التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:03:58 غرينتش


تاريخ الإضافة : 01.05.2013 01:59:36

لكي لا يلد الجبل فأرا

الشيخ سيد أحمد ولد باب مين / رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات 2005 - 2007

الشيخ سيد أحمد ولد باب مين / رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات 2005 - 2007

أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مؤخرا عن مدة زمنية قالت إنه بإمكانها أن تنظم خلالها الانتخابات التشريعية والبلدية التي تم تأجيلها منذ عام ونصف، ومنذ ذلك الإعلان كثرت التكهنات سواء كان ذلك من طرف الذين يصدقون أو من طرف الذين يشككون وهم كثر.

ومن العجب أن جميع سياسيينا من كامل الطيف يبدون متفقين في استعجالهم على هذه الانتخابات كما لو كانت هدفا بحد ذاتها أو أنها النهاية السعيدة لأزمة هيكلية بعمق أزمتنا. وهذا الموقف غريب خاصة من طرف أحزاب المعارضة.

هذا مع أنه من البديهي أننا ما لم نغير التقسيم الدستوري الحالي للصلاحيات وخاصة الممارسة الفعلية لهذه السلطات داخل مؤسساتنا الرئيسية فإنه علينا أن نوفر على أنفسنا كلفة تنظيم هذه الاقتراعات. خاصة مع العلم أن تجديد البرلمان بغرفتيه والذي قد ضوعف عدد نوابه إثر الحوار الوطني الجزئي في أكتوبر 2011 لن يفيد إلا إثقال الأعباء المالية وتوسيع طيف سلطة أعيان ووجهاء تم تدجينها بأنواع الهبات.

وإذا كان من المعروف أن المؤسسات لا تساوي إلا قيمة الرجال والنساء الذين ينعشونها فإنه من البديهي أن السلطات الهائلة التي تمنحها بعض الدساتير للمؤسسات الرئاسية تكفي لخلق ملوك متسلطين. يشكل بلدنا نموذجا حيا لهذه البلدان، حيث أعطت الدساتير والتشريعات كل الصلاحيات لرؤساء مارسوها وتمادوا في ممارستها كل حسب تربيته وطبعه وأسلوبه الخاص.

على المستوى الإداري فإن هؤلاء الرؤساء مخولون لتعيين المسؤولين الكبار في جميع أجهزة الدولة في الوظائف المدنية والعسكرية والقضائية وحتى الدينية، ولم يعقهم التورع المتعلق بالكفاءة أو الاعتبارات الأخرى الضرورية لمزاولة هذه الوظائف. كما أنهم لم يترددوا لحظة كلما أرادوا ذلك أن يعفوا من مناصبهم, ولأدنى سبب, أصحاب تفويضات غير قابلين قانونيا للعزل: المحكمة العليا، أو البنك المركزي على سبيل المثال. ترتب على هذا في الواقع أن رغبات رؤسائنا أصبحت أوامر نافذة؛ ليس لرؤساء الحكومات فقط بل لرؤساء المجلس الدستوري ورؤساء المحكمة العليا ورؤساء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى الإسلامي دون أن ننسى محافظ البنك المركزي...الخ.

على الصعيد السياسي مكنت رؤساؤنا المكاسب التي يوزعونها كما يشاؤون من ضمان أغلبيات ساحقة وأوتوماتيكية يذعن لهم أعضاؤها تماما.

في هذه الظروف التي تمكن رجلا منفردا, أيا كان, من احتكار كل هذه السلطات, آن لنا أن نتساءل، وأن ننهي هذه الحالة اللامعقولة?.

كيف يمكننا أن نستمر في الدفع غاليا لحكومة يكون رئيسها وأعضاؤها الكثر مجردين من أي حرية في المبادرة، أو من أجل انتخاب برلمان يقتصر دوره على التصويت بصفة عمياء على جميع مشاريع القوانين المقدمة من "فوق", أو مجلس دستوري أو محكمة عليا أو محافظ بنك مركزي كلهم تحت الأوامر إن لم نقل في وضعية التحية العسكرية، وهذا مع أننا من خلال قانوننا الأساسي قد فوضنا كل شيء لرجل واحد رضينا دوما بأن نراه يفعل بنا وببلدنا ما يحلو له دون أي رادع?!

لا بد من تغيير هذه الوضعية المزرية.

لقد عرف بلدنا العديد من الأزمات السياسية التي أضعفت نسيجا اجتماعيا كان أصلا عبر تاريخه وريث فوارق اجتماعية أنتجت أنواعا من التطرف تهدد ما تبقى من الوحدة الوطنية. بعد كل هذه السنوات من تفرد بالسلطة أظهر اختلالات نظامنا والحيف الذي ارتكب باسمه, يجب أن نجنب مواطنينا إهانة توريطهم من جديد في تزكية اقتراع لاختيار مجالس تشريعية أو بلدية أخرى ما لم تراجع الصلاحيات الدستورية لمؤسساتنا الرئيسية و خاصة رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري والمحكمة العليا، وذلك من منظور التوازن الضروري بين السلطات وتمكين المؤسسات من الاضطلاع بمسؤولياتها كاملة.

من المفترض أن يكون هدف هذا الإصلاح هو منح نسب معتبرة من السلطة إلى متقلدي الوظائف السامية وإعطائهم الضمانات الكافية للقيام بمهامهم بصفة كاملة وواثقة.

لهذا الغرض لا بد من تنظيم استفتاء دستوري يسوي هذه الاختلالات بعد مشاورات موسعة، ولو كان ذلك سيكبح جماح المترشحين المتعطشين للانتخابات المرتقبة، وإلا فإن جبل انتظارنا سيلد فأرا، أو بعبارة أخرى - وكما يقول مثلنا الشعبي - سنصوم سنة ونفطر على جرادة.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!