التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.08.2008 22:59:04

البحث عن زعيم

محمد ولد محمد سالم Dah_tah@yahoo.fr

محمد ولد محمد سالم [email protected]

محمد ولد محمد سالم

قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، عاد الجيش من جديد وأكلت الطير من خبز الرئيس وربما تكون تلك هي الحلقة قبل الأخيرة من المخطط الذي تكهن به الكثيرون غداة ترشح سيد ولد الشيخ عبد الله للرئاسة ويتلخص هذا المخطط في أن سيدي سيترأس لمدة سنة يستقيل بعدها أو يقيلوه.
ثم تنظم انتخابات رئاسية يفوز فيها العقيد السابق أعل ولد محمد فال، فهل هذا هو ما يحدث فعلا الآن، أم أنه محض الصدف هو ما جعل الأحداث تنحو في هذا النحو.
أيا كان التفسير الذي سنعطيه لما حدث بأنه نية مبيتة أو هو محض صدفة فإن الرئيس سيدي ربما لم يقدر الظروف السياسية غير الطبيعية التي قادته إلى الحكم ولم يهتد إلى الطريقة التي يتعامل بها مع تلك الظروف. لقد جاء سيدي إلى الرئاسة بسبب دعم أطراف سياسية ذات أطماع موزعة بين الشخصي و الجهوي القبلي والفئوي وأقلها حظا ما كان وطنيا، وليس عيبا أن يركب الإنسان مثل تلك التحالفات ليصل بها إلى السلطة لكن العيب أن هو أن لا يرمي بها بعد ذالك في النار واحدة بعد الأخرى، لقد استدعى البرلمان الفرنسي سنة 1958 الرئيس دكول وانتخبه لهدف واحد هو الضم النهائي للجزائر ولم يكن دكول مقتنعا بضم الجزائر لأسباب عنصرية ودينية وهكذا نالت الجزائر استقلالها سنة1962 على عكس رغبة البرلمان الفرنسي، وازدادت شعبية دكول وكذالك استطاع المختار ولد داده أن يتخلص من تأثير التحالفات الاستعمارية و الجهوية القبلية التي ساندته منذ البداية ويحصل على الاستقلال ويقضي على الأطماع الخارجية ويؤسس مشروع دولة وطنية.
كان على سيد ولد الشيخ عبد الله بدوره أن يبادر بتنفيذ مشروع تنموي وطني يهزم به تلك الأطماع ويجمع حوله الشعب الموريتاني، لكنه لم يبادر بذالك المشروع وارتكب أخطاء تكتيكية فادحة قادته في النهاية إلى هذا المصير المؤسف ومن أهم تلك الأخطاء في نظري:
أولا: غريما سياسيا لم يجف عرقه من مواجهته في الجولة الأولى من الانتخابات وزيرا أول لأولى حكوماته وهو الزين ولد زيدان، فلا يعقل أن رئيسا منتخبا يحمل مشروعا سياسيا وطنيا يعطي زمام المبادرة فيه لغرمائه، وهكذا مرت سنة لا نسمع فيها عن الرئيس إلا في مناسبات قليلة، وكذالك في نفس السياق كان على الرئيس عند تشكيل الحكومة الأولى أن لا يقبل فيها أسماء سياسية بارزة في انتمائها لأحزاب سياسية، وبدلا من ذالك يطالب حلفاءه بتعيين تكنوقراطيين ليمثلوهم في الحكومة.فإن التكنوقراطي أكثر انقيادا حين يكون المشروع واضحا وأما السياسي فله برنامج آخر دائما.
ثانيا: لقد كانت ترقية الرئيس للعقيدين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني إلى رتبة جنرال وتعيينهما في القيادتين الحساستين في الدولة خطأ فادحا أعطى للمجلس العسكري استمرارا في السلطة وسيطرة من الخلف على زمام الأمور، فلم يكن مضطرا إلى أن يرقيهما إلى هذه الرتبة التي لم تكن موجودة أصلا في الجيش الموريتاني والتي أضفت عليهما هيبة وسلطة عظيمة. وكذالك لم يكن مضطرا إلى تعيينهما في ذينك المنصبين الحساسين، بل يكفيه أن يطلب منهما أن يرشحا له غيرهما وسيكون مبرره في ذالك أن المجتمع السياسي في الداخل والخارج بحاجة إلى أن يقتنع أن المجلس العسكري صادق النية في ترك السلطة، و لن يجدا في ذالك الوقت بدا من الانصياع لمثل هذا القرار لو أن الرئيس اتخذه وأصر عليه. وسيعطيه ذالك الوقت اللازم للتخلص من سلطتهما بصورة نهائية وجعلهما مجرد ضابطين ساميين يعينان ويخلعان كسائر الضباط.
ثالثا: اتسمت السنة الأولى من حكم الرئيس بتغطية إعلامية واسعة لنشاطات حرم الرئيس وهيأتها الخيرية التي لم تكن معروفة من قبل وقد فاقت التغطية الإعلامية لنشاطات الرئيس نفسه، وكان ذالك غير عادٍ في مجتمع محافظ كالمجتمع الموريتاني تفرض تقاليده على نساء الشخصيات المهمة نوعا من الحشمة والابتعاد عن الأضواء. وهكذا أثار هذا الحضور الإعلامي السافر الشكوك والشبهات حول دور هذه السيدة وحقيقة هيأتها.
وقد كان على الرئيس منذ البداية إيقاف الأمر عند الحدود المسموح بها.
رابعا: بعد سنة من الخمول السياسي كان فيها الرئيس شبه غائب ولم تتقدم فيها الحكومة بمشروع تنموي واضح المعالم وبعد أن أحكم الجنرالان قبضتهما على المفاصل الأمنية للدولة اتخذ الرئيس قرارا بإقالة الحكومة وعين حكومة جديدة اتضح فيها أن الرئيس يسعى إلى الانعتاق من الحلف السياسي الذي أطرته سلطة الجنرالين، وهكذا سعى إلى نسج تحالف سياسي لم يكن موفقا في اختياره لأنه تألف من أقطاب متناقضة (رموز الفساد من العهد القديم ورموز من المعارضة: إسلاميون وييساريون ) ولم يكن واضحا للشعب ما هو المشروع الذي يمكن أن يجمع هذه المتناقضات الثلاث تحت مظلة واحدة وقد أسخطت هذه التشكيلة أطرافا متعددة بدءا من الجيش مرورا بالبرلمانيين وانتهاء بأغلبية الشعب الذي رأى في عودة الرموز القديمة عودة إلى عهد الفساد وهكذا جرد الرئيس نفسه من آخر سند يمكن أن يستند إليه عند الاقتضاء وهو الشعب.
هكذا إذن وبتلك الأخطاء الفادحة أصبح الرئيس أعزل في معركة مصالح شرسة ولم يمهله خصومه فضغطوا عليه لإقالة الحكومة وهدد هو بحل البرلمان وتتالت الحوادث ( تلويح بمحاكمة حرم الرئيس- استقالة الحكومة - تعيين حكومة أخرى بدون مشاورات حقيقية - السباب بين البرلمانيين وحرم الرئيس - رفض الحكومة طلب البرلمانيين بعقد جلسة طارئة للبرلمان- التهديد من جديد بحل البرلمان- إقالة الجنرالين- الانقلاب).
مسلسل من الأفعال وردات الأفعال نتيجته الحتمية هي ما حدث والحمد لله أنها لم تكن أسوأ من هذا.
لقد كنا غداة التاسع عشر من ابريل بحاجة إلى زعيم ولم نكن بحاجة فقط إلى رئيس جمهورية، وقد فشلنا جميعا في الامتحان ولعل الجميع يأخذ العبرة مما حدث ويكف عن الممارسات السيئة التي لا تخدم سوى مصالح شخصية ضيقة ويتجه بكامل قوته وإرادته إلى الانخراط في عملية انتخابية حقيقية تأتي برئيس مؤهل للإشراف على بناء الدولة من جديد بعد أن انهدت أركانها الأربعة.

محمد ولد محمد سالم
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!