التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:00 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.12.2012 11:21:29

دولة الصهيونية وبدء العد التنازلي

د. علي ولد محفوظ

د. علي ولد محفوظ

يدرك كثير من الناس سنة التغير المستمر التي هي من السنن الكونية الكبرى العامة التي لا تتبدل، لكن إدراك كثير من الناس لها يبقى حبيسا في حقول الطبيعيات، وهناك ثلة قليلة جدا من المدركين يدركون هذه القوانين الكونية في الإنسانيات بشتى مجالاتها سياسة واجتماعا واقتصادا وأفكارا وأديانا، ومن هذه الثلة العلامة النادر عبد الرحمن بن خلدون فاسأله، إن له في هذا الشأن ذكرا.
ثم بعدُ تعلم أيها القارئ النابه أن مداولة الأيام بين الناس مظهر من مظاهر هذه السنة الكبرى، ولا أحد من البشر - ولو حرص- يستطيع التحكم في سير الأيام ومداولتها وليتوهم من شاء ما شاء من قوة الأسباب، إنه أمر وراء الأسباب وفوقها، وارجع إلى التاريخ والواقع اليوم تجد أدلة ذلك وافرة وبراهينه ساطعة لكن فقط للمتوسمين، وتفكر في حال (ملوك الطوئف) قديما وحديثا، إنه أمر لا يجهله إلا المغفلون الذين لا يفقهون.
إن ما يشاهد اليوم في العالم عموما والإسلامي خصوصا ليس اعتباطا ولا فوضى خلاقة كما يتوهم الساذجون إنه مظهر لسنة إلهية عتيدة وقانون كوني كبير، إنه – بكل وضوح - تحضير لدورة حضارية جديدة، فيا ترى من هم قادتها؟! ومن سادتها؟!!!.
لا أرى ضرورة الإجابة على هذا التساؤل الآن، وقد لا أستطيعها بشكل دقيق ومحدد جدا، لكنني أحيل لعقل القارئ الكريم مجموعة من المعطيات يمكن أن تنبني نظرية من شتاتها فتؤسس نسقا منتظما مبنى مفيدا معنى، فإليها:
أولا: وانتصرت غزة (يذكرني منصرفهم منها منصرف المشركين من يوم الأحزاب، إذ يقول قائلهم: مازلت منذ منصرفي من الأحزاب موقنا أن دين محمد سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام).
ثانيا: القانوني الكوني في تغير مراكز القوى وسنة مداولة الأيام بين الناس (تدافع الحضارات).
ثالثا: ظهور القوة النفسية وروح الشجاعة المكينة في نفوس حملة المشروع الحضاري الإسلامي السامي، ويذكرني بقول القائد العباسي أبي مسلم الخراساني لما أزال الدولة الأموية العتيدة العنيدة من دمشق الشام إلى اليوم وقد سئل بعد المعارك الكثيرة الشرسة التي قادها: من أشجع الناس؟ - يتوقع السائل أن يجيبه فلانا أو قبيلة بني فلان- ، فأجاب: (كل قوم في إقبال دولتهم شجعان)، وأصدق شاهد على مقالته قيام دولة اليهود في هذا العصر بعد ما يقارب ثلاثة آلاف سنة من الشتات.
رابعا: روح الثورة على الظلم والاستبداد مع التخلص من الوهن وكراهية الموت لدى شعوب الأمة الإسلامية، وهذه الروح قابلة كامنة في كل الأمة الجسد، وخمودها في بعض البلدان خمود لا جمود، خمود لا يأمن إذ يمكن ثورانه في أي لحظة متى ما تسخنه ألسنة لهيب الاستبداد والاستعباد.
خامسا: التغير الكبير الحاصل في العالم عموما ( موقف أوروبا الأخير في بعض التجاوزات للكيان الصهيوني وخصوصا ألمانيا فقبل زمن ليس بالطويل كان مثل هذه الأشياء مستحيل التصور فضلا عن الوقوع، هذا بالإضافة إلى أمر الاعتراف الأممي بفلسطين).
سادسا: بعد أن كانت حكومات أمتنا الإسلامية منهزمة متخاذلة عن نصر فلسطين مكتفية بالأقوال أصبحت اليوم تدق بقوة باب الأفعال فمنها الماضي الذي بني ومنها المضارع والمستقبل إن شاء الله أفضل وأكمل.
سابعا: زيارات تتوالى ممن لم يزر غزة أبدا من أهل فلسطين وغيرهم في سوابق من نوعها تنبئ أن شيئا ما قد تغير، وأن أمورا تتفاعل متجهة نحو عالم آخر.
ثامنا: تكاثر العوامل التي تؤكد قرب تفكك الحليف الاستراتيجي للكيان (الولايات المتحدة الأمريكية)، وللقارئ الرجوع إلى المقالات التي كتبت في آخر هذه السنة 2012م عن قرب أفول إمبراطورية القارة الأمريكية.
تاسعا: قبل سنوات وربما شهور قليلة كان من هو أقل تطرفا من نتنياهو يقول إنه لا حوار مع الإرهابيين، ويعني بهم المقاومة الإسلامية، وها هو اليوم يحاور الإرهابيين ويتوسل إليهم ويفك الحصار ويجبن رغم عتاده عن الاجتياح البري [وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً].
وفي الوقائع المتكاثرة المتناثرة مادة قابلة للاتساق والاستقراء والاستنتاج لعقل الناظر المتوسم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!