التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:00:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.05.2013 13:45:26

مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا ح 4

مساهمة الثقافة في ترسيخ أيديولوجية الرق

الأستاذ / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

الأستاذ / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

ما إن تحول النظام الحاكم من بنيته الشوروية القائمة علي العصبية الإسلامية إلي الملك العضد القائم علي العصبية القومية حتى عاد إلي العصبية الجاهلية ألقها.

ويعبر كل من الفرزدق وجرير وذو الرمة وغيرهم من أعلام الشعر في العصر الأموي عن هذه الانتكاسة والردة الاجتماعية التي غابت بموجبها قيم الإسلام القائمة علي العدل والمساواة الاجتماعية.

يقول الفرزدق معبرا عن أيديولوجية الاسترقاق وهو مجرد مثال من مئات الأمثلة من ديوانه الذي تطبعه قيم الطبقية والعصبية القبلية.

أظننتم أن قد عتقتم بعدما *** كنتم عبيد إتاوة في تغلب
لو غير عبد بني جوينة سبني *** ممن يدب على العصى لم أغضب
والباهلي بكل أرض حلها *** عبد يقر علي الهوان المجلب

ويعبر ديوان الفرزدق عن تأصل أيديولوجية الاسترقاق والاعتزاز بالنسب والقبيلة مقابل ضعف شديد في وازع الانتماء إلى القومية الإسلامية المتأسسة على قيم المساواة بين الناس يقول الفرزدق:

ألست أعز الناس قوما وأسرة *** وأمنعهم جارا إذا ضيم جانبه
وما ولدت بعد النبي وأهله *** كمثلي حصان في الرجال يقاربه
أبي غالب والمرء صعصعة الذي *** إلى دارم ينمي فمن ذا يناسبه
أنا ابن الجبال الشم في عدد الحصي *** وعرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه
وكم من أب لي يا معاوي لم يزل *** أغر يباري الريح ما ازور جانبه

وفي نفس السياق يقول جرير:

أبوك التيم ليس بخندفي *** أراب سواد لونكم أرابا
وما تيم لضبة غير عبد *** أطاع القود واتبع الجنابا
وما تدري جويزة ما المعالي *** وجلهم غير أطرهم العلابا

ويقول الفرزدق أيضا:
إن الفرزدق أخزته مثالبه *** عبد النهار وزان الليل دباب
لا تهج قيسا ولكن لو شكرتهم *** إن اللئيم لأهل السور عياب

وفي نطاق هذه الأيديولوجية الطبقية التي أصلت الرق وجعلته قدرا على من يمارس في حقهم نجد جريرا يستقبح على أحرار تيم أنهم مثل عبيدهم:

وإنك لو لقيت عبيد تيم *** وتيما قلت أيهم العبيد

لقد عبرت أيديولوجية الاضطهاد التي ساهم الشعر في صياغة مضامينها عن الثقافة الإقصائية التي ما تزال بعض متعلقاتها توجه العقلية العربية ومن متعلقات هذه الأيديولوجية التي تؤثر في العقلية الموريتانية احتقار واضطهاد شريحة الحدادين (لمعلمين)، يقول الفرزدق معرضا بجرير:

قين لقين أينما تصفقا *** وهو يرائي الناس حجلا مغلقا
ألأمَ قينينِ إذا ما استوسقا *** واجتمعا في اللؤم أو تفرقا
ومن منطلق احتقار الأرقاء والحدادين والفلاحين الذين هم القوة العاملة في المجتمع تأصلت في المجتمع العربي وفي مجتمعنا الموريتاني خاصة ثقافة الاتكالية واحتقار العمل والاحتراف وهي ثقافة حاربها الإسلام وعمل على تقويض دعائمها. فقد قال صلي الله عليه وسلم (لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه) رواه البخاري.

يقول جرير معبرا عن هذه العقلية:
تخزي حنيفة أيام كست حمما *** منها الوجوه فما شيء يماحيها
أيام تسبي ولا تسبي ويقتلها *** ما لم تؤد خراجا من يعاديها
أبناء نخل وحيطان ومزرعة *** سيوفهم خشب فيها مساحيها
قطع الدبار وأبر النخل عادتهم *** قدما فما جاوزت هذا مساعيها

ومحل الاستشهاد هو قوله:
أبناء نخل وحيطان ومزرعة *** سيوفهم خشب فيها مساحيها

وتعطي قصيدة المتنبي التي هجا بها كافورا الإخشيدي صورة واضحة عن أيديولوجية الاسترقاق.

يقول المتنبي:
العبد ليس لحر صالح أبدا *** لو أنه في ثياب الحر مولود
لا تشتري العبد إلا والعصا معه *** إن العبيد لأنجاس مناكيد
ما كنت أحسبني أحي إلى زمن *** يسيء لي فيه عبد وهو محمود
من علم الأسود المخصي مكرمة *** أقومه البيض أم آباؤه السود
أم أذنه في يد النخاس دامية *** أم قدره وهو بالفلسين مردود
وذاك أن الفحول البيض عاجزة *** عن الجميل فكيف الخصية السود

والقصيدة كلها تعبر عن قيم العنصرية وما يتعلق بها من كبر وفخر جاهلي.

هذه المدونة الشعرية التي رسخت أيديولوجية الرق والتفاوت الطبقي واحتقار الاحتراف هي المثال والنموذج بالنسبة لمجتمع البظان فقد فتن مثقفو الزوايا بالشعر الجاهلي وأعجبوا بشعر العصرين الأموي والعباسي.

أما العرب وهم أهل الشوكة والقيادة السياسية فقد عبرت مضامين تلك النصوص عن عقلياتهم بصفة تكاد تصل حد التطابق.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!