التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:54 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.10.2012 13:39:39

استشارة: حكم القانون في غياب الرئيس

المحامي/ محمد سيدي ولد عبد الرحمن - mohsiab@yahoo.fr

المحامي/ محمد سيدي ولد عبد الرحمن - [email protected]

يقول الإمام الحضرمي في كتابه "الإشارة في تدبير الإمارة ".. إن الاستشارة تفيد المستشير عقلا يزيده إلى عقله، وهداية يجمعها مع هدايته.. " وردت هذه القولة في كتاب ألفه قاضي آزوكي قبل أكثر من 900 سنة، فما بالكم بضرورة الاستشارة في زمن تعقدت فيه المعارف وتفرعت وأضحت الإحاطة بعلم واحد كالقانون أو الطب أو غيرهما مستحيلة وولجت البشرية عصر التخصص بامتياز ولكن ما يساعد في القرن الواحد والعشرين أنه بموازاة ذلك أضحت المعلومات تتدفق بغزارة ويسر أكثر من أي وقت مضى.

وإثر العجز الذي أصاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وأقعده مؤقتا عن ممارسة مهامه يتعين على المجموعة الوطنية "قمة وقاعدة" أن تتبادل المعلومات والآراء حول الشأن العام ومن واجبها أن ترجع لحكم القانون "التعبير الأعلى عن إرادة المجتمع الذي يجب أن يخضع له الجميع" ومن هذا المنطلق أسهم بهذه الاستشارة حول مسؤوليات الحكم في موريتانيا بينما يرقد الرئيس على بعد آلاف الكيلومترات من ديار قومه ومركز حكمه.

أولا: التأريخ للكتابة في موضوع الشغور:

تدور هذه الاستشارة بالأساس حول مفاهيم شغور الكرسي الرئاسي والمانع النهائي للرئيس من منظور القانون الدستوري الموريتاني، ولربما يذكر بعض القراء أن المفهومين غير جديدين على نظامنا، ففي ميزان مجلسنا الدستوري سابقة القضاء بشغور منصب الرئاسة إثر استقالة الجنرال محمد ولد عبد العزيز (في قرار يعيب عليه الحقوقيون أنه لم يذكر الرئيس الشرعي آنذاك سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وأنه أسس قضاءه على الدستور وعلى تشريعات المجلس (العسكري) الأعلى للدولة الخارجة عنه) - راجع القرار رقم 004/2009 بتاريخ 15 ابريل 2009.

وإثر صدور قرار المجلس الدستوري المعروف بقرار الشغور ضجت الساحة القانونية ونشرت مبادرة الدفاع عن الدستور (مدد) مآخذها في اليوم الموالي، واعتبر الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح أن قرارات المجلس الدستوري نادرة بحيث لا يتعين غض الطرف عنها، وعقب على القرار في مقال متميز نشر على صفحات جريدة le Calame عدد 684 بتاريخ: 21 ابريل 2009 ولا يزال متاحا في الفضاء الإلكتروني لمن يريد مطالعته.

وفي ختام هذا التأريخ أذكر القارئ أنني كتبت قبل صدور قرار الشغور عن الرئاسة الشاغـرة، في أكتوبر 2008 ونشرت رأيا ذيلته بمرسوم يقضي بتحويل الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية إلى "اعكيلة تورين" ومنح مقرها المقابل للرئاسة للهيئة الوطنية للمحامين ولا يزال الرأي متاحا على الفضاء الإلكتروني.

ثانيا: النازلة وسبل التعامل الشرعي معها:

وبعد أن طويت صفحة الانقلاب وقرر المجلس الدستوري صحة انتخاب السيد محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية واستتب الأمر عرض للرئيس في يوم السبت 13 أكتوبر 2012 حادث من الحوادث التي تعترض حياة الناس في كل الدروب وتقعدهم عن ممارسة مهامهم وهو الحادث الذي سأترك استقصاء أسبابه لمن يهمهم الأمر، فحسبي أن أعرض قراءتي لآثار الحادث من منظور القانون باستعراض النصوص قبل التعقيب عليها.

1/ النصوص الدستورية:

ويتعلق الأمر بالمادتين 40 و41 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية اللتين أنقل نصهما بدون تصرف.

المادة 40: في حالة شغور أو مانع اعتبره المجلس الدستوري نهائيا، يتولى رئيس مجلس الشيوخ نيابة رئيس الجمهورية لتسيير الشؤون الجارية.

يقوم الوزير الأول وأعضاء الحكومة، وهم في حالة استقالة، بتسيير الشؤون الجارية.

ليس للرئيس بالنيابة أن ينهي وظائفهم ولا أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء، ولا أن يحل الجمعية الوطنية.

يجري انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال ثلاثة (3) أشهر ابتداء من إقرار شغور المنصب أو المانع النهائي، ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة أثبتها المجلس الدستوري.

لا يمكن إدخال أي تعديل على الدستور سواء عن طريق الاستفتاء أو عن طريق البرلمان خلال فترة الإنابة.

المادة 41: يتحقق المجلس الدستوري من الشغور والمانع النهائي على أساس طلب من:
رئيس الجمهورية، أو رئيس الجمعية الوطنية، أو الوزير الأول.

2/ ما يستنبط من النصوص الدستورية:

يستنتج من المادة 40 من الدستور أن المشرع الدستوري الموريتاني:

• لم يشترط توفر الشغور والمانع في آن واحد وإنما اكتفى بتوفر أحدهما بدليل استخدامه عبارة "أو" في الفقرة الأولى و"إقرار الشغور أو المانع النهائي" في الفقرة الرابعة من نفس المادة.

• أنه لم يشترط الشغور النهائي وإنما اكتفى بإقرار الشغور مما يدخل فيه الشغور المؤقت أما المانع فقد اشترط المشرع أن يكون نهائيا.


كما يستنتج من المادة 41 من الدستور أن المشرع الدستوري الموريتاني:

• أناط برئيس الجمهورية مسؤولية تقتضي منه - فيما إذا آنس في نفسه ضعفا يقعده عن ممارسة مسؤولياته على الوجه الأكمل – اللجوء إلى الآلية الدستورية المقررة لإعفائه بتحرير استقالته أو الكتابة للمجلس الدستوري على أساس المادة 41 من الدستور، وقد دأب الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران على نشر كشوف فصلية عن حالته الصحية لطمأنة الرأي العام في بلاده على قدرته على تحمل أعباء الحكم.

• أوجب على رئيس الجمعية الوطنية أن يبادر، فيما إذا لم يقم الرئيس بذلك، بعرض قضية شغور الكرسي الرئاسي على المجلس الدستوري ليحكم فيها، وإذا لم يقم بذلك تعين الأمر على الوزير الأول مع الانتباه إلى أنه ليست للمعنيين سلطة تقديرية مطلقة في تقديم الطلب أو تركه لأن الحق عام لا يجوز التنازل عنه لاعتبارات خاصة.

أما واجبات المجلس الدستوري فتقتضي منه حينما يتلقى الطلب ممن يحق له تقديمه:

• النظر، من منطلق كونه هيئة حكم عليا، فيما إذا كان شغور منصب الرئاسة قائما، وللمجلس أن يعاين المنصب، وأن يطلب من الأطباء الذين عاينوا الرئيس رفع شهادات طبية عن حالته، تحدد فترة عجزه المؤقت عن العمل (ITT) وللمجلس أن ينتدب أطباء محايدين لمعاينة الرئيس المريض في مشفاه وإصدار شهادات طبية عن وضعيته الصحية، وما إذا كان للحادث تأثير محتمل على قدراته وقيامه بمسؤولياته مع عدم إغفال ما إذا كانت العودة السريعة لمسؤوليات الحكم ضارة بصحة الرئيس نفسه.

• أن يتحرى عن المصالح العامة المعطلة ومدى استعجالها وله أن يستجوب أعوان الرئيس المباشرين حول الملفات العالقة لأخذ صورة عن دواعي الاستعجال مع تقدير أن أغلب أمور الحكم لا تحتمل التراخي وإنما تتطلب التصرف في الوقت المناسب.


وجملة القول أنه يتعين على رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية والوزير الأول رفع مسألة الشغور الرئاسي لمن يهمهم الأمر، وعلى المجلس الدستوري حال توصله بالطلب أن يتذكر الحيثية الرابعة من قراره رقم: 004/2009 التي جاء فيها: "وحيث أن منصب رئيس الجمهورية لا يتحمل الفراغ ولو لحظة واحدة، لما يترتب على ذلك من المفاسد الكبيرة، مما يجعل الأمر ذا طابع استعجالي وملح". وعلى كل الموريتانيين أن يسهموا في تأسيس دولة مدنية تحكمها النصوص والمؤسسات.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!