التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:37 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.11.2007 17:39:40

النهضة النسوية في موريتانيا و حركات تحرير المرأة حول العالم

سيدى ولد سيد أحمد البكاى

سيدى ولد سيد أحمد البكاى

سيدي ولد سيد أحمد البكاي
باحث مهتم بقضايا المرأة
[email protected]




يستحق عمل من هذا القبيل حسب رأينا المتواضع – الكثير من الوقت و البحث المعمق – إلا أن وجاهة الإشكال و فضول البحث كلها أمور تدفع أي مهتم بقضايا المرأة
الموريتانية إلى التساؤل عن تاريخ النهضة النسائية في موريتانيا ؟ و أين هي من أطروحات التيارات النسوية العالمية ؟ هل فعلا هناك صحوة نسائية موريتانية أم أن الأمر لايعدو كونه عولمة لقضية غير مطروحة أصلا للمجتمع الموريتاني كما يرى البعض؟ و أن النسق الثقافي الموريتاني يعترف للمرأة بمكانة مرموقة تجعلها في غنى عن دعاوى التحرر؟.

هذه الأسئلة و غيرها جعلتنا – رغم شعورنا بالقصور المعرفي- نحاول إعادة قراءة المسار النضالي للمرأة الموريتانية محاولين بين الفينة و الأخرى الوقوف على أهم الأهداف و المبادئ التي تنادي بها و مقارنتها بلائحة المطالب عند أخواتها في العالمين العربي و الغربي إن جازت المقارنة. وقبل معالجة مختلف هذه الإشكالات نرى أنه لا بأس أن نتعرض لمفهوم النسوية ، حيث هي في أصولها حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية ، تتمثل في حقوق المرأة و إثبات ذاتها و دورها ، و الفكر النسوي بشكل عام أنساق نظرية من المفاهيم و القضايا و التحليلات تصف و تفسر أوضاع النساء ، و سبل تحسينها و تفعيلها و كيفية الاستفادة المثلى منها ، و النسوية بهذا المفهوم ممارسة تطبيقية واقعية ذات أهداف عينية و ما إن تنامت أخيرا و باتت قادرة على التأطير النظري حتى تبلورت النظرية و نضجت حيث ظلت الرابطة قوية بين الفكر و الواقع و الحركة أو الممارسات و تعمل على الساحة لتب��يل أوضاع ملموسة و ظروف اجتماعية تتدعم بالنظرية و تستلهم خطاها و توجهاتها , و النظرية بدورها تتشكل و تتفرع و تتطور بما يبدو عمليا و فعالا و مطلوبا في الممارسة ،.

هكذا بدأت النسوية مع القرن التاسع عشر حركة اجتماعية توالد عنها فكر نسوي و في مرحلة لاحقة نشأت عنها فلسفة نسوية ، ظلت بدورها أكثر من أي فلسفة أخرى ارتباطا بالواقعي و العيني و الجزئي و العرضي و اليومي و المعيشي و العادي و الشائع على حد تعبير ( د.يمنى طريف الخوري ، أستاذ فلسفة العلوم و مناهج البحث بجامعة القاهرة). ودون أن نذهب بعيدا في مواصفات و جذور الفكر النسوي الفلسفية و الانتربولوجية –لأن ذلك يتطلب عملا آخرا بمقاييس أخرى-سنحاول دون تأخيير معرفة المطالب التي نادت بها التيارات النسوية الغربية و سنختار إحدى رائدات هذه الحركة و التي كرست مختلف أعمالها الأدبية للدعوة إلى تحرير المرأة ، و هي السيدة فرجينيا وولف المولودة سنة 1882 بانجلترا ، كرست فرجينيا وولف ، مختلف أعمالها الأدبية كما سبقت الشارة ، إلى الدعوة إلى المساواة وتغيير القيم الاجتماعية السائدة و التي تنظر للمرأة بدونية في مجتمعها ، و تمثل روايتها \"غرفة خاصة بنا \" و\"ثلاثة جنيهات\" الدعوة الص��يحة لتحرير المرأة في أسلوب تطبعه السخرية من الواقع الذي تعيشه المرأة الانجليزية آنذاك ، إلا أن روايتها ، \"أورلاندو\"تميزت بآراء أخرى ناقشت من خلالها مقولتي الذكورة و الأنوثة محاولة إثبات الصيغة الخنثوية التي تطبع الجهود ، إذ لا وجود –حسب رأيها – لذكورة خالصة ولا أنوثة نقية. وعلى كل حال يعتبر هذا أحد الاتجاهات البارزة في الحركة النسوية الغربية حيث تفرق ما بين (الأنثى و الأنوثة ) و (الذكر و الذكورة) ، معتبرة أن كلمة أنثى تشير إلى العناصر البيولوجية الطبيعية البحتة ، بينما الأنوثة ، تشير إلى مجموعة من القضايا التي ينظر إليها أنها مطابقة للنساء ، وكلمة ينظر تفيد الطابع النسبي و التاريخي لتلك النظرة ، فالأنوثة مجموعة من العناصر المحددة ثقافيا و اجتماعيا و تاريخيا و التي يفترض أنها تعكس ماهية الأنثى و جوهرها الطبيعي ( مثال :النظر للمرأة على أنها رقيقة و عذبة ولطيفة بطبيعتها، و أن قدرهن أن يقمن بأدوار مختلفة عن أدوار الذكور و أدنى منها.). كانت هذه بعض السمات البارزة للحركة النسوية الغربية و التي شغلت و ما زالت تشغل جانبا كبيرا من النقاش .أما الحركة النسوية العربية فقد كان منشأها في جمهورية مصر العربية و كان الظهور الأول لهذه الحركة يتجلى في أثار الحملة الفرنسية على مصر ، حيث صارت الدولة العربية الأولى التي تحضن حركة نضالية مؤثرة لتحرير المرأة ، وفي حقبة محمد عالي باشا (1811-1841) حاول النظام المصري أن يحدث البلاد تبعا للمعايير الأوروبية كما بات معروفا ، و قد أرسل عددا كبيرا من الطلبة و المثقفين إلى فرنسا بهدف بناء جيل من كوادر الدولة الجديدة التي بدا مصمما على إنشائها ، و كان بين هؤلاء الموفدين رفاعة الطهطاوي (1801-1873) وقد اكتشف هناك أفكار روستو و فولتير و مونتيسكيو و استلهم نظرة ا��تنويريين الفرنسيين ، و حين عاد نشر كتابين (في 1858و 1872)يسترجع فيها بإكبار وضع النساء في فرنسا، لقد أراد الطهطاوي للنساء المصريات أن يطورن قدراتهن الفكرية و يسهمن في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية لبلادهن من موقع متكافئ مع الرجال، كما دافع بحماسة عن رفع سن زواج الفتيات إلى الخامسة و العشرون.وبعد فترة من الزمن ظهر قاض هو قاسم أمين (1863-1908) و الذي نشر مقالات عدة في مجلة\" المؤيد\" شارحا للنساء المصريات أنهن الملومات إذا ما ستمر وضعهن دونيا في المجتمع ، و قد أصبح كتابيه \"تحرير المرأة \" 1899 و \"المرأة الجديدة \" بياني النسوية العربية المبكرة ، وبعد الطهطاوي وقاسم أمين ظهرت العديد من الرائدات في النسوية العربية أمثال هدى الشعراوي و غادة السمان و نوال السعداوي ...وكانت مطالب الحركة النسوية العربية ، إضافة إلى مطلب المساواة الذي أخذ صبغة عالمية و إن اختلفت حدودها من تيار لآخر و من ثقافة لأخرى.

، إلا أنها تميزت بمطالب أخرى من قبيل نزع الحجاب و حرية التعليم و رفع سن الزواج ، حيث نجد الكاتبة ( مي غصوب )تفتتح كتابها (المرأة العربية و ذكورية الأصالة ) بإرجاع عجز المرأة العربية و دونيتها إلى مسألة الحجاب حيث تقول :[يصعب على المرأة العربية أن تعبر عن همومها و مسائلها فيما الحجاب يحكم قبضته على شفاهها ، ومع أننا اليوم (العقد الأخير من القرن العشرين ) لا نراه إلا قليلا على وجوه النساء العربيات ، فهذا لايلغي وجود مفارقة كبيرة في حياتنا ، فكلما تزايد إقرار الغرب بالنسوية و مكاسبها ، و كلما اتسعت إدانة الغربيين لأوضاع المرأة العربية ، تفاقم صمت النساء العربيات حيال ما يتعرضن له].وتحاول الحركة النسوية العربية صياغة تعاريف خاصة بها للنسوية ، حيث نجد الكاتبة اللبنانية( نهى سمارة ) في كتابها (المرأة العربية) تعرف النسوية بكونها [وعي المرأة لاضطهادها كأنثى ضعيفة و تابعة ، إنها ثورة المرأة على اضطهادها كجنس ثان متدن تجاه الجنس الأول –الذكر-و كما أن الثورات لا تولد عادة إلا نتيجة الوعي بالظلم و القهر و الاستلاب فإن هذا الوعي هو الذي أضاء الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها حيث انطلق الإحساس النسوي قدما و أصبحت له مناهجه في التفكير .

]أما فيما يتعلق بموريتانيا فإن الخصوصية الثقافية و النشأة الحديثة للدولة العصرية جعلت العديد من المطالب لدى الحركات النسوية العالمية غير مطروحة بإلحاح للنساء الموريتانيات ، كما أنها تنفرد عن بقية نساء العالم العربي بعدم الدعوة في يوم من الأيام إلى نزع الحجاب ، بل تكرس اهتمامها كما أوردت ذلك الكاتبة الموريتانية حواء منت ميلود في كتابها (المرأة الموريتانية) عند معرض حديثها عن أهداف اتحاد النساء الموريتانيات الذي تم تأسيسه بعد سنة من الاستقلال أي سنة 1961 و تحديدا 12-12-1961 و أطلق عليه اسم (اتحاد نساء نواكشوط )حيث كان من بين أهدافه : حق التعليم للبنات حماية الأسرة بمحاربة الطلاق الفوضويالدفاع عن حقوق المرأة في جميع الميادين الاجتماعية و السياسية محاربة العادات الضارة بالمرأة و الطفل وعند النظر لمختلف هذه الأهداف نجد أنها نابعة من وقع الإحساس بمجموعة من المعوقات تعاني منها المرأة الموريتانية ، بمعنى أنها أهداف محلية خالصة و بعد تأسيس المجلس الأعلى للنساء و جعله هيئة من هيئات حزب الشعب الحاكم آنذاك و بفعل الاحتكاك مع الوفود النسائية العربية و الغربية ظهرت مجموعة من المفاهيم الجديدة حسب تعبير الدكتورة (فاطمة منت عبد الوهاب،أستاذة التعليم العالي بجامعة نواكشوط) .

و على أية حال فإن المرأة الموريتانية في العقود الأخيرة من القرن العشرين وبعد أن صادقت موريتانيا على مختلف المواثيق و الاتفاقيات الدولية ، وبعد تأسيس قطاع مكلف بالترقية النسوية ، أصبحت قضيتها تأخذ شكل ولون النظام السياسي الحاكم .وفي هذا الإطار حصلت المرأة الموريتانية على العديد من المكاسب يرى البعض أنها ليست ثمرة نضال تحرري بقدر ما هي امتداد للمكانة المرموقة التي كانت و ما تزال تتمتع بها داخل المجتمع و تتميز بها عن أخواتها إقليميا و قاريا ، كما يرى البعض الآخر بأن ما حصلت عليه المرأة الموريتانية هو بعض الحقوق المترتبة لها بعد أن تعلمت و أثبتت جدارتها بتحمل المسئولية في كل المهام الموكلة إليها و أن هذه المكتسبات تظل ناقصة ما لم تعالج باقي المشاكل الملحة مثل : البطالة ، الطلاق الفوضوي ، بعض مظاهر العنف ، الممارسات الضارة ومشاكل الطفولة.وبعض الصور النمطية الراسخة فيالوعي الجمعي...


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!