التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:37 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.03.2013 11:43:58

انتخابات الجنرالات

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

منذ أن كسر العسكر الحاكمون في موريتانيا باب الشرعية في السادس من أغسطس عام 2008 لم تعرف البلاد إلا انتخابات شعبية مباشرة واحدة هي انتخابات الرئاسة التي ثبّت بها الجنرال الحاكم حكمه بعد نحو عام من انقلابه على الرئيس المنتخب.

وقبل أسبوع أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات أنها ستنظم الانتخابات التشريعة والبلدية - المؤجلة منذ عامين تقريبا - في الفترة الممتدة ما بين منتصف سبتمبر القادم ومنتصف أكتوبر من هذا العام، وأنها ستحدد يوم الاقتراع في الثلاثين يوما بعد المشاورات مع "الجهات المعنية".

يمكن أن يقال الكثير في دعاية استقلال هذه اللجنة ومصداقيتها؛ فخيارات القول وفيرة وفجاج الحجاج عميقة، لكن عصارة المنطق والحقيقة أن قرار اللجنة لم يكن مستقلا في يوم من الأيام "وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون"، وأن قرارها هذا لم يكن وليد تشاور جادّ مع الأحزاب السياسية كما ادعت في بيانها.. وفي المحصلة فإن الموريتانيين يعرفون أن قرار إعلان تاريخ الانتخابات أو تأجيلها ليس في يد اللجنة المسكينة، ويعرف الشعب اليد التي تمسك به.

لقد أجلت هذه الانتخابات أصلا من طرف النظام وحده عندما عمد الرئيس – لأسباب سياسية في المقام الأول - إلى تفكيك منظومة الحالة المدنية التي كانت قائمة وأنشأ وكالة مدنية جديدة عهد بإدارتها إلى أحد أقربائه قبل ستة أشهر فقط من الأجل الدستوري للانتخابات البرلمانية والبلدية، ثم كانت النتيجة الحتمية تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

لا يمكن للانظمة غير الاستبدادية الديكتاتورية أن تسلك مسارا سياسيا أو قانونيا يفضي إلى أن يجهل الشعب والسياسيون وهيئات المجتمع المدني والأولياء والكهان والمنجمون والعالم أجمع متى ستجري الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وفي الدول الديموقراطية لا تؤجل الانتخابات أو تعجّل دون اتفاق سياسي شبيه بالإجماع ودون سندٍ قانوني أو دستوري قوي، أما نظام العسكر الرديء في موريتانيا فيرتكب كل تلك الخطايا السياسية والدستورية دون أن يرف له جفن أو يدقّ له قلب.

وعلى كل حال فليس للنظام القائم من الوفاء بالعهود والوعود وصدق البيانات رصيد يجعلنا نجزم بأنه يعني ما قال في بيان اللجنة "المستقلة" هذا، وأنه ينوي بالفعل تنظيم انتخابات تشريعية وبلدية في التاريخ الذي ذكر، ويجعلنا نستبعد أن ما يقوله ليس إلا عملية اختبار ولعب سياسي ضمن دورة الألعاب - التي لا تنتهي - بالدولة ومؤسساتها، ولكنه في كلتا الحالين يضع معارضة مترنحة بعشرين رأسا ومائة قلب في موقف لا حسد فيه.

إن موقف المعارضة معقّد ومحرج لسببين أحدهما ذاتي، وهو ضعف انسجامها إلى حد التدابر النفسي أحيانا وتصدع الثقة بينها إلى حد يكاد يسود معه مبدأ الشك للشك (الشك المذهبي) وهذا يضعف رغبتها الجماعية في "المغامرة" برفض المشاركة في أي انتخابات ولو كانت فقيرة إلى أدنى أسباب القبول السياسية والدستورية.

أما السبب الثاني فموضوعي، وهو أن الأحزاب في الواقع السياسي الموريتاني إنما تتنفس برئتي الحكومة والبرلمان أو بإحداهما على الأقل، ومن شبه المستحيل على حزب لا ينضم صدره على إحدى هاتين الرئتين أن يتنفس بحرية ويسرٍ، وهذا ما ألجأ أحزاب المنسقية إلى المُكث في برلمان هي أول من سحب منه الشرعية، تمسكاً بمنفذ لأكسجين سياسي ولو كان غير نقي.

إن حقيقة التحدي أمام مصداقية أحزاب المعارضة وكياناتها الآن ليست المشاركة في انتخابات الجنرال القادمة أو عدم المشاركة فيها، وإنما هي بناء موقف منها موحد وصارم ينبني على تعليلات صريحة تحترم عقول الشعب ومبادئ الشرف لا تأويلات التفافية خداعة، ويضيف إلى العرف السياسي الوطني شيئا جديدا.. مع أني أرى أن الدخول في انتخابات كالتي يعدّ لها الجنرالات في موريتانيا الآن بمساعدة فرنسا وليّة نعمتهم، سيجلب لأهله أخيرا تلاوماً كثيرا وندما وفيرا حين لا ينفع الندم.

لقد آن للمدنيين أن يتخذوا موقفا مبدئيا لا نفاق فيه من انقلابات الجنرالات وانتخاباتهم، وعلى المعارضة ألا تكتفي في هذا الأمر ببيان رداءة العلة واعوجاج المنطق وجلاء الخطيئة في ما يفعله العسكر؛ لأن ذلك لا يكفي لثني عسكري بعقل أغبر كحذائه وقلب قاس كخوذته ونفس متهتكة كتجربته عن ركوب رأسه في سبيل غايته.. عليها أن توحد موقفها توحيدا حقيقيا ولو مرة في العمر، يرحمها الله.


نقلا عن أسبوعية الأخبار إنفو


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!