التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.10.2012 12:46:49

هل رحل الرئيس؟

أ. مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

أ. مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

قبل أربعة أيام أطلق شخص أو أشخاص - لم يُفصَح عن هويتهم ولم تُعرف دوافعهم - النار على الرئيس خارج العاصمة وأصابوه برصاصات استقرت إحداهن في بطنه مُدخلة حياته وسلامته الجسدية في خطر لزم معه سفره إلى الخارج للعلاج.

بعد الحادث بساعات - ودون الإعلان عن تحقيق أو تحريات في الأمر- قدّم وزير الإعلام الموريتاني رواية "رسمية" - عبر التلفزيون الحكومي المثقل بأوقار الفشل الإعلامي - تقول إن كتيبة عسكرية أطلقت النار خطأ على الرئيس في منطقة "الطويلة" وإن جروحه "الطفيفة" لم تمنعه من دخول المستشفى ماشيا، وهي رواية كررها الرئيس نفسه لاحقا من فوق سرير المستشفى.

هذه الرواية لا يقنعني منها إلا أن الرئيس أصيب بطلق ناري، وسأبقى غير مقتنع ما لم تظهر أدلة جديدة بعد تحقيق يوثق به، مرجحا أن ما حدث هو محاولة اغتيال نفذتها جهة يرى الرئيس والمؤسسة العسكرية الحاكمة بأمره أو الحاكم بأمرها – على الأصح - أن تحميل مسؤولية الحادث "للخطأ العسكري" أقل ضررا سياسيا وأمنيا من الإفصاح عنها.

غير أني لا أرى مع ذلك أهمية كبيرة للبحث الجنائي أو السياسي الآن عن حقيقة مستهدفي الرئيس ودوافعهم وكيفية حصول ذلك؛ فهو حديث يطول ويعسُر الوصول فيه إلى خبر يقين؛ لحداثة الحدث نسبيا، ولأن الرئيس ذو أعداء وافرين يُتوّقع منهم عدوان كهذا ويُفترض مبدئيا إمكان تدبير كل أحد منهم للحادث، بدءا من خلايا القاعدة ومتمردي الجيش وانتهاء بذوي الذحول والثارات وأرباب الضغائن الاجتماعية والحسابات "غير المصفّاة"، وتقصّي احتمالات ضلوع أي طرف من هذه الأطراف في الاعتداء يطول فيه الجهد وتقل النتيجة.

وأيّاً كان الفاعل فإن الجواب على "ماذا بعد؟" واستشراف الأثر السياسي والأمني لمحاولة الاغتيال هذه أكثر إلحاحا وأهمية الآن من محاولة الجواب على أسئلة أخرى خصوصا على "كيف؟"؛ فما آل إليه وضع الرئيس الصحي لا يثير من القلق عليه شخصيا أكثر مما يثير من القلق على الدولة واستقرارها السياسي والأمني وديناميكية جهازها التنفيذي ومؤسساتها المختلفة.

إن الأسئلة السياسية والإشكالات الدستورية ذات العلاقة بمستقبل البلد عموما والرئيس خصوصا التي يثيرها غيابه القسري كثيرة وخطيرة؛ فهل بقِي للرئيس مستقبل سياسي بعد ما حدث وبعد أخبار تشير إلى ضرورة بقائه خارج البلاد مدة قد تصل إلى خمسة أشهر أو تزيد؟ ومن الذي يحكم البلاد الآن والرئيس دستوريا لا نائب له ولم تُعتمد إصابته "مانعا نهائيا"؟ وكيف تولى هذه المسؤولية من يقوم بها عمليا؟ وكيف يجب أن تسير الأمور في البلد دون ارتباك في حياة الناس أو ارتجاج لكيان الدولة التي لم تعتَد على أن تفصل نفسها عن شخص الرئيس؟

تقول قراءة الواقع الداخلي والإقليمي إن خروج الرئيس من المشهد إذا طال كثيرا لن يكون لصالح مستقبله السياسي وقد يجد نفسه في نهاية المطاف معزولا سياسيا وربما دستوريا، وهي حال سبقه إليها رؤساء أشبهت أحوالهم حاله من بعض الوجوه ثم كان عنوان خاتمة مسيرتهم السياسية: محاولة اغتيال وسفر للعلاج.

وأقرب حالتين تاريخيا وجغرافيا يمكن أن نشير إليهما حالة النقيب موسى داديس كمرا الذي حكم غينيا بانقلاب عام 2008 وقمع المسيرات المطالبة برحيله قبل أن يتلقى رصاصة في رأسه من مساعده، خرج بعدها للعلاج في المغرب ثم لم يمكنه أن يعود رئيسا لبلاده ولجأ إلى بوركينا فاسو.

وفي اليمن قبل من أكثر سنة كانت محاولة اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح هي نهايته السياسية بعد شهور من قمع المسيرات السلمية والاحتجات الشعبية.

أما في الحالة الموريتانية فأعتقد أن المعارضة لن تألوا جهدا لفرض إحدى الحالين (العزلة أو العزل) على الرئيس حسب طول فترة غيابه وقصرها، ولا أعتقد أن قرار المنسقية تجميد أنشطتها الاحتجاجية حتى عودته - رغم بعده الأخلاقي والإنساني – يعني مسالمة شاملة بقدر ما يعبّر عن تفاعل واقعي يدركه الغبيّ مع "رحيل" الخصم.

ومما يمكن أن يخدم المعارضة في مسعاها الضعفُ السياسي الذي يورثه "رحيل" الرئيس – إن طال - للأغلبية وأحزابها المتناحرة المتنافسة التي لا قيام لأمرها دونه، إضافة إلى أن الظروف الإقليمية ومركزية دور موريتانيا في حرب شمال مالي التي تقرع طبولها، والتفاهمات القائمة بين الرئيس وفرنسا والاتحاد الإفريقي ودول الطوق الصحراوي في هذا الشأن.

جميعها أمور قد تفرض على فرنسا والاتحاد الإفريقي المتحمسين للحرب مباركة حراك سياسي داخلي لتفادي فراغ دستوري طويل الأمد في منصب الرئيس أيضا قد يكون سببا قويا لارتباك الدور الموريتاني في الحرب المرتقبة التي تفتقد أصلا إلى الإجماع الوطني.

يتحدث الدستور عن حاليتين يقوم فيهما غير الرئيس بمهام الرئيس أو سلطاته؛ أما الأولى فيمكن أن تحدث دون "شغور" منصب الرئيس أو قيام "مانع" معتبر من طرف المجلس الدستوري، ويكون ذلك بأن يفوض الرئيس "السلطة التنظيمية" – التي هي من صلاحياته – كليا أو جزئيا للوزير الأول حسبما تنص عليه المادة (32) من الدستور، كما نصت المادة (30) على حق الرئيس في تفويض بعض سلطاته للوزراء.

وأما الحالة الثانية فهي أن يتحقق المجلس الدستوري - على أساس طلب من الرئيس نفسه أو رئيس الجمعية الوطنية أو الوزير الأول - من شغور منصب الرئيس أو قيام مانع نهائي يمنعه من مزاولة عمله، وفي هذه الحالة يتولى رئيس مجلس الشيوخ نيابة رئيس الجمهورية لتسيير الشؤون الجارية، كما نصت المادتان (40 و41) من الدستور.

وبالقطع ما زال إعلان حالة "الشغور" أو قيام "المانع النهائي" أمرا مستبعد الوقوع – ولو مؤقتا -؛ إذ لم يصدر من أي طرف سياسي ما يشير إلى إمكانه، كما لم يُعرف شيء عن موقف الوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية الذين يخولهما الدستور – إضافة للرئيس - طلب "التحقق" في الحالة من المجلس الدستوري.

ومع ذلك فليس من الممكن أن نحكم جزما بأن هذا الأمر لن يحدث - وإن حكمنا بصعوبته - خاصة في ضوء ما أشرنا إليه سابقا، وضوء ما يوحي به التصريح الاستباقي المهزوز لوزير الخارجية الذي قال فيه إن "الرئيس ما زال يحكم البلاد.. ويتمتع بكامل صلاحياته".

أما ظرفيا فيبقى السؤال قائما عمّن يحكم البلاد الآن!! وهل فوّض "سلطاته التنظيمية" رسميا للوزير الأول؟ وإذا كان فعل ذلك فكيف؟ أمشافهة في المستشفى أم كتابة؟ وكيف تكون كتابة وهو في حال لا يُتصور معها إمكان ذلك؟ وأيهما أعلى رأسا وكلمة اليوم في موريتانيا الوزير الأول أم قائد الأركان؟.

لِما سبق، لا يحتاج المرء إلى أن يكون فقيها دستوريا كي يدرك أن عدم وجود نائب للرئيس بنص الدستور يتولى مهامه في حال غيابه أو عجزه المؤقت ثغرة كبيرة وخطر مُحيق في دولة لمّا يقرر جيشها الاستقالة من عمله السياسي ولمّا تُفلح نخبتها السياسية وجهازها التنفيذي ومجتمعها في مراكمة أعراف دستورية ومواضعات سياسية ديمقراطية لتسيير أحوالها القارّة بلهَ الطارئة.

نقلا عن أسبوعية "الأخبار إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!