التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:02:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.04.2013 19:05:31

بلال: مؤذن أم راقص هيب هوب؟

جمال ولد لحبيب – مدون

جمال ولد لحبيب – مدون

من آدوابه لبراكنه حيث الفقر والتهميش والحرمان، انتقل بلال إلى نواكشوط باحثا عن عمل ليعيل أمه وأخواته اللواتي تركهن في وضع لا يحسدن عليه .
لدى وصوله التحق بصديق له يغسل السيارات مقابل أجر زهيد ويتخذ من حائط إحدى الثانويات مكانا للعمل حيث بنى عريشا صغيرا توجد بداخله مجموعة من "جركانات" حجم 20 لترا ذات لون أصفر يملؤها ماء كل صباح من الحنفية المجاورة وعدة العمل وهي عبارة عن قطع قماش صغيرة ومواد تنظيف.

أصبح بلال شريكا لصديقه في عمله الذي يعود عليهم يوميا بدخل زهيد مكنهم من تأجير بيت في أحد أحياء دار النعيم...

بعد استقراره في نواكشوط مدة من الزمن تعرف على "شلة" أصدقاء في نفس عمره ويزاولون أعمالا يدوية!.

أعجبته طريقة لبسهم ومشيهم والأغاني التي يحفظون... بدأ في تقليدهم، تخلى عن ثيابه الرثة أبدلها بجينز ومشية خاصة وطريقة خاصة في الكلام تشبه إيقاع موسيقى الراب التي عشقها تقليدا لأصدقائه وباتت هي ترنيمته حتى وهو يغسل السيارات!!.

لم يعد يشعر بأي حرج حين يمر في شوارع الحي الذي يسكنه وهو ينزل سرواله عن مؤخرته! جاعلا على أذنيه سماعات كبيرة هازا رأسه على إيقاع ورقصات ايمينيم وفيفتي سنت!!

مع التغيرات الجديدة التي طرأت عليه نسي الوضع البائس لأمه وأخواته وكره كل ما يمت بصلة لحياة "آدوابه"، استهوته نواكشوط والشلة بصخبها وصراخها وحياتها البعيدة عن ماضيه التعيس!!.

تحول بلال من شاب وديع كل همه العمل إلى شاب من كبار راقصي الراب والمدخنين وأشياء أخرى!

ويسعى للحضور لكل الحفلات الصاخبة مظهرا مهاراته في رقص الهيب هوب!!

ذات مساء وهو يستعد للخروج من بيته متوجها إلى شلته لمح الكيس البلاستيكي "ازازوايه" الذي قدم به من قريته باعتبارها "حقيبة السفر!!".

تذكر والدته وأخواته عاد به شريط الذكريات إلى أيام وصوله لنواكشوط وانبهاره بشوارعها و كثرة سياراتها وساكنتها...!

تذكر سهرات المدح و"لكرز" التي كان يمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم... تذكر كم كان معتزا باسمه باعتباره سميا لمؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانت والدته تحدثه دوما... كان يحلم أن يصبح مؤذنا يوما ما ولو في مسجد قريته إذا سمحت لهم ظروفهم المادية ببنائه!!.

قصة بلال هي قصة العشرات بل المئات من القادمين إلى نواكشوط والذين لا يجدون مؤسسات عامة ولا منظمات مجتمع مدني تؤهلهم وتبعدهم عن طريق الانحراف والانسلاخ من الهوية!!.

قصة تحكي مآسي الآلاف الذين لم يتلقوا تعليما في طفولتهم...!! قصة تحكي فواجع وآلام الفقراء من سكان "آدوابه" الذين قهروا واضطهدوا واستعبدوا لأسباب واهية ثم تركتهم الدولة والمجتمع يواجهون صعوبات الحياة بمفردهم دون تعليم ولا صحة ولا رعاية اجتماعية!!.

في الحضارة الإسلامية يرمز بلال للحرية والانعتاق والتضحية في سبيل العقيدة... بلال كان رمز الصادح بالحق في كل مكان ولا زالت آهاته وترديده "أحد... أحد" ينصت لها التاريخ بكل خشوع وتتناقلها الأجيال المسلمة عبر الزمان والمكان!.

أما راقصي الهيب هوب في الثقافة الأفريقية - الأمريكية فهي نوع من التعبير عن رفض الظلم والاضطهاد الذي تعرض له السود في أمريكا طيلة قرون من الاستعباد ثم جاء الأحفاد يعلنون ثورتهم عن طريق الأغاني والرقصات واللبس الغريب!!.

فهل نريد لمظلومينا ومضطهدينا أن يسيروا على طريق بلال ويؤذنوا بالحرية في كل مكان أم يرقصوا رقصة الهيب هيب رفضا للظلم مع انسلاخ من الهوية؟!.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!