التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:03:45 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.04.2013 10:03:23

المسلمون وضرورة استحضار محطات تاريخية للعد والحساب

د.سيدي المختار أحمد طالب

د.سيدي المختار أحمد طالب

تباين رأي العلماء غير المسلمين حول الظروف الدنيا لإمكانية وجود الحياة على كوكب ما وحول الترتيب الزمني أيضا لوجود مكونات الكون من جماد وحي بما في ذلك متى ظهر الإنسان.
وخالفهم علماؤنا الذين استقر رأيهم على أن الإنسان استخلف في عالم مكتمل ومثالي بالنسبة للحياة من حيث خصائصه ونظامه ووظائفه وأن تلك الظروف ستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وما الاختلال الذي قد يلاحظ في نظام الكون والضرر الذي لحق بالبيئة من إصابة طبقة الأوزون وما يتوقع أن ينتج عن التغيرات المناخية مستقبلا إلا تحد لعلماء جهلوا البداية وعجزوا عن فك الكثير من أسرار الحاضر وسوف لن يتمكنوا من معرفة الأسباب الحقيقة للنهاية ولا متى يجليها لوقتها علام الغيوب.

وفي فترة معينة من مرور الأزمان وتعاقب بعض مظاهرها مثل الحر والبرد والليل والنهار أوجد الإنسان لنفسه مرجعيات لضبط التاريخ أكثرها شيوعا وتداولا في عصرنا هو التاريخ المسيحي اعتبارا لميلاد نبينا عيسى عليه السلام (2013 ) والتاريخ الهجري (1434 ) والذي ابتعدنا فيه 14 قرنا ويزيد عن يوم هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. ولا نحتاج إلى تبيان أهمية الحدثين وآثارهما على حياة الإنسان ومآثره.

و رغم تعدد المجتمعات والحضارات فقد تأخر البحث عن أهمية الأهلة وجاء الجواب في القرآن الكريم بأسلوب حكيم ابتعد عن تفسير الظاهرة العلمية لتطور حجم الهلال مع مرور أيام الشهر ولياليه ليظهر من بين أمور أخرى أهمية العد والحساب ونباهة أهل الجزيرة العربية وملاحظاتهم لتجليات قدرة الله في المحيط بهم من كونه الفسيح واللامتناهي.

وفي أقصى المغرب العربي وبعد أكثر من 14 قرنا من طرح سؤال الأهلة على خير البرية تداول الموريتانيون يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضرورة اتخاذ ذلك اليوم بداية محطة جديدة للعد حيث انتبهوا إلى أن ستنجر عنه تحولات عميقة تجعله نقطة فاصلة في ما يخص تعامل الغرب مع المسلمين من ناحية وحاجة حكام بلاد المسلمين من ناحية أخرى لإستراتيجية التصدي لآثار هذا الحدث على مستقبل دين الإسلام وأهله. ولا عجب في أن يشغل حال المسلمين ومستقبلهم موريتانيا الدولة التي أصبحت تعرف رسميا بالجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ استقلالها في سنة 1960 والتي اقترن لقبها شنقيط بعلماء ذاع صيتهم في المشرق بالسبق في علوم اللغة والقرآن والفقه بأصوله وفروعه وهم أيضا الذين عوضوا القصور في علم الحديث بالإقدام على تفسير القرآن بالقرآن حين كاد الناس أن يقفلوا هذا الباب ويكتفوا بما أنجزه الأسلاف في إطار لا يقبل المراجعة ولا التجديد.

ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ونحن نرى الكثير من المجتمعات خاصة في الدول الغربية ينظرون للإسلام والمسلمين نظرة خاطئة مما يلزم ولاة الأمر في بلداننا التصدي لهذه الظاهرة التي لوحظ أنها تستفحل يوما بعد آخر إذ يجب عليهم وضع استراتيجية هدفها الأول تغيير الصورة التي رسمت في أذهان شعوب الغرب وتقديم الإسلام الذي طبق في الخلافة الراشدة وانحرف أهله أيام الملك العاض والذي نعيشه الآن في زمن الجبرية وسيعرفه الأخيار من المتأخرين من الأمة الإسلامية إن شاء الله تحت خلافة على منهاج النبوة لا سبيل للجهد البشري في إقامتها.

والمحطة الأخيرة التي نرغب لفت النظر إليها ضمن معالجة هذا الموضوع إنصافا للإخوة التونسيين هي يوم حرق الشاب بو عزيزي نفسه 2010 والتي نعتبرها بحق منعطفا تاريخيا أكبر أهمية من حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأعظم وأخطر أثرا على العلاقات بين الغرب والمسلمين وفي ما بين المسلمين والعرب فكلنا نلاحظ أن الاحتجاجات الشعبية التي انبثقت عقب حادثة سيدي بوزيد أدت إلى خارقة إزالة بعض القادة الذين مكنوا في الأرض طويلا وهيأت الظروف المناسبة للتدخل الأجنبي تحت أغطية متعددة مختلفة منها المبرر وعير المبرر. وقد لا ننكر أن يوم احرق البوعزيزي نفسه أحرق معه جدار الخوف لدى الشباب والشيوخ والنساء على السواء وفتح الباب للعمل على تغيير شامل في المنطقة العربية وربما أينما يقع الظلم والاستبداد.

وكان ظهور طائفة من العلماء تناصر حركات الشارع وطائفة ثانية تساند الحكام وثالثة تقف متفرجة كأنها تنتظر ساعة الحسم لتعلن الولاء للمنتصر ووجود أعداء يتربصون بالمنطقة وتربة صالحة في أوطاننا لأطماعهم كل هذا يدعو إلى التشاؤم. نعم إن اختلاف موقف المرجعيات الدينية المعروفة وتقاعس بعضها عن لعب دوره ضمن جماعة الحل والعقد المفترضة أدى وسيؤدي أكثر إلى تأجيج الانتماءات الطائفية والمذهبية والعشائرية إلى غير ذلك من الانتماءات الضيقة النائمة في كل بلد عربي.

واليوم وقد ازداد الطين بلة بما يسمى بالربيع العربي الذي سهل علينا عبر نتائجه الأولية التنبؤ بعواقبه فقد حان للعرب والمسلمين أن ينفروا خفافا وثقالا وأن يعدوا ما استطاعوا من قوة لتشخيص الحال وإيجاد الحلول المناسبة إن لم يكن قد فات الأوان. إنها فعلا حالة تستدعي منهم مراجعة الكثير من المفاهيم واستحداث مناهج أكثر ملاءمة وترتيب البيت الداخلي للمسلمين حتى يتمكنوا من تقديم الإسلام للمسلمين أولا ولأعدائه ولمن يجهلونه ثانية في صورته الحقيقية والمتمثلة في صلاحيته لكل زمان ومكان وفي وسطيته وتسامحه وانفتاحه وفي قدرته على التعامل مع غير معتنقيه واحتضانه لهم كافلا إياهم جميع حقوق المعايشة السلمية وهي أوصاف ربما تتلخص في أن لا إكراه في الدين.

وقد يستدعي تحقيق تلك الأهداف استحضار العهد المكي حيث كان القرآن يتنزل وتتعطل بعض أحكامه والعهد المدني الأول الذي تميز بالانصراف إلى تقوية المسلمين عدة وعددا والاكتفاء بصد هجوم الأعداء وأخيرا العهد المدني الثاني عندما تمكن المسلون وأقاموا دولتهم (الخلافة) وهاجموا أعداءهم واقتصروا في فتوحاتهم على الذين يلونهم من الكفار.
وهنا لا بد من نفض الغبار مرة أخرى عن التراث مثلما فعل من قبل العز بن عبد السلام والذهبي وابن تيمية وعيرهم وهي مناسبة للمؤهلين لهذا العمل للاطلاع برحابة صدر وعن كثف على ما كتبه المعاصرون المجددون من أمثال عدنان الرفاعي من سوريا وعدنان إبراهيم من فلسطين والحسن محمد ماديك من موريتانيا وآخرون وذلك بغية الاستفادة مما يقدمونه من محاولات لإيجاد حلول تناسب المرحلة التي يعيشها المسلمون. وأذكر بالدور الإيجابي للعاملين في مجال الإعجاز العلمي من متخصصين في العلوم الشرعية والعلوم الكونية على السواء ضمن صياغة وتطبيق الاستراتيجية التي تبدو الحاجة إليها ألحّ من أي وقت مضى.

وأدعو إلى تشجيع قيام جبهات تنشط على مستوى الدول وفي إطار التكتلات الإقليمية والهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالتعاون والشراكة تكمن أولويات عملها في اتخاذ الإجراءات التالية:

ـ مضاعفة دور الوسائل السمعية البصرية للتعريف بالإسلام والتبادل المعرفي في ميادينه وأبعاده المختلفة مع العناية بطبيعة المادة المقدمة واختيار اللغات والأساليب والألفاظ السهلة بعيدا عن مظاهر الهجوم وردة الفعل على ما صدر ويصدر من الغير

ـ إنشاء هيئات توكل إليها مهام التعارف والتبادل المعرفي في كل بلد وتعطى لها وسائل على مستوى المهام ثم العمل على ربطها ضمن شبكة لتسهيل الاطلاع على ما أنجز في كل بلد ثم التعاون وتقديم العون الفني والعلمي والمالي للدول المحتاجة لتلك الخدمات في تأدية مهامها

ـ إنشاء وتطوير مواقع إلكترونية متخصصة تهدف إلى دفع التواصل بين المفرق والمذاهب فيما بين المسلمين أنفسهم وفيما بينهم وغيرهم.

وفي هذا المضمار يجب أن لا ننسى دور الوسائل التقليدية للتعارف والتبادل ومد الجسور كالمحاظر (الكتاتيب) والنشر وتبادل الزيارات للطلبة والأساتذة والعلماء وتنظيم المنتديات العالمية حول الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان والمشاركة فيها.

ونذكر أخيرا بأن الدور الأكبر في إعداد الاستراتيجية المقترحة يقع على القائمين على مراكز ومعاهد الدراسات الاستراتيجية في بلداننا ولن يتمكنوا من دراسة الربيع العربي بصفة خاصة واستشراف المصير المحتمل لمنطقته دون استحضار فترات الاستعمار والاستعمار الجديد وبرامج الاصلاح للمؤسسات "بريتن وود" المانحة والعولمة والفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير وضرورة إعادة صياغة خريطة العالم من جديد من ناحية ومحاولة إيجاد علاقة جدلية من ناحية أخرى بين مختلف الشعارات.

وليت شعري هل ستفضي استنباطات خبرائنا الاستراتيجيين إلى الجواب على التساؤل المطروح منذ اشتعال نار الاحتجاجات العربية وهو: هل الربيع العربي عودة الإسلام أو عودة المسلمين إلى الإسلام أو لا قدر الله عودة الاستعمار المباشر؟



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!