التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:12:26 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.08.2008 18:26:06

ماذا تريد أوربا وأمريكا من الديمقراطية الموريتانية؟

أحمـد ولد هـارون ولد الشيخ سيـدياahmedharoune@gmail.com

أحمـد ولد هـارون ولد الشيخ سيـديا[email protected]

مهما بلغ الإجماع الوطني الذي يحظى به التدخل العسكري الذي قام به الضباط الموريتانيون يوم 6 أغسطس 2008، فإن في اللهجة المتصاعدة للقوى الدولية الرافضة تشويشا بالغا ومخاطر محدقة على المرحلة المقبلة من حياة موريتانيا السياسية ومشروعها الداخلي.
فإلى جانب الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني من جهة، والمجلس العسكري من جهة ثانية، كانت القوى الدولية ـ وعلى رأسها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية ـ تشكل طرفا ثالثا وشريكا حقيقيا في العملية الديمقراطية المقامة إثرَ انقلاب 3 أغسطس 2005.
إلا أن الشركاء الدوليين، ورغم التأييد الداخلي العريض لحركة الضباط الأخيرة، مازالوا يرفضون الاعتراف بالحكام الجدد ويفرضون أنواعا من العقوبات السياسية والاقتصادية، مما جعل الإنسان الموريتاني يطرح ـ إلى جانب الإشكالات الداخلية ـ أكثر من سؤال حول الأهداف الحقيقية والمطالب النهائية للقوى الرافضة:
إلى أين تتجه الأزمة السياسة المتصاعدة بين المجتمع الدولي والسلطة الجديدة في موريتانيا؟ هل على معايير الشراكة الدولية وقواعد الديمقراطية ستكون، أم أن مشروعا دوليا في المنطقة قد مُزج بالقصة الديمقراطية في موريتانيا؟
هل ستعرقل القوى العظمى عملية الترميم الديمقراطي التي بدأتها السلطة الجديدة وأيدتها غالبية مريحة من ممثلي الشعب والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني في موريتانيا؟
ماذا وراء الاهتمام الزائد بالديمقراطية الموريتانية والسكوت عن أكثر من نظام شمولي في المنطقة؟
لماذا تقف القوى العظمى أمام الإرادة الموريتانية الجديدة وطرح برنامج ديمقراطي وطني؟
هل عرف المجتمع والقانون الدوليان كيف يعاقبان سلطة سياسية خارجة على الشرعية الدستورية؟ وإن عرفا، فهل من سبيل لمعاقبة مجتمع قد خرج بأكمله على هذه الشرعية!؟
يشرفني في بداية هذا الكلام، أن أتوجه بدعوة مفتوحة إلى الدارسين والباحثين في كل الدول التي تربطها شراكة وثيقة واهتمام حقيقي بالديمقراطية الموريتانية، للقيام بزيارة ميدانية وعقد لقاءات فكرية حول المسألة الديمقراطية في موريتانيا.
فقد كان منتظرا من الباحثين في هذه البلدان أن لا يبخلوا على المسألة الديمقراطية في موريتانيا بشيء من التحليل والدراسة الميدانية، منيرين بذلك الرأي العام في بلدانهم ومزودين الأنظمة القائمة بالمعطيات الواقعية والحقائق العملية المتصلة بالمسار الديمقراطي الموريتاني، بعيدا عن ما تطرحه الجهات الرسمية ووسائل الإعلام من آراء مجهَّزة ومواقف نمطية.
أمَا وقد توالى لهذه الديمقراطية من العجز والنكسات السياسية والأمنية والاقتصادية والأخلاقية ما يكفي لاجتثاث التجربة من أصلها وتهديد الدولة في وجودها، وبَدر من ضباط الجيش المانح ما بَدر، فإن مجموعة من الوقائع والمعطيات يمكن ملاحظاتها والتذكير بها:
1. لم تكن عِصْمة الديمقراطية الموريتانية ـ في نشأتها الأولى ـ من بعض الزلات والضعف ومآزق القدم أمرا متوقعا من أي فاعل سياسي أو مراقب جدّي داخل موريتانيا أو خارجها. وفي هذه الحالة، لا قِبلَ لأي جهة بالتدخل الحاسم إلا الجيش.
2. معظم الجهات الرافضة كانت قد أسهمت في تأسيس الديمقراطية الموريتانية - إما شريكا حقيقيا أو راعيا نشيطا – إلى جانب المجلس العسكري من جهة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني في موريتانيا من جهة ثانية. وقد رأينا معظم الفاعلين في الطائفتين الأخيرتين يباركون تدخل 3 أغشت، هذا بالإضافة إلى الأغلبية الساحقة من نواب الشعب. فلماذا بقي الطرف الأجنبي وحده في تصعيد متزايد ورفض كامل لإرادة أكثرية المواطنين الموريتانيين؟
3. إن أي ضغط زائد أو تأخير في عملية الترميم الديمقراطي، سيؤول إلى تراجع ديمقراطي وضعف السلطان المركزي في أرض قد تتجاوز المليون كلم مربع - الواقع تحت سيطرة السلطات الموريتانية الحالية - إلى منطقة الساحل والصحراء الكبرى والمغرب العربي وإفريقيا. مما سيشكل أرضا خصبة لكل المحذورات الكبرى (مكافحة الهجرة السرية والإرهاب والمخدرات وضبط الأمن والاستقرار في المنطقة...) التي تؤرّق مضاجع كل من الدول الغربية والعربية قبل أن تؤرق الإنسان الموريتاني الذي يعرف بالفطرة كيف يحمي نفسه في صحرائه الوعرة.
4. هل سيعقل أن يكِل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وحتى دول المغرب العربي الكبرى، هموم الهجرة السرية والإسلاميين المسلحين وتهريب المخدرات وتأمين المرور البري والجوي والبحري إلى نظام موريتاني مدني محض، قد صفّيت فيه شوكة المؤسسة العسكرية والأمنية إلى غير رجعة؟
5. ظل الأوربيون والأمريكيون، ومازالوا، يحتفظون - في المنطقتين العربية والإفريقية – بعلاقات حارة وجيدة مع أنظمة أقل ديمقراطية من النظام القائم الآن في موريتانيا. مع أن الأخير أبدى حتى الآن نزعة تدخلية إصلاحية، لا رجوعا أو عدولا عن المنحة الديمقراطية من رأسها.
6. ماذا ستُفيد الديمقراطية الموريتانية نفسُها من الضغط الخارجي والمحاربة المباشرة للتيار "الديمقراطوي" (كي لا نقول الديمقراطي) داخل الجيش الموريتاني؟
7. أن المجال الحيوي الأول لأي إصلاح سياسي جذري، وخطوط الإمداد الوحيدة للديمقراطية الموريتانية تتلخص في الجيش، وأن مكانة العسكريين في الديمقراطية الموريتانية ـ بمن فيهم الضباط المتزعمون للتدخل الأخير ـ مازالت بمنزلة الآباء المؤسسين في الديمقراطيات الغربية والثورات العربية والإفريقية.
8. محاولة تصفية قواد الجيش في لحظة واحدة وبصورة مفاجئة وأسلوبٍ مراوغ إلى حد كبير، أمر يدرك كل عارف بالأمر الموريتاني مدى خطورته وحساسيته، ليس على السير المضطرد للمؤسسات الديمقراطية فحسب، بل على المصير الوجودي للدولة الموريتانية نفسها. ولا شك أن السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لديه من التجربة والتكوين المخضرم ما يوقنه – حتما – أن قرارا مثل هذا في موريتانيا، سيفتح بابا من عدم الاستقرار يصعب سدّه. وقد كان نجاح قرار التصفية هذا أخطر بكثير من فشله.
9. من الأشياء التي تحُول دون قبول الرأي العالمي للحجج الكثيرة التي تبرر إقصاء مؤسسة الرئاسة في موريتانيا، أن النخب المدنية التي مازالت حتى الآن تتولى مهمة تبرير التدخل العسكري وتحاول إيصال مشروعه السياسي إلى العالم لا تكاد تفقه قولا أو تُبين، أما العسكر فإن فصل الخطاب وإتقان الحجة لم يكن أصلا من مواهبهم.
10. حاجة موريتانيا إلى مساندة الشركاء الدوليين أكثر إلحاحا من ذي قبل، لترميم ما كان من إصلاح سياسي وبناء ديمقراطي في هذا البلد المتخلف اقتصاديا وحضاريا والمهم استراتيجيا.
11. على كل من كان شريكا فعالا أيام المخاض والولادة الديمقراطية في موريتانيا، أن يبقى شريكا في تربية هذه الديمقراطية وحضانتها، مدركا أن الوضعية الحالية ليست وضعية كلاسيكية يمكن التعامل معها بالأسلوب المعهود للانقلابات العسكرية العادية.
12. على القوى الدولية - خصوصا الاتحاد الأوربي وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة - أن لا يُبقوا بشراكتهم في الديمقراطية الموريتانية، على ذلك المستوى السطحي والنظرة الخارجية التي تنظر بها الهيئات المدنية والمنظمات الأهلية إلى المسألة الديمقراطية في العالم الثالث. بل إن المجهود الكبير الذي بذلته هذه الدول والهيئات أثناء الانتخابات الأخيرة وقبلها، يجب أن يتواصل ويكتمل بشيء من الدراسة الأكاديمية الميدانية والتقارير الإستراتيجية الموسمية حول هذه التجربة بتطوراتها ومنتجاتها وأزماتها، مبينين للجميع مواطن الخلل وحظوظ البقاء وسبل الإنتاجية في تجربته الديمقراطية الفتية.
13. بات من الأنسب للشركاء الدوليين ألا يتعاملوا مع الديمقراطية الموريتانية كما يتعامل أحدهم مع أي سياسة عمومية أخرى للنظام القائم (كالسياسة الخارجية والزراعية والإعلامية والصحية...)، لأن الديمقراطية أصبحت أسلوبا ونظاما للحكم في موريتانيا، اختاره المواطنون والفاعلون السياسيون والاقتصاديون والثقافيون والعسكريون...
14. ماذا سيفيد الاتحاد الأوربي وأمريكا - الشركاء الدوليون والرعاة الفاعلون للديمقراطية الموريتانية - من الإصرار على إرجاع هذه الديمقراطية إلى ما كانت عليه من تأزم وضعف خلال الخمسة عشر شهرا الماضية؟ ولماذا يصرون على رجوع الرئيس المخلوع كما تصرّ الكيْسانية على رجوع ابن الحنفية؟
لقد أعطت موريتانيا السياسية زبدة الشرعية ولبّ البناء الديمقراطي خلال عامين للرئيس السابق، بعد أن اختارت أغلبية الموريتانيين أن ترشح لهذا المنصب الكبير رجلا مستقلا، مثل السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي لم يمارس اللعبة الديمقراطية الفعلية إلا بعد أن تجاوز سن الدُّربة السياسة. فكان بذلك مرشحا مقبولا من أغلبية الموريتانيين ورئيسا مدفوعا من أكثريتهم!
وبعد 15 شهرا من دخول الديمقراطية حيز التنفيذ، لم تعد المؤسسات الوطنية – خصوصا رئاسة الجمهورية والجيش - قادرة على أداء وظيفتها وواجبها دون إحداث بعض التجاوزات القانونية والمخاريق السياسية.
الخلل الذي وقع هنا كان بشريا في المقام الأول، وموضوعيا في المقام الثاني. فالصلاحيات التي يعطيها الدستور الموريتاني لرئيس الجمهورية صلاحيات هائلة. وقد كان متوقعا لدى معظم المراقبين المحليين، أن أي إساءة لاستعمال هذه الصلاحيات سيحدث أضرارا بالغة بالتوازن المؤسسي داخل الدولة.
بل إنه كان من الخطر المرتقَب - في دولة لا تتمتع بمؤسسات سياسية ودستورية وإدارية راسخة ومتوازنة - أن يقوم رئيس الجمهورية بتوظيف "شرعي" ولو لـجزء بسيط من تلك الصلاحيات الضخمة التي منحها المؤسسون الدستوريون للجنرال ديغول في وقت كانت الجمهورية الرابعة في فرنسا قد تأزمت وضعفت، وفي وقت كانت تتهيأ فيه دولةُ مؤسسات عظمى مثل فرنسا للإعمار.
إنها الحالات النادرة والإجراءات الاستثنائية. فمعالجة الأمر العام معروفة بتعقدها وصعوبتها في البدايات الديمقراطية والأزمات السياسية والطبيعية القاهرة، وحين وضع الدساتير وإنهاءها. سواء كان المعالجون من أصحاب المقاربة القانونية الصِّرف أو أصحاب مقاربة سياسية واقعية أو كانوا من منتسبي المدرسة المعيارية الأخلاقية... لذلك كان على الشركاء الدوليين أن لا يعلقوا الخروج من الأزمة في رجوع شخص معين بذاته، شارطين بذلك شرط ضرورة، لا شرط كفاية، كما في التعبير التراثي.
فهل بدأت أبعاد أخرى وتخطيط جديد للمنطقة يتسرب إلى الذهن الجيوسياسي الأمريكي والفرنسي؟ هل ستستغل هذه الدول حركة الضباط الموريتانيين لإشعال أزمة سلطة حادّة وخلق جو ملائم للتدخل الأجنبي؟
هل مازالت السياسية الخارجية الفرنسية على ثوابتها القاضية بضرورة استقرار ووحدة الإقليم الموريتاني الكبير، أم أن تغيرا جذريا قد جاء به النظام الساركوزي؟


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!