التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:53 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.08.2008 00:39:32

التغيير الديمقراطي التسلطي

محمد ولد عبد القادر قانوني وكاتب صحفي [email protected]
لقد حفل تاريخنا بالتضحيات التي قدّمها شعبنا قبل الاستقلال وبعده، من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات والقضاء على الفقر. لكنّ التعارض بين الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية السياسية، أدّى إلى التضحية بالديمقراطية السياسية، دون أن نجني ثمار الديمقراطية الاجتماعية، ما أسفر عن إنتاج الأزمات المختلفة.
تطال الأزمة البنيوية اليوم كل القطاعات الموجودة في مجتمعنا، ما يؤكّد ضرورة التغيير الوطني الديمقراطي، الذي يعني إعادة صياغة أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية على أسس ونواظم ديمقراطية جديدة، مختلفة تماماً عن النسق الشمولي التسلطي القائم، بما يضمن فرص الانتقال السلمي التدريجي الهادئ من النظام الاحتكاري الراهن، إلى النظام الديمقراطي التعدّدي ، بعد أن توقفت دولة السلطة في بلدنا، ،عن أن تكون مفهوماً قانونياً وسياسياً عاماً، يعمل على إنضاج السياسات الوطنية العقلانية وتنمية مفهوم المسؤولية الاجتماعية وتنظيم التضامن المجتمعي وتسهيل التواصل الإنساني. ويمثّل المحور السياسي، بوضوح، المدخل المناسب لتجاوز كل أنماط الأزمة الراهنة، وهو الوحيد المهيّأ للقيام بالخطوات التأسيسية الأولى باتجاه  التغيير الوطني الديمقراطي. ولا يمكن التقدم على أي صعيد اقتصادي أو اجتماعي أو إداري أو ثقافي، إلاّ عبر استعادة المجتمع السياسي، الذي يعني غيابه، غياب الأحزاب الوطنية المستقلة والصحافة الوطنية الحرة والنقابات المستقلة والقضاء المستقل والانتخابات النزيهة، أي غياب الحدّ الأدنى الضروري لقيام حراك سياسي في مجتمعنا وبلدنا. ويمثّل بناء وتوفير هذه العناصر، أمراً ضرورياً لا غنى عنه، من أجل مباشرة الانتقال إلى المجتمع السياسي الديمقراطي.
لقد أدّى غياب الديمقراطية السياسية وحرية الرأي والتعبير، إلى قيام النظام التسلطي، الذي همّش الحياة السياسية بوصفها فاعلية مجتمعية مستقلة بامتياز، لتتحول إلى مجرد فاعلية سلطوية ضيّقة،. وتمّت ملاحقة الأحزاب التي رفضت الانضواء تحت رايتها، واستمرّ التضييق على نشاطها. ،. واندمجت السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في النظام الأمني الحاكم، تصفّق وتهلّل لإنجازاته. وسادت ثقافة الخوف، وغاب دور المجتمع بأحزابه ونقاباته واتحاداته وصحافته الحرة، كما غاب مفهوم المواطن الحر المستقل، وساد نهج النهب والفساد وإفقار الشعب، ما أضعف الانتماء الوطني وأدّى إلى بروز الانتماءات ما قبل الوطنية، وحوّلها إلى تناقضات كامنة، قابلة للانفجار،ما لم يتم تفعيل دورالمجتمع المدني وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية الحديثة.
لا بدّ من التأكيد بدايةً، على أنه ليس هناك أساس للسياسة في اجتماع القوة والقسر والإكراه، إذ لا حياة لمجتمع، دون حوار مفتوح  و فكر نقدي و حياة قانونية وأخلاقية سليمة، توفر للمواطن حرياته وحقوقه كاملة، غير منقوصة. فالحوار الوطني، هو المدخل العقلاني المناسب لمقاربة الحلول لقضايانا ومشاكلنا كافة، لأنه يساعد على توضيح الأمور وإظهار الحقائق، كما يمثّل أحد الأساليب الرئيسة للتعرف على المسائل المختلفة وتقريب وجهات النظر، عن طريق الصلات المباشرة. فالمجتمع الذي لا توجد فيه حرية الفكر والرأي والتعبير والإجتماع لا يمكن أن يكون حراً، لأنه بغياب الحريات، لا يمكن أن يجري الحديث عن الديمقراطية أصلاً. و إعادة صياغة أوضاعنا الداخلية على أسس ومبادئ وطنية ديمقراطية، نتوصل إليها من خلال حوار جمعي مشترك ، بعيداً عن الثأرية وردود الأفعال. 
    الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية الحديثة التي ننشد، هي دولة الحق والقانون والكل الاجتماعي، التي تنبثق سلطتها عن الشعب بالإنتخابات الحرة النزيهة، التي تشارك فيها كل القوى والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية  والإجتماعية والثقافية والنقابات والهيئات الاقتصادية والأفراد، والتي تعتمد مبدأ المواطنة أساساً لها، بحيث يرى فيها كل المواطنين الأحرار، المتساوين في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الجنس والعرق والطائفة والقبيلة والعشيرة، وطنهم السياسي. و يتمّ بناء الدولة الوطنية الديمقراطية من خلال سياسة المراكمة، التي يحدثها النشاط الديمقراطي التدريجي السلمي،الذي يؤدّي إلى تفعيل دور المجتمع بأحزابه ونقاباته واتحاداته وهيئاته وشخصياته الوطنية الديمقراطية واستنهاض وتحرير الطاقات الكامنة للشعب.   
يفسح المجال لقيام الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة الحق والقانون، دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الجنس والعرق والطائفة والعشيرة، ما يخلق الشروط الكفيلة بتحقيق الاندماج الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. فمن الملحّ إرساء العمل السياسي على أسس وطنية ديمقراطية اجتماعية، بعيداً عن ثقافة " المكوّنات"التي تأخذنا إلى حالة من التذرير والتفتيت و الحرب الأهلية. 
 


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!