التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:12:32 غرينتش


تاريخ الإضافة : 03.09.2008 16:04:13

لعبة الأمم لعنة سيزيف علي الطريقة الموريتانية

د.الحسين ولد الشيخ العلوي
توطئة:
منذ أحداث السادس من الشهر الجاري و أنا أراقب الوضع الموريتاني و كأني أتابع مناحة فالكل يندب ويلطم و يتباكى بشكل استعراضي لا يخلو من أعراض الشيزوفرينيا أو الرهاب المرضي! ويتساوى في ذلك الفريق الذي انساق وراء جوقة العسكر وذاك الذي تمترس وراء الشرعية المخلوعة!
و بحثت في عشرات المواقع الموريتانية وبضع جرائد وطنية تصلني بالبريد و عبر الفضائية الموريتانية عن صوت العقل الذي غاب نهائيا عن منطق الفرقاء!
و لأني استهجن و أمقت إلي حد التقزز الأسلوب العاطفي و الانفعالي الذي يأتي دائما كردات فعل علي وقائع و أحداث جسام كالتي لمت بالوطن مأخرا دون أن نملك القدرة علي التأصيل لخطاب سياسي مؤسس ينطلق من مؤشرات و معطيات الواقع و يوظف لغة الأرقام لاستشراف محطات المستقبل أو في حده الادني يتوقع مآل وصيرورة تلك المؤشرات و فاني كنت ازداد حسرة و أتجرع المرارة تلو الاخري و أنا أري بني جلدتي يساقون عنوة و بحمق منقطع النظير وراء لعبة كبيرة تتجاوز الوطن رسمت خيوطها في دهاليز لنغلي وبيرت فورست و روجعت في كراتشي وبروكسل ووضعت لها اللمسات الأخيرة في الرباط و فاليتا.
أعود و اكرر وكما قلت مرارا و تكرارا أن أزمتنا ليست أزمة نظام حكم و لا سياسات متبعة بقدر ماهي أزمة مجتمع و نتاج و إفراز منطقي للعقلية السائدة في موريتانيا وفق الأنساق و البني المعرفية الحاكمة و المنظمة لتلك العقلية( و سأفرد مقالا لاحقا أتحدث فيه عن تجليات هذه العقلية)
اليوم و حسب ما توفر لدي من معلومات متطايرة من هنا و هناك أحاول أن أساهم مع غيري في إنارة الطريق وتوضيح ما خفي, عل الفرقاء يلتقطون أنفاسهم قليلا و يدركون هول ما سيؤول إليه الحال لو تمادي الفريقان في غيهم ولم يتفطنوا إلي العوامل التي تجاهلوها.
موريتانيا تدخل دائرة الضوء
أعزائي القراء
اسمحوا لي أولا بالإشارة إلي المعطي المبدئي التالي:
• بالنسبة لي شخصيا ارفض منطق التغيير المسلح و بالعنف لأنه سلوك حيواني و غابي فالتراكم المعرفي للبشرية وعبر تجاربها المريرة طيلة القرون الخمسة الفائتة جعلها توقن و تدرك أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لفض النزاع و حل الإشكاليات العالقة.
• لذا إني ارفض جملة و تفصيلا الانقلابات العسكرية كوسيلة لحل الإشكاليات أو الأزمات السياسية و تحت أية ذريعة و مهما كانت الحجة.
فالشعوب الواعية و المدركة لآليات الممارسة الديمقراطية الحقة هي التي تقيد حكامها عبر دساتير مرنة و واضحة الصياغات و التي تستوعب المراحل و يحدد فيها و بشكل واضح لا لبس فيه آلية تغيير الرئيس في حالة تجاوزه للخطوط الحمراء كل هذا دون تدخل من مؤسسة الجيش.
فالحجة الواهية القائلة بان الرئيس المخلوع قد سد كافة منابر الحوار معه و رفض حل الإشكاليات العالقة و تحصن وراء صلاحياته الرئاسية و أضر بالمصالح العليا للوطن صحيحة في مجملها بل أضيف بان الرئيس المخلوع قدم أسوأ أداء رئاسي منذ نشأة الدولة الخديج في العام 1958 و حتى الآن و لكن الحل ليس بالانقلاب علي الشرعية بل كان حريا بنا كشعب و نخب ثقافية أن ندرج و نحدد وبشكل واضح لا لبس فيه آلية الحل لمثل هذه الإشكاليات في دستورنا لئلا نقع في مأزق إجرائي يمكن مؤسسة بغيضة كالمؤسسة العسكرية من القفز و الانقضاض علي تجربتنا الوليدة و التي كانت في طور الحبو.
و لان الأحداث المتلاحقة لم تعطيني فرصة لالتقاط الأنفاس فقد هالني و أحزنني تطبيل المثقفين و الساسة للانقلابيين و تقديم المسوغات و الحجج لعمل وحشي و متخلف و غاية في الانحطاط كهذا.
فإلي متي نظل نراوح و نعيد اجترار أزماتنا و نعيد إنتاجها و بطريقة صفيقة تخلو من الرشد و النضج الذي عادة ما يصاحب التجارب أم أن قدرنا أن نعيد إخفاقات و مثالب العقلية العربية الارتكاسية و الموغلة في التخلف بكل محدداته دون أن نتفطن إلي أن العرب يغردون خارج السرب و أن قطار الحضارة قد تجاوزهم و لم يعد بامكانهم اللحاق به إلا بجهد خرافي و استثنائي.
للعلم المؤسسة العسكرية و عبر تاريخها في المنطقة العربية و الإفريقية اتسمت بأنها:
1. دائما تقول ما تفعل
2. لا تؤمن إلا بالحسم و المتمثل في العنف لحل الإشكاليات.
لذا فالعسكر دائما يحملون معهم معاول هدم و لم يحدث قط أن بنوا.

******************************
العوامل التي تجاهلها الكل و لم يتفطنوا إليها نظرا لقصر النظر و ضيق الأفق و عدم الإلمام بالممارسة السياسية التي من أبجدياتها المعاصرة الإطلاع و مواكبة قواعد البيانات الفياضة عبر المصادر و المنابع التي تتاح للسياسي أكثر من غيره , أقول هذه العوامل التي تنحصر في تجاهل المعطي الدولي المتمثل في:
1. العامل الخارجي و الذي أضحي حضوره اظهر وأعمق منذ أن رتبت أمريكا البيت العالمي وفق منطق سطوة الغالب بعد الانهيار الدراماتيكي للاتحاد السوفييتي و ما صاحبه من تطبيل و انتشاء بالانتصار المدوي لليبرالية الرأسمالية, هذا العامل الخارجي و الذي عززه وعاضده زيادة وعي شعوب الأرض بوحدة المصير وتنامي الدعوات بضرورة وضع آلية أممية لفض النزاعات المسلحة و جر الفرقاء إلي طاولة المفاوضات و هذا ما جعل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة و الناص بإباحة استخدام المجتمع الدولي للقوة لإجبار الأطراف المتحاربة أو التي أصبحت تشكل خطرا علي الأمن و السلم العالمين أو التي تخرج عن سياقات العولمة التي تعزز حقوق الإنسان أو تفرض الديموقراطية الليبرالية, هذا ما جعل تخريجات و هوامش البند السابع يطالها التعديل و بشكل دوري منذ عقد من الزمن.
هذا العامل يجعل سيف التدخل الدولي مسلط دائما علي رقاب الضعفاء متي ما خرجوا عن سياقات العولمة و يظل هذا العامل رهين التهديد و التلويح باستخدام القوة إلا إذا تساوق و تطابق مع مصالح الكبار و هنا مربط الفرس.
2. فعسكرنا القاصرون و المأخوذون برونق بزاتهم العسكرية ذات السطوة و سياسيونا الخدج و عديمي الخبرة و الحنكة السياسية عاجزون عن إدراك أن الولايات المتحدة تسعي و منذ عقدين من الزمن إلي إنشاء قاعدة لوجيستية في غرب إفريقيا و تقلصت مسافة و مكان القاعدة مع تصاعد وتيرة حربها علي ما يسمي الإرهاب الاصولي إلي المنطقة الممتدة من السنغال غربا إلي النيجر شرقا و من المغرب شمالا إلي مالي جنوبا و لان اضعف الحلقات و أهمها علي الإطلاق هي موريتانيا فقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية ثقلها وراء السيد معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع و لولا انقلاب السيد اعل ولد محمد فال لكانت لها قاعدة في الشمال الشرقي لموريتانيا و يمكن تتبع خطواتها الحثيثة ابان تلك الفترة لقراءة مؤشرات واضحة لذلك المسعي................., و لان الرئيس المنتخب و الحكومات الثلاث التي أدارت موريتانيا بعد الانقلاب لا تستطيع أن تغامر بتحقيق ذلك المطلب للولايات المتحدة في موريتانيا ذات الأغلبية التي تمقت سياسات أمريكا في العالمين العربي و الإسلامي فقد تم تأجيل ذلك المطلب وأرجيء إلي أمد آخر تكون الظروف فيه مناسبة أكثر, و قد قدم العسكر بحمقهم و رعونتهم للولايات المتحدة الحجة و الفرصة الذهبية التي طالما انتظرتها و لذا فاني أري تدخلا عسكريا وشيكا ترتب له أمريكا علي نار هادئة و دون ضجيج.
3. من خلال متابعتي للسياسة الدولية التي لا ادعي أنني خبيرا بها بقدر ما أقول أنني قاريء نهم لمخرجاتها علي واقعنا الإقليمي فان الولايات المتحدة بحكم خبرتها و حنكتها و تعاطيها مع شؤون المنطقة لعقود عديدة ستتبع الخطوات التالية:
• ستدين الانقلاب و تصر علي عودة الشرعية( وقد قامت بذلك ومنذ اليوم الثاني, هل تدركون لماذا لم تدين الانقلاب منذ اللحظات الأولي و في اليوم الأول؟ لأنها ببساطة تحاورت مع الانقلابيين و تحديدا بعد ثماني ساعات و 17 دقيقة من الانقلاب عبر سفيرها في انواكشوط السيد مارك بولوير الذي ابرق إلي واشنطن ظهر الخميس 7 أغسطس انه لا يمكن الوثوق بالانقلابيين لذا نصح بتطبيق الخطة M3TT-MERRO ( التي وضعتها السي.آي.أيه. أيام وليام كيسي في فترة رئاسة المحافظ اليميني رولاند ريغان في اواسط الثمانينات من القرن المنصرم و التي تعني استفزاز الخصم ( المجلس العسكري) و ذلك علي شكل ضغط متزايد الوتيرة ليقدم علي ردات فعل رعناء تبرر التدخل الدولي لإعادة الأمور إلي ما كانت عليه و هنا ستتحمل أمريكا المسؤولية التاريخية كحامي و منافح عن الديمقراطية في العالم!
• ستسعى و بروية و دون أن يتفطن المجلس العسكري و ضيقوا الأفق إلي سعيها المحموم إلي استصدار قرار أممي بإدانة الانقلاب و كان لها ذلك في يوم الثلاثاء 19/08/2008
• دفع حلفائها في أوروبا تحديدا و العالم عامة إلي الضغط و بشكل مستفز ومتقطع علي القادة الجدد:
1. عبر استشارة متخصصين في العقلية البدوية وردات فعلها سيمعن حلفاء الولايات المتحدة في استفزاز الانقلابيين و بشكل سافر لجرهم إلي حماقات لأنه مثبت في علم النفس السلوكي أن المستفز يكون دائما في حالة تحفز و تفتقر ردات فعله لمنطق العقل
2. استمرار الاستفزاز قد يكشف عن النوايا المبيتة ومن تجربة الولايات المتحدة مع كوبا فقد يزيد من التعاطف مع الضحية ويعزز من الأنصار حولها , لذا عوضا عن ذلك دأبت الولايات المتحدة الأمريكية إلي الاستفزازات و التهديدات و الضغط المتقطع لترهق الضحية و تجعلها تفقد أعصابها( وقد حقق هذا السلوك نجاحا مع حالات عديدة آخرها الحالة الإيرانية الراهنة!).
• دفع الجهات المانحة إلي تعليق مساعداتها إلي موريتانيا كضغط إضافي علي الانقلابيين
• تأليب الرأي العام العالمي علي الانقلابيين عبر شن حملة إعلامية منظمة ( أتابع يومياتها الآن في الإعلام العالمي و أقوم بأرشفتها لنشرها لاحقا و التي للأسف انخدع به كالعادة الإعلام العربي)
• توظيف عناصر وطنية مشهود لها بالنزاهة و تحظي بمكانة كبيرة لدي الرأي العام المحلي الموريتاني لتزعم حملة مناوئة الانقلابيين
( و هنا أحب أن أشير إلي أن توريط هذه العناصر الموريتانية لن يتم عبر الاتصال المباشر بهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإدراك الأخيرة أنها غير مرحب بها علي المستوي الشعبي في موريتانيا و أي ارتباط لهؤلاء بأمريكا يفقدهم الزخم الشعبي و المكانة التي يحظون بها)
• العمل علي تعليق عضوية موريتانيا في المنظمات الإقليمية و الدولية
• العمل علي عزل موريتانيا دوليا
• العمل علي اندلاع حرب أهلية بين الفرقاء عبر تأجيج الأحقاد و إذكاء النعرات القلبية و الجهوية و الإثنية والحروب الكلامية و المواقف الحدية.
هذا السيناريو الذي أوكل إلي الوحدة الرابعة في لنغلي و المسماة بـ
Special Operations Unit
(Long-term Operations)
تحت الرئاسة المباشرة لجون نيغروبونتي مدير الإستخبارات القومية ( التي تتولي الإشراف على 15 وكالة تعمل في مجال المعلومات الإستخباراتية وتحليلها، بدءاً بوكالة الإستخبارات المركزية "سي.آي.إيه" وصولاً إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف.بي.آي"، فضلاً عن أجهزة وهيئات إستخباراتية موزعة داخل مؤسسات وزارة الدفاع " البنتاغون" ) ومساعديه السفير الأمريكي في نواكشوط مارك بولوير و العميل الفيدرالي مارتن ويفر في باريس, سيمهد هذا السيناريو الطريق
و في سقف زمني لا يتعدى اشهرا أربعة لاستصدار قرار أممي بالتدخل المسلح لوقف الحرب الأهلية و لان موريتانيا بعد هذه الأشهر الأربعة ستكون و في رأي العالم مصدر تهديد للأمن و السلم العالمين ( لاحظوا معي انه ارتفع عدد السياح القادمين إلي موريتانيا خلال الأسبوعين الماضيين أربعة أضعاف نفس الفترة من العام الماضي و اغلبهم دخل بتأشيرة تتجاور الشهر! رغم أن موريتانيا ووفق منطق ومفاهيم السياحة العالمية منطقة مضطربة و غير آمنة في هذه الفترة بالذات!)
وهذا السيناريو لا قدر الله لو كتب له النجاح فانه سيعيد سيناريو الحالة العراقية و لكن بعنف اقل و سيؤسس لإقامة أمريكية طويلة المدى في المنطقة!

مناشدة:
عليه أناشد كافة الفرقاء الموريتانيين من ساسة و مثقفين و عسكر و وخاصة الجنرال محمد عبد العزيز أن يتقوا الله في شعبهم و أن يدركوا خطورة اللعبة التي أقحموا فيها دون علم منهم , و أن يجلس الجميع دون استثناء علي طاولة المفاوضات لفض الإشكاليات و أن نفوت الفرصة علي اللاعبين الكبار و ألا نجعل موريتانيا جزءا من لعبة الأمم التي يراد بها تحقيق مصالح الآخرين عبر توظيفنا شعبا و حكومة و أرضا و تاريخا فالخطر داهم و إن وراء الأكمة ما وراءها.

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!