التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:07:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.08.2008 23:53:12

الأخبار تنشر نص الوثيقة السياسية الصادرة عن الجبهة

قادة الجبهة أثناء تظاهرة سياسية مناوئة للانقلاب (الأخبار - إرشيف)

قادة الجبهة أثناء تظاهرة سياسية مناوئة للانقلاب (الأخبار - إرشيف)

بسم الله الرحمن الرحيم

الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية

مذكرة

حول انقلاب 6 أغسطس ضد الديمقراطية في موريتانيا

انواكشوط، 26 أغسطس 2008

مقدمة
بعد انقلاب 03 أغسطس 2005، تعهد أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بإعادة الشرعية الدستورية خلال أجل قصير ومحدد، بواسطة إنجاز إصلاحات دستورية وسياسية تؤمن البلاد نهائيا من العودة إلى الحلقة المفرغة للانقلابات العسكرية. وهكذا بدأت البلاد مرحلة انتقالية تم إعداد جدولها الزمني بالتشاور مع مجموع الفاعلين السياسييين وبدعم من المجموعة الدولية. ويمكن أن نذكر على وجه الخصوص من الالتزامات التي قطعها أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ما يلي:
 لا يستطيع أي من أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية أن يترشح لأي من الانتخابات المبرمجة؛ مع التزامهم بالحياد التام خلال المسلسل الانتخابي.
 تحديد أجل قصير (19 شهرا) يعود بعده العسكريون إلى ثكناتهم ويعيدون السلطة إلى المؤسسات المنتخبة.
 تعديل الدستور لإدخال ضمانات تكرس الطابع الجمهوري للمؤسسات والتناوب السلمي على السلطة بصفتهما مبدأين مقدسين ومصونين.
و قد تم تتويج هذا المسار بانتخابات رئاسية شهد المراقبون الدوليون وأقر المرشحون المهزومون بحسن سيرها وشفافيتها وشرعيتها. وقد حصل المرشح المستقل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله على 24,79% في الشوط الأول وعلى 52,85% في الشوط الثاني بينما حصل منافسه الرئيسي، أحمد ولد داداه من تكتل القوى الديمقراطية، على 20,68% في الشوط الأول، وعلى 47,15% في الشوط الثاني.
تسلم الرئيس المنتخب مهامه يوم 19 إبريل 2007 في ظرفية سياسية خاصة تتميز بوجود أغلبية رئاسية غير منسجمة، تتكون أساسا من مستقلين غير منتسبين إلى حزب سياسي. و قد عين الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في منصب الوزير الأول السيد الزين ولد زيدان، الذي حصل عتى المرتبة الثالثة في الشوط الأول.
حاول الرئيس في البداية تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن معظم مسانديه عارضوا ذلك الخيار. كما بدا تشكيل حكومة سياسية صعبا هو الآخر بسبب تشرذم المشهد السياسي الذي تسيطر عليه مجموعة المستقلين. وبالتالي فضل الرئيس تكوين حكومة تقنوقراطية.
خلال المرحلة الانتقالية، أبرم الفاعلون السياسيون والمجتمع المدني والمؤسسة العسكرية والمجموعة الدولية ميثاقا لاحترام وحماية مكاسب البلد الديمقراطية. وقد تم خرق ذلك الميثاق اليوم من قبل الانقلابيين والأحزاب السياسية التي تساندهم.
تستهدف هذه المذكرة إنارة الرأي العام الوطني والدولي حول الأسباب الحقيقية للانقلاب والرد على الادعاءات الكاذبة وغيرها من الذرائع الواهية التي يقدمها الانقلابيون. وتنقسم إلى أربعة أجزاء:
 يتناول الجزء الأول حصيلة الخمسة عشر شهرا الأولى من ولاية الرئيس.
 يشرح الجزء الثاني العملية الماكيافيلية المستخدمة من قبل الطغمة العسكرية، والتي بدأت بافتعال أزمة سياسية مدبرة، وصولا إلى الانقلاب المبرمج.
 يعرض الجزء الثالث طبيعة الانقلاب من وجهة نظر قانونية وانعكاساته السياسية والاقتصادية على البلاد.
 ويتضمن الجزء الرابع تقديما لأهداف وبرنامج الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي تم إنشاؤها بعد الانقلاب لضمان عودة سريعة إلى الشرعية الدستورية.
الجزء الأول:
حصيلة الخمسة عشر شهرا الأولى من ولاية الرئيس
الحصيلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وجه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رسالة تكليف إلى الحكومة، ركز فيها على الورشات الهامة من برنامجه:
1. تعزيز الوحدة الوطنية
2. إعادة تأسيس الدولة
3. إرساء الثقافة الديمقراطية
4. إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة العمومية
5. تحقيق النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر
6. ترقية المصادر البشرية.
7. تعزيز الوحدة الوطنية والانعتاق الاجتماعي
تتمثل أهم الانجازات في هذا الميدان في عودة المواطنين اللاجئين وفتح التشاور حول الإرث الإنساني وإصدار قانون تجريم الاسترقاق.
انطلقت عملية عودة اللاجئين عبر خطاب وجهه رئيس الجمهورية إلى الأمة يوم 29 يونيو 2007. وبعد ذلك فورا، بدأت عملية تشاور واسع شملت اللاجئين في مواقعهم بالسنغال ومالي والفاعلين السياسيين ومختلف مكونات المجتمع المدني في البلاد. وتوجت تلك المرحلة بالأيام الوطنية للتشاور والتعبئة من أجل عودة اللاجئين وتسوية الإرث الإنساني، والتي انعقدت في انواكشوط أيام 21 و22 و23 نوفمبر 2007. وفي نهاية تلك الأيام صادق المشاركون على برنامج إطاري وخطة عمل.
وانطلاقا من ذلك، تم توقيع اتفاقية ثلاثية بين موريتانيا والسنغال والمفوضية السامية للاجئين حول تنظيم عمليات عودة كريمة للاجئين الموريتانيين الذين كانوا يعيشون الى ذلك الحين في منفى إجباري خارج البلاد. وتم إنشاء مؤسسة عمومية (الوكالة الوطنية لاستقبال ودمج اللاجئين) لذلك الغرض حيث عملت منذ إنشائها على الإشراف على عمليات عودة اللاجئين وتنفيذ برامج تستهدف دمجهم في الحياة الوطنية. وكان الفوج الأول من العائدين موضوع استقبال رسمي يوم 29 يناير 2008 ولغاية اليوم عاد حوالي 4700 من المواطنين إلى بلادهم. وتم تنفيذ برنامج أول للاستقبال والمساعدة على الدمج. وقد وصل مبلغ النفقات المصروفة في هذا الإطار في 6 أغسطس الى ستمائة وتسعة ملايين وثلاثمائة وأربعين ألف (609340000) أوقية. وتم انتهاز فرصة عودة اللاجئين لوضع برنامج ثان للتنمية والدمج المستديم لفائدة العائدين ولصالح السكان المقيمين في مناطق الاستقبال (حوالي ستمائة ألف نسمة: 600.000). وحصل هذا البرنامج على تجاوب واعد من شركاء موريتانيا الفنيين والماليين. وقدر تمويله بحوالي تسعين مليون (90.000.000) دولار. وكان من المقرر عقد مؤتمر لتعبئة هذا المبلغ خلال شهر نوفمبر 2008، وقد أبدى عدة مانحين اهتمامهم بهذا البرنامج.
وفي هذا السياق قدمت الحكومة للبرلمان مشروع قانون يجرم الممارسات الاسترقاقية. وبعد إصدار ذلك القانون، وضعت الحكومة برنامجا وطنيا للتهذيب والاتصال على مستوى مجموع البلاد.
وبشكل مواز، تم وضع برنامج وطني للتضامن الموسع ولتخفيف الفقر يستهدف المناطق التي عانت من الممارسات الاسترقاقية ومخلفاتها. وكان تنفيذ مرحلته الأولى مقررا للنصف الثاني من عام 2008.
إعادة تأسيس دولة القانون:
تمثل الانشغال الأول للحكومة في تكريس الفصل الفعلي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وامتازت تلك الفترة باحترام تام لحريات التعبير والاجتماع والإضراب. وهكذا، فإن:
 جميع الأحزاب والنقابات والجمعيات التي قدمت طلبات تم الترخيص لها بدون استثناء؛
 تمكن البرلمان من مزاولة مهامه بشكل عادي وخاصة مراقبته للسلطة التنفيذية؛
 كانت وسائل الإعلام العمومية مفتوحة أمام مختلف الآراء؛
 عرضت الحكومة على البرلمان مشروع قانون يتضمن تحرير الاتصال السمعي البصري؛
 لم تتم مصادرة أية جريدة ولا حزب ولا نقابة ولا جمعية؛
 لم يحظر أي إضراب؛
 لم يكن هناك أي سجين ولا معتقل سياسي في السجون الموريتانية لغاية يوم 6 أغشت 2008.
إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة العمومية
تمثل أول إصلاح ينجز في هذا السياق في ضمان شفافية تسيير الشؤون العمومية، والتي بدأت بإلزامية التصريح بالممتلكات بالنسبة لرئيس الجمهورية والوزير الأول وأعضاء الحكومة. إن هذا الإجراء الذي تم أولا بشكل تطوعي تم تحويله لاحقا إلى التزام بالنسبة لكافة مسيري الأموال العمومية في إطار القانون حول الشفافية المالية الذي صادق عليه البرلمان عام 2007. ويفرض القانون على هؤلاء التصريح بممتلكاتهم بداية وأثناء وعند نهاية وظائفهم. وتم تعيين لجنة لهذا الغرض تحت سلطة رئيس المحكمة العليا.

ولتعزيزالطابع الأخلاقي في الميدان العمومي، أصدر الرئيس تعليمات صارمة إلى الحكومة بالامتناع عن أي تدخل في عملية إبرام الصفقات، الشيء الذي خيب آمال أولئك الذين اعتادوا الاستفادة من هذا النوع من الامتيازات.
كما أن الحكومة، بناء على تعليمات الرئيس، قد عرضت على البرلمان مشروع قانون حول محكمة العدل السامية المؤهلة لمحاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى وأعضاء الحكومة على الأخطاء التي يرتكبونها في ممارسة وظائفهم، وقد صادقت الحكومة على مشروع القانون المذكور.
ولإكمال إقامة الهيئات الدستورية وتوسيع قاعدة التشاور، أصدر الرئيس تعليماته إلى الحكومة لإنشاء مجلس اقتصادي واجتماعي، وتم تعيين أعضاء ذلك المجلس.
إرساء الثقافة الديمقراطية
تم إنشاء قطاع وزاري مكلف بشكل خاص بالمجتمع المدني، ونظمت أيام تشاور بمشاركة المنظمات غير الحكومية والجمعيات وباقي الفاعلين من المجتمع المدني، أفضت إلى تبني برنامج لتفعيل هيئات المجتمع المدني وترقية التشاور بين الدولة وتلك الهيئات.
كما وضعت الحكومة نظاما لزعيم المعارضة الديمقراطية. واحترمت رئاسة الجمهورية بشكل دقيق جدول التشاور المحدد بين رئيس الجمهورية وزعيم المعارضة الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، جرت بانتظام لقاءات بين رئيس الجمهورية وقادة مختلف الأحزاب السياسية المعارضة، بمبادرة من رئيس الجمهورية أو من المعنيين.
وبعد سنة من ممارسة الحكومة التكنوقراطية، أصبح الطلب أكثر إلحاحا على حكومة سياسية خاصة من قبل نواب الأغلبية الرئاسية، وكذلك من قبل المعارضة التي كانت تطالب بحكومة وحدة وطنية. وأضحى هذا الخيار ممكنا لأن المستقلين الحائزين على أكبر فريق برلماني كانوا قد التأموا مع "التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة" في حزب سياسي جديد هو حزب عادل، الذي أصبح أهم أحزاب الأغلبية الرئاسية.
حينها أصبح الانفتاح على قوى سياسية أخرى ممكنا بعد الاعتراف بعدة أحزاب سياسية (من بينها حزب تواصل الممثل في البرلمان).
تم إذن تشكيل حكومة انفتاح سياسي في شهر مايو 2008، في أعقاب مشاورات شملت جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان وبعض الأحزاب غير الممثلة (حزب الفضيلة). مكنت تلك الحكومة كذلك من دمج أحزاب هامة مثل اتحاد قوى التقدم وتواصل، إضافة إلى أحزاب الأغلبية السابقة.
وقد رفض تكتل القوى الديمقراطية المشاركة في هذه الحكومة مشترطا تشكيل حكومة وحدة وطنية على أسس اوسع وأشمل، معبرا بذلك عن سعيه إلى خلق إجماع وطني حول رئيس الجمهورية بهدف تحقيق الإصلاحات التي يتطلبها الوضع.
وكانت جميع قوى المعارضة قد أقرت فعلا هذا الخيار غداة الإعلان عن نتائج الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية. إلا أن زعيم المعارضة الديمقراطية قرر، منذ شهر يونيو 2008، العدول عن هذا الموقف، مقاطعا اللقاءات الدورية المنصوص عليها قانونا مع رئيس الجمهورية، و معلنا في نفس الوقت أنه يفضل التعامل مع العسكريين.
وسنلاحظ فيما بعد، وبكل أسف، تطابقا واضحا، خلال الأزمة، بين مواقف برلمانييي تكتل القوى الديمقراطية والبرلمانيين العاملين بإمرة الجنرالات: ملتمس الرقابة-الدعوة إلى استقالة رئيس الجمهورية-المطالبة بدورة برلمانية استثنائية، إلخ.
النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر
إذا كانت السلطات الانتقالية قد وفقت إلى حد ما في تسسير المسار السياسي، فالملاحظ أن تسييرها للمال العام لم يكن كذلك. فمن المعروف أن سنة 2006 قد شهدت تدفق موارد استثنائية نذكر منها وصول الإنتاج النفطي إلى مستوى قياسي، الحصول على موارد غير منتظرة متأتية من مراجعة الاتفاقيات مع شركة "وودسايد" ومن عائدات رخصة المواصلات الممنوحة لشركة "سوداتل"، وقد تم إنفاق هذه الموارد كلها بطرق لم تكن فوق الشبهات، حيث لم يبق منها عند انتهاء المرحلة الانتقالية إلا مبلغ 30 مليار أوقية، وهو مبلغ لايكفي لتسديد نصف الالتزامات التي تركت حالة.
ويعني ذلك أن التركة الاقتصادية للمرحلة الانتقالية كانت تشكل عبئا ثقيلا، يزيد من صعوبته تزامن هذه المرحلة، عند تنصيب رئيس الجمهورية، مع بروز بوادر الأزمة الاقتصادية: الارتفاع الكبير لقيمة اليورو مقابل الدولار، التزايد الشديد غير الطبيعي لأسعار المحروقات واتجاه أسعار الحبوب نحو الارتفاع. ومع ذلك ورغم الانخفاض المستمر لإنتاج النفط (الذي هبط من 70.000 برميل يوميا إلى حولي 10.000 برميل يوميا)، فقد ظل أداء الاقتصاد الكلي مرضيا كما تثبته أهم مؤشرات عام 2007 (نسبة نمو قدرها 5,9%، إبقاء عجز الميزانية دون 2,5% من الناتج الداخلي الخام، نسبة تضخم أقل من 7,5%) وكما تؤكده مختلف بعثات المراجعة من قبل صندوق النقد الدولي خلال الخمسة عشر شهرا الأخيرة.
إن الإصلاحات الاقتصادية المقام بها تحت إشراف رئيس الجمهورية قد بدأت بخيارات ميزانية أكثر مطابقة لأولويات السكان: هكذا تم اقتطاع مخصصات هامة من نفقات تسيير الإدارات العمومية التي يتفق الجميع على عدم جدوائيتها؛ كانت قطاعات المياه والصحة والتعليم أهم المستفيدين من ذلك الاقتصاد في النفقات. وإضافة إلى ذلك، تم انطلاق ورشات هامة لإصلاح تسيير الأموال العمومية وترقية الاستثمار الخصوصي.
وقد جلبت هذه الإنجازات لبلادنا دعما قويا من المجموعة الدولية التي رأت في تلك الأعمال بداية تجسيد الوعود التي قطعها رئيس الجمهورية للشعب الموريتاني خلال الحملة الانتخابية. وهكذا فإن برنامج الاستثمار العمومي الذي قدم لشركائنا في التنمية في شهر ديسمبر 2007 تم تمويله كليا وأعلن عن تمويلات إضافية. وعند وقوع الانقلاب في 6 أغسطس 2008، كانت اتفاقيات تمويل بمبلغ 600 مليون دولار قد وقعت و800 مليون أخرى على وشك التوقيع. كما انطلقت بقوة مشاريع هامة كانت تواجه صعوبات في الانطلاق مثل مشروع آفطوط الساحلي بعد إكمال سد ثغرات تمويلها وهناك مشاريع لا تقل أهمية وشيكة الانطلاق مثل إعادة تأهيل طريق كيفه ـ الطينطان (الذي أعلنت مناقصته في نهاية يوليو 2008) وطريق روصو ـ انواكشوط وتوسيع ميناء انواذيبو ورفع طاقة إنتاج الكهرباء في انواكشوط على سبيل المثال لا الحصر.
كما تجسدت ثقة الشركاء هذه في بداية تسوية قضية الديون التي لم تلغ بعد مثل ديون الكويت وليبيا والجزائربعد ان رأت كل تلك الدول في بلادنا شريكا جديا ذا مصداقية وبالتالي بدؤوا نقاشات معنا من أجل تسوية نهائية لتلك الديون.
وعلاوة على ذلك، وفي إطار التعبئة الكبيرة لفائدة الزراعة والتي أعلنها رئيس الجمهورية، تم تخصيص تمويلات داخلية وخارجية هامة لهذا القطاع. وبدأت أعمال هامة (إعادة التأهيل، استصلاح المساحات الزراعية، توفير الآلات الزراعية، ...) في المناطق المعنية من أجل إعداد الحملة الزراعية إعدادا جيدا. إن العمل الذي بدأ في تلك المناطق، وإن كانت كثيرة السكان وفقيرة جدا، وكذا النتائج المنتظرة من حيث الإنتاج الزراعي، ستتأثر لا محالة بالنتائج السلبية للانقلاب.
وأخيرا، فور تنصيب رئيس الجمهورية، بدأ المستثمرون الخصوصيون يتقدمون للاستفادة من النمو الذي يرونه وشيكا في موريتانيا. وتعزز ذلك الاهتمام بإنشاء المندوبية العامة المكلفة بترقية الاستثمار الخصوصي التي تتمثل مهمتها في تسهيل إجراءات هؤلاء المستثمرين وتحسين مناخ الأعمال في بلادنا. وهكذا بدأ التصور الجدي لمشاريع هامة من قبل فاعلين خصوصيين مثل مشروع العوج وميناء انواكشوط الكبير وسكة حديد بوفال وشركات الطيران ومطار انواكشوط وخليج انواذيبو والمجمعات السياحية، الخ، دون الحديث عن الاستثمارات الهامة التي قامت بها شركة بيتروناس التي خلفت وودسايد والبنوك الأجنبية العديدة التي طلبت اعتمادات في موريتانيا وحصلت عليها.
ترقية المصادر البشرية
لأول مرة في تاريخ موريتانيا، قامت الحكومة، بناء على تعليمات رئيس الجمهورية، باتخاذ ترتيبات تنظيمية يجب أن تحكم المسارات المهنية لموظفي الدولة. وهكذا فإن وظائف المدير المساعد ورئيس المصلحة ورئيس القسم في الإدارة العمومية، أصبحت مفتوحة أمام المنافسة ليتمكن كل موظف من الوصول إلى تلك المسؤوليات دون اعتبار مواقفه السياسية وظروفه الاجتماعية. ويطبق هذا الإجراء كذلك على وظيفة المدير المساعد في بعض المؤسسات العمومية.
شهدت هذه الإجراءات تطبيقا منتظما في التهذيب الوطني حيث تم شغل جميع وظائف المدير الجهوي للتهذيب الوطني والمفتش المقاطعي للتهذيب الوطني عن طريق المسابقة.
وكان التعليم في مركز اهتمامات الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وسادت إرادة التغيير في هذا القطاع.
وفي نفس هذا السياق تمت برمجة المنتديات العامة للتعليم لتجتمع خلال هذه العطلة الصيفية من اجل وضع أسس نظام تربوي منسجم وفعال.
كما تجسدت ترقية المصادر البشرية والإنصاف بين الجنسين في تعزيز وجود النساء في مراكز المسؤولية العمومية. وهكذا لأول مرة في تاريخ البلاد، تم تعيين عدة نساء سفيرات ووصلت بعضهن إلى القيادة الإقليمية (ولاة وحكام) بالإضافة إلى زيادة حصتهن في الوظائف العمومية السامية.
الأعمال الاستعجالية
واجهت الحكومة، منذ الأيام الأولى لتنصيبها، عدة أزمات كبيرة:
ـ اكتشاف شبكات إجرامية لتجارة المخدرات،
ـ تزايد الهجرة السرية،
ـ ارتفاع أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي،
ـ كارثة فيضانات الطينطان ،
ـ الإرهاب السلفي.
واجهت الحكومة كل واحدة من تلك الأزمات بوسائل كانت للاسف دون ما يتطلبه الموقف في بعض الأحيان، لكنها ظلت دائما منسجمة مع احترام قواعد دولة القانون والحكم الرشيد.

تجارة المخدرات
فور مصادرة الكميات الأولى، أمر رئيس الجمهورية بتسيير الملف بأكبر شفافية. وبالإضافة إلى التحقيقات القضائية، صدر الأمر بتحقيق إداري لاكتشاف كافة اختلالات الأجهزة الإدارية. وقد امتنعت السلطة الإدارية، التي تحترم مبدأ فصل السلطات الذي يكرسه دستور الجمهورية، عن التدخل في إجراءات وقرارات القضاء، مع السهر على لعب النيابة العامة لدورها كاملا.
غير أنه في هذا الملف، يتعين الاعتراف بأن موريتانيا تدفع ثمن موقعها الذي يمتاز ببعض الهشاشة الإستراتيجية، حيث تقع على تقاطع الطرق الجديدة لتجارة المخدرات والتي تجعل من إفريقيا الغربية منطقة لتخزين وإعادة شحن المخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية.
وقد ظهر بسرعة أن إصلاح الأجهزة الأمنية بات شرطا لاغنى عنه لمقاومة هذه الآفة بنجاعة. وقد رفض الجنرالات بعناد تنفيذ مثل هذا الإصلاح.
الهجرة السرية
هنا أيضا يجعل الموقع الإستراتيجي من البلاد منطقة عبور للمهاجرين السريين. وقد وضعت موريتانيا، مع شركائها وخاصة الأسبان، نظام محاربة يتحسن باطراد.
وتم إنجازبرنامج شامل للتكفل بهذا المشكل بالتنسيق مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وجيراننا في شبه المنطقة.
الإرهاب السلفي
لا شك أن اغتيال السياح الفرنسيين قرب ألاگ والهجوم على مركز الغلاوية الحدودي وعلى سفارة إسرائيل قد وجهت ضربة قوية لسمعة البلاد وأضرت كثيرا بمصالحها. لكن بعد مرحلة أولى من الارتباك، تمكنت قوات الأمن في النهاية من القبض على القتلة المفترضين بعد مطاردة دموية طويلة. وبذلك تم تفكيك هذه الشبكة الإرهابية. وتجسيدا لحرص رئيس الجمهورية على مواجهة هذا التهديد، تم الحصول على مبلغ 50 مليون دولار من دولة صديقة لمحاربة انعدام الأمن والإرهاب. ويوجد هذا المبلغ الآن لدى البنك المركزي. وبتاريخ 6 أغسطس، لم يسحب منه أي شيء، حيث فرض الرئيس إدراجه في الميزانية وبرمجة استخدامه بصفة واضحة وشفافة.
وفي إطار تحضيرالمتآمرين لانقلابهم، أطلقوا منذ اشهر حملة مغرضة ضد رئيس الجمهورية بهدف تحميله مسئولية إطلاق سراح منفذي العمليات الإرهابية. ومن المهم في هذا المقام التذكير بمايلي:
- من المعروف أن رئيس الجمهورية قد أحال فور تسلمه لمنصبه جميع الملفات العسكرية والأمنية للضابطين اللذين أصبحا فيما بعد جنرالين؛
- تم إطلاق سراح المتهمين اللذين سينفذان لاحقا جريمة اغتيال السياح الفرنسيين في ألاك، بناء على قرار مستقل من العدالة، لادخل لرئيس الجمهورية فيه؛
- أما المتهم الثالث وهو القاتل الرئيسي في عملية ألاك، فقد تم إطلاق سراحه، قبل ان يحال إلى العدالة، وذلك بعد تدخل جهة عسكرية عليا.
فيضانات الطينطان
فور إعلان فيضانات الطينطان، ذهب رئيس الجمهورية إلى عين المكان وحلق في الطائرة فوق مساحة الكارثة وأمر فورا بتعبئة إغاثة الطوارئ.
هكذا تمت إعادة إسكان كافة الضحايا في ملاجئ الطوارئ ووزعت على الضحايا مواد الإغاثة الأولية.
عمل رئيس الجمهورية على تعبئة أصدقاء موريتانيا للمساهمة في إعادة بناء مدينة الطينطان المنكوبة. وهكذا منحت المملكة العربية السعودية الشقيقة 20 مليون دولار لهذا الغرض. ورغم البطء في تنفيذ أشغال إعادة بناء المدينة فاننا لا نستطيع مع ذلك تحميل كل التأخيرات إلى الدولة التي واجهت صعوبات ناتجة عن الخلافات حول إعادة تحديد موقع المدينة وحول إجراءات صرف مبالغ المانح الرئيسي. ولغاية اليوم، لم يتم استخدام التمويلات الخارجية. وتم إنجاز الدراسات الفنية المسبقة على نفقة الدولة.
الأزمة الغذائية
أمام الأزمة الغذائية الحادة التي يرافقها ارتفاع مذهل لأسعار المحروقات، بادرت الحكومة الموريتانية، بحفز من رئيس الجمهورية، بزيادة معتبرة لأجور الموظفين وتنفيذ برنامج تدخل خاص لفائدة السكان الأشد حرمانا. إن هذا البرنامج الذي أعلنه رئيس الجمهورية يوم 05 إبريل 2008 تتجاوز كلفته الإجمالية 37 مليار أوقية (أي 16% من موارد ميزانية الدولة) قد رسمت له الأهداف التالية:
ـ تقديم العون الاستعجالي للسكان الأشد حرمانا
ـ تخفيف الهشاشة الاقتصادية والغذائية للسكان على المدى القصير
ـ تحسين دخل السكان الضعفاء على المديين المتوسط والطويل.
وهكذا جسد برنامج التدخل الخاص استجابة مناسبة لظروف الأزمة العالمية في بعديها الظرفي والهيكلي، حيث ارتكز حول سلسلتين من الإجراءات:
 تدخلات استعجالية (تموين الأسواق، العون الغذائي، تخفيف الأسعار...)،
 إجراءات هيكلية (الزراعة، المياه، النشاطات المدرة للدخل، التكوين / الدمج).
وبعد 4 أشهر، سجل برنامج التدخل الخاص أهم النتائج المقنعة التي جعلته مثالا يحتذى في شبه المنطقة:
 تثبيت أسعار الماء والكهرباء والغاز والخبز،
 بيع القمح والعلف بأسعار محددة السقف،
 التموين المنتظم للسوق بالمواد الغذائية الأساسية وبأسعار في متناول أفقر السكان.
كما نشير إلى باقي الآثار الإيجابية لهذا البرنامج، وهي:
 تطوير مقاربة التكامل بين القطاعات،
 الإسهام في ظهور ثقافة رقابة المواطن المعتمدة على متابعة وتقييم تشاركيين وعلى تحسين العلاقات بين الإدارة الإقليمية والمواطنين بواسطة تسيير مشترك وشفاف للموارد.وقد حرص رئيس الجمهورية، فور انطلاق هذا البرنامج، على إشراك جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمنتخبين في عمليات المتابعة والتفتيش وتنفيذ البرنامج، وعليه فإنه لامبرر على الإطلاق للهرج الذي أثاره بعض البرلمانيين حول هذه المسألة.

الجزء الثاني:
من "الأزمة السياسية" المفتعلة إلى الانقلاب المبرمج

أصول الأزمة
الجذور
لم يكن منفذو انقلاب الثالث أغشت 2005 يرغبون في ترك السلطة طواعية، ولم يقبلوا بتحديد الفترة الانتقالية والالتزام بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية إلا تحت الرفض الدولي العارم والضغط الداخلي الذي مارسه الفاعلون السياسيون بالإجماع.
ونتيجة لهذه الوضعية قام انقلابيو 2005، بصورة مدروسة، بإنشاء حركة المستقلين ودعم مترشحيها للاستحقاقات البرلمانية، لكي يجعلوا منها قوة جاهزة لخدمة مناوراتهم في البرلمان.
وأثناء الانتخابات الرئاسية توزع قادة السلطة العسكرية الانتقالية، في الظاهر، بين مساند للمرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومساند للمرشح أحمد ولد داداه، في خرق واضح للالتزامهم بالحياد.
وبعد تنصيب الرئيس المنتخب عمل بعض هؤلاء الضباط بزعامة العقيد (آنذاك) محمد ولد عبد العزيز على إحكام سيطرتهم على الجيش بالسعي إلى تعيين وزير مقرب منهم على قطاع الدفاع، ثم بتعزيز سيطرتهم على جهاز الأمن الوطني، وكتيبة الأمن الرئاسي.
وواصلوا بعد ذلك تقوية مراكزهم، خاصة العقيد (آنذاك) محمد ولد عبد العزيز، الذي جمع بين مناصب مدير الديوان العسكري وقائد الأركان الخاصة للرئيس، وقائد كتيبة الأمن الرئاسي، جامعا بذلك سلطات لم تجتمع من قبل طيلة 48 سنة من استقلال البلاد.
أما المرحلة اللاحقة فقد تمثلت في عمل هذا الفريق على إبعاد جميع الضباط السامين الذين قد يشكلون عرقلة لمخططاتهم، مثل قائد الأركان العامة ونائبه وقائد الحرس الوطني.
وتتويجا لهذا المسعى، استطاع المعنيون إقناع رئيس الجمهورية بضرورة ترقيتهم إلى رتبة الجنرالية، رغم أنهم لم يكونوا أقدم العقداء ولا أجدرهم.
وبعد وصولهم إلى هذه الرتبة، استطاعوا بسهولة، خلال شهر مايو 2008، القيام بالتحويلات العسكريةالتي مكنتهم من السيطرة المطلقة على الجهازين العسكري والأمني.
وبذلك أصبح بإمكانهم تحريك البرلمانيين الذين يأتمرون بأوامرهم من أجل زعزعة مكانة رئيس الجمهورية.
وفعلا، فقد تواصل التنسيق الوثيق بين هؤلاء الأعضاء السابقين في المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وبعض البرلمانيين الحريصين على إعادة الممارسات القديمة للاتجار بالنفوذ وتقاسم مداخيل الوظيفة. نتجت عن ذلك وضعية أصبح الولاء فيها لبعض الأعضاء السابقين في المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية أهم من الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو الإخلاص للبرنامج السياسي للرئيس المنتخب بشكل ديمقراطي.
إن مجرد ممارسة رئيس الدولة لصلاحياته الدستورية قد تم اعتبارها استفزازا بل خرقا لميثاق غير مكتوب. وإن اعتبار النزاعات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية واستخدام رئيس الدولة لحجج قانونية لحماية صلاحياته تم اعتبارها من قبل الذين يعدون انقلابا عسكريا بمثابة تعطيل للمؤسسات.
أما تعيين رئيس الدولة لحكومة الانفتاح و قيامه ببعض المبادرات الأخرى، وخاصة في مجال تعزيز الوحدة الوطنية والديمقراطية وتصفية الإرث الإنساني، فقد كانت موضوع انتقادات لاذعة من قبل التحالف العسكري البرلماني.
وعلى مر الشهور، فإن ذلك التحالف الموضوع تحت إدارة ضباط يستهدفون ممارسة السلطة لحسابهم الشخصي بدا في نهاية المطاف عملية حقيقية لإعادة النظام العسكري الذي كان الموريتانيون يأملون بأنه قد ولى إلى الأبد.
تلكم هي الجذور الحقيقية للأزمة التي أدت إلى انقلاب 6 أغسطس 2008 الذي تم على مرحلتين.


المرحلة 1: زعزعة حكومة الانفتاح
فور تشكيل حكومة الانفتاح في شهر مايو 2008، باشر برلمانيون مؤطرون من قبل الضباط الذين نفذوا الانقلاب فيما بعد، إجراءات تقديم ملتمس لحجب الثقة عن حكومة لم تقدم بعد برنامج عملها أمام البرلمان. ولتبرير هذا السلوك، الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه غريب، أثيرت حجج تبدو وتختفي حسب تغير الظروف. تم التركيز أولا على رفض ما يسمى بشكل انتقائي "رموز الفساد" داخل الحكومة. ثم تركت "رموز الفساد" المكان لحجج مثل طرد أحزاب المعارضة التقليدية من الحكومة بذريعة أن وجودها يضر بالأغلبية ويضعف المعارضة.
ويجدر التذكير هنا بأن تقديم ملتمس لحجب الثقة عن حكومة لم تقدم بعد برنامج عملها أمام البرلمان يشكل تدخلا سافرا للسلطة التشريعية في صلاحيات السلطة التنفيذية لأن الأمر لا يتعلق إذن بملتمس لحجب الثقة بل "بملتمس لمنح الثقة" لا ينص عليه الدستور المعمول به.
وبشكل مواز، قيم بحملة صامتة ضد تنفيذ بعض العناصر الأساسية من برنامج رئيس الدولة وخاصة تلك المتعلقة بعودة اللاجئين وبتسوية الإرث الإنساني.
وبشكل انتقائي تمت الدعوة الى إنشاء لجان تحقيق لتفتيش المؤسسة التي أنشأتها حرم رئيس الدولة وبرنامج التدخل الخاص ورئاسة مجلس الشيوخ التي أصدرت رأيا مخالفا حول بعض مبادرات الشيوخ.
وتجدر الإشارة إلى أن الهجوم على هيئة ختو بنت البخاري، قد تم بعد أن لم يجد القائمون به أي مغمز ضد شخص رئيس الجمهورية. ويمكن للمرء أن يستحسن أو يستهجن مبدأ تدخل السيدة الأولى في هذا النوع من العمل الخيري، لكنه لايمكن إلا أن يلاحظ أن هذه الهيئة لم تحصل قط على أي دعم من الدولة، من جهة، وأن غالبية قرينات رؤساء العالم يقمن بمثل هذه الأنشطة، من جهة أخرى.
كما ينبغي التذكير بأن صلاحيات البرلمان تنحصر في الرقابة على الأموال العامة، وأنه لادخل له في نشاطات الهيئات الخاصة.
ومن المعلوم أن هذه التحقيقات لم تستهدف سوى الخصوم السياسيين لهؤلاء المتآمرين. فلم تتعرض الرشوة وسوء التسيير بشكل عام لغضب التحالف العسكري البرلماني ولا لإرادته التصحيحية المزعومة. وانحصرت التحقيقات طبعا على الفترة المنصرمة من ولاية الرئيس كما لو كانت المرحلة الانتقالية والفترات التي سبقتها صفحات بيضاء ناصعة في سجل تسيير البلاد. وهكذا أصبح من البديهي أن مطالبة البرلمانيين بإنشاء لجنة تحقيق إنما كانت نوعا من الابتزاز السياسي وتصفية الحسابات لفائدة شركائهم العسكريين.
ويعلم الجميع أن الضباط المعنيين تحت قيادة رئيس الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية كانوا يستقبلون النواب أفرادا ومجموعات، خلال هذه المرحلة، في منازلهم بل وفي مكاتبهم. ويورد هؤلاء الأخيرون عبارات ذات دلالة كبيرة حول مدى تدخل أولئك الضباط في زعزعة استقرار الحكومة رغم التزام التحفظ الذي تفرضه عليهم وظائفهم.
إن الصعوبات التي برزت في التعاون بين رئيس الدولة والبرلمان أو مؤسسات أخرى لا تكتسي طابعا استثنائيا والأمثلة كثيرة على ذلك في البلدان الديمقراطية. وفي بعض الحالات، تستمرالأزمة شهورا كما حدث أخيرا في لبنان وتركيا وبوليفيا لكن تمت تسويتها بواسطة الآليات الديمقراطية وأشكال التحكيم المنصوص عليها في الدساتير نفسها. وخارج تلك الآليات فإن مثل هذه المناورات تعسف وقانون غاب لا يمكن أن يسبب سوى مزيد من التعسف ومن استخدام قانون الغاب.

ورغم كل ما سبق، قبل رئيس الجمهورية، استشعارا لواجبه تجاه الامة ولحجم مسئولياته، استقالة الحكومة واستبعاد الوزراء المنبثقين من المعارضة. لكننا نلاحظ أن ذلك القرار لم يعط النتائج المنتظرة. بل انطلقت على العكس من ذلك، وبتأثير مباشر من الجنرالات، هجمة جديدة تستهدف هذه المرة رئيس الجمهورية نفسه.

المرحلة 2: زعزعة مكانة رئيس الجمهورية
تم تشكيل حكومة جديدة إذن بالتشاور مع العسكريين والبرلمانيين المتحركين في مدارهم، وتلبية لطلبهم طرد حزب تواصل واتحاد قوى التقدم.
وبعد ذلك ببضعة أيام، حرك الضباط من جديد البرلمانيين، رافعين سقف مطالبهم هذه المرة، حيث طالبوا باستدعاء دورة برلمانية طارئة لتعيين أعضاء محكمة العدل السامية، وقد أرسل أحد نواب رئيس الجمعية الوطنية ذلك الطلب إلى الحكومة.
ردت الحكومة حيث ذكرت بضرورة احترام الإجراءات المعمول بها كما هي محددة في النظام الداخلي للجمعية الوطنية الذي يتمتع بقوة القانون والذي ينص في مادته 53: "يرفع رئيس الجمعية الوطنية بيانات الجمعية إلى رئيس الجمهورية وإلى الحكومة. ويرفع رئيس الجمعية الوطنية إلى الوزير الأول مشاريع واقتراحات القوانين التي صادقت عليها الجمعية الوطنية. ويتم إبلاغ مشاريع القوانين المرفوضة بنفس الإجراءات."
أما مهام نائب رئيس الجمعية فهي محددة بشكل حصري في المادة 9 من نفس النظام الداخلي كما يلي: "إن مهام نائب الرئيس الذي ينوب عن الرئيس تنحصر في رئاسة الجلسة وتمثيل الجمعية في الحفلات الرسمية."
في الواقع، كان رئيس الجمعية الوطنية في إجازة قصيرة المدة وكان طالبو الدورة الطارئة يستطيعون انتظار عودته المقررة في بضعة أيام لتقديم عريضتهم مع مراعاة الإجراءات القانونية.
وكانت الحكومة قد طلبت من قبل دورة طارئة لمراجعة قانون المالية لعام 2008 وتقديم إعلان السياسة العامة. وقد أجاب مكتب الجمعية الوطنية الحكومة بإرجاء تلك الدورة الطارئة إلى شهر سبتمبر.
ورغم كل هذه التطورات، واصل الضباط الانقلابيون ضغوطهم على البرلمانيين التابعين لهم لحثهم على مزيد من التصعيد.
وأمام إصرار الضباط المعنيين على التدخل بشكل سافر في اللعبة السياسية وعلى دفع البرلمانيين السائرين في فلكهم على إثارة سلسلة من الأزمات المصطنعة تماما، قرر رئيس الجمهورية استقبال البرلمانيين في لقاءات أدت إلى تخلي معظمهم عن مشروع الانقلابيين، الشيء الذي لم يرض هؤلاء الأخيرين.
وبعد التأكد من إصرار الضباط الانقلابيين على مواصلة انتهاك القواعد الجمهورية التي تحكم تسيير وسلوك الجيوش، قرر رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، طبقا لصلاحياته الدستورية، إنهاء وظائف الانقلابيين.
وبدل الطعن في إقالتهم عبر الطرق القانونية، قام هؤلاء فورا بالاستيلاء على السلطة بالقوة وانحصر بيانهم رقم 1 في إلغاء القرار المتخذ ضدهم.
نستطيع أن نستنتج من ما سبق أنه لم يكن هناك أي تعطيل للمؤسسات بل نزاع تجب تسويته بالطرق الدستورية.
فقد كان البرلمان يعمل بشكل عادي ولم يستخدم رئيس الجمهورية صلاحياته لحله.
عندما هدد البرلمانيون بحجب الثقة عن الحكومة، استجاب رئيس الجمهورية إلى طلبهم حيث قبل استقالة الحكومة.
لم ترفض الحكومة قط لجان التحقيق ونعلم أن مجلس الشيوخ قد عين لجان تحقيق حول البرامج الخاصة وكانت تزاول صلاحياتها بدون أية عراقيل.
وهكذا فإن الدعاية التي نظمها الانقلابيون حول تعطيل العمل البرلماني ليست سوى ادعاء لا أساس له. كيف يمكننا أن نعتبر أن طلب الحكومة احترام إجراءات المراسلة بين الجمعية الوطنية والحكومة يشكل دليلا على وجود تعطيل سياسي ومؤسسي يبرر انقلابا عسكريا؟
يشكل الأمر إذن اغتصابا سافرا للسلطة وإطاحة بالديمقراطية وتنكرا، من قبل نفس الضباط، للالتزامات التي قطعوها علنا أمام الشعب الموريتاني وأمام المجموعة الدولية خلال المرحلة الانتقالية.
يتعلق الأمر باحتقار تام للدستور ولإرادة الشعب الموريتاني الذي منح ثقته لرئيس منتخب بشكل شفاف.

الجزء الثالث:
الانقلاب جريمة ضد الوطن
الميثاق وتبعاته القانونية
يعتمد النظام الدستوري الانشقاقي الجديد على "أمر قانوني دستوري" صادق عليه "المجلس الأعلى للدولة" مما يشكل خرقا سافرا للدستور. وحسب هذا "الأمر القانوني الدستوري"، فإن "القوات المسلحة وقوات الأمن، بواسطة المجلس الأعلى للدولة قد أنهت سلطة رئيس الجمهورية." وبذلك، أصبحت "القوات المسلحة وقوات الأمن هذه" مصدر (ولو مؤقتا) سلطة الدولة وإن هذا المجلس الأعلى للدولة تجسيد (ولو كان مؤقتا) للدولة، الشيء الذي يناقض تماما المادة 2 من الدستور التي تقول إن الشعب والشعب وحده "هو مصدر كل سلطة" وإن "السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء" وليست ملكا للجيش ولا لأية هيئة منظمة و:"لا يحق لبعض الشعب، ولا لفرد من أفراده أن يستأثر بممارستها." وينطبق نفس الشيء على المادة 24 من نفس الدستور التي تنص على أن "رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة"...
تضاف إلى هذه الترتيبات من دستورنا (والتي تؤكدها ترتيبات جنائية خطيرة) ترتيبات المواثيق الدولية التي تربط بلادنا والمتعلقة بالطابع التمثيلي للحكومات الموجودة والمشروعية الرسمية للسلطات القائمة. إن تلك الترتيبات تدين بقوة شديدة أي استيلاء على السلطة عن طريق الانقلابات وتفرض احترام استمرارية المؤسسات الديمقراطية، أي تلك التي وصل أعضاؤها إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع لا بواسطة قوة السلاح والانقلاب. إن تلك المواثيق الدولية المطبقة علينا تشمل على الأقل بالنسبة لقارتنا قرار منظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر عام 1999 وإعلان لومي في يوليو 2000 والعقد التأسيسي والميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد ـ الذي كانت بلادنا أول دولة صادقت عليه يوم 7 يوليو 2008 ـ (يا للسخرية) دون التحدث عن المرجعية القانونية الصادرة عن الأمم المتحدة وغيرها...
لا شك أن أصحاب الانقلاب قد أعلنوا في بياناتهم العمومية وفي "أمرهم القانوني الدستوري" عزمهم على الاحتفاظ ـ باستثناء رئاسة الجمهورية التي ينوون استبدالها "بمجلسهم الأعلى للدولة"ـ "بالمؤسسات الديمقراطية الأخرى"، وهي أساسا الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ اللذين يعرفان جيدا ولاء الأغلبية الساحقة من أعضائهما لهم بعد الانقلاب.
وإن أصحاب الانقلاب في خضم ارتجالهم القانوني والمؤسسي يدعون فقط "تقويم" أو "تصحيح" النظام القائم دون المساس أكثر من ما هو ضروري بأحكام دستور 20 يوليو 1991" (ديباجة الأمر القانوني). ينوون إذن "بأغلبيتهم الظرفية" تغيير طبيعة النظام القائم بواسطة عملية جراحة دستورية كبيرة عبر شطب أبرز ملامحه دون الذهاب إلى أبعد من ذلك "أكثر من ما هو ضروري" مع الاحتفاظ بشكله العام. وهكذا قطع خبراؤهم قانوننا الأساسي لإعطائه الشكل العسكري البرلماني الضروري دون مسه، وذلك بمجرد سحر الحيل القانونية. وفي نهاية المطاف، ولد نظام جديد هجين، هو في الحقيقة مجرد نظام عسكري تقليدي.

لكن طبيعة هذا النظام غير محددة نظرا للإبقاء الاسمي الشكلي على باقي مؤسسات الجمهورية (المادة 8) بل بسبب الطبيعة الفعلية ومدى السلطات الخاصة بالمجلس الأعلى للدولة وبرئيسه. وتثبت قراءة الأمر القانوني حول هذه النقطة الأساسية أن الانقلاب قد أقام نظاما قانونيا جديدا محل النظام الشرعي الذي كان قائما حتى يوم 6 أغسطس ـ وأن نطاما جديدا مهما كانت مدته ـ قد فرض الآن على البلاد، وهو ما يشكل قطيعة تامة مع النظام الدستوري الشرعي.
أولا، إن المجلس الأعلى للدولة مخول الآن سلطة رئيس الجمهورية، ثم سلطة تشريعية يحدد وحده شروطها وتفاصيلها وآجال تنفيذها، كما أذن لنفسه بذلك في المادة 8 التي تنص بالضبط، كما في النقاش الجاري، على أنه "عندما يعرقل سير البرلمان، لأسباب مهما كانت، فإن المجلس الأعلى للدولة يسن، بواسطة أمر قانوني، الإجراءات ذات القوة التشريعية الضرورية لضمان استمرارية السلطات العمومية ولضمان حرية وشفافية الانتخابات الرئاسية المقررة." وبشكل واضح، يفقد البرلمان، حول المواد الداخلة ضمن اختصاصه في الدستور الشرعي، سيادته لفائدة المجلس الأعلى للدولة بمبادرة هذا الأخير وحسب مجرد سلطته التقديرية. إن المجلس الأعلى للدولة هو الحكم الوحيد في ما يشمله "ضمان استمرارية السلطات العمومية" و"ضمان حرية" و"شفافية الانتخابات الرئاسية المقررة."
ولكي يتم سد المنافذ حول هذه المسائل الحساسة أنشأ الأمر القانوني العسكري ترتيبا حقيقيا للمعايير بينه، هو الذي صادق عليه حوالي عشرة من الضباط السامين، والدستور الوطني الذي صادق عليه الشعب الموريتاني عن طريق الاستفتاء. يشكل الأمر القانوني العسكري الدستور الاعظم والمعيار المرجعي بينما يمثل الدستور المدني المعيار الملحق التابع والدستور المنخفض الدرجة كما ورد بوضوح في المادة 9 بالعبارات التالية: "إن أحكام دستور 20 يوليو المعدل المخالفة أو المناقضة لهذا الأمر القانوني الدستوري تغير حسب الحاجة، وذلك خلال الفترة الضرورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية ولتنصيب رئيس الجمهورية".
يضاف دائما في سجل الغرابة أن هذا الأمر القانوني يشكل ثأرا حقيقيا للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ضد النواب التابعين للانقلابيين الذين سبب مجرد التهديد بحل غرفتهم نار جهنم من الاحتجاجات الديمقراطية الحادة من طرفهم ضد الرئيس في حين باشروا إجراءات حجب الثقة ضد الوزير الأول. إن الأشياء صارت الآن أبسط: لم يعد الوزير الأول والوزراء مسؤولين إلا أمام الرئيس وأمام المجلس الأعلى، خلافا لأحكام المادة 74 من الدستور(الحقيقي). إن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان التي كانت آخر ما تبقى من الطابع شبه البرلماني للنظام قد تم إلغاؤها. إن إبقاءها يتعارض بالفعل مع المادة 6 من الأمر القانوني. وبالمقابل، فإن حق حل الجمعية احتفظ به كاملا ولو كان مخفيا بدقة في الفقرة 2 من المادة 8.
ورغم هذه الملاحظات حول الأصل، فإن إجراءات مراجعة الدستور، من حيث الشكل، قد خرقت تماما. وهكذا ينص الدستور المدني (المادة 99 الجديدة) على أن أي مشروع مراجعة يجب التصويت عليه بأغلبية ثلثي الغرفتين لكي يمكن عرضه على الاستفتاء، أو (المادة 101) إذا قرر رئيس الجمهورية خلاف ذلك، يجب عرضه على البرلمان مدعوا في مؤتمر ويبت بأغلبية ثلاثة أخماس. وإن المجلس العسكري، الذي يعلم أن أغلبية الغرفتين أصبحت الآن موالية له، لم يتفضل بإيهام احترام ذلك الإجراء، محتقرا بذلك متملقيه الجدد من البرلمانيين. بل إنه في وضعية عادية، فإن بعض هذه الأحكام لا تقبل التغيير لأن الدستور الشرعي ينص (المادة 99، الفقرة 4) على أنه "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من... أو من الصيغة الجمهورية للمؤسسات... أو من مبدأ التناوب الديمقراطي أو من ملازمته، المبدأ القاضي بأن ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات...".
ولتتويج كل هذا، يؤكد الأمر القانوني الطبيعة الغريبة للنظام بصفته نظاما عسكريا، أي نظاما لغموض السلطات لفائدة القادة العسكريين السامين لأن المجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى الصلاحيات التقليدية للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، يحتكر تماما قوة السلطة التأسيسية، مشكلا بذلك شكلا من أسوأ الحكومات الأحادية العسكرية. وتخول المادة 10 من ألامر القانوني لتلك الهيئة حق التغيير، حسب رغبتها، لأوامرها القانونية الدستورية التي تستطيع تغيير أحكام دستورنا المدني.
وخلاصة القول إن قراءة، ولو سريعة، لهذا الأمر القانوني تبرز بوضوح أن النظام الذي يفرضه لا يمت بصلة إلى النظام شبه الرئاسي المسجل في دستورنا الشرعي. وخلافا لما تؤكده بصفة صارخة المادة 2 من الأمر القانوني ـ لإرضاء الانقلابيين ـ فإن المجلس الأعلى للدولة لا يمارس فقط السلطات الخاصة برئيس الجمهورية بمقتضى أحكام دستور 20 يوليو 1991 المعدل. إن صلاحيات السلطات التأسيسية نفسها (الشعب بواسطة الاستفتاء خاصة) وصلاحيات البرلمان تسقط كذلك في حضن هذه المؤسسة، مع التقليص، وكأن شيئا لم يكن، لبعض السلطات المعتبرة المعترف بها للجمعية (إلغاء حجب الثقة عن الحكومة ومسؤوليتها أمام الجمعية). إذا كان الانقلابيون قد استولوا على مؤسسة الرئاسة، الركيزة البارزة في ديمقراطيتنا، فإن المؤسسة البرلمانية لم تسلم وهي المرتبطة بشكل قوي بمؤسسة الرئاسة في نظامنا الدستوري. إن عملية الزرع الاصطناعي التي يريدها "الميثاق الدستوري" تشكل فشلا ذريعا على المستوى القانوني وفي المجال المؤسسي.
وفي نهاية المطاف، يبرز بوضوح أن هناك نظامين دستوريين متنافسين ومتعارضين هما: النظام الشرعي المؤسس على الدستور المعمول به الى يوم الانقلاب والنظام العسكري المؤسس على الأمر القانوني للمجلس الأعلى للدولة المنبثق عن الانقلاب أي نفي النظام السابق. إن رجوع الثاني إلى الأول للاحتفاظ بترتيباته الشكلية "الموافقة" لا تغير شيئا من ذلك التعارض المبدئي. إن المؤسسات الديمقراطية الواردة في الدستور المدني لا تستطيع الحفاظ على شرعيتها الأصلية إذا قبلت أن تندمج في النظام الجديد. ولهذا السبب، فإن المقاومة المتعددة الأشكال لسيطرة النظام الجديد تشكل في نفس الوقت واجبا وشرطا لاستمرارية شرعية النظام الدستوري الذي سبق الانقلاب ومن أجل إعادتها بوسائل لا تقل شرعية وبتأييد من المجموعة الدولية.

الميثاق وانعكاساته السياسية
في الداخل شوه الانقلاب صورة النموذج الديمقراطي الموريتاني وأفرغ المؤسسات الدستورية من محتواها وحولها إلى أدوات يستخدمها الانقلابيون لتبرير مؤامرتهم ضد الديمقراطية والدستور. وهكذا علقوا بالفعل الدستور حيث منحوا "المجلس الأعلى للدولة" سلطة تغييره واغتصبوا من البرلمان صلاحياته وحولوه إلى أداة لا تستطيع مواجهتهم بأية مقاومة، كما تنص عليه المادة 8 من "أمرهم القانوني الدستوري". ولا يمتنعون، من جهة أخرى، عن استخدام البرلمان لترهيب وربما لقمع معارضيهم الذين يهددونهم بالتحقيقات السياسية والمحاكمات. إن إبقاء البرلمان بحالته، بينما لم تعد الحكومة مسؤولة أمامه، يجسد إرادة واضحة في إفساد البرلمانيين وتحويلهم إلى موظفين.

وقد واكب كل ذلك تقليص سريع لفضاء الحريات العامة. وهكذا، تم حظر العديد من أنشطة الاحتجاج وتم القمع الوحشي لعدة مظاهرات تدين الانقلاب دون احترام البرلمان ولا حصانة البرلمانيين. ومن جهة أخرى تم تسخير الإدارة المركزية والإقليمية (الأمناء العامين للوزارات، مديري المؤسسات العمومية، الولاة، الحكام وأعوانهم) لتدجين وإكراه الموظفين والوجهاء و


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!