التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:01 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.04.2013 17:48:50

المشهد التلفزيوني.. بضع ملاحظات

محمد ولد حمدو

محمد ولد حمدو

أتابع باهتمام وتفاؤل، الخطوات الأولى، لتحرير الفضاء السمعي البصري في البلاد، وما رافقها من ظهور قنوات تلفزيونية، كان المشهد في أمس الحاجة إليها، علها تثري الساحة الإعلامية، وتعزز فضاء الحريات، وخاصة حرية التعبير.

وهذه سانحة أحيي فيها، رواد التجارب الأولى في هذا الإطار، وأشد على أيديهم، مثمنا أهمية دورهم، في فتح عالم الإعلام المرئي، أمام المواطن، بعد عقود من احتكار الدولة له، وتوجيهه بالكامل.

ويحق لنا دون مبالغة، أن نقول إننا بالفعل أمام تجربة غير مسبوقة، اختارت فيها السلطة، أن تفتح الفضاء الإعلامي، أمام رأس المال الخاص.. تحمس بعض أصحاب رؤوس الأموال، ودخلوا الميدان، كما يدخلون عادة أي ميدان من ميادين الأعمال.. من تعليب الطماطم إلى الصناعات التقليدية الثقيلة.

وخشيتي أن تكون هذه الحماسة، قد غاب عنها الوعي، بأن الصورة انتقلت خلال العقدين الأخيرين، من مجال ثقافي إعلامي خالص إلى صناعة حقيقية، بل صناعة ثقيلة، من نوع خاص كذلك.. ما حتم على رجل الأعمال المستثمر في هذا الحقل، من ميردوخ إلى الوليد بن طلال إلى برلسكوني وغيرهم، تجريب آليات لإدارة الشبكات التلفزيونية، تختلف بالكامل عن تلك التي تدار عادة بها، مصانع الإسمنت، أومعامل البرتروكيماويات أو غيرها..

الأمر مختلف بالتأكيد، لأن التلفزيون - أيا كانت طبيعته أورسالته – كما هو حال كل وسائل الإعلام، مهمته خلق الإنطباع، وليس توليد الإقتناع، وهي عملية معقدة بالنسبة للتلفزيون، الذي ما زال رغم ظهور الإعلام الجديد حاضرا وقويا متسلحا بمنظومة، تختلط فيها تفاعلات بهارج الصورة والظلال والألوان، بالمؤثرات الصوتية مع الفكرة، بما يسمح لا شعوريا بإعادة تتشكيل وتوجيه الأذواق، ومخاطبة المشاعر، بل وحتى استثارة الغرائز..

أعرف أننا في الحالة الموريتانية، ما زلنا نواجه مناخا غير ملائم لصناعة الصورة بصورة خاصة، وللعمل الإعلامي عموما، لأسباب موضوعية ليس هذا مقام بسطها، ولكن حتى يكتب للتجارب التلفزيونية الفتية المزيد من الرسوخ والتجذر، في هذه البيئة غير الملائمة، أود أن تتسع صدور القائمين على هذه القنوات والعاملين فيها، ويسمحوا لي، أن أثير معهم في هذه العجالة، بضع ملاحظات، لا تفسد للود قضية، خاصة أنهم ما زالوا في مراحلهم الأولى، وقد يكون أسهل عليهم الآن، تدارك بعض النقائص، قبل أن تتراكم الأخطاء:

1 – أعتقد أن هدف هذه القنوات ليس استنساخ التلفزة الموريتانية، بل الأولى، تجنب التراكمات المختلفة التي أدت إلى الوضعية غير السارة، التي توجد فيها الخدمة التلفزيوينة العامة، لأسباب موضوعية وذاتية متعددة.

وبالتالي كان على هذه القنوات الجديدة، تجنب سليبات التجربة، لا أن تكون في عدة أوجه استنساخا لها، من حيث عدم الحرص على أساسيات العمل التلفزيوني الحديث.

وأول هذه الأساسيات البرمجة.. وأذكر أن أحد أساتذة الإعلام اللامعين، كان يكرر علينا دائما، ونحن بعد في خطواتنا الجامعية الأولى، أن التلفزيون هو برمجةْ قبل كل شيئ.. فمهما كانت المادة المتوفرة لدى القناة التلفزيونية، قليلة أو كثيرة، جيدة أورديئة، لن تستغني عن البرمجة.... فالتلفزيون هو توظيف وتبويب وعرض المتاح ( المادة التلفزيوينة بمختلف تشكيلاتها وقوالبها) وفق خط تحريري معين، وفي مساحة زمنية إفتراضية توخيا للوصول إلى جمهور كلي أو مفترض أوفعلي.
ولو تعطي القنوات الجديدة، اهتماما لهذه الناحية، لاختفت "الفوضوية" التي تطبع شاشاتها حاليا، بدءا بعدم احترام مواعيد ثابتة ومضبوطة، لبث وإعادة بث مختلف المواد التلفزيونية، التي تشتمل عليها مسطرة البرامج، وليس إنتهاء بتقديم هذه المواد، في قوالب مهنية غير واضحة ولا معروفة، من حبث النوعية، وعدم التقيد بمدة زمنية ثابتة، وعدم مراعاة أي دورية محددة، والإنتقال من فقرة إلى أخرى دون تمهيد، بل وفي بعض الأحيان، قطع فقرة دون إعتذار، والإنتقال إلى أخرى، دون مبرر واضح، ولا حتى مجرد تمهيد من أي نوع.

والمثال الأبرز الذي يحضرني في هذا المقام وهو يتكرر على كل شاشاتنا الصغيرة، مقدم برنامج يستعجل ضيوفه في تلخيص أفكارهم فالوقت "أصبح لصالح برنامج آخر" وفق التعبير الدارج، ويستجدونه منحهم دقائق فيتعلل بأن وقت البرنامج انتهى، ويختم الحلقة، ثم لا يظهر البرنامج الذي أصبح الوقت لصالحه.. بل تتوالى معزوفات ومناظر لمجرد ملء الفراغ كما هو واضح!!
ولا تقف الهنات عند هذا الحد، فهناك بعض التفاصيل التي تحتاج الى عناية، كالتعريف بشكل تلقائي ومتكرر، خلال عرض المادة التلفزيونية، أيا كانت، بمن يظهرون في المقاطع الصوتية المصورة – حتى ولو كانوا معروفين على نطاق واسع - حرصا على اكتمال عناصر المشهد، ووضعها بشكل لائق في متناول المشاهد.. فالشرائط التعريفية ليست بذخا يمكن ان يستغنى عنه بأي حال من الأحوال.
وغني عن الإشارة، أن تحديد مواعيد ثابتة وواضحة للبث وإعادة البث، هو العنصر الحاسم في خلق جمهور ثابت نسبيا، وربط الصلة به وجعله وفيا، لهذه الشاشة أو تلك.

ثم إن توحيد " الزي " عملية أساسية لضمان الجاذبية، وتقديم مختلف المواد في قالب عام متناغم، يجعل المشاهد، يحس أنه يتابع على مدار اليوم، قناة واحدة، لا شاشات متعددة، لا تجمعها أي مرجعيات بصرية مشتركة..
وهنا لا أقصد زي المقدمين، وغنما أقصد واجهة القناة، وهي عملية تتزاحم فيها عدة عناصر، أهمها الألوان المستخدمة في الشرائط التعريفية، وطريقة العرض، وأحجام الأحرف في الكتابة، وتوحيد الإصطلاحات، وكذا الديكورات الإفتراضية وغيرها.

ولستمحوا لي في هذا المقام، بملاحظة صغيرة، تجمع بين المضمون والشكل معا، وتتعلق بالشريط الإخباري، أو على الأصح الشريط الذي يحتل عادة أسفل الشاشة، وهي أن هذا الشريط يشهد فوضى عارمة، ربما تكون انعكاسا مفهوما ومتفهما، لرغبة جامحة في الإنطلاق، بعد عقود من التقييد، وهذا ربما يفسر الكم الهائل من الجمل والكلمات والنقاط والعلامات التي تتابع وتتزاحم على الشاشة، في شكل " أسمأسات"، وتتقاطع في بعض المرات، مع الأخبار والمستجدات على الساحة الوطنية والإقليمية.

ولكن بعد أشهر من التجربة، لابد من إعادة ضبط الأمور، على هذه الجبهة خوفا من أن تستفحل، وتخرج عن السيطرة، وتوخيا لحد أدنى من المصداقية والجدية.. وحرصا حتى على إحترام الذوق العام.
وفيما يخص الأخبار التي ترد في الشريط، علينا أن نفهم أن الخبر، مهما كان في حد ذاته سبقا من الطراز الأول، ومهما ومزلزلا ولافتا.. إذا بقي على الشاسة، أربعا وعشرين ساعة متتالية.. يكون قد عُد تاريخا من الزاوية الصحفية، فالصحفي كما يصفه الكاتب الفرنسي الكبير ألبيركامي، هو مؤرخ اللحظة!!
وقبل أن أتجاوز مسألة البرمجة، أود أن أشير إلى آلية معمول بها، حتى في أعتى الإمبراطوريات الإعلامية وأعرقها، وأقدرها على مواجهة الطوارئ من أي نوع ..

وتتمثل هذه الآلية، في إنتاج محزون كبير من كل البرامج المسجلة (أقلها عادة يكون لا يقل عن عشرين حلقة من كل برنامج) قبل الإعلان عنها، وإدراجها في المسطرة.. وبذلك تضمن المؤسسة، استمرار البرنامج، وتجنب وقوعها ضحية للتقلبات غير المحسوبة.. والتي أبسطها مرض أو سفر المنتج أو المقدم بشكل مفاجئ، أو تعذر الحصول على مادة كافية لحلقة من البرنامج!!
وهذا الإجراء لا شك، أن من شأنه، الحد من الإعادات المتكررة والفوضوية التي نراها على شاشات قنواتنا يوميا تقريبا.. ويعطي العاملين في هذه القنوات الفرصة والوقت، للإعداد الجيد لبرامجهم المختلفة.

- 2 – في إعتقادي أن المضمون يحتاج إلى عناية أكبر، وهذا لا يعني أن طواقم هذه القنوات الناشئة، مقصرة في هذا الشأن، ولكن هناك مقتضيات، لا بد من إحترامها، لأن المنافسة شرسة بالفعل، والمشاهد يملك سلطة حاسمة في يده، تتمثل في جهاز التحكم الصغير، والخيارات أمامه كثيرة، وتزداد يوما بعد يوم، مع اتساع فضاء السماوات المفتوحة، الذي لا يبدو أنه سيعرف الحدود.
- وللصمود في هذا العالم المجنون، لا بد من تعميق أكثر للمعالجات صورة وصوتا، والحرص على التناغم بين هذين العنصرين، وترسيخ ثقافة الكتابة للصورة، والحد من استخدام القوالب الجاهزة والبعد عن " المنغصات " اللغوية.. فالأسلوب الصحفي – التلفزيوني خاصة - أبرز خصائصه البساطة والمباشرة وتجنب التقعير، وكذا البعد عن التكلف ..
- علينا أن ندرك، أن الجملة التلفزيونية، لا بد أن تكون قصيرة، لأن المشاهد لا ذاكرة له، بحكم عدم قدرته على استرجاع الفكرة، أو مضمون المشاهد التي تمر أمام عينيه، للتثبت منها، كما هو متاح لقارئ الكتاب أو الصحيفة مثلا.
- جدير كذلك بنا، أن نستحضر دائما، أن النص في التلفزيون، لابد أن يخدم الصورة، وليس العكس.. فمن غير المقبول " لي" عنق الصورة للتعبير عن النص، فالتلفزيون صورة أولا وأخيرا..
- كما أن الأسلوب، كلما كان بسيطا، وخاليا من مايسمى تقليديا بالمحسنات اللفظية، كان أقرب إلى الناس، وأقوى تأثيرا ووقعا... لأن جمهور التلفزيون، خليط من طبقات اجتماعية وفئات عمرية ومستويات ثقافية متباينة.. والأولى بالأسلوب من هذا المنطلق، أن يسير " سير ضعفاء " كل هذا الخليط.. فالجامعي مثلا، يفهم ما يفهمه الأمي، بينما لا يفهم الأمي بالضرورة، ما قد يكون مناسبا فقط، لمن هم في مستويات ثقافية أعلى..
- والتلفزيون ليس بحال من الأحوال، خلافا لما يعتقد كثيرون، ممن يلجون هذا الميدان، من بوابة الأدب، مجالا لاستعراض العضلات في الحقل اللغوي، والتنافس في استخدام غريب اللغة، والتباهي بالثقافة البلاغية.. رغم أهمية ذلك في الفعل العلمي والثقافي العام، ولكن ليس في السياق الجديد للإعلام.
- فالمشاهد عموما ينتظر معلومات دقيقة ومعطيات واضحة بأسلوب يخلو إلى حد كبير من الحذلقة اللغوية ويبتعد عن التعابير المتكلفة والقوالب الجاهزة.. ولأعطي مثالا في هذا المقام قبل ان أتجاوزه.. كيف يمكن ان يتابع أحدنا برنامجا وثائقيا عن مدينة ما مثلا يبدأ وينتهي بتعابير عامة عن "المجد الغابر" والدور المذكور لهذه "المدينة المعلم" دون أن يعطينا كما من المعلومات التاريخية والعملية الدقيقة المتعلقة بها، ولكن في قالب سردي لطيف جذاب، ويوظف المشاهد وتسلسلها بشكل مريح للعين.. قبل أيام رأيت أحدهم يتحدث عن مدينة وعن ماضيها الحضاري، لكن المشاهد التي كانت ترافق التعليق هي لنوق تسرح في فضاء واسع وكثبان تمتد على مدى البصر.. ولم أر حتى في الحلفية البعيدة ما يشير إلى أي مظاهر تقري أو تحضر..!!
- والواضح أن هذا المعلق، كتب نصه دون أن يراعي ما يتوفر لديه من صور... وربما حتى دون أن يطلع على " المادة الصورية " وهو تصرف مناف للتلفزيون.
- 3 – أعتقد أن المطلوب من قنواتنا الناشئة، أن تكون تعبيرا عن حقائقنا وواقعنا، وبذلك وحده يمكن أن تثبت وجودها، وترفع جانبا من التحدي، في الإطار المحلي بالطبع، لأن قانون المنافسة على المستوى الأوسع، لا يبدو في صالحها، بفعل إمكاناتها، ومجال اهتماماتها وواقع البلد.
- وفي تصوري، أن المشاهد ينتظر من هذه القنوات الكثير، في مجال التعريف بالبلاد، وتقديم تراثها المعرفي والثقافي، ومقدراتها الإقتصادية، ومعالمها ومواقعها السياحية والتاريخية، والضرب صفحا ولو قليلا عن السياسة، والخروج عن سباق الإصطفاف المحموم، داخل قطبية الصراع التقليدي المحتدم بين المعارضة والموالاة.
- فالمواضيع الإعلامية، ليست كلها سياسية، كما قد تعكس ذلك شاشاتنا الصغيرة في الغالب.. دون الإنتباه إلى مزالق ذلك، فيما يتعلق بشبهة استغلال هذه المنابر، وتوجيهها خدمة لتوجهات سياسية محددة.
- ويبقي الدور الأبرز للتلفزيون كجزء من السلطة الرابعة ضعيفا لدينا حتى الآن، بسبب غياب البرامج الإستقصائية العميقة والتحقيقات الموثقة، التي تفتح ملفات حساسة، ولصيقة بحياة الناس، وبآليات تسيير شؤون البلاد، بما يتكامل مع دور البرلمان، ويعززه، ويمنح وسائل إعلامنا بجدارة، صفة السلطة الرابعة.
- وهذه نقطة لا يجب أن نظلم فيها القنوات الجديدة، لأن الظروف العامة في البلاد، لم تنضج بعد بمافيه الكفاية، أمام هذا النوع من الصحافة، بفعل تداخل عوامل موضوعية وذاتية، منها هشاشة المؤسسات، وصعوبة الوصول إلى مصادر الخبر الحقيقية، وضبابية وعدم إحترام القوانين، بما فيها تلك التي تحمي الصحفي – ولو نظريا- وشخصنة العلاقات، وضعف الأجهزة الأمنية والقضائية، وعدم وضوح المعالم الفاصلة بين السلطات، وعوامل كثيرة أخرى، لا تجعل مهمة الإستقصاء، سهلة في مجتمعات العالم الثالث.
- وعلى العموم، ما زالت قنواتنا الجديدة، دون المرجو منها، ولذلك مبررات أهمها، حداثة التجربة وهشاشتها، وطغيان التقليد، واستسهال العمل التلفزيوني، والضبابية في الفصل بين القوالب والأشكال الصحفية، وأولوية الكلمة على حساب الصورة، وغياب تقاليد تلفزيوينة قوية وراسخة في البلاد.
- ولذلك يبدو القاسم المشترك، لما يقدم عبر شاشات هذه القنوات، من نشرات أخبار وبرامج إخبارية وحوارية ووثائقية وترفيهية وتوجيهية وغيرها، هو الإرتباك والضعف، وإن لم تخل – للأمانة - الباقة المنوعة التي تقدمها هذه القنوات، من برامج جيدة شكلا ومضمونا.
- لكن الطابع العام، هو السطحية والتقليد والتكرار والإجترار، والإفتقاد إلى عنصري الإبداع والطرافة، بمعنى الجدة والتميز.
- وفي هذا السياق، لابد من منح عناية أكبر للخبر، وعدم تغليب الرأي والتعليق على حساب المادة الإخبارية، وضبط المعلومة، وتوخي الدقة في التعبير، والإبتعاد عن التعميم، وتجنب استنساخ التعابير جزافا و"استيرادها" من سياقات أخرى مختلفة واقحامها بالقوة في السياق المحلي.
- وهذه الملاحظات، تبدو أكثر إلحاحا، فيما يخص نشرات الأخبار أكثر من البرامج..
- 4 – يسرني كثيرا، أن تكون الطواقم في الأغلب من الشباب، لما يمنحه ذلك من فرص لإضفاء الحيوية، على العمل التلفزيوني في البلاد، ولكن لابد من توفر هذه القنوات، على ما يشبه السلطة المرجعية، وتكون مؤلفة من بعض المهنيين المجربين، يسهرون على مطابقة المادة المعدة، للمعايير والضوابط المهنية، متعددة الأوجه، ويقدمون للعاملين في هذه القنوات الإستشارة، ويوجهونهم نحو أداء أفضل، ويساعدونهم في مواجهة أي عقبات قد تظهر، بفعل حداثة التجربة، وغياب التقاليد التلفيونية، كما أسلفنا من قبل.
5 – الملاحظة التالية، وتكمل سابقتها، ولو أنها تدخل أساسا في مجال اختصاص السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية.. فمن غير المقبول أن تكون البلاد في حالة حداد رسمي، بموجب مرسوم من أعلى سلطة في الدولة، إثر رحيل إحدى الشخصيات الوطنية الكبيرة، ولا يسرى الأمر على كل التلفيزيونات التي تبث من أرض موريتانيا.. أن تكون التلفزة الموريتاينة، تبث القرآن الكريم بالمناسبة، والقنوات الأخرى تصدح بالموسيقى، أو تواصل برامجها المعتادة، كأن شيئا لم يكن، أمر مثير بالفعل وغريب، لأن هذه القنوات هي في النهاية موريتانية، وجمهورها الأول موريتاني بالتأكيد، ومن واجبها احترام هذا الجمهور، إذا كانت - فرضا - لا تهتم بالرموز الوطنية، وكان عليها – على الأقل - من باب المداراة الأخلاقية، التزام مقتضيات الحداد الوطني، تقديرا لجمهورها.
وهنا أعول على الضمير الوطني، والحس الجمهوري، لكل مسؤولي هذه القنوات، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، لمعالجة هذه النقطة مستقبلا، إذا استدعت الضرورة ذلك.
6 – الرجاء يا زملاءنا الأعزاء الإهتمام باللغة، سواء العربية أو الفرنسية، فالنطق السليم للغة، شرط ضروري للإفهام.. فكم من خطإ لغوي يمر على اللسان دون اكتراث، يغير المعلومة التي يستقبلها المتلقي.. ومن غير المقبول، لمن يتصدى للمهنة، أن يكون مبتدئا في اللغة التي يخاطب بها الناس.. رجاء حارا إخوتي أعزائي.. اللغة اللغة وأكررها.. فموريتانيا يا صحفيينا، تفاخر دائما بأنها بلد المليون شاعر، وتكاد ترتبط في أذهان الكثيرين باتقان العربية ونطقها السليم، فلا تهدموا رجاء الصورة الأخيرة المتبقية، مما شاده الأجداد على مدى قرون.
7- يؤسفني أن أضطر للتأكيد على أن الثقافة العامة ضرورية للصحفي، وهي مجال واسع دون شك، ولكن من الأبجديات أن نتقن نطق أسماء شخصياتنا الوطنية نطقا صحيحا، وكذا مدننا وأهم قرانا ومناطقنا الجغرافية والطبيعية الكبرى، وحيازة مستوى مقبول من المعارف العامة عن كل منطقة ومميزاتها وأهم رموزها..
ومن المطلوب أن نتوفر على رصيد معرفي عن أهم دول العالم وقادتها ومدنها الكبيرة.. ورجاء مرة أخرى، اهتموا ولو قليلا، بنطق الأسماء مااستطعتم نطقا قريبا من أصلها..
وهذه أمور لا تتأتى إلا بالمارسة والتجربة.. وخاصة المطالعة وحب الإطلاع.. لا تستهينوا بأي تفصيل مهما كان صغيرا.. فكل شيئ له قيمته ووزنه في هذه المهنة..
هذه ملاحظات عامة، لا يدعي صاحبها، خبرة خاصة في المجال الإعلامي، ولا رسوخ قدم في الميدان، ولا تجربة عميقة، تمنحه حق إعطاء الدروس، وإنما هاجسها الأول، الغيرة على كل ما هو وطني، والحرص على أن تكون الإنطلاقة، أفضل وأنجح بالنسبة للقنوات التلفزيونية، والإشفاق من تكرار تجربة " الإغراق " التي مارستها السلطات، عن سبق إصرار وإرادة، مطلع التسعينات، مع بدايات الصحافة الخاصة المكتوبة في البلاد.
وأرجو أن لا تثير هذه الملاحظات، حفيظة أحد، لأن ذلك ليس هدفي بالمرة، بل كل أملي، أن تجد آذانا صاغية، وأن تكون إسهاما - ولو متواضعا - في رفد وتهذيب وتشذيب التجربة التلفزيونية الناشئة في البلاد.
وهذا مبلغ جهدي وحدود طموحي..
" إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
صدق الله العظيم
تحية وتوفيقا..


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!