التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.10.2012 12:27:06

النظام الموريتاني والموقف من الثورات العربية

الأستاذ / المختار بن نافع

الأستاذ / المختار بن نافع

ثورات كسبتها شعوب في عالمنا العربي بسقوط أنظمة وإقامة أخرى، وثورات أخرى "تنتظر" وكلها كان لها تأثيرها في عالم الدبلوماسية وعلاقات الدول والأنظمة، انطلاقا من مصالح كل نظام أو دولة عاجلة أو إستراتيجية، وفي هذا المقال نحاول التوقف عند الطريقة التي أدار بها النظام الموريتاني أداءه الدبلوماسي في وجه هذه الثورات التي أطاحت بأنظمة كان بعضها حليفا استراتيجيا لهذا النظام، (النظام الليبي) وهي تهز الآن نظاما آخر (النظام السوري) كانت علاقات حكام نواكشوط به في تطور متسارع بوصفه بوابة لنظام آخر يُعول على دعمه (النظام الإيراني).

من الترقب.. إلى التذبذب

في بدء الربيع العربي بالثورة التونسية ثم المصرية لم يكن الأمر صعبا على النظام الموريتاني نظرا لأن علاقاته مع هذين النظامين كانت عادية (رغم أن ولد عبد العزيز كان آخر رئيس يزور بن علي) ولذلك لم يضطرب كثيرا موقف النظام من هاتين الثورتين وربما ساهم في ذلك سرعة انتصار الشعبين التونسي فالمصري في معركة الثورة مما أتاح لهذا النظام فرصة التريث في اتخاذ المواقف حتى انجلت المعركة لصالح الشعوب فجاءت مواقفه مرحبة وإن كان ترحيبا لا تستشف منه البهجة.

على أن الأمر اختلف نوعا ما بعد محاولات شباب موريتانيين الاقتداء بهاتين الثورتين في الاحتجاجات الشبابية التي انطلقت في 25 فبرائر، فبعد ذلك التاريخ اتخذت بعض الأذرع الإعلامية والسياسية غير الحكومية للنظام موقفا مهاجما لهاتين الثورتين، وصارت تبحث في مجريات ما بعد الثورة عن أخطاء تشوهها بها فيما يشبه موقفا هجوميا أو ضربات استباقية موجهة ضد الداخل ولكن في ملعب الخارج.

أما التذبذب الأكبر فقد ظهر أكثر ما ظهر في ثورتي ليبيا وسوريا، وهذا استعراض لبعض هذه المواقف "المتناقضة" أو على الأقل التي يصعب انتظامها تحت قاسم مشترك.

أولا: الثورة الليبية

بعد أقل من شهر على الثورة الليبية أي في 9 مارس 2011 أعلنت الوكالة الليبية الرسمية أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز اتصل بالقذافي وأعلن له عن تضامنه معه دون أن تنفي السلطات الموريتانية ذلك.

وفي 11/4/2011 استقبل القذافي الرئيس الموريتاني رفقة وفد الوساطة الإفريقي، وقبل (القذافي) الخطة التي طرحها الوفد ولكن المعارضة اعتبرتها منحازة للعقيد.

في 7/6/2011 قال ولد عبد العزيز في مقابلة مع وكالة أنباء الصحافة الفرنسية إن على القذافي أن يرحل "لأنه لم يعد قادرا على حكم ليبيا وبات تنحيه ضرورة" ومع أن ذلك كان يقتضي الاعتراف أو إقامة علاقة من أي نوع بالمجلس الانتقالي الليبي فإن الرئيس الموريتاني رفض ذلك وصرح في 5/8/2011 أن موريتانيا لن تعترف بهذا المجلس لأنها "بوصفها رئيسة للجنة الوساطة الإفريقية لا يمكنها أن تغلب كفة طرف على آخر، فذلك ليس في مصلحة الشعب الليبي ولا في مصلحة أي من النظام والمجلس الانتقالي"

وفي 3/7/2011 استقبل الرئيس الموريتاني وفدا ابتعثه القذافي إليه لتحريك المبادرة الإفريقية التي ظل النظام الموريتاني يتمسك بها حتى سقوط باب العزيزية.

والأغرب من كل ذلك أن نواكشوط لم تعترف بالمجلس الانتقالي إلا في 24 نوفمبر 2011 أي بعد ثلاثة أشهر من سقوط باب العزيزية وبعد شهر من مقتل القذافي نفسه.

ثانيا: الثورة السورية

يعد الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف أرفع مسؤول عربي زار دمشق منذ أن اشتدت وطأة النظام على الثوار المتظاهرين ضده وكانت زياراته في توقيتات مثيرة:

- فقد زارها مرتين كانت الأولى منهما في 27/6/2011 قادما من طهران حيث كان يشارك في مؤتمر دولي حول الإرهاب، ولم تكن هذه الزيارة مبرمجة على جدول أعمال ولد محمد الأغظف مما دفع البعض للقول إن للإيرانيين دورا في اقتراحها عليه.

- أما الثانية فكانت في 17 فبراير 2012 وذلك بعد أشهر من قرار الجامعة العربية تجميد عضوية سوريا ودعوة الدول الأعضاء لسحب سفرائها من دمشق، وبالمناسبة لم تكن موريتانيا بالمناسبة من الدول العربية التي امتنعت من الموافقة على هذا القرار أو تحفظت عليه (لبنان واليمن والعراق).

ومع هذه المواقف السابقة المنحازة للنظام انضمت موريتانيا لمؤتمر أصدقاء سوريا منذ إنشائه وظل وزير خارجيتها حمادي ولد حمادي ضيفا دائما عليه.

كما وافقت موريتانيا على مشروع القرار السعودي في الأمم المتحدة حول سوريا.

كيف نفهم؟

في تفسير هذا الاضطراب يمكن الحديث عن بعض الدوافع التي حملت عليه، كما يمكن عزوه إلى ضعف الدبلوماسية الموريتانية عن استيعاب تغير كبير من حجم الثورات العربية، بل يمكن أن يكون مزيجا من هذا وذاك، فالنظام الذي تتناقض حاله ما بين الشبه بالأنظمة المترنحة وبين ادعاء الشبه بالشعوب الثائرة، والذي لا تسعفه خبرة دبلوماسية تعين على هذا التناقض لا بد أن تتذبذب مواقفه وتضطرب مواقعه.

خوف العدوى:

فمثلا كان مريحا للنظام أن يتخذ موقفا متفهما من الثورتين المصرية والتونسية لأن ذلك سيجنبه سخط الشارع الموريتاني عليه، ولذلك جاءت مواقفه الرسمية والحزبية مرحبة بهاتين الثورتين، وظل على هذا الحال حتى انطلقت الاحتجاجات الشبابية الموريتانية في 25 فبراير، فتغيرت مواقف الأذرع الإعلامية للنظام نحو تشويه الثورات عموما وهو موقف مفهوم من أي نظام يخشى على شرعيته من الثورة خاصة بعد أن لم تجد في ثني الموريتانيين عن السعي لاستنساخ الثورة محاولاتُ بعض منظري النظام القول إن "الثورة الموريتانية" وقعت منذ سنوات بالانقلابات التي قادها الرئيس الحالي في 2005 و 2008.

وقد اشتعل أوار هذا الخطاب الإعلامي الساعي لتشويه الثورات مع تجدد الخطر على النظام في بداية العام الجاري عندما تبنت المعارضة رسميا المطالبة برحيل النظام وخرج خلفها جمهور عريض في مسيرات واعتصامات أزعجت النظام وأخرجته عن طور المبادرة على طور رد الفعل.

غياب السند

أما في ليبيا وسوريا فكان موقف النظام أشد تناقضا لأنه من جهة يتمتع بعلاقات مصالح قوية مع هذين البلدين: بشكل مباشر (ليبيا) وغير مباشر (سوريا بالنسبة له بوابة للدعم الإيراني الموعود) ولكنه أيضا لا يقوى على "الوفاء" لهما حتى لا يخسر حلفاء موريتانيا التقليديين الذين تبنوا موقفا واضحا ضد نظامي الأسد والقذافي في الخليج والغرب.

والغريب في هذا التناقض في المواقف هو عدم تنبه النظام له حتى الآن، فهو يكرر في سوريا موقفه في ليبيا رغم أنه رأى بعينيه المصير الذي آل إليه القذافي، وهو يخسر حلفاء موريتانيا الداعمين للثورات دون أن يربح أنصار الأنظمة (مثلا في حالة نظام الأسد لا يهتم النظام إلا بداعميه الإيرانيين ولا يلتفت إلى الروسيين والصينيين رغم أن له علاقات من نوع خاص بهؤلاء الأخيرين)، فوق أنه لم يربح دعم شعبه - أو القطاع الذي يطالب برحيله منه - بدعمه للثورات كما حصل لبعض الأنظمة الملكية في المشرق والمغرب العربيين.

نقلا عن أسبوعية "الأخبار إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!