التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:52 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.08.2008 19:00:58

على كف جنرال

أحمد بن الوديعة
لم يكن احد يتصور أن التهور يمكن أن يوصلنا وبهذه السرعة إلى ما وصلنا إليه؛ بلد يتحول في أقل من ساعة من " معلمة ديمقراطية" إلى "بؤرة عسكرية" تدار بأكثر طرائق الحكم تخلفا واستبدادا وديكتاتورية، والسبب هو أن رئيسا منتخبا بطريقة شهد العالم بشفافيتها – الفنية على الأقل – اتخذ قرارا إداريا يدخل دخولا أوليا في صلاحياته الدستورية بتنحية قادة عسكريين مرد وا على الخروج عن ممارسة مهامهم الجمهورية، والولوغ في إدارة شان لايفقهونه ولايتحملهم .
لقد كان واضحا منذ أشهر أن الجنرال ولد عبد العزيز قرر التخلص من الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبدالله، لكن الكثيرين – وربما الجميع - كانوا يراهنون على أنه سيقوم بذلك من خلال
" أدواته الديمقراطية" المتمثلة في " كتيبة النواب والشيوخ" و"مشاة الأحزاب السياسية"، و"رماة الصحافة المستقلة"، لكن أن تغلق مداخل الإذاعة والتلفزة ويذاع البيان " رقم واحد" في بلد كان عسكره ومدنيوه يجمعون على ضرورة ترسيخ التجربة الديمقراطية فذلك باب من "بدع" ما كان يخطر على بال أحد ولعله من المناسب فتح قوس صغير هنا لنذكر أنه يوم قال هيكل إن تجربتنا الديمقراطية " هامشية " انتفضت نخبتنا معلنة حربا شعواء ومسيلة مداد غزيرا حول " نضج التجربة" وقوتها وقابليتها للتأثير وحتى للغزو، إن فرسان تلك الانتفاضة مطالبون اليوم بتقديم اعتذار للعجوز المصري المخرف وقد ثبت صدق توقعاته رغم ما عرف به من تدليس وكذب أحيانا، فضلا عن تاريخه المشهود في دعم
" الانقلابيين" الذين ربما يمثلون " سلفا" لعزيز ورهطه.

إن الطريقة الاستعراضية التي تم بها اغتيال الديمقراطية الموريتانية صباح الأربعاء الماضي تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على موريتانيا المرتهنة حاليا على كف جنرال بدأ " عهده" بإشارات كثيرة تدل كلها على نفس ديكتاتوري من الطراز الفظيع هل أتاكم نبأ استقبال المؤيدين بالورود، وتلغيم المعارضين بمسيلات الدموع" هل سمعتم عن "توزيع الموجود من العدالة"، هل عرفتم من سيكون الوزير الأول في عهد "حركة التصحيح الجديدة" ، هل عندكم نبأ عن نظرة الرجل لموريتانيا، وموقفه السلبي من المتحقق من مكاسب في مجال وحدتها ومصالحتها الوطنية... ؟؟؟
........

نحن فعلا على كف جنرال يتجه بنا إلى المجهول بسرعة فائقة ربما كسرعة شطبه على حصاد سنوات طويلة من نضال أهل موريتانيا من أجل الحرية والديمقراطية، ومما يؤسف له أكثر أن انحدارنا هذا يتم على وقع جوقة "فيالق" من نخبتنا الوطنية استعادت بسرعة الجنرال " عادتها القديمة" في التصفيق والرقص حتى، فتبارت تنثر المديح على الحاكم الأوحد وتسب رئيسا كانت حتى التاسعة من صباح الأربعاء تصفه بالرئيس المؤتمن والرئيس الحكيم والرئيس المطمئن ورئيس الإجماع، هل سمعتم ندوات الإذاعة وسباق الكذب الصراح على التلفزة الذي وصل فيها أحد مثقفينا الكبار حد القول إن الطريقة التي حمى بها العسكر الديمقراطية الموريتانية ستدرس في أكاديميات العلوم السياسية، وقال آخر إن الانقلاب كالبركان خطير لكنه يجدد التربة، فيما أعاد فقهاء السلطان للمرة الألف عزف أغانيهم الممجوجة التي واجهت حالة من الكساد خلال فترة الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبدالله وتلك إحدى الحسنات الكبيرة للنظام التي يتناوشه (.....) المثقفين اليوم في وسائل إعلام الجنرال

هناك بكل تأكيد ما يقال في نظام الرئيس ولد الشيخ عبدالله وهو ماكنا نقوله نحن منذ ترشحه حتى يوم اختطافه لكننا اليوم نعرض عن تلك الملاحظات صفحا حتى لانرد نحن و(....) المثقفين ذات البئر ما يجب التركيز عليه اليوم فى حقبة الرئيس الشرعي هو قرارته الشجاعة في ترميم الوحدة الوطنية؛ تجريما للرق وإعادة للمبعدين، وترسيخه للحريات من خلال الترخيص لكل القوى السياسية بالعمل السياسي، وشفافيته في التعاطي مع الشأن العام وتوجهه لمراجعة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإعادته الاعتبار للهوية الإسلامية للبلد .
ومع كل المأساوية التي يحملها المشهد العسكري الجديد لكنه حمل بعض الإيجابيات تقتضي الموضوعية الاعتراف بها فقد أكد - لمن كان عندهم شك - أن الديمقراطية القادمة على ظهور الدبابات سراب بقيعة ، وأن انقلاب الثالث من أغسطس هو بالفعل كما وصفه ممثل لجنة الأزمات الدولية في غرب إفريقيا صبيحة وقوعه " التغيير الذي جاء لكي لايكون هناك تغيير" فالرجال الذين أحاطوا بولد الطايع زمنا طويلا وأطاحوا به من بعد ذلك غير مؤهلين – بكل معاني الكلمة – لتأسيس نظام ديمقراطي ففاقد الشيء لايعطيه.

بقي أن نشير ختاما إلى أن الشعب الموريتاني – الذي أخرج ولد الطايع صاغرا من قصره، ورفض مطامح ولد محمدفال للبقاء في السلطة عن طريق البطاقة البيضاء، قادر اليوم أن ينقذ موريتانيا من " كف الجنرال" ويفرض عودة الرئيس المنتخب حرا من أغلال العسكر، ويومها نكون وضعنا أرجلنا – حقيقة لا ادعاء - على مسار الديمقراطية الحقة وهو أمر ممكن إذا تضافرت الجهود وأعادت قوى الإصلاح والتغيير الحقيقية – لا تلك المعدلة وراثيا وعسكريا – تنظيم صفوفها وواصلت نضالها من حيث توقف صبيحة الثالث من أغسطس 2005


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!