التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:14:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 26.08.2008 15:26:00

القصر الرمادي: حضور السياسة ومرور السلاح!

الرجل بن عمرRajel2005@yahoo.com

الرجل بن عمر[email protected]

ثمة علاقة غير متكافئة تجمع المؤسسة العسكرية ـ حامية القصر الرمادي ـ بالمؤسسة السياسية ـ الداخلة إليه ـ.
وقد ظلت هذه العلاقة رغم ظهورها المعبر عنه، تضمر نوعا من التعقيد في التعامل يصل أحيانا إلى حالة من الغموض يقصر أمامه أكثر الساسة مرونة وسلاسة في التعامل والتفاوض.
"المؤسسة العسكرية" على مر تعاملها مع مختلف التطورات السياسية التي عرفتها موريتانيا، وتعرفها اليوم : لم تكن "غبية" إلى حد عدم الإسراع بالتفاوض خاصة إبان الأزمات، ولم تكن ذكية إلى حد عدم الإسراف في تبديد هيبتها العسكرية المنفرطة.
وبين هذا وذاك ظلت العلاقة مدوية وفق ما تقتضيه الصرخة العسكرية التي أكدت دوما سيطرتها على الموقف، لكن ما هي مشروعية هذه السيطرة؟ وهل هي رهبة من طرف سياسي، أم أنها رغبة انداح لها العسكري؟.., وعلى محطات هذا العلاقة المقلصة لمبدأ الكرامة من يكون الحكم في حالات النزاع؟ بل ومن أين يستمد هذا الحكم مشروعيته؟.
القصر الرمادي غطاء جديد..
قبل الحادي عشر من سبتمبر2001 كانت آخر اللمسات توضع على تجهيز "القصر الرمادي" ليبدو للدبلوماسية الخارجية على أنه واجهة رسمية تلخص بعضا من فواصل السيادة، كما تعبر عن عظمة ساكنته.
ورغم حداثة هذا الكائن الإسمنتي, إلا أنه شكل مساحة جديدة ضمن الفضاءات والمساحات التي كانت ولما تزل لها الدور الكبير في صناعة وصياغة" القرار السياسي" في موريتانيا.
وبغض النظر عن الهوية الحقيقية لهذا القرار، إلا أن دور "القصر الرمادي" في نظر المتتبعين للشأن السياسي في موريتانيا، ظل كما لو أنه مختبر الأحداث ومنطقة الصناعة النهائية لقرار أمة حديثة عهد بالسيادة.
لكن ورغم بديهية هذه الأوتوماتيكية السياسية، إلا أن الجدل ظل محتدما وعلى مر التاريخ السياسي الحديث لموريتانيا : حول مرجعية ومشروعية هذه الصناعة، كما لو أن ثمة خلل ما في المعادلة السياسية، ومكمن هذا الخلل هو "الحضور الباهت للساكنة الشرعيين لذلك القصر، حيث ظلت الحساسية السياسية من التأثير العسكري في مادة وموضوع "القرار السياسي" واقعا يغض مضاجع الداعين إلى ضرورة الفصل بين السلطات "تنفيذية" "تشريعية" "قضائية" وتحرير هذه الثلاثية من الوطأة الثقيلة التي لا يرفعها العسكر إلا ليستعيدها في نفس آخر، حيث تدلل الوقائع السياسية على مشهد الدكتاتورية المتقطع من خلال سبق الإصرار على حالة "الوصاية" التي ظل العسكر يختلق لها الأعذار ليفرضها كواقع يحظر أن تطاله سلطة النقاش.
لكن ماهي مرجعية هذه الوصاية، ومن أي مشروعية تستمد نفسها المستطيل؟.

السلاح علامة.. والوطن أمانة:
هناك شيء غير طبيعي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط "القوات المسلحة" بقوات "الحرس الرآسي"، ورغم أن السلاح ظل هو القاسم المشترك بين المؤسستين من الوجهة العسكرية التقليدية، إلا أنه ثمة خطاب متطرف بمنطق الصلاحيات المحددة لكل من المؤسستين المختلفتي المهام والأدوار.
ولعل نقطة التداخل بين أدوار هاتين المؤسستين، تحديدا إبان الهزات السياسية التي عرفتها وتعرفها موريتانيا لا يمكن أن تكون منطقية ولا حتى تلقائية، إلا أن يكون ثمة محرك من نوع ما، خاصة أنها في أغلب الأحيان تتفاوض إما على طريقة تصفية "القائد العام" أو على الأقل عدم الاكتراث بمن يؤدون هذه المهمة.
وبغض النظر عن مشروعية هذا التواطؤ، إلا أن اللغز المحير هو قدرة سدنة السلاح على ضبط أعقد الملفات السياسية، وفي حضرة أكبر الشخصيات السياسية، ومن يوصفون بالحنكة في هذا المجال، ترى ما السبب ! أم أنها حكمة عسكرية توارثتها المؤسسة العسكرية عن مصدر ما خفي؟ أم أن في الأمر لغز آخر، ومن أي طراز.. وإلى أي مدى يفرض هذه الرهبة وتلك الحكمة في الوقت نفسه، دون أن تستثير أحذية العسكر سكينة الغبار السياسي الهائج؟.
نحن ندرك حجم الاستقطاب الذي قد تشكله هيئة المخابرات، خاصة فيما يتعلق بدورها الأمني، ويخص الأمر هنا كل من "قائد القوات المسلحة" و"الحرس الرآسي" و"قائد الأركان" بالنسبة لكل من "الدرك الوطني" وكذا "الحرس الوطني" بل وقبل هؤلاء كلهم يكون الأمر أكثر أهمية بالنسبة "لوزير الدفاع الوطني" لكن بديهية الاختصاص في هذا المحور الحساس من فواصل التسيير الأمني تعطي الأولوية في المعلومات للقائد العام : وهو شخص" رئيس الدولة" كي يتسنى له كيفية التعامل الواعي مع الملف الأمني ومن ثم توزيع الاختصاص حتى ولو تطلب الأمر استدعاء جهات أمنية بعيدة عن "القصر" بحكم مهامها التقليدية.
إلا أن غياب هذه التراتبية في منظومتنا العسكرية يضع أكثر من استفهام على مستقبل هذه العلاقة، ومشروعية المحركين الحقيقية لخيوط العملية الأمنية، التي ظلت أخطر على الداخل من التبصر لمهامها التقليدية التي أقسمت اليمين الدستوري على تأديتها منذ بداية التكليف.
ترى هل يعبر هذا التداعي الحر في قضية الصلاحيات التي تشغل اختصاص كل من مؤسساتنا العسكرية عن ثغرة من نوع ما!.. مكنت لطرف!.. إمكانية النفوذ إلى عمق القرار السياسي : كما لو أنه خيال عسكر لا تطاله حاسة الشك، ومضى يفعل في السياسة وفي الدولة.. كما لو أنه سرطان خبيث يستعيد نقاوته بعد كل موجة طهر ينفذها لضرورة بقائه.
إذن نحن نتعامل مع طرف ينظر إلينا مع إطلالة كل انكشاف للشرعية ـ رغم أنه سببه ـ في الوقت الذي لا يسمح لنا بالتفرج على أبسط عوراته البادية.
طرف يضعنا وبكل واقعية وصرامة أمام حدين اثنين : إما حد "الوطن" وإما حد "السلاح" رغم التفاصيل المفزعة لكل من الخيارين : إما أن تكون مع الوطن أو خارجا عليه.
وهنا تتعامل السياسة بفلسفة أقل الضررين، حيث توضع التجربة السياسية في مأزق حقيقي يحتم عليها ظروف فشل مسبقة، لأن خيارات التكافؤ غير موجودة أصلا ضمن شروط اللعبة، وهنا تغدو السياسة في موقف الضعف، وتظل محرجة إلى أن تفقد أعصابها فيصيبها التشنج والملل أحيانا من الروتينية العسكرية الجاثمة على إرادة التحرر والخروج على الوصاية، لتجد العسكرية نفسها أمام واقع جديد يتجلى كما لو أن السياسة أخلت بشروط اللعبة وهتكت حريم الاتفاق، وهذه طبعا خطيئة سياسية تقتضي العودة السريعة إلى غطاء الشرعية التي أضفتها المفاوضات عند بداية المسار.
وهكذا تظل الدائرة العسكرية تدور, ولكن بفعل الإرادة السياسية ـ كما سيتبادر إلى البعض ـ التي لا تريد للبلاد أن تتجاوز أول كفاية في عرف التقاليد العسكرية : تقديم .. تأخير.., حتى ينفض ضيوف الشرف، ليعدو مجددا لحضور مراسيم جديدة، وهكذا.
المقاطعة السلمية حفاظ على المكاسب..!
ربما من الصعب كثيرا فهم الفلسفة العسكرية، التي استفادت على ما يبدو من تجاربها السياسية التي خاضتها بتفوق، مما مكن لها أن تستحكم مواطن الضعف التي تجتاح المنظومة السياسية المنقسمة على نفسها.
فأصبحت تتعامل بسلاح ذا حدين "حد السياسة" و"حد القوة"، وهي ثنائية ضامنة للهيبة والرهبة في الوقت نفسه.
لكن السؤال الذي يطرح الآن : هو هل السبب وراء حالة الزهو والشعور بالأفضلية لدى القائمين على المؤسسات العسكرية هو شطارة عسكرية، أم هو خذلان سياسي يسقط اللعبة السياسية حتى من أيدي من أنتجوها بمادتهم الخام؟.
الإجابة على هذا السؤال : تقتضي حوار مونولوكيا بين الإرادات السياسية في جو من الانغلاق حول الذات، ومحاولة تحسس وتلمس مواطن الخلل وأسباب الثغرات التي تنفذ منها الجاسوسية العسكرية، حين فضلت العمل لحساب القوة، بدل ميثاق الشرف.
وشيئا فشيئا.. يمكن أن نقلل من إمكانية الاستزادة من المعين السياسي الذي ينبغي أن يظل حصريا لخدمة الأهداف السامية للجمهورية الديمقراطية، لا أن تصادره الآلة العسكرية لتؤول فيه مدفوعة إلى التنفيذ بقوة السلاح.. السلاح الذي تبرره أخلاقيات زائفة محرفة حتى.. "ويكفرون ببعض"..
وبعد فترة قليلة من تواصل حالة الاحتكار السياسي هذه تكون الجرعة الماضية قد أصبحت في طريقها للنضوب، وفي هذه الحالة إما أن يعترف العسكر يحاجته وإذعانه وهي فرضية محتملة، وإما أن يتمادى في تسيير العملية التعسفية بمداد القوة.
وهذا الوضع الأخير هو ما سيورثه خسائر مادية ومعنوية جسيمة، إضافة إلى تطور مشهد الانكشاف، الذي سيكون بالضرورة من مصلحة "الإرادة السياسية" التي عليها أن تكون مستعدة لمسك الدور،
ولعله من الجائز لنا هنا التساؤل حول ما إذا كان النفس الجماهيري المتجدد قادرا على ابتلاع كل تلك المعانات إلى أن تنتحر العقيدة العسكرية الفاترة على أسوار القطيعة المنظمة؟.., وأنا واثق من قدرته على فعل ذلك وأكثر، لكن شريطة أن تفوت عليه أخذ نفس جديد يستعيد من خلاله وطأته الثقيلة والخشنة.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!