التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:06:34 غرينتش


تاريخ الإضافة : 31.03.2013 12:46:03

وقعة الجمل وأراجيف الشيعة

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى
وبعد، يسعدنا أن نقدم للقراء الكرام الفصل الخامس من كتابنا "للدفاع عن أم المؤمنين عائشة الحميراء ملكة العفة والنقاء" التي تتخذها الشيعة مطية للمس من أم المؤمنين:
الفصل الخامس: أقوى الشبهات حول أم المؤمنين عائشة
إن الشيعة لا تفتأ تكثر من ترويج الأراجيف والأباطيل والشبهات حول أمنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، لكن أهم وأقوى تلك الشبهات واقعة وقعة الجمل وما اعتبره كثير من العوام والمرجفين خروجا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد زادت الشيعة على تلك الوقعة فحاولت أن تؤصلها وتزعم أن أمنا عائشة رضي الله عنها دفعها على الخروج على علي كرم الله وجهه لأنها كانت خارجة على النبي صلى الله عليه وسلم، مارقة عليه، كثيرا ما تسيء عليه وتكذبه وتطعن في نبوته، وقد ركبوا في مبرراتهم تلك كل وحل و وعر، ومن ذلك أحاديث ضعيفة يزعمون أنها مدونة في كتب أهل السنة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، والخطيب البغدادي في تاريخ دمشق" والطبراني في " المعجم الأوسط" وهذه كتب يعرفها أهل السنة ويعرفون أنها من مظان الضعيف كما نقل ذلك السيوطي عن الحافظ العراقي كما هو الحال بالنسبة لتاريخ دمشق للخطيب البغدادي وابن عدي والعقيلي ومسند الفردوس للديلمي إلخ.....
لذلك اخترنا في هذا الفصل تقديم نصوص للشيعة تتحامل على أمنا عائشة رضي الله عنها للرد عليها
ومن الشبهات والأراجيف والأباطيل التي حاول الشيعة أن ينالوا من عائشة بها نذكر على سبيل المثال ماراج في مواقع الانترنت الشيعية، منها قولهم:" نحن الشيعة فنعتقد أن كل من يقذف أي واحدة من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما حفصة وعائشة، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم، لأن ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك نعتقد بأن القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد ـ إلا إذا شهد أربعة شهداء عدول ـ.
وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها، فبدليل أحاديث رسول الله (ص) حيث قال كما ورد في مسانيدكم: إنه لا يحب عليا إلا مؤمن سعيد الجد طيب الولادة، ولا يبغضه إلا منافق شقي الجد خبيث الولادة. (محذوف)
ثم قالت الشيعة:
"وقد قال الله تعالى فيما أمر به نساء النبي صلى الله عليه وآله في محكمات الكتاب من سورة الأحزاب : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ( 634 ) ،
لكن السيدة خرجت على الإمام بعد انعقاد البيعة له ، وإجماع أهل الحل والعقد عليه ، وكان أول من بايعه طلحة والزبير من السابقين الأولين إلى ذلك (635 )
خرجت هذا الخروج من بيتها الذي أمرها الله أن تقر فيه ، وكان خروجها على قعود من الإبل ، تقود ثلاثة آلاف من طغام الناس ، وأوباش العرب ، وفيهم - بكل أسف - طلحة والزبير ، وقد نكثا البيعة ، فكانت تعلو بجيشها الجبال ، وتهبط الأودية ، وتجوب الفيافي وتقطع المفاوز والقفار ، حتى أتت البصرة وعليها من قبل أمير المؤمنين عثمان بن حنيف الأنصاري ، ففتحها بعد تلك الدماء المسفوكة ، والحرمات المهتوكة ، وكان ما كان مما لم يكن في الحسبان من فظائع وفجائع فصلها أهل السير والأخبار ، وتعرف هذه الواقعة عندهم بوقعة الجمل الأصغر ، وكان لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ست وثلاثين للهجرة ، وذلك قبل مجئ علي عليه السلام إلى البصرة ( 636 ) .
ثم لما أتى إلى البصرة بمن معه نهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها ،
فكف يده ودعاها إلى السلام بكلام يأخذ بالأعناق إلى ذلك ، لكنها أصرت على الحرب وبدأته بالقتال ، فلم يسعه حينئذ الا العمل بقوله تعالى : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) ( 637 ) وبذلك فتح الله عليه ، لكن بعد جهاد عظيم أبلى فيه المؤمنون بلاء حسنا ، وتسمى هذه الواقعة وقعة الجمل الأكبر وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين للهجرة .
وهاتان الوقعتان متواترتان تواتر وقعات صفين والنهروان وبدر وأحد والأحزاب ، وقد فصلهما من فصل حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة ( 1 ) وذكرهما أو أشار إليهما كل من أرخ حياة علي ( ع ) وعائشة وسائر من كان مع كل منهما من الصحابة والتابعين من أهل المعاجم والتراجم ( 638 ) .[ حول هذه المأساة ]
وقال كل من صنف في السير والأخبار " فيما نص عليه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ( 1 ) " : إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان ، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته ( 639 ) .
( قالوا ) : وكان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال ، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ، ثم لما فسد أمره دفعها إلى علي بن أبي طالب ( ع ) ( 643 ) .
وروى الطبري ( 1 ) وغيره بالإسناد إلى أسد بن عبدالله عمن أدركهم من أهل العلم : أن عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة ، لقيها عبد ابن أم كلاب ، وهو عبد ابن أم سلمة ينسب إلى أمه ، فقالت له : مهيم ؟ قال : قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا . قالت : ثم صنعوا ماذا . قال : أخذها أهل المدينة بالإجماع ، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت : والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ردوني ردوني فارتدت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه . فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين " اقتلوا نعثلا فقد كفر " قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير من قولي الأول "
قلت والجواب على هذه الترهات والأراجيف يتطلب فضحها ودحضها حتى لا ينخدع بها ذوو القلوب المريضة والعوام الجهلة،وذلك من خلال النقاط التالية:
1) حقيقة واقعة وقعة الجمل:إن أهل السنة زادتهم هذه الواقعة إيمانا وتصديقا بصاحب الرسالة الخالدة الذي قال في حقه من أرسله رحمة للعالمين(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) [النجم] الحبيب المصطفى حيث أخبر عليا رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها بما سيقع بينهما فكان كل واحد منهما حذرا،فطنا،لكن وكما هو الواقع:قدر الله و ما شاء فعل.
فعن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر» قال أنا يا رسول الله؟قال:« نعم » قال أنا؟،قال:« نعم » قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟قال :لا،ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها» رواه أحمد والطحاوي، والبزار، والطبراني،وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:رجاله ثقات وحسنه الحافظ ابن حجر.
وفيما يخص بعائشة رضي الله عنها،فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه:«ليت شعري أبتكن صاحبة الحمل الأريب،تخرج فيبنبحها كلاب الحوأب ،يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير،ثم تنجو بعدها كادت» رواه البزار والطحاوي برجال ثقات كما قال الحافظان الهيثمي وابن حجر
وعن قيس بن أبي حازم قال:لما أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت:أي ماء هذا؟قالوا:الحوأب،قالت:ما أظنني إلا راجعة ؟فقال لها بعض من كان معها:بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم فقالت: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم :« كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟» أخرجه أحمد و البزار وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح .
ولما كان الصحبيان الجليلان زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وحبه بنت حبه، زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد وعيا وحفظا ما أخبر به سيد الكونين والثقلين أنه سيقع بينهما كانا على حذر تام من مخالفة وصاياه صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته إياهما، قالت الصديقة لمن يرافقها حين سألتهم عن اسم الماء الذي نبحت عليها عنده الكلاب: ما اسم هذا الماء؟ ،فقالوا: الحوأب، فقالت ما أظنني إلا راجعة، فقال لها بعض من كان معها، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، عندئذ عرف الجميع وتحقق من تحقيق النيات عند البدايات وهي إصلاح ذات البين، وقد قال جل وعلا {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء: 114) وقال تعالى: {واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} الأنفال:1 وقال تعالى {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} الحجرات: 10 إلى غير ذلك من الآيات، وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا» صحيح البخاري الحديث 2692 وصحيح مسلم الحديث: 2605.
لاشك أن بعض الترهات والأراجيف والأكاذيب المختلقة قد شوهت الحقائق بسبب تدوينها في بعض كتب التاريخ، إلا أننا نرى من الضروري تمييز الحقائق التاريخية والوقائع الصادقة عن الكاذبة منها حتى يظهر الحق مصداقا لقوله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكلم الويل مما تصفون}.
ومصداقا لقوله تعالى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}
فالحقائق والوقائع التاريخية المؤصلة نقدمها في نقاط كالتالي:
بويع علي رضي الله عنه رغم كرهه لتولي الخلافة فلم يعد يرغب فيها ولا يرضاها لنفسه فقد أخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب (يعني محمد بن الحنفية) «قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال أبو بكر، قال: قلت: ثم من ؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت ؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين» كذلك نقل أبو عبد الله الحاكم بسنده أنه قال: «ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى» رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وهنا الوقفة الأولى تبين أن الرافضة هم قتلة عثمان وهم كُثُر لا يستطيع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يقيم عليهم الحد خشية الفتنة وتمزيق جيش المسلمين لأنهم اختلطوا به وهم كُثُر.
توجهت أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها إلى البصرة صحبة رجلين من العشرة المبشرين بالجنة وهما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام اللذين أصرا عليها في الذهاب إلى البصرة بعد أربعة أشهر من بيعة علي كرم الله وجهه دون تنفيذ القصاص في قتلة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه ليساهموا في القبض على الجناة القتلة وتنفيذ الحكم فيهم، فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك أن عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلا نبحتها الكلاب، قالت: أي ماء هذا ؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟، فقال لها الزبير: ترجعين ! ! ! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس» وقد علق محمد ناصر الدين الألباني على هذا الحديث قائلا: « إسناده صحيح جدا صححه خمسة من كبار الأئمة هم: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر .
وقد تأكد ذلك أكثر (يعني نية الجيش القادم على البصرة) حين عملت الوشاية عملها وظن أمير المؤمنين زوج البتول وابن عم الرسول ليث بني غالب علي بن أبي طالب أن الجيش جاء غازيا للبصرة وخشي أن تتمزق دولة المسلمين فأرسل القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة فبدأ القعقاع بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال لها: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد ؟ فقالت بكل براءة وفصاحة: "أي بني الإصلاح بين الناس" قلت وهذا أمر طبيعي إذا ما نظرنا إلى هذه الجماعة من صفوة الصفوة، فالأربعة شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل والاستقامة، وتوفي عنهم جميعا وهو عنهم راض بل شهد لهم بالجنة وممن نزل قول الحق برضى الله عنهم في قوله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح 18).
وقال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة جزاءهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} البينة: 4-5.
وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » حديث متواتر، زاد البخاري في إحدى رواياته:: «ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» قال إبراهيم: وكانوا يضربونا على الشهادة والعهد ونحن صغار، فهؤلاء الأربعة من صفوة صفوة هذا القرن ومن المهاجرين الذين قال الله فيهم ما صدر به الإمام البخاري باب مناقب المهاجرين وفضلهم من كتاب المناقب حيث قال: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}.
وهؤلاء الصادقون قالوا: جئنا للصلح بين الناس وللقبض على قتلة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه الخليفة الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل مظلوما وهو يقرأ القرآن يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على المشهور عند المؤرخين، بعد أربعة أشهر من بيعة أبي تراب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال ابن كثير رحمه الله في كتابه: "البداية والنهاية": «فرجع (يعني القعقاع بن عمرو) إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها جاءت للصلح، ففرح هؤلاء و هؤلاء وقام علي في الناس خطيبا، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام غلبوا الدنيا وحسنوا من أنعم الله عليهم بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارهم، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغيرهم في ألفين وخمسمائة (2500)، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي ؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدا يجتمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم. فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلح على دمائنا..... ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فأنشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون...» انتهى
وهنا لابد من أن نعلق على كلام ابن كثير رحمه الله تعالى لنبين للناس الأبرياء أنها مكيدة كادها عبد الله بن سبأ، اليهودي، فهي مكيدة من اليهود دبرها هذا الفتان في دياجي البهتان ، وقبل الاسترسال في الوقائع التاريخية بنزاهة الحياد نقدم للناس من هو عبد الله بن سبأ في الفقرة التالية من كتابنا: "الردود العلمية الرفيعة على حجج دعاة الشيعة" فنقول: يذهب الجميع إلى أن الشيعة نشأت مع أكبر متشيع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى أن عليا كرم الله وجهه ورضي الله عنه إله، فنفاه إلى المدائن وأحرقه هو وبعض أعوانه مثل عبد الله بن خرشي وابن أسود.
وبعض الشيعة تحرجهم قصة عبد الله بن وهب بن سبأ الراشي الهمداني ويعتبرونها خرافة، ويتهربون من الخوض فيها والكلام حولها، وقد أجاد وأفاد كل من الحسين الموسوي من علماء النجف صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ" كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار"، والسيد موسى الموسوي والسيد أحمد الكاتب صاحب كتاب "تطور الفكر الشيعي" حيث اعتمدت شخصيا كثيرا فيما يخص بحقائق الشيعة الدفينة في كتبهم عليهم حيث أبرزوها من محالها، فسنقوم بالتعليق على أهمها وأخطرها من الناحية الفقهية حتى يطلع عليه كل قارئ لتحصين الناشئة والعوام ولنعطي للعلماء والدعاة جرعة جديدة بجرءه حميدة للوقوف أمام هذا التيار الجارف المتخصص في الإغراء بالفروج والدثور التي تصد عن الأجور فما عند الله خير وأبقى.
فحقيقة عبد الله بن سبإ التي ينفونها للعوام أبت الحقائق العلمية والتاريخية إلا أن تفرض عليهم تدوينها في كتبهم المعتبرة ومن تلك الكتب "الغارات" للثقفي "رجال الطوسي"، "الرجال للحلي" قاموس الرجال" للتستري "دائرة المعارف" المسماة بـ"مقتبس الأثر" للأعلمي جائري، "الكنى والألقاب " لعباس القمي "حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفى سنة 673هـ، "الرجال" لابن داوود، "التحرير" للطاووسي" "مجمع الرجال للقهباني، "نقد الرجال" للتفرشي، "جامع الرواة" للمقدسي الأردبيلي، "مناقب آل أبي طالب" لابن شهر أشوب، "مرآة الأنوار" لمحمد بن طاهر المعاملي، قال أحد علماء النجف "فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثر من عشرين مصدرا من مصادرنا تنص كلها على وجود ابن سبإ، فالعجب كل العجب من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري والسيد محمد جواد مغنية وغيرهما من نفي وجود هذه الشخصية ولا شك أن قولهم ليس فيه شيء من الصحة" قلت فالحق يعلو ولا يعلى عليه، لقد تجاهلنا مصادر أهل السنة في هذا البحث حول شخصية ابن سبأ ودعوته للتشيع لأن المكفى سعيد، فقد كفانا مؤونة البحث ما تعج به مصادر الشيعة حول هذا النهج اللئيم الهادي إلى نار الجحيم قال تعالى : «ومن الناس من يجال في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير» [الحج]، وعبد الله بن سبأ اليهودي ضال مضل وقد أقام عليه أمير المؤمنين، زوج البتول وابن عم الرسول ليث بني غالب علي بن أبي طالب الحجة وحكم عليه بالفسق و الكفر ثم القتل والحرق بالنار، فقد جاء في كتاب "معرفة أخبار الرجال" للكشى ص 70-71 ما يلي: " عن أبي جعفر رضي الله عنه "أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله ـ تعالى عن ذلك ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين رضي الله عنه فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو، وقد كان ألقى في روعي أنت الله وأني نبي، فقال أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فأبى فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار، وقال إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك" كما نقل عن أبي عبد الله قال: "لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين رضي الله عنه، وكان والله أمير المؤمنين عبد الله طائعا، الويل لمن كذب علينا، وإن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم".
وقال المامقاني في "تنقيح المقال في علم الرجال" : "عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو" وقال: "غال ملعون حرقه أمير المؤمنين رضي الله عنه بالنار، وكان يزعم أن عليا إله وأنه نبي "وقال سعد بن عبد الله الأشعري القمي ـ كما في كتاب المقامات والفرق": "السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن قرشي وابن أسود وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة نبرأ منهم".
وذكر ابن الحديد ـ كما في شرح نهج البلاغة ـ أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: "أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له علي ـ ويلك من أنا؟ فقال: أنت الله، فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه".
وقال السيد نعمة الجزائري ـ كما في الأنوار النعمانية: "قال عبد الله بن سبأ لعلي رضي الله عنه: أنت الإله حقا، فنفاه علي رضي الله عنه إلى المدائن، وقيل: إنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع ابن نون وفي موسى مثل ما قال: في علي".
وقال النويختي ـ كما في كتاب "فرق الشيعة": "السبئية قالوا بإمامة علي وأنها فرض من الله ـ عز وجل ـ وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: إن عليا رضي الله عنه أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس عليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن" وحكى جماعة من أهل العلم: أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي رضي الله عنه وأظهر البراءة من أعدائه" قلت كل هذه النقول أبرزها من محالها أحد علماء النجف الذين ألفوا انتصارا للشيعة من خلال فضحهم لبعض الأراجيف والممارسات الدخيلة على الإسلام وعلى الشريعة الإسلامية في كتاب بعنوان:" لله ثم للتاريخ "كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار".
فالحق يعلو ولا يعلى عليه، قال تعالى: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» وقال تعالى: « بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون».فمن كان هذا حاله، ليس من الغريب أن يزج بالمسلمين في أتون حرب قتلت الكثير من صفوة الصفوة قال ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": « وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملإ من أصحاب علي، فبلغ الأمر عليا فقال: ما للناس ؟ فقالوا:بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان، وقد اجتمعت مع علي عشرون ألفا، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسائبة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا، ألا كفوا، فلا يسمع أحد....»
فترك الزبير بن العوام رضي الله عنه القتال ونزل واديا فتبعه عمرو بن جرموز فقتله وهو نائم غيلة، ولما بلغ الخبر عليا رضي الله عنه قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار، وجاء ابن جرموز معه سيف الزبير بن العوام رضي الله عنه فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن هذا السيف لطالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما طلحة رضي الله عنه فقد أصيب بسهم في ركبته فمات منه، وقد وقف عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجعل يمسح عن وجهه التراب ويقول: «رحمة الله عليك يا أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولا تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجزي وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: لقد رأيته – يعني عليا – حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة أو حجة».و قد روى ابن كثير و غيره أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال لعلي : لقد نصحتك فلم تسمع ثلاث مرات ، و فصلها ( راجع ابن كثير : المجلد السابع من البداية و النهاية.
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من غير وجه أنه قال: «إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} (الحجر:47). وبوفاة هؤلاء الثلاثة ـ يعني عثمان و طلحة و الزبيرـ لم يبق من العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة سوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسعيد بن زيد رضي الله عنه الذي سمع ذات يوم من يسب عليا بحضرة بعض الأمراء ( يعني الأمويين) فقال: ألا أرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُسبون عندكم، ثم لا تنكروا ولا تغيروا ،سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: وإني لغني أن أقول عنه ما لم يقل فيسألني عنه إذا لقيته:« أبوبكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة، وسكت عن العاشر،قالوا: ومن العاشر؟ فقال: سعيد بن زيد يعني نفسه ثم قال: والله لمشهد رجل منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عُمر، عمر نوح» وفي رواية: فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر، فقال القوم: ننشدك الله يا أبا الأعور، من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله، أبو الأعور في الجنة» رواه أبوداود والترمذي، ومحمد بن سليمان الروداني الحديث رقم: 8558/8557 ، ولا تنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كما في صحيح مسلم: «لكل نبي حواري، وحواري الزبير».
أخرج البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: «رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت»
وأخرج الترمذي عن جابر رفعه: «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله»
وعن الزبير رضي الله عنه قال: كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد، فنهض إلى صخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته وصعد حتى استوى على الصخرة فسمعته يقول: «أوجب طلحة»
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن طلحة بن مصرف أن عليا انتهى إلى طلحة بن عبيد الله وقد مات فنزل عن دابته وأجلسه فجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته وهو يترحم عليه ويبكي ويقول ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة
وأما الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وأمه صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمة علي بن أبي طالب، فعن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: «من يأتيني بخبر القوم ؟ فقال الزبير أنا ،ثم قال: من يأتيني بخبر القوم ؟ فقال الزبير، أنا ،ثم قال في الثالثة: إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي
وأخرج الترمذي عن عروة قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة يوم الجمل فقال: «ما مني عضو إلا وقد جرح مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من ذلك إلى الفرج» .
وأخرج الطبراني في الكبير عن عمر رضي الله عنه قال: «والله لو عهدت عهدا أو تركت تركة، لكان أحب إلي أن أجعلها إلى الزبير بن العوام، فإنه ركن من أركان الدين»
وعن مروان بن الحكم، قال أصاب عثمان رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج، وأوصى فدخل عليه رجل من قريش، فقال استخلف، فقال عثمان: أو قالوه ؟ قال: نعم، قال: ومن هو ؟ فسكت، قال: فلعلهم قالوا الزبير ؟ قال: نعم، قال: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإنه كان أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» أخرجه البخاري: .
وعن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات: إحداهن في عاتقه إن كنت لأدخل أصابعي فيها ألعب بها وأنا صغير، قال له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك ؟ قال: إن شددت كذبتم، قالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين بينهما ضربة ضربها يوم بدر، وكان معه عبد الله يومئذ وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرسه فوكل به رجلا» أخرجه البخاري:
فهؤلاء قوم أخلصوا دينهم لله، وخاضوا لذلك المعارك والمحن، فجربوا، أجمع أهل السنة على فضلهم وورعهم وإخلاصهم لله بعدما أظهر الله دينه، إذا بهم يغتالهم حزب عبد الله بن سبأ بعدما عجز حزب عبد الله بن أبي بن سلول عن ذلك، وذلك مصداقا لقوله تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، ومن يرد ثواب الدنيا نؤتها منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤتها منها وسنجزي الشاكرين} (آل عمران 145)
وهؤلاء أرادوا ثواب الآخرة، فجاءوا لإصلاح ذات البين وتطبيق الحدود على قتلة عثمان فقضوا نحبهم مصداقا لقوله تعالى {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} وعن الترمذي عن طلحة أن الصحابة قالوا لأعرابي جاهل سل النبي صلى الله عليه وسلم عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يتجرؤون على مساءلته وكانوا يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثم طلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي أنا يا رسول الله ؟ فقال: هذا ممن قضى نحبه»
رواية أخرى لوقعة الجمل:
تكاد تجمع المراجع المهمة التي اعتنت بواقعة وقعة الجمل والتي حدثت في اليوم العاشر من جمادى الأولى سنة 36 هجري من أكثر الأحداث إثارة حيث جعلت منها جحافل النفاق مطيتها للإساءة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة صفوة الصفوة منهم، وإن من أهم هذه المراجع "العواصم من القواصم لابن العربي"، و "منهاج السنة لابن تيمية"، و "البداية والنهاية لابن كثير"، لقد بايع المسلمون طوعا عليا بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألها الأحنف بن قيس عمن يبايع بعد عثمان، فأمرته بمبايعة علي رضي الله عنه، لكن عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير بعد أن بايعوا عليا ومضت على البيعة أربعة أشهر قصدوا البصرة مطالبين بدم عثمان، ولما تحدثوا مع علي اقتنعوا جميعا بضرورة الصبر ومضي زمن قبل القصاص، فاجتمع حزب الشيطان على كبيرهم عبد الله بن سبأ الفتان ورأوا أن اصطلاح الفريقين ليس من صالحهم، فأرادوا في الأول اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأشار الفتان عبد الله بن سبأ أن لا يفعلوا، فإن وقعوا في أيدي المسلمين ذبحوهم فإنهم لم يهدأ حزنهم على عثمان رضي الله عنه فكيف يقتل خليفته، فقرر ذلك المؤتمر الآثم إشعال الحرب بين الفريقين، وقبل طلوع الفجر أمروا بعض زبانيتهم بدخول معسكر الإمام علي وقتل بعض الجنود هناك، والبعض الآخر يدخل معسكر طلحة والزبير ويقتل بعض الجنود هناك، وظن كلا الفريقين أن الآخر قد غدر به، وفعلا ظن الفريقان ذلك، فقام الجنود إلى سلاحهم في ذعر وذهول، فجاء علي إلى الزبير وذكره بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير أنه سيقاتل عليا وهو له ظالم، فرجع الزبير على أعقابه فمنعه ابنه عبد الله وقال له بأنهم لم يأتوا للقتال ولكن للإصلاح بين الناس، أي حتى هذه اللحظة لم يخطر ببال الصحابة أن الحرب ستنشب بينهم، فلما سمع طلحة بن عبيد الله كلام أمير المؤمنين علي للزبير رجع هو الآخر أدباره، فرماه أحد رؤوس الفتنة بسهم في ركبته فمات، لأنه ليس من مصلحة رؤوس الفتنة انتهاء الحرب، ودارت رحى المعركة وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه يقول: "يا عباد الله كفوا، يا عباد الله كفوا" فلما رأت أم المؤمنين ما يجري من قتال ناولت كعب بن الأسور الأزدي كان يمسك بلجام ناقتها، مصحفا وأمرته أن يدعو الناس للكف عن القتال قائلة: «خل يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه» وهنا تحرك رؤوس الفتنة فرأوا أنها مبادرة خطيرة لوقف الحرب فأرادوا أن يئدوها فرموا كعبا بسهامهم فأردوه قتيلا، وفي وسط المعركة دخل سهم طائش في هودج أم المؤمنين فأدمى يدها الشريفة فأخذت تلعن قتلة عثمان ذي النورين فسمعها الجيش الذي معها فلعنوهم فسمعهم أمير المؤمنين علي وجيشه فلعنوهم، فاشتاظ رؤوس الفتنة – الذين هم قتلة عثمان رضي الله عنه – غضبا فقرروا اغتيال أم المؤمنين عائشة لأنها لن تكف عن توحيد الفريقين بإظهار حبهم لذي النورين وحقدهم على قتلته ولن تكف عن مبادرات إيقاف الحرب وتهدئة النفوس، فأخذوا يضربون هودجها بالسهام من كل مكان حتى صار كالقنفذ، ولكن كان قلب أمير المؤمنين خائفا على سلامة أمه أم المؤمنين فأمر بعقر (أي بقتل) البعير الذي عليه هودج أم المؤمنين لأنه مستهدف ما دام قائما، فعقر البعير وانتهت المعركة التي لم تكن بحسبان الصحابة والتابعين أنها ستقع فكلا الفريقين على غير نية القتال، ولكن قدر الله وما شاء فعل."
وهنا الوقفة الأخيرة في وقعة الجمل: أمر أمير المؤمنين علي تنحية هودج أم المؤمنين جانبا وأمر أحد قادة جنده، وهو ربيبه وأخاها محمد بن أبي بكر الصديق يتفقد حالها أن يكون أصابها مكروه، فرآها بخير، وسرت هي برؤيته حيا بقولها: « بأبي الحمد لله الذي عافاك» فأتاها أمير المؤمنين علي وقال برحمته المعهودة: «كيف أنت يا أمي ؟ فقالت بقلب الأم: بخير يغفر الله لك، فقال: ولك» فأدخلها دار بني خلف فزارها بعد أيام فسلم عليها ورحبت هي به، وعند رحيلها من البصرة جهزها بكل ما تحتاج إليه من متاع وزاد في طريقها إلى المدينة المنورة وأرسل معها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات وسير معها ذلك اليوم أبناءه الحسن والحسين وابن الحنفية وأخاها محمد بن أبي بكر الصديق، فلما كانت الساعة التي ارتحلت فيها جاء أمير المؤمنين علي فوقف على باب دار بني خلف – حيث أقامت أم المؤمنين – وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: «يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار» فقال أمير المؤمنين علي: «صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة» وسار علي رضي الله عنه معها أميالا مودعا لها حافظا لحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حق حرمه.
فتبين من خلال هذا الجرد الموضوعي لوقعة الجمل أن رؤوس الفتنة التي أشعلوها بين أصفياء الله من صفوة الصفوة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين ما زالوا يركبون الوحل والوعر ويشعلون الفتنة بالأراجيف والأباطيل للنيل من الصديقة كما أرادوا قتلها ذلك اليوم الذي أشعلوا فيه تلك الفتنة.
وأما قول هذا الرافضي: قال الغزالي وقال صلى الله عليه وسلم لها: «إني لأعرف رضاك من غضبك، قالت: وكيف تعرفه يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: إذا رضيت قلت: لا وإله محمد، وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم، قالت صدقت...وتحدثها بهذه العبارات والتعابير التالية مع النبي صلى الله عليه وسلم بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا، أنت الذي تزعم أنك رسول الله !! إنما أهجر اسمك ! بالله عليكم أنصفوا...أما كان رسول الله من هذه التعابير القارصة والكلمات اللاذعة حين يسمعها من زوجته؟!».
من هذا الرافضي الذي يتطاول على أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق من خلال حديث روته عائشة رضي الله عنها ودون في أمهات كتب الحديث في فضائلها ومناقبها، قال مسلم بن الحجاج في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة رضي الله عنها: عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى قالت فقلت: ومن أين تعرف ذلك ؟ قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم قال قلت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك».
وعلق عليه النووي قائلا:" يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك قال القاضي[يعني القاضي عياض]: مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم هي مما سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة: يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة، قال: واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله» ولولا تلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه، لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة ولهذا قالت: «لا أهجر إلا اسمك» فدل على أن قلبها وحبها كما كان، وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة... إلخ "قلت بل الواضح من سياق الحديث أن الغرض من رواية الحديث هو إبراز كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلي ويداعب زوجه الصغيرة الطاهرة التقية المفرطة في حبه صلى الله عليه وسلم حيث رباها على ذلك أبوها الصديق رضي الله عنه، وقد بين تلك العلاقة الحميمة بين الزوجين والمحبة العميقة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءته من قبل زوجاته لتقول له: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة ابن أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي بنية ألست تحبين ما أحب ؟ فقالت: بلى قال: فأحبي هذه» الحديث ، و قد تقدم تخريجه .
كما تقدم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك ؟ قال: «عائشة» قلت: من الرجال ؟ قال: «أبوها» الحديث متفق عليه.
ومن رواية عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك» بعدما حكت عليه حديث أم زرع الطويل الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما واستخرج القاضي عياض ما فيه من الفوائد و العبر في شرح قيم.
كما تقدم حديث حبر هذه الأمة وترجمانها عندما أدلى بشهادته على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تحتضر قبل أن تلفظ آخر أنفاسها حيث قال: "أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب- أو قال وصب- وتلقى الأحبة محمدا وحزبه أو قال أصحابه إلا أن يفارق روحك جسدك" فقالت: «وأيضا»، فقال ابن عباس: كنت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن ليحب إلا طيبا وأنزل عز وجل براءتك من فوق سبع سماوات فليس في الأرض مسجدا إلا هو يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال في طلبها حتى أصبح القوم من غير ماء فأنزل الله عز وجل: {فتيمموا صعيدا طيبا} (النساء: 43) فكان في ذلك رخصة للناس عامة بسببك فوالله إنك لمباركة "، فلتخسأ يا هذا ولا تتجاوز حدك فإنك لن تعدو قدرك، فهذه الصديقة، تُقرأ براءتها في كتاب الله من سورة النور، ومن سورة الأحزاب، فهل أطفأ الله نور الإيمان فيك فلم تعد تميز بين الطيب والخبيث وبين الأباطيل والقرآن الذي هو الوحي الإلهي {أم على قلوب أقفالها} فهذه أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه كما صرح بذلك ابن عباس في مسند أحمد وعمرو بن العاص كما في الصحيحين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب إلا طيبا خاصة وأنها برأها الله وطيبها، ولكن الله عز وجل يقول في سورة الأحزاب وقوله الحق فمن شك في صحته كفر: {والذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} الأحزاب: 58 وقال تعالى: {ولئن لم ينتبه المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغربنك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} الأحزاب: 61-62.
فليتذكر هؤلاء من الرافضة الشيعة أن الذي برأه الله من فوق سبع سماوات هي الصديقة بنت الصديق حيث قال عنها الله جل وعلا في سورة النور {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم 11 لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين 12} إلى أن قال الحق جل وعلا : {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}.
وقال تعالى في سورة الكهف: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك بخع نفسك ألا يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}.
وهذه الرافضة الشيعة عندما تعزو لحامد الغزالي في إحياء علوم الدين ما يبررون به التحامل على أمنا عائشة فكأنهم يجعلوننا أمام الأمر الواقع، فما الذي قاله الغزالي في الإحياء ؟
قال في كتابه "إحياء علوم الدين": الباب الثالث: في آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة:
قال: «أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمرا: في الوليمة، والمعاشرة، والدعاية، والسياسة، والغيرة، والنفقة، والتعليم، والقسم، والتأديب في النشوز، والوقاع، والولادة، والمفارقة بالطلاق» ثم قال: الأدب الثاني: «حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن، قال الله تعالى: {وعاشروهن بمعروف} (النساء: 19) وقال في تعظيم حقهن: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} (النساء: 21) وقال: {والصاحب بالجنب}(النساء: 31) قيل هي المرأة، وآخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: كان يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه وخفا كلامه: جعل يقول: «الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله، الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» وقال عليه السلام: «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون، واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحكم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل، وراجعت امرأة عمر، عمر رضي الله عنه في الكلام فقال: أتراجعينني يا لكعاء، فقالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك، فقال عمر: خابت حفصة وخسرت إن راجعته ثم قال لحفصة: لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفها من المراجعة، وروي أنه دفعت إحداهن في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزبرتها أمها فقال عليه السلام: «دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك» وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه حكما واستشهده، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكلمين أو أتكلم ؟ قالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر حتى دمي فوها وقال: يا عدية نفسها أو يقول غير الحق؟! فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا، وقالت له مرة في كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي الله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلما وكرما، وكان يقول لها إني لأعرف غضبك من رضاك، قالت: وكيف تعرفه ؟ قال: إذا رضيت، قلت لا وإله محمد، وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم، قالت: صدقت إنما أهجر اسمك، ويقال إن أول حب وقع في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وكان يقول لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك».
وكان يقول لنسائه: «لا تؤذوني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها» وقال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالنساء والصبيان.
الثالث: أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب قلوب النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو، فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام فقال عليه السلام: «هذه بتلك،» وفي الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع نسائه وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم، قالت: قلت نعم، فأرسل إليهم فجاءوا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وأنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسبك، وأقول أسكت مرتين وثلاثة، ثم قال: يا عائشة حسبك، فقلت: نعم، فأشار إليهم فانصرفوا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله» وقال عليه السلام: «خيركم، خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي، فإذا التمسوا ما عنده وُجد رجلا...إلخ» نقلنا جله رغم طوله لنبين للقارئ الكريم كيف بررت


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!