التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:49 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.03.2013 22:14:42

قراءة فى مبادرة رئيس الجمعية الوطنية، السيد مسعود ولد بلخير

أ.د. شامخ امبارك - كلية العلوم و التقنيات

أ.د. شامخ امبارك - كلية العلوم و التقنيات

تطالعنا بين الفينة والأخرى بعض المقالات المساندة أو المشككة فى مصداقية المبادرة المقدمة من طرف رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير للخروج من الأزمة السياسية الخانقة التى تعيشها بلادنا منذ فترة. هذه الأزمة التى بدأت تغذي بعض الاتجاهات الخطيرة على الاستقرار السياسي والاقتصادى والاجتماعي لبلادنا. وبعد اطلاعي على نص هذه المبادرة المتميزة بمحتواها، الصادقة في أهدافها، لا يسعني إلا أن أسهم ولو بكلمة فى هذا المسعى النبيل الذى ما فتئ الرئيس السيد مسعود ولد بلخير يدافع عنه "موريتانيا أولا".

لا شك أن للصراع السياسي الحالى ما يبره سواء من طرف السلطة أو من طرف منسقية المعارضة. فالمنسقية ترى أن السلطة الحاكمة فاقدة للشرعية نتيجة لسياساتها المرتجلة التى ستقود البلاد إلى الإفلاس. هذا بالإضافة إلى ما يكتنف هذه السياسات من تصفية للحسابات وتبذير لخيرات الوطن في مشاريع وصفقات غير مدروسة، حسب نظرها. وفى المقابل، تفتخر السلطة بما حققت من إنجازات هامة في ظروف دولية صعبة وموارد مالية محدودة. وعليه تتهم السلطة منسقية المعارضة بالإفلاس واختلاق الأزمات والبحث عن مسوغات للتغطية على فشلها فى تحريك الشارع حينما أرادت امتطاء الربيع العربي للإطاحة بالسلطة القائمة، رافضة بذلك المشاركة في الحوار الذي جمع السلطة وأحزاب الأغلبية والمعاهدة من أجل التناوب السلمي.

وبعد استمرار هذه الأزمة السياسية لأكثر من سنة دون ظهور بوادر بينة للتقارب بين الفرقاء، تتجلى أهمية مبادرة رئيس الجمعية الوطنية المعروف بوطنيته ومناصرته للحق كما تشهد على ذلك مواقفه الشجاعة منذ سقوط الرئيس السابق السيد سيد ولد الشيخ عبد الله. ومن بين المواقف التى تذكر لهذا الرجل رفضه التام لدعم الجنرالات حينما انقلبوا على الرئيس السابق السيد سيد ولد الشيخ عبد الله وكذلك رفضه لدعم بعض المبادرات والأحزاب السياسية التي جيشت كل إمكانياتها المادية والمعنوية لإسقاط الرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز عبر ثورة شعبية، وذلك نتيجة لقيادته للبلاد نحو الهاوية، حسب تعبيرها، أو نتيجة لعجزه عن القيام بمهامه الدستورية خلال رحلته العلاجية بعدما تعرض لطلقات نارية على مشارف العاصمة نواكشوط.

فعلا، تهدف مبادرة رئيس الجمعية الوطنية "مساهمة للبحث عن المصالحة الوطنية" إلى إيجاد حلول جذرية للوضعية السياسية والاجتماعية الحرجة التي تعيشها بلادنا والتي تتحمل كل من أحزاب الموالاة "أو السلطة الحاكمة" وأحزاب المعارضة جزءا من المسؤولية في استمرارها. وحينما أقول حلولا جذرية، أعني حلولا تأخذ بعين الاعتبار الحقائق السياسية والاجتماعية التي لا زالت تعيق تقدم بلادنا نحو الأفضل.

فعلى الصعيد السياسي لا زالت أحزاب المنسقية قادرة، على الأقل، على التشويش على السلطة الحاكمة. كما أن السلطة لا تزال عاجزة عن حلحلة هذه الأزمة التي تؤثر سلبا على الوضعية الاقتصادية والأمنية لبلادنا. وهنا يجب أن يقدّم الجميع نداء المصلحة الوطنية على حساب المصالح الخاصة حتى لا ننسف كيان بلادنا إذا لم نتدارك الوضع فى الوقت المناسب. فأمام المصلحة العامة لا يوجد غالب ولا مغلوب كما تنص على ذلك مبادرة رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير حيث يقول: "و بما أنه في 1960 كان الاختيار بين الحرية والاستعباد فهو الآن بين إما أن نتحد لإنشاء جبهة داخلية صلبة نكون بها قادرين على إحباط جميع المؤامرات السيئة من أي جهة أتت، أو أن نبقى منقسمين غير واعين بالمخاطر الحقيقية التي تهدد أمن ووحدة بلادنا. إن هذا يعنى أن المسؤولية والواجب يتطلبان من رئيس الجمهورية أن يعمل على لم الشمل وتعبئة كل المواطنين للدفاع عن الوطن جاعلا من الانفتاح على المعارضة وعلى المجتمع المدني قرارا أولويا لأن الشرعية لا تكتسب عبر صناديق الاقتراع فقط. وكذلك على منسقية المعارضة الديمقراطية انطلاقا من نفس المسؤولية ونفس الواجب إزاء الوطن أن تستجيب لهذا النداء لأن معارضة النظام لا تبرر التضحية ببلد. وهذه الاستجابة تعني الاعتراف عمليا وقانونيا بشرعية وسلطة رئيس الدولة" (الصفحة 33).

كما تقدم المبادرة مقترحات عملية للمساهمة في حل المشاكل الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها بلادنا رغم ما تحقق من إنجازات تذكر تحت ظل الرئيس الحالي، السيد محمد ولد عبد العزيز.

وسبيلا لتحقيق هذه الأهداف السامية للمبادرة، لا ضير في تجاوز كل الخطوط الحمراء الوهمية التى يطرحها البعض خدمة لفئة أو حزب أو مجموعة بعيدا عن المصلحة العامة للشعب الموريتانى. ولا شك أن الماضي السياسي والنضالي لرئيس الجمعية الوطنية والإمكانات المادية والمعنوية المتاحة له، تجعله في منأى عن بعض التهم الصغيرة التي نقرؤها هنا وهناك. ولا شك أن هذه المبادرة تقدم حلولا تخرج كل من المعارضة والسلطة من التناحر العقيم وتعطى لكل واحد منهما إمكانية الحصول على حقوقه السياسية بصفة نزيهة وشجاعة.

وأود هنا تسليط الضوء على بعض ملامح هذه المبادرة، تاركا لمن أراد، المزيد، قراءة النص الكامل لها:

- تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية تؤمن حياد الإدارة وتوفر الإمكانيات المادية والمعنوية للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وذلك لتنظيم انتخابات تحقق الحد الأدنى من الشفافية والنزاهة. فمن المسلم به محليا استحالة تنظيم انتخابات نزيهة فى ظل إدارة أحادية اللون السياسي ومتحكمة فى كل صغيرة وكبيرة. وتنظيم أي انتخابات خارج توافق سياسي بين مختلف الكتل السياسي (الأغلبية، المعاهدة، المنسقية) سيزيد من الاحتقان السياسي ويعيد بلادنا إلى مربع التسعينات.

- إنشاء دولة المؤسسات بالتقليص من صلاحيات الرئيس والفصل بين السلطات. فمهما كانت نزاهة القائد أو الحاكم فهو بحاجة إلى من يشاطره الرأي ويشير إليه بالقرار الصحيح بعيدا عن التطبيل. ولا ننسى أن القائد الناجح هو القائد الذى يتنازل عن جزء من صلاحياته لأعوانه حتى يتفرغ جزئيا للمتابعة والمراقبة واتخاذ القرار الشفاف والرزين في الوقت المناسب.


- الاعتراف بالواقع الاجتماعي الصعب الذي يؤرق أبناء الطبقات الضعيفة والمهمشة وذلك لاتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه المشاكل الجوهرية والتي أصبحت أكثر من أي وقت مضى تهدد لحمة الشعب الموريتاني. فمن غير المنطقى أن نتجاهل مطالبة آلاف المواطنين بالعدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة الفعلية في تقرير مصير بلادهم.

وأملى أن يستفيد ساستنا من هذه المبادرة التى تقدم مقترحات عملية وصادقة للخروج من الأزمات المعاشة وأن يلبوا دعوة رئيس الجمعية الوطنية حيث يقول: "وبهذه المناسبة أتوجه بالدرجة الأولى إلى الفاعلين السياسيين الوطنيين وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية ليشاركونى ضرورة أن تضع الحرب أوزارها... وذلك لمواجهة ما هو أكثر إلحاحا وهو: التحصين الدائم للبلد وسكانه من مخاطر الفوضى العارمة". (الصفحة 37).
ولله ولي التوفيق


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!