التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:33 غرينتش


تاريخ الإضافة : 04.10.2012 12:28:38

التدخل العسكري في مالي

حمدي جوارا - كاتب وباحث في القضايا الإفريقية (*)

حمدي جوارا - كاتب وباحث في القضايا الإفريقية (*)

جلسات الامم المتحدة الاربعاء الماضي واستحواذ أزمة سوريا وشمال مالي في أجنداتها لدليل على الاهتمام الدولي بتلكم الأحداث، لكن ثمة فوارق بين الأزمتين، فسوريا كانت أحداثها نتيجة المطالبة بتغيير نظام ديكتاتوري أصولي صفوي، جثم على صدر سوريا عقودا من الزمن...


وأزمة شمال مالي كانت لتداعيات الثورة في ليبيا إثر مقتل القذافي وإنهاء نظامه الشمولي... وذلك أن العقيد كان قد اتخذ طوارق مالي كدروع بشرية استخدمهم لمواجهة الشعب الليبي، وكان يجعل فريقه الحرسي منهم حتى حارساته الخاصة معظمهن كنّ من بنات الطوارق الذين استقطبهم القذافي إلى ليبيا منذ عقود...

الطوارق لا أهلا بكم

وبعد الثورة لم يكن الطوارق ليرحّب بهم في ليبيا الجديدة إذ إن أكثرهم كانوا ممن تورّطوا في سفك دماء الليبيين في بني غازي وبني الوليد ورأس لانوف والزنتان، وغيرها من المدن الليبية. فما كان لهم أن يبقوا في ليبيا، فنزحوا حاملين سلاحهم وعتادهم التي جمعوا في كتائب القذافي.. نزحوا إلى مالي باعتبارها بلدهم الاصلي فاستقبلوا استقبال الأبطال لكن كانوا يبيتون الانفصال وإعلان ما يسمونه بدولة أزواد..

نزعة أزواد العنصرية

حاول الأزواديون الضغط على الرأي العام العربي وتوهيمه أن القضية عنصرية وأن المعركة بين العرب والزنوج وأن الأخير لا يريد للعرب والطوارق أن يعيشوا بسعادة ورفاهية وأنهم عنصريون بربريون حيوانيون لا دين لهم ولا أخلاق يغتصبون النساء العربيات الجميلات ويعتدون على ممتلكاتهم وجمالهم
وقوافلهم مع أن الشعب المالي ينظر إلى العربي على أنه حفيد النبي صلى الله عليه وسلم، وينظر إليه بقداسة شديدة، ويعتبر تعلم العربية واجبا دينيا وأخلاقيا دون أن يستفيد منها داخل دولته أو حتى في حياته العملية اليومية.

قطر متهمة والشعب المالي يريد اجابات واضحة

الشعب المالي يحب كل ما هو عربي ومسلم وهناك علاقات ديبلوماسية قوية بين قطر ومالي منذ عقود، لكن ساء الماليين أن تسعى قطر لاحتواء الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومساندتهم وتقديم منابر الجزيرة لهم ليضخوا في عقول العرب أن الزنوج لا يحبون البيض والعرب، للأسف هذا ما حدث ولكن سرعان ما تبين إلا ما يبدو أن قطر أدركت أن هؤلاء ما هم إلا سدنة القذافي ورئيس الحركة كان أحد مستشاري القذافي العسكريين... لذلك ربما تراجع خروجهم من على شاشة الجزيرة منذ فترة... لكن وكالات الانباء لا تزال تروّج ان قطر لها ضلوع مع القاعدة والإسلاميين في الشمال.. لا ندري هل هو من أجل تشويه سمعة قطر التي نحبها ونقدّر جهودها، لكنها شائعات تحتاج إلى نفي أو تأكيد، وقد اتصلت بأحد المسؤولين، وقال إنه لا مصلحة لقطر في تقسيم مالي، لكننا نريد بيانا من القيادة السياسية أن ترد الاتهامات الموجهة إليها، وخاصة أصبحت شبه متواترة لدى وسائل الإعلام الفرنسية والغربية.

أزواد والقاعدة... تحالف مؤقت

وكان حليفهم الإستراتيجي الذي سهّل توغّل هؤلاء هم أنصار الدين أو القاعدة في المغرب الاسلامي باعتبارهم خبراء الصحراء ولهم من الصبر والتحمل ما ليس للأزواديين وأهدافهم متقاربة... المهم حدث تقاطع بين الفريقين أقصد أزواد العلمانية وأنصار الدين الإسلامية فطرد الأزواديون من المشهد بعد السيطرة على أقاليم الشمال الثلاث تمبكتو وغاو وكيدال...

أنصار الدين وأخطاء طالبان

برغم أن القاعدة في المغرب الاسلامي تنتمي إيدولوجيا إلى حركة طالبان والقاعدة بأفغانستان إلا أنهم ارتكبوا نفس أخطاء حركة طالبان في أفغانستان، مما سبب لهم تأليبا دوليا، فهم إلى جانب دعوتهم لتطبيق الشريعة إلا أنهم فعلا شرعوا في تطبيق الحدود حيث يتصورون أنها هي الشريعة بينما الاسلام أكبر من الحدود المحدودة جدا في بنود الاسلام العميقة والكبيرة لكن هذا مبلغهم من العلم ولا يعذرون في ذلك... ففهم النصوص الاسلامية على هذا النحو الأعمى سبيل إلى المجهول والانتكاسة إلى الوحول...

تطبيق الشريعة

طبّق القوم الشريعة وتعاطف معهم بعض من تحمّسوا بتطبيق شرع الله لكن سرعان ما تحوّل الكثير منهم بسبب الضائقة الاقتصادية المفروض على مالي من جميع جيرانها حيث أن الموارد أصبحت شحيحة نوعا ما.. ومستحيل أن توفّر القاعدة لهم الجنة التي وعدوا بها... والغريب أن الشعب المالي في غالبيته مسلمون بل لا يوجد في شمال مالي كله ولو كنيسة واحدة فكيف لهؤلاء أن يزايدوا على إسلامية الماليين، وليس هناك أسرة في مالي إلا وترسل أبناءها إلى المدارس القرآنية لتعلم حروف العربية وقراءة القرآن ونحن ثمار هذا التعليم اليوم...

الانفجار في العاصمة

نتيجة لهذا الهجوم المباغت للحرس الحدودي من الجيش الوطني حيث ذبّح فريقا أزواد والقاعدة العشرات من هؤلاء الجنود فانعكس ذلك على شعب الجنوب حيث العاصمة واعتبر ذلك انتهاكا للسيادة الوطنية، وامتعض الجميع على نظام الحكم في العاصمة باماكو، وخاصة ان الرئيس حينها كان حليفا إستراتيجيا للقذافي بقيادة أحمد توماني توري فأطاح شباب من الجنود بالنظام وانقلبوا على الرئيس ورحب غالبية الشعب بهذا الانقلاب، وذلك عشية 22 من شهر ماس الماضي...

مواقف القوى السياسية

القوى السياسية الكبرى أدانت الانقلاب لأن ذلك يعتبر انتهاكا للنظام الديمقراطي الذي سبق فيه مالي كثير من شعوب إفريقيا منذ أكثر من 20 سنة... وإن ذلك ما كان ينبغي أن يكون... وغاب عن هؤلاء أن الديمقراطية مرتبطة بالمسؤولية، فالرئيس هو الذي كان يرحب بالأزواديين وسمح بتكوين الحركة الوطنية لتحرير أزواد باعتبارها حزب سياسي، وخاصة بعد تأكد أن الرئيس كان على اتصال بقادة حركة أزواد وأنه كان يعد الشمال ليكون محطة القذافي الأخيرة... والرئيس في كل حواراته يظهر أنه هو الذي يسيطر على الشمال وأنه لا يريد حمل السلاح ضد شعبه، لكن سبب هذه الأحداث في الاطاحة به وطرده من قصره ليتخذ السنغال منفاه الآن...


مجموعة الاقتصاد والأزمة

منظمة مجموعة دول الاقتصاد في غرب إفريقيا... أدانت الانقلاب وطالبت بإقالة قائد الانقلاب بعد تشكيله مجلس عسكري إبان الانقلاب مباشرة بقيادة الكابتن أحمد سانوغو لكن الأخير كان قد رفض ثم قبل في النهاية بعد ضغوطات محلية وإقليمية ودولية... فقضية الشمال موجودة والانفصاليون استغلوا سخونة
الأحداث في العاصمة ووسعوا تدخلهم حيث سقطت الأقاليم الكبرى في أقلّ من أسبوع وخاصة أن الصفّ الأوّل من الجيش لم يكن مع الانقلاب... فكان من الصعب التوجه الى الشمال وخاصة مع الضغوطات السياسية الدولية على المجلس العسكري...

الوصول إلى اتفاق في العاصمة

تمّ التوصل إلى اتفاق بين مجموعة الاقتصاد وخاصة بعد تلبية شروطها من العسكري بترك السلطة والعودة إلى حكومة انتقالية بقيادة جوكوندا حسب ما ينص الدستور في حال غياب الرئيس يكون رئيس البرلمان مكانه... وبعد تقلّد الحكم بأيام قاد شباب بالآلاف بمظاهرة ضد تعيينه رئيسا للبلاد لأن له سوابق مع الشعب حيث هو من أراد فرض قانون الأحوال الشخصية الذي رفضه الناس لما كان رئيس البرلمان فقوبل حينها برفض شعبي وتحرك المسلمون ضد هذا القانون فسحب الرئيس القانون من البرلمان بعد سلسلة موجات احتجاجية في منتصف 2009 م.

تشكيل الحكومة الجديدة

شكلت الحكومة الجديدة بقيادة المهندس الفضائي بوكالة ناسا الامريكية / الشيخ موديبو جارا وشكل بعد تعيين حكومة وحدة وطنية ضمت أعضاء في الكثير من القوى السياسية التي كانت تعترض على تعيين هذا الرجل باعتباره رجلا مواليا للمجلس العسكري... المهم حدثت تفاهمات وتشكلت الحكومة ومن ثم تمّ استيفاء كل شروط مجموعة الاقتصاد فما كان لها إلا أن تقبل وتنفّذ التزاماتها بإرسال 3000 آلاف جندي إفريقي إلى شمال مالي وتطهيره من هؤلاء الانفصاليين...

الامم المتحدة وخيار التدخل

في اجتماعات الأمم المتحدة جاء رئيس الوزراء المالي وطالب بالتدخل في شمال مالي وسانده الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وقال:"حان الوقت لوقف هذه المهزلة في شمال مالي، وإعادة مالي كدولة موحّدة ،ورفض ما يسمى بتطبيق الشريعة أو دعوة إلى الانفصال باسم الأزوادييين أو ما يسمى بالقاعدة والمتشددين..."

وقال عندما تحتل مجموعة منطقة بحجم فرنسا فهذا يعتبر تهديدا دوليا ...ولا شكّ أن هذه الخطوة الفرنسية برغم الماضي الاستعمار الآن وجدت صدى لدى الضمير المالي للخروج من هذا الكابوس السياسي وتقديم دفعات جديدة للانطلاق نحو بناء نظام سياسي ديمقراطي مسؤول...

وإلى لقاء في القريب العاجل حول تداعيات التدخل العسكري في مالي وحيثياته وأبعاده. فانتظروني.

(*) من الجمهورية المالية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!