التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:32 غرينتش


تاريخ الإضافة : 20.03.2013 10:46:34

أزمة تعليم......أم... أزمة هوية؟

الدكتور. اعلي ولد المحجوب

الدكتور. اعلي ولد المحجوب

منذ ستينيات القرن الماضي ونحن نتخبط في أزمات تعليمية مركبة، و معقدة لا نكاد نخرج من واحدة إلا ودخلنا في أخرى. وعلى الرغم من الاتفاق الظاهري على وجود هذه المشاكل إلا أن الخلاف كبير حول أسبابها وطرق حلها.
ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن مشكلة التعليم فنية ولا تتطلب سوى دعم القطاع وتوفير الإمكانيات، يرى آخرون أنها مشكلة هوية بدأت منذ الاستقلال وليس التعليم إلا قمة جبل الثلج.
لقد انتهج أهل الحكم والسياسة منذ استقلال البلاد نهج القطيعة والبعد عن كلما له علاقة بتاريخ هذا البلد، بل أكثر من ذلك حاولوا أن يشطبوا من تاريخه تلك الحقبة المشرقة للمقاومة وأهلها، في أبشع صور نكران الجميل لأبناء البلد البررة الذين ضحوا بأرواحهم الزكية، ليصلوا هم الى حكم البلاد دون عناء ضمن ما يسمونه مرحلة النضال السياسي والذي أعده المستعمر حسب هواه، مما أنتج طبقة من أهل السياسة حكمت البلاد في مرحلة ما يسمى بجمهورية المترجمين(اماليز).
ولم تكن هذه الطبقة مؤهلة لا من الناحية الثقافية ولا من ناحية النظرة الوطنية الثاقبة لوضع مناهج تعليمية تعكس وتكرس هوية البلاد الأمر الذي نتجت عنه إعاقة دائمة في الهوية وبالتالي التعليم.
وكنتيجة حتمية لمشكلة الهوية ارتبك التعليم وظهر فيه التخبط وضبابية الرؤية في وضع المناهج التربوية وقد تجسد هذا التخبط في وضع برنامجين متعارضين(عربي وفرانكفوني) لشعبين في دولة واحدة بحيث تكونت أجيال بالتوازي لا رابط بينها الا المجال الجغرافي، فعندما يحدث العربي لفرانكفوني عن مقاومة الاستعمار وكيف جاهد الأمراء وأبناء موريتانيا عموما هذا الاستعمار يجيبه انه لا يعتبر فرنسا دولة استعمارية وإنما دولة جالبة لحضارة عظيمة!، أما المقاومة فهو لا يعرف عنها أي شيء وليس له علم ان في موريتانيا مقاومة!. بالله عليكم اليست هذه كارثة؟؟...
بعد الدراسة يتخرج من تخرج من الجيلين فيجد الفرانكفوني إدارة تنطق، وتفكر، وتعمل، وتحس، وتتذوق، بل تصل درجة التصوف(الذوبان في حب الشيء) في حب الفرنسية وأهلها وتفتح ذراعيها لكل من نطق بلسان الحواريين هذا!!، في حين يجد العربي إدارة تحتقره وتعتبره قادما من زمان الصحابة الذي سودته فرنسا في أعينهم!!. وعلى الرغم من اختلاف أنماط الاستقبال ظل التفوق واضحا بل جليا للخريجين العرب في كافة المجالات، وهو أمر لم يستوقف الحكومات والقائمين على وضع المناهج التعليمية فلو كانت المشكلة في اللغة لما ظهر هذا التميز.
ومن النتائج المحزنة والطريفة كذلك لهذا الإقصاء، هو محاولات العرب دائما إخفاء هوياتهم وذلك عبر استخدام الكثير من العبارات والجمل الفرنسية أثناء الحديث، الا انه والحق يقال استطاع الكثير منهم تجاوز معضل التفرنس وبجهودهم الذاتية، وهو امر يبرهن على تميزهم.
في كل مرة يتدهور فيها التعليم ويفشل أي إصلاح مزعوم، تخرج علينا الحكومات ومن سار في فلكها من أهل السياسة بأيام تفكيرية للتعليم، وصدقوني إنني لا اعرف معنى ولا مغزى هذه الأيام التفكيرية فان كان القصد منها التفكير في مشاكل التعليم فنحن لم نعد في مرحلة التفكير،بل في مرحلة وضع الحلول، فمنذ 1960 ونحن نفكر ونفكر وأظن ان نضف قرن من التفكير يكفي، لكن المشكلة من وجهة نظري وكما أشرت أنفا الى جزء منها هي مشكلة هوية بالأساس الأول ويجب حسمها بشكل نهائي وبدون مجاملات ومبايعات بين أهل السياسة والحكم والذين لا يريدون مواجهة المشاكل بشكل حقيقي لان همهم الوحيد هو البقاء في السلطة لمن هم فيها والوصول اليها لمن هم خارجها، اما البلاد والعباد فهم ليسوا الا وقودا ووسيلة لتحقيق هذه الأهداف الغير نزيهة.
كما ان حسم هوية البلاد ما كان ينبغي ان يكون محل خلاف أصلا لو ان هناك أنظمة قوية تفهم الأمور على وجهها الصحيح. ولكي لا اتهم بالمراوغة والغموض في الرأي أقول بان هوية موريتانيا بالنسبة لنا وبالنسبة لواقع التاريخ والحاضر هي بلد عربي ذو أقلية افريقية مسلمة يجمعها مع الأغلبية العربية الدين والتاريخ والحاضر والمستقبل.
ولما كان هذا هو الحال فان مناهج التعليم يجب ان توضع على أسس تراعي حقوق الأكثرية مع مراعاة حقوق الأقلية، وهنا لن أدعو بالدعوة الجاهزة والمجاملة عند كل من تكلم في هذا الموضوع التي تطالب بدعم اللغات الوطنية(اللهجات الافريقية) فانا احترم كل من له لغة يريد ان يعبر بها فله مطلق الحرية ولكن يجب ان لا ننسى كذلك ان هذه ليست لغات وإنما لهجات غير مكتوبة وقد حاول العديد من الدول الإفريقية كتابتها ولم يصلوا بها الى لغة يمكن استخدامها وهو ما يفسر لجوؤهم الى اللغات الأجنبية، وما تشبث الأفارقة الموريتانيون بالفرنسية الا من هذا الباب، الا اننا في الوقت ذاته لا نعارض محاولة تطوير هذه اللهجات.
في كل مرة تطالب فيها الاغلبية العربية بترسيم لغتها والتي هي اللغة الرسمية في الدستور، حتى يخرج الينا من يدعون ان المقصود من هذا هو تهميش الزنوج ومضايقتهم في وطنهم، وكردة فعل مجاملة على حساب الحق من اهل السياسة(رعيل اماليز)، يتم تسفيه المطالب المشروعة للاغلبية كنوع من المحافظة على الوحدة الوطنية!!...فاي وحدة وطنية هذه التي تنسلخ فيها غالبية شعب من هويتها وتاريخها ومستقبل ابنائها من اجل اقلية، لم يكتب لها ان تتكلم لغة حية، فلجأت الى لغة أجنبية وتحاول فرضها على الآخرين؟. ثم هل من منطق الإخوة والمواطنة الا يرضى عني اخي هذا(الاقلية) الا بان اتنازل عن هويتي واسلخ جلدي واذهب معه في خيارته!!؟. وهنا انبه هؤلاء ان من يطمع ان ينسلخ العرب من لغتهم وتاريخهم وخاصة اهل موريتانيا فهو واهم، ولق استنتج الفرنسيون هذا الامر مبكرا وليس ادل على ذلك من مقولة احد المتكشفين الفرنسيين الذي مهدوا للاستعمار:- ا ن أهل هذه البلاد يعتزون بلغتهم وتاريخهم بشكل منقطع النظير، وقلما تجد فيهم راعي ابل الا يقرض الشعر ويتغنى به، وإنهم يتحدثون العربية أحسن مما بتحدثها أهل تونس ومصر)-. انتهى الاستشهاد.
وفي ختام حديثنا هذا ومساهمة منا في ايجاد حل يتم بموجبه النهوض بالتعليم نورد النقاط التالية:
ـ انشاء لجنة وطنية عليا للتعليم تضم خيرة اساتذة التعليم العالي والثانوي والاساسي يراسها رئيس الجمهورية ويكون وزير الدولة للتعليم عضوا فيها، ويتم اخطار هذه اللجنة بنية الدولة في التعريب كحل لمشكل التعليم.
ـ تقوم هذه اللجنة بفتح حوار للمهتمين بشؤون التعليم من حملة الشهادات العليا من المتريز فما فوق او المعلميين من ذوي الخبرة الكبيرة والمشهود لهم بالوطنية، حتى ولو لم يحملوا الشهادات المنصوص عليها اعلاه. يمنع على اهل السياسة حضور هذا الحوار الا بسماتهم الشخصية.
ـ تتضمن نتائج الحوار النقاط اسفله.
ـ ترسيم اللغة العربية في كافة المراحل الابتدائية والاعدادية، مع ادخال اللغات الاجنبية في المرحلة الثانوية بضارب مهم.
ـ وضع منهاج تربوي وطني يطبق في المدارس العامة والخاصة على حد سواء، يركز فيه على ربط البلاد بماضيها المشرق، ويهتم كذلك اهتماما خاصا بالتكوين المهني.
ـ لغة التدريس في الكليات العلمية تكون بالفرنسية والانجليزية، اما الكليات الانسانية فاللغة العربية هي لغة التدريس فيها.
ـ التركيز على تطبيق اللغة العربية في المدرسة الوطنية للادارة وفي وزارة الداخلية والمصالح المرتبطة بالمواطنين بشكل مباشر.
ـ يمنع أي خطاب رسمي الا باللغة العربية اوا للهجات الوطنية.
ـ يدعى الى ندوة وطنية خاصة بالاخوة الزنوج الموريتانيون يتم فيها اختيار إحدى لهجاتهم المحلية لترسم كلغة ثانية الى جانب اللغة العربية، ويسمح التعامل معها ضمن الإطار الرسمي دون بقية اللهجات الإفريقية الأخرى.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!