التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.08.2008 01:28:49

العسكر بين خطف الجهود واغتيال الأحلام

بقلم : سيدي محمود ولد الصغير

هل هو قدر محتوم على هذا الشعب المسكين: أن يظل نهبة لمجموعة من العسكر يختطفون إنجازه، ويغتالون أمله، يختطفون إنجازه كما فعلوا يوم الثالث من أغسطس 2005 ، إذ احتكروا ما حصل في ذلك اليوم وكتبوه باسمهم في سجل البطولات، وإن رأى البعض أن ما قاموا هو ردة فعل بدافع الحرص على البقاء، تجلت هذه الصورة في اختطاف العسكر لإسقاط نظام ولد الطائع الذي تداعى تحت الضربات المتتالية لنضالات الشعب، حتى إذا كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط والانهيار قرروا أن يتدخلوا حتى لا يجرفهم تيار التغيير الجارف، ويسجلوا التغيير باسمهم، وتم لهم ما أرادوا، وهنيئا لهم بذلك.
وظل الشعب الموريتاني يحبس أنفاسه ومن ورائه محبوه ومحبوا الحرية في العالم خشية أن ينكص العسكر على أعقابهم، ويتنكروا لوعد على أنفسهم قطعوه، وكان لقوى الشعب الحية دور مقدر في حماية المسيرة الانتقالية من الانحراف، حتى إذا وصلنا إلى بر الأمان _كما ظننا_ صفق الجميع للعسكر وأوغل في الإطراء، و تنفسنا الصعداء على وقع تنصيب رئيس مدني يعترف الجميع بشرعيته من سانده ومن عارضه، وكان حدثا غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وبدأ المواطن الموريتاني يستعيد ملامح شخصيته المعنوية سواء في الداخل أم في الخارج، حيث كتب الكثيرون عن التجربة الديمقراطية، وانعقدت حولها ندوات وحوارات، وأصبح أبناء موريتانيا في الخارج الذين طالما أخجلتهم القرارات السيئة والخرجات الإعلامية الفاضحة لساسة بلدهم، أصبح هؤلاء لا يتوارون خجلا إذا ذكرت موريتانيا في الإعلام.
ولا أتحدث عن شعور لدى المغتربين فحسب، لأن بإمكاني أن أذكر بما حصل من حراك شامل في البلد، فبعد ما غاض نبع الثقافة أو كاد، ارتفع من جديد صوت الثقافة والفكر وتكشفت المواهب، لاتساع دائرة الحريات وتنامي الجو الصحي المشجع للإبداع ، فأحس المراقب المنصف بأن هناك مخاضا جديدا في المجتمع قد يسفر عن مولود له شأن في قادمات الأيام .
ولا أنكر أن اللوحة لم تكن خالصة للألوان الزاهية، بل لم تكن تخلو من البقع السوداء والنقاط المعتمة ، ولكن الأمل ظل يراودنا في أن نستطيع يوما بعد يوم أن نتقدم خطوة في سبيل الأهداف التي اتفق عليها المجتمع وانتخب مؤسساته لتحقيقها، والأمر يحتاج لبعض الوقت في ظل العوائق المتضافرة، والتي كثيرا ما يكون الشعب (وبالخصوص نخبته) جزءا منها من خلال تكريس عقلية الانتفاع الذاتي، وانعدام الاكتراث بالهم العام ومصلحة (الوطن)، ومن ثم فلا يتصور أن تكون مسيرتنا إلى الأهداف النظرية سالكة، غير أننا متى ما أحسنا التشبث بالمشترك وقمنا بالمراجعات اللازمة في وقتها، وجددنا العزم على المضي معا في الطريق المرسوم أمكننا أن نصل في يوم من الأيام.
أما أن يغتال حلم الشعب وتوأد آماله في مستقبل بذل من أجله الكثير، ليعطى بدله وعدا خلوبا –وشعارا فارغا – فهذا استهتار ما بعده استهتار بكرامة الشعب، وقرار غاب عنه المنطق وافتقر إلى التوفيق، ومن عاد يستطيع أن يسمع وعدا جديدا من العسكر ومن ثنايا الوعد تفوح رائحة الغدر !
هل وفيتم بوعدكم الأول _أيها العسكريون _ حتى نصدق الوعد الجديد ؟ ألم يكن من مفردات ذلك الوعد أن تنفضوا أيديكم من الشأن السياسي ، وتعودوا إلى مواقعكم في حفظ أمن البلد وحماية المجتمع، فلا ذاك فعلتم ولا هذا، فارتبكت السياسة وتخبطت، وارتخى الأمن وخار .
كم كنت أغتاظ وأتمزق من الداخل وأنا أشاهد تلك المعركة الهزيلة (التي فقدنا فيها أرواحا غالية مدنية وعسكرية ) في ضواحي تفرغ زينه مع ولد سيدينا ورفاقه، لما أبانت عنه من هشاشة في قواتنا المسلحة وخور في أجهزتنا الأمنية، مما يطمع فينا عصابات الجريمة المنظمة وغيرها – ممن شاء أن يطمع - .
أليس هذا في صميم اختصاص الاجهزة الأمنية ؟ أم أنها لا تحسن إلا الانقلاب على خيار الشعب وإرادة الأمة ، وإلا اغتيال أحلام الوطن
أسد علي وفي الحروب نعامة خرقاء تهرب من صفير الصافر
غير أن الحقيقة الناصعة أن الديمقراطية نتيجة للحرية ، والحرية تنتزع ولا توهب .
فهل سنكون على مستوى التحدي هذه المرة ونعلنها بملء أفواهنا (لا لاستلاب حريتنا وإلغاء إرادتنا ؟! .
ولا يمكنني أن أختم هذا المقال حتى أسجل للتاريخ :
كل السخط ، وكل الشجب ، وكل الإدانة ، وكل الاشمئزاز من موقف الأحزاب السياسية التي صفقت للانقلاب على الشرعية والديمقراطية .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!