التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.04.2013 11:26:40

للإصلاح كلمة تتعلق بتفشي الجرائم

الأستاذ / محمدو ولد البار

الأستاذ / محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ستحاول أن تجيب ولو بعض الشيء عن بعض أسئلة ألحوا علي بها بعض المتضررين من كثرة مشاهدتهم لتفشي أنواع الجرائم في موريتانيا لظنهم أنه بعملي سابقا في جهاز الأمن قد تكون لي نظرة في أسبابها وربما رأى آخر في معالجتها.

وقد كنت أجبت في مقابلة سابقة مع قناة إذاعة موريتانيا الحرة عن بعض تلك الأفكار في قضية الأمن التي عشتها سابقا ورأيتها لاحقا إلا أنه لعدم معرفتي لمسطرة برنامج تلك الإذاعة وقع اختياري على برنامج لا يصل مسامع المواطنين لأن وقته الرئيسي الساعة الأولى من يوم الأحد، وتلك هي الساعة التي يحضر فيها العمال والمثقفون إلى مكاتبهم وهو يعاد مرة واحدة في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بمعنى أنه لا يسمعه إلا المتكلم به والصحفي السائل عن الموضوع، وهذه النتيجة جعلت بعض المواطنين يطلبون مني إسماعهم الرأي مرة أخرى.

وقبل طرح أسئلة تتعلق بالموضوع أود أن أشرح للمواطن ما هو الأمن الذي تتطلبه الشعوب من المسئولين فيها؟.

فالأمن هو نشر الهدوء والطمأنينة وحفظ الأرواح والممتلكات في جميع الأماكن وفي جميع الأوقات.

ومن هنا يتضح طرح هذا السؤال من هو المسؤول أو المسؤولين أو الهيئات التي تتولى مهمة الأمن الموصوف أعلاه في الدولة حالا؟.

فإذا كان المواطنون يعرفون من المسؤول عن الأمن في الدولة فلا يتعبوا أنفسهم بطرح هذا السؤال على فرد كان يعمل في أمن الدولة بل يوجهون سؤالهم أو طلبهم للأمن لمن يعرفون أنه مسؤول عن توفيره للمواطنين.

وإذا كانوا لا يعرفونه فأنا أساعدهم عندئذ حسب معرفتي المتواضعة عن من يعنيه توفير الأمن للمواطنين بالتفصيل.

فأقول: إن الأمن أمنان واحد منهم هو قمة الأمن ومطلوب لدي الجميع لأنه لا يستـثـنى خلية واحدة في الدولة إلا وتدخل الدولة فيها عن طريق أمنها ومن يراقب صلاحية عملها ونزاهته، فإن علمت الدولة بالخلل الواقع في هذا العمل يقوم من يهمه الأمر بالإصلاح فورا.

وهذا الأمن هو المسمى بالمخابرات وضروري وجوده في كل ميادين حياة الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثـقافيا...الخ وهذا مع الأسف لم يبق في موريتانيا منذ استولى الجيش على الحكم.

فالجيش تدرب وتفنن في معرفة مكافحة الأجنبي عن دخوله إذا حاول دخول حوزة التراب الوطني لاحتلاله فإدارة الدولة عندها علم خاص بها.

وبغياب ما كان موجودا من هذا الأمن العام اختلت موازين نمو الدولة في جميع الميادين.

أما الأمن الثاني فهو المحافظة على عدم وجود الجرائم في الدولة من الجناية إلى أبسط مخالفة.

وهذا النوع من الأمن عنده هيئة خاصة به ولا غنى عنه ولا عوض عنه وبدونه يصبح المواطنون تحت رحمة اللصوص ليلا ونهارا، وعندئذ يخاف أصحاب رؤوس الأموال المستثمرين الأصليين والقادمين، فبدلا من أن يخافوا على أموالهم فقط أصبحوا يخافون على أرواحهم مثل ما وقع من الجرائم البشعة في نواكشوط ونواذيبو.

وهذا النوع من الأمن تقع مسؤوليته على رئيس الدولة باسم الدولة في المادة العاشرة من الدستور.

والقانون الإداري المأخوذ من القانون الدستوري يعطى الرئيس صلاحية أخذ القوانين التنظيمية لتصبح القوانين الإدارية بقوة الدستور في يد الرئيس، والرئيس أعطاه لوزير الداخلية، وهكذا تدرج هذا العطاء والمسؤولية بقوة القانون حتى وصلت إلى الوالي فالحاكم، وهؤلاء المسؤولين يسمى عملهم بالإدارة الإقليمية الموجودة سلطتها على كل شبر من الوطن ومسؤولة عن كل جريمة تقع في الوطن.

وأعطى القانون أيضا الإدارة الإقليمية جهازا يسمى هيئة الشرطة عاملة في المدن، وهي هيئة مدنية شبه عسكرية، كما أعطى أيضا للإدارة الإقليمية هيئة عسكرية أخرى تسمى الدرك، ولكن عملها في الأرياف.

وهاتان الهيئتان كانا يعرفان مهمتهما من المحافظة على الأمن في المدن وفي الأرياف كل في اختصاصه، ولكن القـشة التي قصمت ظهر الدولة هو وصول الجيش أولا للسلطة ثم ديمقراطية 1992 م إلى الدولة.

هذه الديمقراطية جاءت بفوضوية كاسحة استبيحت بها الدولة الموريتانية من طرف جميع أجهزتها حتى صدق فيها قول الشاعر:

إذا كان رب الدار للدف ضاربا *** فلا تلومن الصبيان على الرقص

ورب الدار هنا طبعا ليس الرئيس آنذاك بفعله الشخصي ولكن الرئيس تعنى فعل جميع من أسند إليهم المسؤولية لبعد فكره العسكري من سلوك الديمقراطية العتيدة التي تنشر العدالة والحرية وفي نفس الوقت تحافظ على كيان الدولة وتوفير الأمن الكامل لجميع المواطنين بأجهزته المعروفة.

ولكن الرئيس آنذاك ظن أن الديمقراطية مبنية على كثرة الأصوات وذلك لا يري إلا بالمال فاستدعى القبائل والوجهاء وجعلهم نوابا وشيوخا في حزبه وأمر الدولة أن تعطيهم ما عندها فقام الوزراء والولاة والمدراء بتمكينهم شخصيا من مخصصات التنمية في الدولة واستولوا المسؤولين على ما تحت أيديهم من الاعتمادات لصالح تسيـير الدولة لجيوبهم الشخصية.

وهذه الحالة لم تصل إلى سنة 2005م إلا والدولة يمكن القسم بالله العلي العظيم أنها غير موجودة بالفعل ولم تبق هيئات الشرطة في المدن والدرك في الأرياف على حد سواء يحافظون على الأمن إلا روتنيا ولا يبلغون عن شيء من فساد الدولة لأنهم لمن يبلغونه ويبلغونه لماذا؟ إلا أنه لحسن حظهم آنذاك تولت إدارة النقل رواتبهم الكبيرة التي لا تمر بميزانية الدولة وانفصلت تقريبا العلاقة ما بين الإدارة الإقليمية وهيئات الأمن.

فهيئات الأمن يترأسها عسكري وبرئاسته لها تنازلت له الإدارة الإقليمية عن أوامرها ونهيها لأجهزة الأمن فضلا عن تخطيطها معها لاستـتـباب الأمن لأن العسكري في وقت ما كان يرأس الإدارة الإقليمية نفسها من وزير الداخلية حتى الحاكم وفي نفس الوقت هو الرئيس المباشر لهيئة الأمن ومن هذه الفوضوية الحاكمية أصلا ضاعت موازين مراعاة الأمن في الدولة أيضا.

وفي هذه الحالة جاء انقلاب 2005م الذي أسفر فيما بعد عن إزاحة رجل عسكري لرجل رئيس آخر مدني والإعلان بعد هذه العملية أنه انقلاب وعلى كل حال فهو شبه انقلاب لأن العسكري الجديد كان هو شبه الرئيس الحقيقي للدولة لأنه الآتي الفعلي بالرئيس المدني بالأسلوب القديمة في نجاح الرؤساء، وعندما لم يرض عن تسييره أزاحه بالطريقة المعروفة وشكل عدة عسكريين سماهم مجلسا عسكريا لتسيـيـر الدولة.

والمهم أن هذا الرئيس الجديد ظهر أنه جاء وفي سمعه وفي بصره وفي جميع جوارحه ما وصلت إليه الدولة من الانهيار أيام قربه الشديد من ما يجري فيهـــــا إلا أنه ظهر أنه لم يلاحظ بدقة من الفساد إلا فساد نهب أموال الدولة وقطعا كانت منهوبة في جميع الميادين بما في ذلك موارد الدولة الداخلية وموارد المعونات الدولية، وصمم على إيقاف هذا النهب وأكثر من المفتشين الماليـين في كل وزارة والتجريد من العمل عند ظهور خيانة في التسيـير حتى وفر للدولة كثيرا من المال كان في يد أصحاب الديمقراطية الفوضوية وكان يذهب بها أهل تلك الديمقراطية إلى جيوبهم الخاصة.

إلا أنه من المستغرب عند الجميع أنه ظن أن هيئة الشرطة هي التي كانت تنهب الأموال أو تنهب بواسطتها إلى آخر ما ظهر للجميع عن تفكيره في شأنها وطغى في قلبه ما حصلت عليه رئاستها من المال فبدلا من أن يقوم بإصلاحها وهي التي أصبح مراعاتها للأمن محسوب عليه من ساعة توليه للحكم بما في ذلك ما هو واقع الآن من انفلات الأمن في زمنه فما زال يظن أن الأمن يكفي أن تكون هي مسلوبة السلطة وأصبحت فكرة الإدارة الإقليمية عنها هي فكرته هو عنها.

فعلى هيئة الشرطة أن تـتمثل بقول الشاعر:

لكلفتـني ذنب امرئ وتركته *** كذي العر يكوي غيره وهو راتع

فالآن لا صلة تذكر بين الجميع إلا كتابة الجرائم عندما تقع وإحالة من وجد من أهلها إلى العدالة الخ.. مع أن إصلاحها لا يتطلب أكثر من ثلاثة أشهر فهي هيئة شبه عسكرية وتؤمن بالطاعة العمياء وأن الأوامر تصدر من الأعلى للأسفل وفيها الأذكياء الممتهنين لفكرة الأمن لو أتيحت لهم الفرصة.

ويقال في الروايات إن قضية الشرطة مع اللصوص ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر ابن الخطاب بأنه لا يسلك فجا إلا وسلك الشيطان فجا آخر، فكذلك اللص يمكن أن يسكن بجنب وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو قاضي الحكم لأنهم لا يعرفونه إلا في مكاتبهم ولا يوجد لص يسكن في جانب الشرطة، لأن كل واحد منهم يبحث عن الآخر، فواحد يريد القبض على الآخر ولآخر يريد الاختفاء عنه.

ولم يبق المواطن الآن يشاهد من الأمن إلا حكاما معهم فيالق من الحرس والدرك يتناوشون تناوش الكر والفر مع ضعفاء المواطنين على امتلاك قطعة من الأرض في خلاء منها لا ماء ولا مرعى فيه ومن كان من هواة فضول الاطلاع على العجب العجاب من الفوضى والمراوغات وسلوك الطرق بشتى أنواعها فليصاحب الفيالق من الحكام والحرس والدرك أياما ليمتلئ نهمه من الموضوع.

والآن أعود لسؤال الموطنين عن سبب انفلات الأمن وما هو علاج هذه الظاهرة الخطيرة؟.

وأول ما أجيب به المواطنين: اسألوا رئيس الدولة عمن كلفهم باستـتباب أمن المواطنين حالا.

هل هي جهة خاصة أو هيئة كذلك؟ وما هي مظاهر تلك المسؤولية؟ هل هناك هيئة مكلفة بالبحث عن من يفكر في الجريمة؟ وهل هناك هيئة مكلفة بمنع وقوعها بعد التفكير فيها والتحضير لها؟ وهل هناك هيئة مكلفة بالقبض على المجرم إذا وقع الإجرام؟.

وهل هناك تخطيط لكل هذا؟ وهل هناك إمكانيات لتنفيذه من الأشخاص والقيادة والتدريب المستمر والتقارير التي تبحث عن ذلك وتفحص وتنفذ..

وإذا لم تستطيعوا الوصول إليه فاسألوا الوالي أو الحاكم عن ذلك كله لأن هؤلاء هم المسؤولون عن استتباب الأمن في الدولة، والإدارة الأمنية العامة لا يعنيها إلا إدارة الأشخاص وتوفير عددهم وعتادهم إذا توفر لها المادة لذلك وترسلهم للمقاطعات لتأمين المواطنين تحت مسؤولية الإدارة الإقليمية.

فإذا أجاب الجميع عن كل هذه الأسئلة الآن فسيسكت طبعا المواطن عن التساؤل عن سبب انفلات الأمن وستعود إليه راحته وطمأنينته والخوف علي روحه وممتلكاته.

وإذا كان الأمر لا يزال سائرا على وتيرة قمة حرية التعبير التي لا تحترم حرية الآخرين وتـنـتـشر فوضى الديمقراطية بلا أسوار وبلا وجود لهيأة محدودة تراعي الديمقراطية مع الأمن واستتبابه وتنشر العدالة بين المواطنين فعلى كل ناحية من الوطن أن تشكل مليشات لتحمى نفسها وحـيها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وفي الأخير فأنا أسأل المواطنين هل فهمتم بعد ذلك ما هو سبب انفلات الأمن؟ وما هو علاج هذه الظاهرة؟ اللهم هل أفهمت، اللهم فاشهد.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!