التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:04:06 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.04.2013 23:39:50

الظالم المستبد وكيف نواجهه: نظرة شرعية

الأستاذ / محمد محمود ولد الجودة - indb1986@gmail .com

الأستاذ / محمد محمود ولد الجودة - indb1986@gmail .com

إن المنكر في الشريعة الإسلامية ينقسم إلي منكر عام ومنكر خاص.

ومن المصائب التي ابتلينا بها اليوم وأشيعت في مجتمعاتنا عبر الإذاعات والقنوات المحلية حتى صارت أمرا واقعيا أن الاهتمام بالمنكرات الخاصة أولى.

فترى الدنيا تقام ولا تقعد على قضية الاختلاط وعلي حلق للحية والتهاون بالصلاة وإسبال الثوب... وتأتي المواسم الدينية ـ رمضان مثلا ـ وتسمع مائتي عنوان من المحاضرات لا توجد فيها محاضرة واحدة تتحدث عن المنكر العام الذي تعيشه الدولة وهو سر تأخرها وقد يكون سببا لهلاكها وهو الظلم والاستبداد.

فنحن كما قال الشيخ محمد الغزالي: إن الناس في بلادنا ينتفضون ويثورون إذا هتك عرض فتاة ولا يبالون إذا هتك عرض أمة .

وهو خلل في فهم الفقه الإسلامي والفقه الدعوي وترك لترتيب الأولويات ينطبق عليه قول الجاحظ: إنه سقم في العقل وسخف في الرأي ولا يأتيان إلا بخذلان من لله سبحانه وتعالي.

ومشاركة في إزالة المنكر العام الذي تعيشه أمتنا سأذكر في هذه الأسطر القليلة كيف واجه النبي صلي لله عليه وسلم الظلم وما هي الوسائل السلمية المشروعة التي نصت عليها شريعتنا في مواجهة الحكام الظالمين.

إن الناظر إلي السيرة النبوية يري بأنها قانون شامل في كل النواحي السياسية والحياتية إلا أن الذي يعنينا منها الآن هو كيف تعامل النبي صلي لله عليه وسلم مع الظلم والاستبداد الذي مورس عليه وعلي أصحابه من قبل أهل مكة وقد مر هذا التعامل بخمس مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال

وهي التي تنبغي شرعا إذا كان الظالم قويا والمظلوم ضعيفا يخاف من الاستئصال وقد فعلها رسول لله صلي لله عليه وسلم في بداية دعوته حيث لم يكلم إلا من يثق به من الناس ـ خديجة أبو بكر زيد علي... واستمر في انعزال تام عن أهل مكة وعيونهم مدة عرفت بعد ذلك بالمرحلة السرية اختلف اهل السير في تحديدها من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وفعلها بعد ذلك لما كثر الظلم على أصحابه وعلم أنهم لا قدرة لهم علي المواجهة فأمرهم بالاعتزال والهجرة إلي الحبشة وقال إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد.

وفعلها صلي لله عليه وسلم لما علم أن أهل مكة مستمرون في ظلمهم ومضايقتهم ولا قدرة له علي مواجهتهم فقرر صلي لله عليه وسلم الهجرة إلي المدينة واتخذ لذلك كل الوسائل التي تدل علي الاعتزال وعدم المواجهة من تغيير للطريق وتخف في الكهف.

وقد فعلها أصحاب الكهف عند ما علموا أنهم لا قدرة لهم علي مواجهة الظالم لقلتهم وقوة الظالم اعتزلوا وذكر لله قصتهم علي سبيل المدح لا الذم فقال تعالي: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ من دون اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا).

المرحلة الثانية: مرحلة التعايش والاحتياط

وتأتي هذه المرحلة إذا ارتفعت قوة المظلوم وصار لا يخاف من الاستئصال فهو يتحايل علي الظالم بأي وسيلة حتى يعيش معه ويترك له حياته.

وتتضح هذه المرحلة في قصة عمار بن ياسر وتلفظه بكلمة الكفر تحت سياط التعذيب وإقراره صلي لله عليه وسلم لذلك وقوله له: "إن عادوا فعد"، فهو يتحايل عليهم محافظة علي نفسه ودعوته.

وبيعة العقبة الأولي احتاط لها رسول لله صلي لله عليه وسلم فاختار لها الزمان والمكان المناسب حيث وقعت في ظلمة لليل وفي بعد عن أعين المشركين.

وكذلك بيعة العقبة الثانية أتى بالصديق معه وعلي وكل واحد منهما على طرف من الشعب حتى تتم هذه البيعة بعيدة عن أعين الظالمين.

وهو صلي لله عليه وسلم لم يفعل ذلك جبنا ولا خوفا حاشا لله وإنما هو اتخاذ للحذر وعمل بالواقع فهو يعلم قوته وقوة الظالم.

المرحلة الثالثة: مرحلة التحاور

وهنا المظلوم قد ارتفعت قوته وكثر أتباعه ودخل في الإسلام حمزة وعمر وهما يمثلان قوة عظمى في مواجهة المشركين، فشعر النبي صلي لله عليه وسلم أن وضعه قد تغير فخرج المسلمون في مظاهرة سلمية أعلنوا فيها دينهم وطالبو ا فيها بحقوقهم، وكان حمزة علي رأس فريق، وعمر علي رأس فريق آخر دون مواجهة عسكرية ولا قتال لأن المرحلة لا تسمح بذلك.

حينها جاء المشركون للحوار وجلس عتبة بن ربيعة مندوب المشركين في التفاوض مع رسول لله صلي لله عليه وسلم ـ لأنهم يشعرون أنه صارت له قوة وهو صلي لله عليه وسلم ـ يقبل الحوار ويسمعه فقال له: إن كنت تريد ملكا ملكناك، وإن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد رأيا ما قطعنا رأيا من دونك، وأظهر المشركون تنازلا في هذا الحوار لم يكن متوقعا، وهو أنهم قبلوا أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد هو آلهتهم سنة.

مع أن هذا الحوار لم يعجب بعض المتحمسين من أصحاب رسول لله صلي لله عليه وسلم فقال بعضهم كنا أعزة قبل أن نسلم فلما أسلمنا صرنا أذلة.

لكن رسول لله صلي لله عليه وسلم ينظر إلي المراحل ولا يحرقها ولا يستعجل ثمرة قبل نضجها ولا يقتطف زهرة قبل أوانها فهو يعلمهم فقه المرحلة فهي مرحلة تحاور وليست مرحلة مواجهة.

المرحلة الرابعة: مرحلة التحاجز

وهنا قدر ارتفعت قوة المظلوم نسبيا وصارت له دولة لكن مع ذلك ما زال دون الظالم ولا قدرة له علي المواجهة معه وفعلها صلي لله عليه وسلم حين اجتمع عليه أهل الأحزاب وهم عشرة آلاف وكل من في المدينة من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ لا يصل إلى أربعة آلاف.

فلم يأمر صلي لله عليه وسلم بالمواجهة مطلقا بل أجري اجتماعا عاجلا لأنه صلي لله عليه وسلم صاحب نظرة بعيدة يريد لهذه الأمة أن تقوم ولا يريد أن تجتاح المدينة وتسبي النساء وتسيل الدماء ولو كان الكل شهداء ويريد للدعوة أن تستمر فجاءت فكرة الخندق من سلمان رضي لله عنه وهي تمثل تحاجزا بين المسلمين وأعدائهم.

وأقرها صلى لله عليه وسلم حتى لا تتم المواجهة بين مظلوم ـ وإن كانت له قوة نسبية ودولة ـ مع ظالم أقوى وأكثر بكثير وهم المشركون ومن معهم من العرب.

وعملها صلي عليه وسلم بعد ذلك في صلح الحديبية مع أنه مظلوم ممنوع من الحرم ومحروم هو ومن معه من المهاجرين من وطنهم وقد بايعه أصحابه علي الموت، ومع ذلك قبل الصلح الذي أدي إلي التحاجز بينه مع أعدائه عشر سنوات والسبب أن الفارق بينه وبين أعدائه مازال كثيرا.

المرحلة الخامسة: مرحلة التصدي

وهي مرحلة الأخذ علي يد الظالم وإرجاع الحق إلي أهله وقد فعلها صلي لله عليه وسلم في فتح مكة حين جاءه عمرو بن سالم وهو من قبيلة خزاعة وقد كانت في حلف النبي صلي لله عليه وسلم وقد قتل بعض رجالها من طرف بعض المشركين وقبيلة بني بكر فقال له النبي صلي عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم نصرت يا عمرو بن سالم، لأن مرحلة الاعتزال والتحاور والتحاجز قد انتهت.

فجهز صلي لله عليه وسلم عشرة آلاف مقاتل ونزل على مكة المكرمة وأعاد الحقوق إلي أهلها وأقام شرع لله عز وجل.

أين نحن اليوم؟

بعد الثورات العربية المباركة والتي أعتبر أنها جند من جنود الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أخرجه لله على حين غفلة من المستبدين الظالمين لإزالة ملكهم وتطهير البلاد الإسلامية منهم أثبتت هذه الثورات والتظاهرات الشعبية أننا في مرحلة التصدى للظالمين المستبدين وأن القوة الشعبية والجماهيرية لا يمكن أن تقف في وجهها أي قوة أخرى، إلا أن هذا التصدي يقتضى السلمية والتدرج في الأمور ـ ولكل بلد خاصيته ـ وسأشير إلى بعض مراحل هذا التصدى التي قد تكون مشتركة بين البلدان الإسلامية عامة.

أولا: التنديد بالظلم ورفضه وكشفه للناس عبر الوسائل المشروعة وفضح صاحبه قال تعالى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، والتصدى للظالم بكلمة الحق (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) أبو داوود رقم: 4344.

ولو مات الإنسان في سبيل ذلك فهو شهيد (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) الحاكم 3/195.

ونشر ثقافة أن هلاك الدولة وتأخرها هو بسبب سكوت شعبها عن الظالم (إذا رأيت أمتى تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) أحمد 2/163.

والتصدي للظالم وكشف جرائمه أمر مطلوب شرعا، وقد جعله لله في سورة الشورى من أبرز خصائص أهل الإيمان قال تعالي (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41).

فالانتصار للنفس ودفع الظلم والتنديد به من أهم الوسائل في مواجهة الاستبداد والظلم.

ثانيا: تحريم طاعة الحكومة الظالمة والسير في ركبها كما قال تعالي (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) وتحريم إعانتها كما قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

وقال تعالى على لسان موسي (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ).

ثالثا: دعوة الناس والمجتمع إلي اعتزال السلطة الجائرة وعدم العمل معها أولها ـ المقاطعة الجزئية ـ كما قال تعالى (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ).

وقدم ذم القرآن الشعوب التي تخضع للمستبد وتقبل الدخول في طاعته فقال تعالي في قوم هود (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) وقال في قوم نوح (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا) وقال في قوم فرعون (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).

وقد صح في الحديث يهلك أمتي ـ أو الناس ـ هذا الحي من قريش فلو أن الناس اعتزلوهم ـ البخاري 3604.

وفي الحديث الآخر (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها...) البخاري 7084.

فالدعوة النبوية إلى اعتزال الطغاة والمستبدين وعدم طاعتهم كافية في إسقاطهم لأنهم إنما يستبدون قوتهم من الشعوب فإذا اعتزلتهم الأمة وهجرتهم سقطوا تلقائيا.

رابعا: عدم الاعتراف بالسلطة الجائرة
بمجرد ظلم الحاكم واستبداده وخروجه عن طاعة الله تسقط شرعيته، وقد قال الصديق (فإذا عصيت لله فلا طاعة لي عليكم).

وقد تحدث النبي صلي لله عليه وسلم عن السلطان والقرآن فقال: ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم قالوا: يا رسول لله كيف نصنع، قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نشروا بالمناشير وحملوا علي الخشب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله) الطبراني في المعجم الكبير 20 /99.

وصح عن بن عباس أنه قال: سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك) ابن أبي شيبة والطبراني.

خامسا: التصدي للسلطة الجائرة ومنعها من الظلم والأخذ علي يدها وتغيير منكرها كما قال صلى لله عليه وسلم من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه...) مسلم 49.

وقال الصديق رضي لله عنه إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه عمهم لله بعقابه) ابن حبان 304.

وجاء في الحديث لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه علي الحق قصرا أو ليضربن لله بقلوب بعضكم علي بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) أبو داوود 4336.

سادسا: المقاطعة الجزئية: وذلك بعدم العمل في الوظائف التي تستقوى بها السلطة على الأمة كالشرطة وجمع الضرائب وإدارة البنوك لأن النبى صلى لله عليه وسلم نهى عن العمل في هذه الوظائف للظلمة وأئمة الجور حيث قال: فلا يكن لهم شرطيا ولا عريفا ولا جابيا ولا خازنا) الموصلي في المسند 1114 وابن حبان في صحيحه 4496.

ومثل الشرطة القضاء وهو أشد، وقد عاب سفيان الثورى على شريك القاضي دخوله في القضاء فاعتذر أنه لا بد للناس من قاض فرد عليه الثوري منكرا ولا بد للناس من شرطي) حلية الأولياء 7/47.

وثبت عن الإمام أحمد في محنته أنه سأله أحد شرطة السجن فقال له يا أبا عبد لله الحديث الذي يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال: السجان فأنا منهم؟ قال أحمد أعوانهم من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشترى منك فأما أنت فمن أنفسهم (الفروع لابن مفلح 11/145).

وحديث أعوان الظلمة الذي سأل عنه السجان هو قول كعب بن عجرة رضي لله عنه خرج علينا رسول لله صلى لله عليه وسلم أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من أدم، فقال إنها ستكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منى ولست منه، ومن لم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منى وأنا منه، وهو وارد على الحوض (أحمد 11192 والترمذى 2259).

سابعا: العمل على تغيير السلطة الجائرة المستبدة وإسقاطها بالفعل بلا عنف ـ الثورة الإيجابية ـ والتي يشترك فيها الشعب جميعا وهي الضامن الأساسي للتخلص من الحكام المستبدين لأنها تثبت سنة من سنن القرآن في التغيير (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

ونحن رأينا دولا رضيت بالظلم وسكتت عنه عقودا من الزمن ثم لما تغيرت ونفضت الغبار عنها وطالبت بالتغيير تحقق لها ما أرادت وما الشعب الليبي والمصري والتونسي عنا ببعيد.

ومشكلة كثير من الشعوب العربية ولعل شعبنا واحد منها أنها لم تفهم بعد قيمة ـ لا ـ وتتجسد قيمتها السياسية فيما قاله عنها الإسكندر المقدونى بعد غزوه للشرق ووصوله إلى إيران حين قال إن شعوب الشرق أصبحوا عبيدا لأنهم لم يتعلموا أن يقولوا ـ لا ـ.

فلا ينبغي لهذا الشعب المسلم الأبي أن يكون جيفار الشيوعي أعز منه حين قال من الأفضل أن تموت وأنت منتصب القامة بدلا من أن تعيش راكعا.

كيف يمكن ذلك والكواكبي يقول في كتابه ـ ما دخلت لا إله إلا لله محمد رسول لله أي بيئة إلا وكسرت قيود الاستبداد.

وينبغى لعلمائنا ودعاتنا وأئمتنا أن يعلموا أن الله أخذ عليهم عهدا وميثاقا أن يقفوا مع المظلوم ضد الظالم فآن لهم أي يسيروا على سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين قال ولله لولا ما أخذ لله على العلماء من الميثاق أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها.

والمقارة الموافقة، والكظة التخمة، والسغب شدة الجوع، ومجمل ما أراده رضي لله عنه أنه لولا عهد لله وميثاقه على العلماء أن لا يسكتوا عن التفاوت الفاحش بين الناس في لقمة العيش حيث يتخم البعض ويموت البعض الآخر جوعا لما جاهد.

والعاقبة للمظلومين والمستضعفين فما هى إلا أيام ويتحقق قول لله تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!