتمة القضية أو يحرقوا أنفسهم والبلد؟ إذن التدخلات أجدها مبررة لها ما لها خاصة في ظل نظام لم تعرف بعد وجهته فقد يكون عدم الارتياح للنظام وأجندته باعث للتدخل وعدم ترك الحابل له، كما أن عدم فاعلية القوى المدنية قد يكون من الأسباب الكامنة وراء سيطرة العسكر على النظام الحالي، ولا يمكن في مجال كهذا تناسي ما قامت به فرنسا حيث عمدت إلى تحويل العديد من العسكر إلى نخب سياسية لا عسكرية واعتمدت بالأساس على النخب العسكرية لإدارة السلطة، كما أن صعود نجم العسكر في هذه الأجواء تعبير عن عجز التنظيمات الحزبية وضعفها عن شغل الفراغات التي كان من الضروري ملؤها، فكان الدخول إلى الحلبة السياسية أمر مستساغ استغله العسكر لملئ الفراغ.
إن دعوة البعض لإبعاد العسكر عن السياسة قد يكون نتيجة لأن العسكر قاموا بإعاقة وصول هذه الأحزاب إلى السلطة، لكن رغم كل ذلك يظل الجيش هو المؤثر الأساسي في الزمن الحالي في السياسة الموريتانية، وتفرض ضرورة الحفاظ على اتزان المشهد السياسي إشراك العسكر في اللعبة انطلاقا من القاعدة القائلة بإباحة الممتنع بالنسبة للضرورة، يختلف ساسة موريتانيا حول الموقف من العسكر إلا أن ما على الجميع أن يضعه نصب عينيه أن السلطة في موريتانيا بحوزة العسكر وأي قيصر يفكر في الإبعاد لا الإشراك أو إعطاء مكانة كبيرة يعرض نظامه لحالات أزماتية عديدة قد تؤدي في النهاية إلى نهايته .
قيصر ومستقبل العلاقة

أغرب حالة شاهدتها منذ أيام دعوة طرف من الأغلبية الجديدة المناهضة لتدخل العسكر في العمل السياسي وإن كنت من حيث المبدأ أرى نفس الوجهة إلا أنه ليس في الظرف الآني ومن النظام الحالي، فلا أرى أن يحكمنا العسكر خلال ما يزيد على 22 سنة ثم نطلب من نظام نتاج العسكر أن يقصيهم بجملة لا أأيد تغييب مجموعة من أبناء هذا البلد عن المشاركة في تدعيم النهج الديمقراطي في ظرف نحن أحوج لتضافر الجهود مجتمعة حتى يتسنى لنا أن نؤكد النجاح وبالتالي التفكير فيما بعد في طريقة الإبعاد لأي كانوا، إن من يريد إخراج العسكر من النافذة بعد أن دخلوا من الباب لا يفكر في تبعات مسألة كهذه، كما أن من يريد إدخالهم من النافذة لإخراجهم من الباب يرتكب جريمة في حق نفسه قد تؤدي إلى هلاكه، ولكن لتكن طبيعة العلاقة التكامل انطلاقا من مبدأ أن ما لقيصر للعسكر نصيب فيه وما للعسكر لقيصر وفي الأخير يظل صاحب الكلمة الأخيرة، وبذلك نضمن تعايش الطرفان بسلام وأمان، أما من يريد تجاوز المؤسسة الصامتة لا ينظر في نتاجات ذلك الأمر، بل إن أمرا كهذا لا مبرر لوجوده، فنظام بلا عسكر خراب وعسكر بدون قيصر يستمدون منه نفوهم جبناء، إلا أن أزمة النظام السيدي ليس العسكر بل النظام نفسه فسياسة الاحتواء لكل منتخب للبرلمان أفرزته انتخابات الفترة الانتقالية أوقعه فيما يشبه مشكلة التناقضات في أطراف جناحه السياسي مما خلق نوعا من عدم التجانس في جسم الأغلبية سواء في الإدارة أو معالجة الملفات الملحة والتوجهات أو النظرة العامة لأهم القضايا المطروحة، إن أشد ما أخافه أن لا يكون لتصاعد أزمة الغذاء العالمية أثرها في تبخر مصداقية النظام القيصري، فالبلد في الفترة الحالية يشهد وضعا صعبا فإن كانت نكبات الستينيات والسبعينيات أدت إلى النزوح من الريف إلى المدينة فإنه في ظل الأزمة الحالية قد لا يكتفي السكان بذلك في ظل جوعهم في الريف والمدينة على حد السواء بل قد يستعملون سلاحا جديا، كما أن أحداثا محلية إن انفجرت ستؤدي إلى إفشال المهادنة مما يعني بطبيعة الحال توسع الأزمة وبالتالي التدخل العسكري المحتوم الذي سيكون تحت ذريعة المحافظة على احترام المؤسسات الديمقراطية، كما أن إنقاذ البلد من النفوذ الشخصي ومحاربة الفساد قد تكون هي الأخرى من الذرائع القادمة للإنقاذ الجديد .
لقد لجأت الأحزاب إلى العسكر حينما أحست أن هنالك طرفا من المتنافسين يساندونه مؤكدين تلك المعادلة الكبيرة تبعية السياسيين للعسكر لذا من التناقض مع الذات وهم يعلمون ما يعلمون أن يعلنوا المعارضة لمن هو صاحب الفضل على من توجهوا إليه، فلماذا التوجه منذ البداية إلى السلطة وأنتم تعلمون أن السلطة نتاج القوم، إن تحييد المؤسسة العسكرية وإخراجها من المشهد السياسي أمر لا يهضم، وموريتانيا على ما يبدوا لا يمكن أن تعيش بدون رئيس ذا تبعية عسكرية أو خلفية عسكرية أو رئيس عسكري، فرغم كل العداء الظاهر الذي تبديه الطبقة السياسية للعسكريين عندما يقتربون من أسوار السياسة لكن الذي لا خلاف فيه أن الجيش حامي البلد وأنه الوحيد الذي حينما تشتد وطأة الأزمات وتتصاعد وتبلغ الأمور مرحلة اللااستقرار لا محالة يستلم الأمور ويتولى الإدارة، بجملة على قيصر أن لا يقبل أن يكون " نصف قيصر " وليعلم أن ليس كل عسكري مبعث خوف وليس كل قيصر مدرسة في الديمقراطية ؟ !


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!