التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:00:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.04.2013 13:55:17

التربية ومفاهيم التوافق والاجتماع

محمد المختار بن خدي

محمد المختار بن خدي

دأبت الأمم في العصر الحديث على التخطيط العلمي لبناء الدول القوية المزدهرة .

فوضعت لذلك الاستراتيجيات والبرامج المناسبة الكفيلة بتحقيق أهدافها التنموية في سبيل الوصول إلى غاياتها الكبرى من أجل نهضة شاملة
والإنسان الذي خلقه الله لعبادته وخلق له ما في الأرض جميعا واستخلفه فيها وكلفه بعمارتها هو محور عملية التنمية لأنه أداتهاوغايتها في آن معا .

ويعتبر العلماء أن طول فترة طفولة الإنسان مؤشر على أهمية وخطورة المهمة التي تنتظره حيث يتم إعداده لتحمل الأمانة، أمانة الاستخلاف في الأرض وعمارتها .

وجميع خطط التنمية تعتمد على تربية وتعليم الأجيال الصاعدة لتحقق نجاحها وضمان فاعلية ونجاعة برامجها.

وقد قرر الخبراء أن الدافعية الداخلية والرقابة الذاتية من أكثر العوامل تأثيرا في إنتاجية الفرد وهما من تجليات الإيمان في أعلى مراتبه ، وهو الوازع الديني (الضمير الحي) الناجم عن الاتصال بالله ومراقبته في جميع الأحوال.

لذلك فإن التنشئة الإسلامية الصحيحة هي حجر الزاوية في تربية الأبناء لأنها تنير لهم الدرب وتحصنهم وتحميهم من المخاطر كلها، وتنمي فيهم روح الشخصية السوية للمواطن الصالح المتشبث بقيم الوسطية والتسامح في الإسلام التي تحفزه وتدفعه في الاتجاه الصحيح على طريق البناء والتعمير .

مفاهيم التوافق والاجتماع :

تحرص السياسات التعليمية المختلفة على تبني مناهج متكاملة في محتوياتها العلمية (المقررات المدرسية ) وآلياتها ووسائلها لتنفيذ برامجها ، فكلما كانت المقاصد محددة و الآليات المتبعةملائمة كانت النتائج في مستوي التوقعات .

وتقاس نجاعة أي تعلم بمدى قدرة صاحبه على الإفادة منه في تغيير حياته إلى الأفضل؛ لذلك تهتم جميع المقاربات والطرق التربوية بالرفع من مستوى التحصيل المعرفي لدى المتعلمين .

وينقسم المنتوج الناجم عن تراكم المعارف إلى مهارات وسلوكيات ، فأما المهارات فهي الأثر المباشر لهذه المعارف بحسب خصائصها ومميزاتها العلمية ، وأما السلوكيات فهي المظاهر التي تجسد تأثير المعارف على المتعلم، وتكون محايدة أو بالأحرى مشتركة بين بعض هذه المعارف، وقد يكون تأثير بعضها حاسما في صياغة وتشكيل ملاحمح شخصية المتعلم وتقييم عطائه .

وهناك أخلاق ومسلكيات جليلة ينبغي غرسها في وجدان المتعلم وتنميتها لديه أثناء نموه المعرفي والعقلي والعاطفي لتكون جزء لا يتجزء من شخصيته فتعينه على الاستغلال الأمثل لمعارفه والاستثمار الأفضل لفرصه .

ولعل من أهم هذه الأخلاق والمسلكيات الإيجابية : التوافق والاجتماع لأن الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي تطبع أموره الجادة قواعد العمل الجماعي التي تقتضي توحيد المنطلقات لتصحيح البدايات وضمان سلامة وصحة النتائج والنهايات.

إنها مبادئ وقواعد عامة يتم تضمينها وإدماجها في المحتويات العلمية للمقررات المدرسية المختلفة بعد صياغتها في مفاهيم وموضوعات منسجمة مع خصوصية كل مادة دراسية بدون تكلف ولا ابتذال بحيث تصبح حاملة لها مع بقائها جزء طبيعيا من الدرس المعتاد ، إلا أن المدرس يتوقف عنده ليبرز مضامين معينة بقصد تثبيتها في أذهان المتعلمين ، ويمكن أن يستوعب الدرس الواحد أكثر من مفهوم، كما يمكن أن نجد أثر المفهوم الواحد في أكثر من درس ...

ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك في معاني التوافق والاجتماع :

- من دروس القرآن الكريم في تفسير قول الله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا... الآية): ينبغي أن يبين المدرس وجوب الوحدة والائتلاف بين المسلمين وحرمة الفرقة والاختلاف ويبذل وسعه في شرح ذلك مستعينا بالحديث الشريف : (يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار ... الحديث ) وبكل معارفه وتجاربه للوصول إلى مراده.

- من دروس السيرة والتاريخ : في أخبار ما جرى بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم في خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه : يجب على المدرس أن يتعهد عن الخوض في الفتة ليتجنب ما في ذلك من مزالق مهلكة، ويركز في سرده التاريخي على المواقف المشرقة فيبرزها ويثمنها مثل : الصلح وعام الجماعة ...

وعلى المسلم عموما (والمدرس خصوصا) أن يكون ديدنه الإعلان عن المحاسن والفضائل ونشرها والإغضاء عن المساوئ والرذائل وطمرها ....

وفي أمل أن تتبلور هذه الأفكار وتنضج فإني أقترح فيما يلي مجموعة من المفاهيم ارتأيت أنها تستجيب للمعايير المحددة لملامح وحدود التوافق والاجتماع ، ويمكن تضمينها في المحتويات العلمية للمواد الدراسية بنسب متفاوتة مثل : التربية الإسلامية(العلوم الشرعية)،التاريخ ،الفلسفة، اللغات، العلوم التطبيقية ..إلخ .

لائحة المفاهيم المقترحة :

1- الإخلاص لله تعالى في السر والعلانية
2- توحيد الأدوات (الآليات والمصطلحات)
3- تغليب المصلحة العامة (إنكار الذات ، الإيثار...)
4- إبراز المحاسن وتحجيم المساوئ
5- إشاعة روح الإنصاف والمساواة (العدل )
6- الابتعاد عن المراء (تجنب النقاش العقيم)
7- التغلب على الاعتراض للاعتراض (خالف تعرف)
8- التحذيرمن نزعة استعراض المعارف لمجرد استعراضها (الرياء والعجب)
9- اعتماد منهجية التعاون والتفاوض وتعميقها
10- الوفاء والالتزام ( عدم التراجع عن ما تم الاتفاق عليه )

هذه المفاهيم ليست على سبيل الحصر والاستقصاء ولكن ليستأنس بها أهل الشأن من المختصين فيعمدوا إلى تمحيصها وتدقيقها مما قد يلاحظ فيها من تداخل ونحوه ويقترحوا مفاهيم أخرى على منوالها، وقديما قالوا : من المناقشة ينبثق النور وإذا تزاحمت العقول خرج الصواب .

ويمكن الاستفادة في هذا المجال من التجارب الميدانية المطبقة في الحقل التربوي في دمج مفاهيم التربية السكانية وحقوق الإنسان ومهارات الحياة الجارية...إلخ.

كما أن الفرصة متاحة في هذا العصر لتجسيد هذه الافكار على ارض الواقع بكفاءة عالية بواسطة وسائل الاتصال ووسائط التواصل الحديثة إذا تمكنا من تطويع خدماتها بحيث تكون في خدمة أهدافنا التربوية .

مشروع تنموي استراتيجي : أمل جديد

إن هذا المشروع الحضاري التنموي للنهوض بالأمة بارقة أمل جديد تلوح في الأفق، وغراس طيب يجب تعهده بالرعاية والحضانة من الأساس ببذل الغالي والنفيس في تربية الناشئة.

ويرى كثير من الخبراء أن الاستثمار في مجال التربية الاسلامية الصحيحة هو استثمار تنموي استراتيجي لأنها صمام الأمان الذي يحفظ الملة من غوائل الانحرانف والتطرف ويحمى الأمة من عبث العابثين بسكينتها وإفساد المفسدين لطمأنينتها ويجنب المجتمع أسباب الجريمة الناجمة عن الابتعاد عن الدين القويم وتعاليمه السمحة .

وتبقي التربية بالقدوة الحسنة والسلوك السوي هي الفيصل في الأمر كله ، ولنا في رسول الله صل الله عليه وسلم أسوة حسنة وفي صحابته رضي الله عنهم والأجيال المتعاقبة من السلف الصالح من علماء هذه الأمة الذين أسسوا للإجماع من جميع الجوانب وخاضوا في أدب الاختلاف ، فقرروا أنه رحمة للتيسير ورفع الحرج ، إلا أن الإجماع والائتلاف نعمة ومنة . وصدق الله ربنا : (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدوني .. . الآية ) الأنبياء92.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!