كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف صباحا في ليلة من ليالي أبوظبي الطافحة بالسهر والمترعة بحنين خفي إلى وطن يعلمنا دائما أن نكرهه فلا نستطيع، أدرت رقم هاتفه وجائني صوته خافتا وخجولا: سأتصل عليك فيما بعد، فأنا الآن في اجتماع...

اجتماع، أي اجتماع هذا الذي يحضره صديقي الساعة 12 ونصف ليلا بتوقيت موريتانيا، خمنت و"بصرت ونجمت كثيرا"، ولكن الحيرة ظلت موجودة إلى أن جائني صوته بعد ساعة من ذلك ليعتذر لي ويخبرني أنه كان في اجتماع لـ"القبيلة" تحضيرا للموسم الانتخابي المقبل وكيف سيكون دور القبيلة في دعم مرشح حزب "الجنرال ورهطه" حتى ولو كان "أفيسد من تيبه" وأجهل من "كاردنه"...

ضحكت ولكنه ضحك كالبكاء، وعادت الذاكرة إلى سنوات المراهقة وبدايات الشباب حيث كانت المواسم الانتخابية فرصة لتنظيم كرنفالات قبلية ملؤها الزهو الفارغ وسيماها الخنوع الذليل والدوران المدنس في حلقة الزعيم والحاكم، يتبارى المنافقون والمتزلفون وبائعي الكرامة بالمال في إظهار الولاء الكاذب للحاكم ولمرشحيه الذين غالبا مايكونون مجرد إمعات تافهين...!!.

بعد تغيير أو انقلاب أو مصيبة 2005، كثر الحديث عن صناعة مفاهيم جديدة في السياسة وعن خلق وعي وطريقة عمل مختلفين وعن تصعيد أطر ووجوه شابة بدل الديناصورات التي عايشت كل الأنظمة وعبرت بحربائيتها ومكرها كافة المراحل، ولكن وبعد نحو 8 سنوات عجاف ها هي موريتانيا تعود القهقرى وها هي القبائل تدور كالثور الأعمى حول نفس ساقية التزلف والعفونة، تعقد لواء التسبيح بحمد الحاكم ويتكلم روبيضاتها وسفاءها في الشأن العام، فتنحر الجزر وتعزف القيان وتدور كؤوس خمرة الذل والتبعية بين أقوام لبوا نداء البطن وداسوا على الشرف بأحذيتهم...!!.

هل قدر القبائل الموريتانية أن تواصل لعب دور البغي التي تبيع عزة نهديها لمن رغبا، هل قدرها أن تتحول إلى عاهرة محترفة تبيت في مخدع كل الحاكمين وتبيعهم لحمها العاري مقابل مناصب وإكراميات توزع على ثلة من الطامعين الخائبين...

خلقنا الله تعالى شعوبا وقبائل لنتعارف، ويسعى "عزيز ورهطه" كما فعل سابقوه، لتحويلنا إلى قبائل تتبارى جهارا ونهارا في حرق المباخر و"غسل كرعين" كل حاكم اغتصب السلطة على ظهر دبابة ذات ضحوة من نهار...

الأنكى والأمر، أن من يفترض أنهم صناع رأي ومثقفون تحولوا عبر كتاباتهم ومواقعهم الإخبارية إلى أجراء وعبيد يمتهنون الدعاية والترويج عبر الكتابة عن مهرجانات تقيمها هذه القبيلة أو تلك، وعن "حفلة ختان" يقيمها هذا الإمعة أو ذاك لإبنه، أو "حفل عرس" لتلك الماجنة أو ذلك...

سحقا لقلم رضي أن يسجد لغير الله، وشلت يمين من يكتبون ويمدحون طمعا في "كرنات كزوال" أو "نيمروات الترحيل" أو حتى "وجبة فطور معتبرة" في "بالميري"، ولا بارك الله في حروف تحترف الرقص الخليع في حفلات التزلف والمدح الكاذب والنفاق المخجل... أبصق عليكم...

فاصلة: زكاة الحروف الصدع بالحق، فوالله لأضربن الفاسدين والمفسدين بقلمي ضرب غرائب الإبل، ولأعرين خزيهم وفضائحهم حتى لا أتحول إلى شيطان أخرس...