التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:07:29 غرينتش


تاريخ الإضافة : 24.03.2013 13:55:42

عذاب العطش

حدامي محمد يحي

حدامي محمد يحي

حقي وحقك ، كلمة لطالما لاكتها الألسن ، وصمت الآذان ... بين مدع لحق مضيع ، ومتربص بحق لآخر عض عليه بالنواجذ ، وتبرأ من صاحبه ، قائلا له الكلمة المشهورة :{لو خرجت من جلدك ما عرفتك }.

في وطني الحبيب ضاعت الحقوق ، واستبدل الضياع بالضياع ، والاستبداد بالاستبداد ، والانقلاب بالانقلاب ، والعسكر بالعسكر ، والتصحيح بالتصحيح ، مثلا بمثل يدا بيد .

ظن المواطن المسكين التحرر من الاحتلال الأجنبي ، فبزغ فجر الاستبداد ينذر "بعبودية حديثة " يكون فيها المواطن فريسة لأنظمة تشابهت في الألوان ، وتشابهت في حب المنصب والكرسي والقصر ، شعارها : "نبقى وكفى " .

وأضحى المواطن المسكين مراودا من طرف أنظمة مستبدة ...فقد قميصه من دبر .

وتمضي السنون والوطن على حاله ، تتغير الدنيا من حولنا ، ونحن في كهفنا المظلم نيام ، ضرب على آذاننا في الكهف سنين عددا ....سيقولون ثلاثة ملايين ورابعهم نظامهم ...أو يقولون خمسة وسادسهم عسكرهم ...قل الله أعلم .

لكل نظام وعد ، و ما وفى به ، ولكل حاكم مشروع وما نفذه ، هل أتاك نبؤ التنمية التي تذكر في كل ناد ؟ وأبدع فيها الحاكم وما أجاد ؟

حين يفقد المواطن كل الحقوق من "تعليم " وصحة " ومشرب " يحدثك البلاط عن إبداع وعن حداثة في الحكم ستكون جنة خضراء ، وأحسبها جنة الدجال التي هي نار ...

لكل مواطن دمع، ، يعبر عن مأساته بلسان دمعه الذي لا يكتم ، كدمع العباس بن الاحنف :
نم دمعي فليس يكتم شيئا ورأيت اللسان ذا كتمان
والمواطنون منقسمون ، فمنهم السابق للحاكم بغض عن النظر عن مشروعه ، أو فكره ، يتحسس جدران القصر ، فإذا سمع صوتا قال :"لبيك " لا يهمه واقع الحاكم ولا مكانه ، ديدنه كديدن القائل :
إن تدعي نجد ندعه ومن به وإن تسكني نجد فيا حبذا نجد
ومنهم المقتصد ...ومنهم الظالم لنفسه المعارض الذي كفر بمشروع العسكر وسلطة العصى ، ويمم وجهه شطر الشوارع ، يحمل هتافات أكل عليها الدهر وشرب ، حسب تحليل النظام "الإرثي " .

ويحتج أصحاب الهتافات .......... "الاستبداد" ، "الفساد" ، "فساد التعليم " ، " الصحة " ، "الماء" ....والماء هو الحياة ...فما أفظع عذاب شعب أعزل هكذا .....يهتف أحيانا يشكو العطش .

إنه عذاب الأنظمة المستبدة التي سنت قوانين "التجهيل " والتهميش " والنسيان " للشعوب المغلوب على أمرها ...

وفي هذه الأسطر أردت أن أحدثك عن "عذاب العطش" الذي يحسبه البلاط رحمة .

فعذاب العطش لم تنج منه مدينة موريتانية على سبيل العموم .

وكان لمدينة "جكني " النصيب الأكبر والحظ الأوفر منه ، إذ سئمت العطش ، وأرسلت رسائله بلغات مختلفة لم تفهمها الأنظمة المتوارثة للحكم ، ولعل الرسائل أحرقت أو أغرقت .
جفت الآبار، وأدلى المسكين دلوه ...وغيض الماء ، يقلب طرفه وسط (مدينة – مقاطعة) يلتبس عليه المفهوم بمفهوم الحي القديم "لفريق" الذي عهده ، حين كان يحمل القرب على "الأتان أو الجمل" ...وحلم بحياة جديدة انقلبت إلى عذاب لا مخلص منه ...يهتف بعطشه ولا منقذ .
ففي كل عام للمدينة موعد مع "العطش" ...موعد مع المسيرات عسى أن يأتي الفرج ...ووعود الحاكم ما هي إلا وعود بالعطش نفسه الذي لا يفارق ساكنة المدينة المهمشة والمعزولة .
ليكون دواء العطش :داء العطش ...وإن تظاهر غيور على الواقع المزري قالوا :"يصطاد في الماء العكر" وحبذ الماء .
أرسل إليهم الحاكم زمرته في حملاته ، فسمعنا كلامهم المعسول ووعدوا بعيشة هنية ..."تلك أمانيهم"...واليوم "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا".
فتأمل معي أخي القارئ "مأساة العطش" في دولة مدنية حديثة ، تملك ثروات هائلة ، عجزت عن توفير المياه لآلاف من الناس ، عمروا تلك القطعة الأرضية الشاسعة ، والنائية عن العاصمة انواكشوط ، 1000كم ، ترسل رسائل العطش ، وبدون ردود .
لا ولم ولن أفهم العطش ، ولست مستعدا لفهم الظلم والحيف من طرف أنظمة كهذه ، تصاغر في عينها المحكوم ، فلا يستحق سوى التجاهل ، والقتل البطيء ، ولو بالعطش .
مضى عهد معاوية ، ومضى عهد العسكر ، وفتحت موريتانيا صفحتها الجديدة ، وبقيت المدينة على حالها تراوح مكانها ، ربما لا تستحق الاهتمام من الجهات المعنية ، تخيل ...
حديث الشارع ، وحديث الهاتف ...عطش ...عهدناه ، يقولون وبعد اتصالي بهم هاتفيا (ألا تسنصر لنا ؟) ...فصبر جميل .
وما يقطع القلب ألما وكمدا "الفقراء" الذين لا يملكون نقودا لشراء "برميل من الماء" ، ولا يسألون ...تحسبهم أغنياء من التعفف ، والمسكينة تطرق مليا ...ولا ملجأ إلا الله .

تلك أسطر كتبتها عسى أن تكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...ورسالتي : أنقذونا من "عذاب العطش" وسجنكم المؤبد .
وأترككم مع شيخ وقور بلغ من الكبر عتيا ، يشير بيده "الماء" ..فيجيبه أبناءه : تالله تفتؤ تذكر "الماء" حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!