التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:34 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.10.2012 15:22:25

قراءة في موقف دول الجوار من أزمة مالي - الجزائر وموريتانيا نموذجا -

مع قرب التدخل العسكري في مالي من قبل قوات مجموعة الاقتصاد الغرب افريقية بدعم فرنسي وأممي،الا ان هاجس الحرب لم يزل يهزّ ضمير الشعب المالي،فلا احد كان يتوقع ان يفكر احد في ان المنطقة ستشهد تدخّلا من هذا النوع وان كان منطقة الشمال خلال عقود منطقة ساخنة بالتمرّد وتجارة المخدرات وتهريب السلاح واخذ الرهائن وبل نزوح الجماعات المتطرفة ...لكن اعلان حرب في المنطقة جراء هذه السلسلة الشبكية المتداخلة فهذا يعتبر سابقة خطيرة يجب البحث عن حلّ سياسي وديبلوماسي لها قبل فوات الاوان ،

سبب الازمة الاساسي
وقد قصم ظهر البعير احداث ليبيا ومقتل العقيد القذافي ونزوح الطوارق –الطوارقا- الى مالي باعتبارها موطنها الاصلي لكن بسلاح وعتاد كبيرين غنموها جراء اصطفافهم لما يسمى بكتائب القذافي للاسف الشديد ...وهذا الانجرار الاعمى لنظام العقيد حتى الرمق الاخير دون مواربة من الرئيس المالي آمادو توماني توري المخلوع، والطغمة التي استفادت من مال القذافي والذي شجع بعض البلدان العربية على فتح فروع لسفاراتها في شمال مالي ولم نكن نعرف ان الجزائر كان لها فرع هناك الا بعد مقتل سفيرها في شمال مالي ثم قتله وطاقمه على ايدي تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي بعد رفض الجزائر اطلاق سراح بعض قادتها المسجونين عندها فقتلوا القنصل او السفير للاسف ....
سفارات في شمال مالي ...غير بريئة
اكتشف الشعب المالي ان بعض دول الجوار تعمل في شمال مالي على مرآى ومسمع الحكومة المالية المركزية في باماكو وزيارات القذافي المتكررة وضخه الملايين من الدولارات في منطقة الشمال كان ثمة بوادر تجري وراء الكواليس وخاصة ان قادة الانفصاليين من حركة أزواد كانوا يسرحون ويمرحون في فنادق طرابلس وقصور باب العزيزية ....مع علم الحكومة بينما كانت هي تنفي ذلك على لسان رئيس الدولة في اكثر من مناسبة ....
وتحرّك العقيد قبل مقتله
وحتى هناك مصادر ان التحرك الاخير الذي اراده القذافي فاستهدف فيه حتى قتل كانت وجهته قيادة امارته الجديدة وهي شمال مالي ،ولو اراد ذلك القذافي لقبلت بذلك الحكومة وبعض المغرورين من الشعب المالي والذين يعتبرون القذافي بطلا افريقيا وان كان ديكتاتورا وطنيا بامتياز رحمة الله عليه المهم انه مات مسلما وهذا ربما سيكون شفيعه امام الله لكن الشعب هل سيغفر له ما قدمه للشعب الليبي لا اظنّ ذلك ....

ماذا بعد...
المهم قتل الرجل وبعد مرور عام على مقتله انفصل مالي ثمّ ما لبث ان غاب ازواد وسيطر القاعدة،والآن ينتظر تدخل عسكري سيجترّ الشعب منه الويلات والقتل والدمار،واذا كانت ازواد تطالب بالحوار الآن فلماذا لم تدع الى ذلك منذ ما قبل ان تصل الامور الى هذه الدرجة ؟لماذا لم تدرس تداعيات الحرب التي قادها؟ ولماذا لم تعرف ان غالبية الشمال ترفضها وترفض دعواتها الانفصالية ؟...ولماذا لم يأسف احد على طردهم من المشهد من قبل القاعدة ولم يعد لهم أي منبر اعلامي الا بعض الصفحات اليتيمة على الفيسبوك وخبت اصواتهم في وسائل الاعلام الفرنسية بعد وصول رئيس فرنسا الجديد مع تحفظنا على موقفه من الحركة ودعوته للحوار معها... مع ان فرنسا لو قامت بها حركة انفصالية تطالب بانفصال الجنوب والشمال لما قبل بذلك احد في فرنسا بما فيهم رئيس جمهوريتها هولاند او غيرها من دول المنطقة....

من يتحمل مسئولية الحرب والتدخل لم تمّ؟؟؟
حركة تحرير ازواد والقاعدة هما المسئوليتان عن هذا التدخل العسكري ومن ساندهما من دول الجوار، وتتحمل الجزائر كبر هذه الحرب لو تمّت بالفعل لانها تعترف بحركة ازواد كحركة انفصالية، ويستغرب كيف لدولة اجنبية ان تعترف بانفصاليي دولة اخرى دون ان تتدارس مع الحكومة المركزية حقيقتها وحيويتها ...ونحن نعلم ان الجزائر عجزت عن اقامة وطن لجبهة البولساريا في الصحراء الغربية للأمازيغ أتريد ان تعوّضها بشمالي مالي ؟؟..ولماذا هناك دعوات لترك العربية وتبني اللغة الامازيغية المكتوبة كلغة دولة أزواد الرسمية في حال تمّ تحرير شمال مالي؟؟؟هل الجزائر تعلم ذلك وتسكت؟؟ ...وهل استعادة الصحراء بشمال مالي كان هو الدافع الاساسي لتأييدها ازواد بالاضافة الى اعتبار مالي خائنة للاتفاقية المبرمة بينها في تسريح دولة مالي اسير فرنسي من القاعدة مع ان الاتفاق كان يقضي عكس ذلك...

ليس بيننا مشاكل ....لكن
على الجزائر ان تعرف انها ليست بينها وبين مالي مشكلة عرقية ولا عنصرية بل كان الشعبان متقاربين منذ جذور التاريخ ،ولقد شارك مالي في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي وكانت بينهما علاقة وطيدة اسفرت ان اسقطت الجزائر اخذ تأشيرة الجزائر من قبل الشعب المالي وكذلك فعلتها مالي ،ولا ينبغي ان تعكر صفو هذه العلاقة مجموعة مصالح وقتية ستنتهي قريبا بإذن الله ...

هاجس آخر لدى الجزائر حول مالي ...النفط في الشمال...
اضف الى ذلك ا الجزائر تخاف على مالي ولم تعد تثق بحكومتها المركزية وخاصة ان هناك بوادر امل ان شمال مالي تضخّ بآبار نفطية بترولية عميقة جدا ،وهذه الآبار البترولية تنخفض عمقا في مالي وربما تسحب الى اعماقها كميات كبيرة من نفط الجزائر الجنوبي والجنوب الغربي ...وهي تخاف لو آلت الامر الى مالي ان لا تراعي سهم الجزائر او تحافظ على نصيبها ... .....

سؤال يحتاج الى جواب...
ماذا كان يفعله هذا القنصل في الشمال وما دوره هو وطاقمه؟ ولماذا لم تكتف الجزائر بسفارتها المركزية في العاصمة؟؟وهل هناك جالية جزائرية في شمال مالي يحتاجون الى حماية؟ ام انها كان له هدف آخر هو مراعاة التحرك الحكومي للداولة المالية وخاصة انه بعد اكتشاف ان شمال مالي يحتوي على فائض نفطي ضخم يصل الى ما يفوق فائض نفط الجزائر حسب تقارير غربية ستّ مرات؟؟ هل الجزائر تستفيد من تقسيم مالي وفي هذا التوقيت بالذات؟ولماذا ترفض الجزائر التدخل العسكري في الشمال؟هل للحفاظ على الاقلية الامازيغية الازوادية ام تطلّعا لصالح نفط الشمال في حل تمّ الانفصال فعلا؟؟؟هذه الاسئلة اعتقد اننا سنحصل على الاجابات اليقينية لكن هي تطرح وللجزائر ان تردّ او لا نردّ...لكنها كلها محل استفسار لدى الشارع في مالي .....

مالي وموريتانيا سنوات من التناغم العلمي والسياسي...
موريتانيا الجار الحبيب والصديق القريب، بلد العلم والعلماء وبلد المليون حافظ وشاعر، تربطنا بها قرابة عريقة فاقت كل التصوّر والتخمين...ولم تصل مالي الى هذه الصدارة في التعليم الديني والاسلامي في المنطقة الا بسبب جهود شيوخ موريتانيا وتوافدهم على مالي لنشر التعليم الاسلامي وهذا التناغم في الدرس الفقهي الديني واللغوي لدليل على هذا العمق في نقل التجربة الموريتانية على الواقع المالي وحتى فكرة الكتاتيب القرآنية في مالي استلهمت من المحاظر العلمية في موريتانيا ....وولايات مثل ولاته وشنقيط وغيرها محفورة في الذاكرة التاريخية للشعب المالي..
هذا قديما ...وحديثا...
اضيف ان الاكاديميين الموريتانيية ونحن نسميهم ب-المراتنة –كانت لهم اليد الطولى في تخريج الكثير من دعاة واكادميين افارقة في صرح فرع جامعة الامام في نواكشوط، وكذلك الجامعة الاسلامية بالنيجر وكم استفدنا من اساتذتنا هناك ممن اصبحوا اليوم كوادر اكاديمية في جامعات موريتانيا اذكر منهم الاستاذ المؤدب واللساني الكبير المختار الجيلاني الذي تربينا في احضانه الادبية وتقريراته الالسنية والمدير الآن لموقع شبكة الادب واللغة كما اذكر الشاعر الكبير صاحب الدواوين المتعددة الاستاذ الحافظة / ببهاء ولد بديوه... ولا ازال اذكر قصيدته الشهيرة التي افرز فيها حنينه الى الوطن في قصيدة موارة بالحب والحنين ...والتي قال في مطلعها:

حنين تهاديه الوساوس والفكر كما يتهادى الماء في لجّه البحر

وكذلك الاستاذ عبد الله عبد الملك والاديب الناقد محمد الامين ولد عبد الله والذي كان مصدر الهام لنا في تشرّب اللغة وتذوّقها وهضمها فضلا عن الخليل النحوي ....الى غير ذلك من اساتذة وشيوخ لا يسع المجال لذكرهم حفظ الله من بقي منهم ورحم من لحق منهم بالرفيق الاعلى ...وقد وصلني بعض ذلك ....

تعاون سياسي واقتصادي....
العلاقة العلمية عميقة لكن الاطار الاقتصادي اعز واعمق واكبر،فالايدي التجارية الموريتانية العاملة تعتبر الارفع في مالي من بين شعوب المنطقة،ويوجد في مالي في اقاليمها المختلفة اكثر من 3000 آلاف دكان موريتاني ،، وحجم المستوردات من موريتانيا كبيرة جدا وكثيرة ...وموريتانيا تعتبر عمقا استيراتيجيا واقتصاديا لمالي وشعبها ...

لكن ....
لكن ساء الماليون ان تكون موريتان مأوى للانفصاليين وان تفتح المنابر امام قادتهم وان يدعموا ماديا واعلاميا ومعنويا من قبل بعض المحسوبين الذي لا يريدو خيرا للشعبين المالي والموريتاني ....على الاقل هذا هو الشائع في الرأي العام المالي والافريقي في المنطقة ..ولا ينبغي التعميم ونحن نعرف ان من الموريتانيين ومن هو احرص على وحدة تراب مالي اكثر من الماليين ...

حساسية مالي من موقف موريتانيا
لكن ظهر هذا الهاجس بعد احداث مالي واعتقادها ان موريتانيا ضليعة مع حركة ازواد فاسفرت ذلك عن فرض التأشيرة على الجالية الموريتانية وبسعر كبير.. وفعلت موريتانيا العكس وهذا لا ينبغي ويجب على العقلاء القيام باحتواء الازمة وخاصة بعد مقتل ما يسمى بدعاة التبليغ وما تبعه من احداث ..اذ الرواية الرسمية المالية غير الرواية الرسمية الموريتانية ....المهم حدث ما حدث ويجب على الجميع النظر الى ما هو قادم وما ينفع الشعبين...وينبغي تأديب المخطئين ان وجدت اخطاء وكنا نتمنى تحرّك الديبلوماسية الموريتانية في هذا الصدد...

التدخل العسكري سيقع....
الحرب ستقع ان قريبا او بعيدا والتفاهمات على قدم وساق منذ يومين وبعثة مجلس الامن ومجموعة اقتصاد غرب افريقيا لا زالت اجواؤها ايجابية ... لكن تداعياتها ستكون خطيرة على مالي ودول الجوار،والاخطاء التي ارتكبت يمكن تصحيحها ،ويمكن تدارك الازمة وهذا يتوقف على الاطراف المعنية وخاصة حركة انصار الدين وازواد ايضا،وانسحابهما الفوري الى انفسهما وصوابها ...لأن الشعب سيكرههم الى الابد وان خضعوا لهم برهة من الزمن تحت ارهاب البنادق والرصاص ...لكن يوم تمكّن له سيكون الحساب عسيرا وعلى الجميع فهم هذه الحقيقة ،والدليل انه وبعد طرد ازواد من منطقها لم يبك عليهم احد...وسيطرد انصار الدين ولن يجدوا من يبكي عليهم ....

التطرف والتشويه قرناء...
ان التطرف والفهم الخاطئ للنصوص الدينية مرض قاتل يستعصي علاجه ...والفهم السطحي للاسلام مآله تشويه له وعرقلة لمسيرة المسلمين ووضعهم في بوتقة هجومية من قبل الغالي والرخيص والدعي والبغيّ...ان حركة انصار الدين ليس لديها تصورا عن اقامة دولة عصرية وتطبيق الشريعة لن ياتي ببناء مؤسسات وشقّ الطرق واشباع الناس والحصول على العيش الكريم والرفاهية المرغوبة ...وخاصة اننا نعيش عالما متشابك الاطراف ومتقاطع المصالح ولغة القوة والمنعة هي السائدة ،والتحالفات الدولية للقضاء على الخصم الالدّ اصبحت ثقافة عالمية يجب المشاركة فيها حتى من بعض الدول الاسلامية ...

نداء عاجل وحارّ
اننا ننادي وبصوت مسموع ان تصل رسالة السلام للجميع وان تتبناها الاطراف المتسارعة،لأن خيار الحرب ضد مصلحة الجميع...ويجب ان يراجع الجميع نفسه ويختار لنفسه وللامة ما يضمن لها استقرارها وضمان أمنها...والا فان اشعال الحروب واعلان التمرّد أمر سهل لاي قبيلة او عرق ان يعلنه وان يطالب بالاستقلال ،ويمكن لاي احد ان يعلن داره وبيته منطقة انفصالية لو أراد.. لكن منطق الدول اليوم يرفض هذا الخيارجملة وتفصيلا ،وخاصة ان الامة تبنى من جديد وتفتح صفحة جديدة من تاريخها الآن ...وتريد ان تبني وحدة متماسكة وتقارب بين شعوب الاسلام بدلا من التمزيق والشتشريخ وتغليب لغة المصالح الفردية على مصالح الامة الكبرى... ،وينبغي رفض كل الدعوات التي تتبنى الانفصال مهما كان الوضع سيئا ...وان تتبع المسالك الديبلوماسية والدولية للضغط للجهة المعنية ان تحقق العدالة الاجتماعية وتحقق التنوع الاثني والعرقي بين ابناء الوطن الواحد....

الديمقراطية تعني الحرية وتعني ايضا المسئولية
ان الديمقراطية وفتح الحريات للجميع لا يعني ترك الامور على عواهنها دون مسئولية، والحكومة المركزية في مالي قلّلت من اهمية التحرك السريع لمنطقة الشمال ولا اقول انها لم تحاول تحقيق العدالة وخلق فرص للشماليين لأن اكثر من نصف المشروعات التي جاءت الى مالي من قبل الدول الصديقة كان معظمها متجهة الى شمال مالي ...لكن هذا لا يعني انه ليس هناك تقصير ولا نبرّئ الحكومة من تهمة الوصول الى ما نحن فيه لكن لا بدّ من تدارك الازمة واحتوائها لكيلا نصل الى حلّ سياسي سريع للازمة ...
سيتراجع الشعب المالي عن خيار التدخل لو تراجعوا...
سيتعالى الشعب المالي على الجراح رغم عمقه اذا ما عاد القوم الى صوابهم وسيفتح صفحة جديدة من التواصل بين شعب الجنوب والشمال وقد بدأت في ذلك عبر المساعدات الانسانية التي تسيرها الجهات الخيرية الى اقصى الشمال ورفع معاناة النازحين عبر الحدود المختلفة وان لم تكن كافية لكن جهد المقلّ ونتمنى ان تتوسع دائرة الاهتمام الاسلامي و الانساني ليشمل الجميع ....

نداء ورجاء
كما ندعو منظمة التعاون الاسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وغيرها من المنظمات الاسلامية والمعنية بالتحرك لاحتواء الازمة قبل فوات الأوان ...لأن الزمن يسحب تحت الاقدام اذا لم يتحرك العقلاء والمهتمون ...والا فهي الخرب لا محالة..
واختم بقول الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى حين قال...

وما الحرب الا ما علمتم وذقتمو ...وما هي عنها بالحديث المرجّم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة .....وتضر اذا ضريتموها فتضرم
والى لقاء قريب بإن الله وشكرا للصبر على القراءة ....

حمدي جوارا ...كاتب وباحث في القضايا الافريقية والاوربية
باريس- فرنسا.....


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!