التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:09:57 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.03.2013 10:16:33

رتــــــوش... لا أكثــر...!

عبد الرحمن ولد محمد صالح

عبد الرحمن ولد محمد صالح

الحالات المستعجلة بمركز الاستطباب الوطني بنواكشوط، مرفق عمومي ارتبط منذ إنشائه بمعـاناة المواطنين و الرقص على وقع أنين المرضى والمعوزين، وقد عرفت فـي السنوات الأخيرة إصلاحات شكلية تمثلت فـي إنجازات استعراضية من تركيب لمقاعد ألمينيوم وشاشات بلازما وطلاء الجدران..!! فـي الوقت الذي لم تواكب هذه الاستعراضات سياسات تساهم فـي الرفع من مستوى الخدمات الصحية للمستجيرين بهذا المرفق الصحي.

فبعد ٥٣ سنة من نشأة الدولة الموريتانية لا يداوم فـي الحالات المستعجلة سوى أربعة أطباء شباب- طبيب واحد مقابل ثلاث مائة ألف قاطن فـي العاصمة - لا يزالون فـي بداية مسيرتهم العملية، فـي الوقت الذي ينشغل أصحاب الخبرات من أطباء وأخصائيين بعياداتهم الخاصة المنتشرة على الرصيف الجنوبي لطريق الأمل ومصحات أحياء الطبقة المترفة.

أربع أطباء يداومون لمدة اربع و عشرين ساعة متواصلة فـي جو من الفوضى العارمة تختلط فيها توسلات المرضى بصيحات الأهالي المفزوعين وسط سحابة من الروائح النتنة المنبعثة من دورات المياه.. ماذا عساهم أن يفعلوا وهم يواجهون هذه الحشود مجردين من الدعم المعنوي؛ حيث لا يجدون من يتفهم ظروفهم الصعبة ويضع فـي عين الاعتبار مـا يقدمونه من تضحيات للمحافظة على رباطة جأشهم وهم يسمعون عبارات التشكيك والتخوين صادرة من أفواه كل من هبَّ و دبَّ، ومجردين كذلك من الدعم التقني؛ إذ لا يمتلكون من التجهيزات الطبية مـا يعينهم على مهمتهم فلا تتوفر الحالات المستعجلة إلا على مقياسين للضغط ومثلهما للحرارة فـي الوقت الذي تنعدم العقاقير وأجهزة تخطيط وتحفيز القلب والتنفس الاصطناعي.

ولذلك ليس بإمكان الحالات المستعجلة التعامل سوى مع الحالات البسيطة كمن أصيب بنزلة برد فـي مكتب حكومي جراء جلوسه مقابل مكيف لا يدفع فاتورته فـي نهاية الشهر، أو من أصيب بإسهال بعد عشاء "بهامبرجر" بالجبن، اقتنيت من مطعم راق، أو التعامل مع من أصيبت بوعكة صحية جراء ازدحام قاعات الأفراح.

أما من تحتاج حالته لفوحوصات الدم فعليه ندب حظه العاثر و اللجوء إلى المختبرات الخاصة المحاذية للمستشفى لإجراء تحاليل بعشرة أضعاف السعر العادي بسبب انعدام المحاليل الضرورية فـي مختبر المستشفى؛ إمعانا فـي تعطيل القطاع العام لمصلحة بارونات القطاع الخصوصي، أما إذا احتاجت الحالة إلى تصوير بالأشعة "التلفزة" فعلى صاحبها التوجه الى إحدى العيادات الخاصة المقابلة للمستشفى الوطني وهكذا دواليك...

فـي حقيقة الأمر وبكل بساطة.. الحالات المستعجلة هي طعم ملقى للمواطنين ليتم سلب مـا فـي جيوبهم لمصلحة "طفيليات" القطاع الخاص، ويبدو الأمر جليا في تكاثر الصيدليات التي لا تهتم بجودة الدواء بقدر اهتمامها بمحاولة رشوة بعض ضعاف العقول ومرضى النفوس من الكادر الصحي لتسويق منتجاتهم عبر إغرائهم بمنح هامش من الربح مقابل كل وصفة طبية، ويتمثل ذلك فـي فتح معظم العاملين فـي المستشفى من أخصائيين لعياداتهم ومختبراتهم على بعد خطوات من أبواب هذه المنشأة فـي استهزاء صارخ بقيم وأخلاقيات المهنة.

و من المحزن أن يُدفع الفقير دفعا الى الاختيار بين أمرين إما البقاء فـي ردهات "الحالات المستعجلة" يصارع المرض وينتظر انتصار جهاز مناعته الذي أنهكته السنون، أو التوجه إلى العيادات الخاصة ليجد فيها نفس الأخصائي الذي كان يتوسل إليه قبل لحظات فـي أروقة المستشفى لعله ينظر اليه أو يخفف عنه بعض ألمه ولو بكلمة طيبة. – للأسف -.

هذه هي حال معظم مرافق الصحة العمومية فـي وطننا الغالي، فالأطباء الشباب مستعبدون ومستبعدون، و هم في واقع الأمر الشماعة التي يعلق عليها "الكبار" و"العامة" فشل القطاع وسوء خدماته، وبين انشغال القطاع العام بالرتوشات السطحية وتغول وهيمنة القطاع الخصوصي يبقى المواطن البسيط والطبيب الشاب ضحايا صراعات "لا ناقة لهم فيها ولا جمل".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!