التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:00:26 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.05.2013 13:59:28

تاب العرب على إسرائيل فاخترعوا "العدو الإيراني"

بقلم/ سيد احمد ولد التباخ

بقلم/ سيد احمد ولد التباخ

لست متعجبا ، وما كان لي أن أفعل وأنا المدرك لما وراء الأكمة، من استمرار هذه الحملة على الجمهورية الاسلامية في إيران بل وتفاقمها كلما حصد المخطط الغربي المدعوم عربيا وخليجيا فشلا جديدا على الساحة السورية.

انا أعلم أن للتيارات القومية ثارات خاصة مع إيران منذ سحب الإمام الخميني رحمة الله عليه قيادة التصدي للعدو الاسرائيلي من أنظمة الطغيان الفاشيستية التي حكمت أهم بلداننا العربية وأذاقت شعوبها الأمرين تحت يافطة الاستعداد لمواجهة العدوان الاسرائلي، فالإمام الراحل وجه معظم موارد بلاده وثرواتها للتصدي الحقيقي (لا المسرحي) لهذا العدو في ذات الوقت الذي كان فيه الشعب الايراني يعيش ارقى أنواع الديمقراطية وتطال ألسنة النقاد فيه حتى الإمام نفسه وكبار معاونيه.

أعرف أكثر أن للتيار الوهابي الموغل في التطرف ثارات أنكى وأعمق مع الثورة الاسلامية في إيران لأن البيئة التي تحتضن هذا التيار ـ خصوصا في منطقة الخليج الفارسي ـ وتعيش في حماية القواعد العسكرية الامريكية هي بيئة قمعية استبدادية ولا تزال عاجزة عن تقبل وجود نظام ثوري وديمقراطي في الجوار منها.

لكنني ما كنت احسب ان الأمر قد يطال حتى المفكرين والمثقفين خصوصا منهم من لا يدينون لغير أنفسهم في ثقافتهم الواسعة ومؤهلاتهم العلمية العالية.

قبل أيام قرأت مقالا غريبا لأحد هؤلاء وجه فيه انتقادات حادة للنظام السوري متهما إياه ربما بكل خطايا بني اسرائيل، إنه أمر بت متعودا على رؤيته، على سماعه ومشاهدته من خلال فضائيات التضليل العربية، لكن الكاتب لم يخجل من إقحام إيران في مشكلة تخص نظاما وشعبه قبل أن تتدخل فيها القوى الأجنبية وتتحول من مطالب مشروعة إلى تنفيذ خطط وأجندات أجنبية.

ربما يكون صحيحا أن إيران قد تدخلت في الأزمة السورية، كما فعلت السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا والجامعة العربية وغيرهم، لكن تدخل إيران وكما يبدو جليا لم يكن لحماية نظام بقدر ما هو حماية عمق إستيراتيجي للمقاومة الاسلامية والعربية ضد الاحتلال الصهيوني ـ الذي لم يعد بالمناسبة هو عدو الأمة العربية كما يقول الكاتب.

لم تتدخل إيران عندما كان الأمر مجرد حراك شعبي سلمي لديه مطالب مشروعة، بل إنها ضغطت على حليفها السوري حتى يقوم بالإصلاحات التي يطالب بها شعبه، وحتى عندما تطور الأمر إلى مواجهات عسكرية لم تتدخل إيران إلا عندما تدخل الآخرون واصبحت المقاومة في خطر.

انا متاكد من أن هناك من لا يشاطرني هذا الرأي أو هذا الموقف مع اني متأكد أكثر من أن هناك الكثيرون يشاركوني إياه، بيد أن الحقيقة تكشف نفسها بنفسها. إيران تدخلت فعلا لا لقمع الانتفاضة كما يفعل الجيش السعودي في البحرين، بل لتحافظ على سورية باعتبارها قناة الاتصال والتوصيل الآمنة للمقاومة في لبنان وفلسطين، لم تتدخل إيران حفاظا على النظام السوري لأننا ندرك جميعا حجم التنافر الفكري والايديولوجي بين نظام الحكومة الاسلامية وولاية الفقيه وبين النظام البعثي، لقد تدخلت لتحافظ على بلد من بلدان الممانعة والصمود التي باتت نادرة في بلادنا العربية وعالمنا الاسلامي، خصوصا وأن المخطط أمسى واضحا نهجه التآمري بالتواطؤ البين بين قوى الاستكبار العالمي والأنظمة العربية فاقدة السيادة لكي لا يصبح الصباح إلا والمقاومة قد انهارت واسرائيل تسرح وتمرح دونما خوف أو قلق.

واصل الكاتب ـ وليسمح لي بأن أصفه بغريب الأطوار ـ نهجه الملتوي وانتقل في نفث حقده المُغذى بالبترودولار ليصل إلى البعثات الدبلوماسية المعتمدة في بلادنا متهما سفارة إيران على وجه التحديد بأبشع الاتهامات. ورغم أنه لم يستطع إيجاد دليل واحد على ما يسوقه إلا أنه لم يخجل من المطالبة بإغلاقها والتحريض على طرد ديبلوماسييها وفاءا كما قال "لأهلنا في سورية والعراق وغيرها"، لكأنما هذه السفارة هي المسؤولة عن ما يمارسه أسياده الخليجيون وسادتهم الأمريكان من جرائم بحق سورية إحدى أهم دول الممانعة والصمود في عالمنا الاسلامي.

وإذا كنت لم أستغرب هذا الموقف من هذا الرجل بسبب البترودولار فإنني قد استغربت من عدم مطالبته بطرد السفير السعودي "وفاءا لإخواننا البحرينيين" الذين يتعرضون لأشد أنواع القمع والتنكيل ضد القوات السعودية وذيولها الخليجية الأقل شأنا. أم أن الشعب البحريني لا يستحق تعاطفا من "إخوانه" في بلاد شنقيط.

والغريب أن الكاتب لم يكتف بكل ذلك بل ادعى أن إيران قدمت منحا دراسية لطلاب موريتانيين، وحسب علمي فإنها عرضت الاسهام في تطوير التعليم الموريتاني دون أن تطلب إستقبال طلبة موريتانيين، ولم تتلق ردا حتى الآن، فمن أين أتى الكاتب بهذه الكذبة الكبرى؟ انا أتمنى أن تتحقق لأن استفادتنا ستكون هائلة جدا إذ لا احد يستطيع تجاهل القدرات والامكانات العلمية والتكنولوجية الهائلة التي تتمتع بها إيران ونحن دون شك في مسيس الحاجة إليها أكثر من حاجتنا لكلية الآداب في جامعة محمد الخامس أو معهد الجامعة العربية في القاهرة.

فجأة كشف الكاتب بكل سفور عن حقيقته وحقيقة أسياده وسادتهم عندما اعتبر إيران واسرائيل وجهان لعملة واحدة ثم هفا ليقول بكل صفاقة إن إيران هي الخطر الأقرب من إسرائيل، لكن هذه الهفوة التي جعلته يعتبر إسرائيل أخيرا عدوا لنا كشفت عما هو أهم وهو تراجع مستوى العداء العربي والخليجي تحديدا لاسرائيل، بل إنها أصبحت صديقة ـ لو تقبل هي ـ علينا الحرص كل الحرص عليها، ونحن ندرك جميعا كيف لا يزال العرب يستجدون إسرائيل لتقبل صداقتهم بعدما طوروا خطة الاستسلام المعروفة باسم مبادرة السلام مقدمين المزيد من التنازلات والسكوت عن الحق الفلسطيني.

وبمناسبة الحديث ـ غير الشيق ـ عن اسرائيل أريد من هؤلاء وأسيادهم وسادة أولائك أن يوجدوا لي سببا واحدا لحالة العداء المستحكم بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين اسرائيل سوى القضية الفلسطينية. غير ذلك لا يوجد، وبالتأكيد فإيران لا تستفيد من هذا العداء، بل العكس هي تخسر الكثير والكثير جدا، فقد تكلفت حتى الآن مبالغ لا تخطر على بال بسبب هذا الموقف، لكنها ستظل وفية له لأن الأمر بالنسبة لخلفاء الإمام الخميني هو موقف مبدئي راسخ وليس مجالا للمساومة والابتزاز.

إنك أيها الكاتب لا تعرف بالتأكيد أن إيران تنفق على حركة المقاومة الاسلامية حماس (السنية) خمسة عشر مليون دولار شهريا، وتنفق مبالغ أخرى طائلة على حركتي الجهاد والجبهة الشعبية وهما غير شيعيتان، وكلك تفعل مع المقاومة الاسلامية في لبنان.

بكامل الأسف أقولها صريحة ومدوية: لقد تراجع مستوى العداء العربي والموريتاني لإسرائيل وأوجد متنمقو إقطاعيي الخليج عدوا جديدا على نسق أسيادهم فوق بحيرات النفط وآبار البترول.

لم تعد إسرائيل هي عدونا رغم كل ما تمارسه حتى كتابة هذه الأسطر (وتتجاهله الجزيرة واخواتها) من قمع هو دأبها منذ النكبة بحق الشعب الفلسطيني.

إسرائيل أصبحت أقرب إلينا قلبا وقالبا لسبب بسيط هو أن هذا بالضبط هو ما تريده أمريكا وبالتالي تريده أنظمة الخليج وأبواقها المحلية في بلادنا.

لقد أوجدوا لنا عدوا جديدا هو الجمهورية الاسلامية الايرانية لا لشيء سوى أنها تعادي الغرب وربيبته إسرائيل وبالتالي فهي تعادي (حسب هواجسهم المريضة) أنظمة الحكم العربية في إقطاعيات الخليج.

على العموم أقول لهذه الأبواق التي تصرخ بالنيابة عن غيرها: ليست إيران هي عدونا بل أعداؤنا هم أنظمة القمع والتبعية في بلادنا العربية ثم بعد ذلك إسرائيل ومن يقف وراءها، فكفوا حممكم وقفوا خلف عجزكم وأديروا ظهوركم لمن يريدونكم خارج سرب المغردين بقضايا وطنكم وهموم أمتكم، وإن غدا لناظره قريب.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!