التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:11 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.04.2013 01:00:18

مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا ح: 3

مساهمة الثقافة في ترسيخ أيديولوجية الرق بموريتانيا

الأستاذ / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

الأستاذ / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

عبر الشعر الحساني والأمثال الشعبية عن ترسخ أيديولوجية الرق في مجتمع البظان، أما الشعر الموريتاني الفصيح فقد عبر عن تلك الأيديولوجية بصفة غير مباشرة، وذلك من خلال غرض الفخر والإشادة بالنسب وبمكانة القبيلة ترسما لنهج شعراء العرب الجاهليين والأمويين والعباسيين.

وسنبدأ بمساهمة الثقافة العربية العالمة في ترسيخ أيديولوجية الرق بمجتمع البظان علي أن نتناول مساهمة الثقافة الشعبية البيظانية أيضا في تأصيلها وترسيخها.

لقد شكل شعر العصور الجاهلية والأموية والعباسية المرجعية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية بالنسبة لنخبة البظان المثقفة فقد اعتمدت المعلقات (مختارات الشعر الجاهلي) ودواوين كل من الفرزدق وجرير وذي الرمة وأبي تمام والبحتري والمتنبي وغيرهم من فحول الشعر العربي في البرنامج الدراسي للمحظرة الموريتانية.

والشعر هو ذاكرة العرب وسجل حضارتهم عبر عن منظومة قيمهم الأخلاقية والاجتماعية فرفع أقواما وحط من قد ر آخرين، وقبل أن نتحدث في مساهمته في ترسيخ أيديولوجية الرق وترسيخ الممارسات الطبقية.

ويحدثنا التاريخ كيف أن العرب لم يكونوا يعترفون ببني الإماء إلا إذا حققوا بطولة خارقة أو نبغوا في قرض الشعر فقد قضي عنترة ابن شداد العبسي فترة وهو عبد لا يعترف به أبوه إلى أن تعرض قومه لهجوم شرس من طرف أعدائهم كاد يودي إلى هزيمتهم حينها قال له أبوه يا عنترة كر فأجاب بقوله العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلب والصر، فقال له كر وأنت حر، وهنا نراه يكر ويمحق الأعداء ويبددهم لأنه يبحث عن لحظة تحقق الذات والشعور بالوجود الحقيقي ولو لم يجد عنترة باعث الحرية من خلال قول والده كر وأنت حر لبقي عبدا مضطهدا ومهمشا ولما صار من فرسان العرب وشعرائهم وأجوادهم المشهورين، ونقرأ في ديوان الشعراء الستة من حكاية عنترة: كان عنترة لا يقول من الشعر إلا البيت أو البيتين والثلاثة حتى سابه رجل وذكر سواد أمه وأنه لا يقول الشعر إلى آخر الحكاية.

ويعبر الشاعر المقنع العبدي عن احتقار العبد وصورته السيئة في ذهن العربي بقوله من قطعة شعرية متداولة ومشهورة:

وإني لعبد الضيف ما دام نازلا *** ولا شيمة لي مثلها تشبه العبدا

وقد عمل المشروع الإسلامي طيلة العهدين النبوي والراشدي على تجاوز هذه الأيديولوجية، وعبر بيت من الشعر العربي عن هذا التوجه هو:

أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أوتميم

لقد عبر العرب في وقت مبكر من نشأة الدولة الإسلامية عن تشبثهم بأيديولوجية الرق الذي ربطوا بينه وبين سواد البشرة فهذا عتاب بن أسيد يقول حين سمع بلالا يؤذن يوم الفتح: لقد أكرم الله أسيدا (والده) إذ لم يسمع صوت هذا الغراب.

وتورد كتب السيرة النبوية حكاية أخرى وهي أن الأقرع ابن أبي حابس وهو أحد سادة بني تميم أتى النبي صلي الله عليه وسلم صحبة وفد من وجوه العرب فوجد معه خبابا وعمارا وصهيبا وبلالا رضي الله عنهم، فقال الأقرع هو وأصحابه: يا محمد إن وفود العرب تأتيك فتستحي أن ترانا مع هؤلاء الأعبد، فإذا جئتنا فاصرفهم عنا، قال نعم، ثم قالوا اكتب لنا كتابا بذلك فدعا بصحيفة فنزل جبريل بقوله تعالي: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم)، فرمي بالصحيفة وقال: سلام عليكم.

قال خباب فدنونا ووضعنا ركبنا على ركبته فكان النبي يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالي: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) فكان بعد ذلك يجلس معنا.

ولما قال نصيب الشاعر:

يا أخت ناجية السلام عليكم *** قبل الرحيل وقبل لوم العاذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم *** يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

قال له ابن عتيق: ماذا تفعل إلا أن تقول غاق فتطير، يشبهه بالغراب لسواده.

وقيل لعبد الله ابن جعفر وقد أعطي لنصيب عطاء جزيلا: تعطي هذا كله لهذا الأسود فقال: إن كان أسود فشعره أبيض.

وتورد كتب التاريخ كيف استخف عبد الملك ابن مروان بعرار ابن عمرو ابن شاس لسواده فلما كلمه أعجب به.

ويعبر النبي صلي الله ىعليه وسلم عن استهجان واستنكار التعريض بالناس بسبب ما سيق عليهم من رق وما يتميزون به من سواد البشرة فيقول عليه الصلاة والسلام معلقا على ما لاحظ من كراهية تولية أسامة بن زيد رضي الله عنه بسبب استرقاقه السابق: إن قلتم فيه فقد قلتم في أبيه من قبله والله إنه لخليق بالإمارة وابن خليق بها.

وفي الحديث الذي روي المعرور بن سويد نجده يروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه عير رجلا بسواد أمه حيث قال له يابن السوداء، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم يا أبا ذر عيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية، إلى آخر الحديث المعروف.
والأمثلة المعبرة عن سعي الإسلام لترسيخ قيم المساواة والعدالة والعمل على سد أبواب الرق وتجفيف منابعه ورفض العرب لهذه المساعي في وقت مبكر من ظهور الإسلام أكثر من أن تحصي.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!