التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:21:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.05.2013 15:08:43

يوميات "سوق المظالم"

الشيخ محمد المامي اسلام - elmami202@yahoo.fr

الشيخ محمد المامي اسلام - [email protected]

يعرف الاقتصاديون السوق بأنها المكان الذي تلتقي فيه رغبة المشترين معبرا عنها بطلباتهم (الطلب) مع رغبة البائعين معبرا عنها بعروضهم (العرض) على أن توجد آلية توفق بينهما، وهي ما نسميه السعر حيث يلعب صعوده وهبوطه دورا بارزا في تحديد اتجاه السوق، وما إذا كانت تتجه نحو الانعقاد من عدمه.

ولا تشترط المكانية أو الزمانية في السوق حيث يمكن أن تنعقد في أي مكان وفي أي زمان.

في زمن يحكم فيه حاكم عادل يتقدم الناس بشكاويهم ومظالمهم إلى ذلك الحاكم العادل ليأخذها ويعطي مقابلها حقوقا كان الشخص محروما منها؛ بهذه الطريقة يتم التبادل بين الحاكم العادل والمحكوم المظلوم يأخذ الحاكم المظالم ويعطي مقابلها حقوقا في ما يمكن تسميتها اصطلاحا بـ"سوق المظالم" تلعب فيها التعهدات والالتزامات والمفاوضات بشكل عام دور الموفق بين جهتي العرض والطلب.

من مميزات سوق المظالم أن صاحب الطلب ممثلا في الحاكم العادل يطلب المظالم جميعها ولا يطلب منها كمية محددة بحسب حاجته كما هو الحال مع السوق الاقتصادية، وبالتالي يكون العارضون مقتنعين من أن بضائعهم سوف تصرف عن آخرها، وينقلبون إلى أهليهم مسرورين مما سينعكس إيجابا على اقتناع المواطنين بسلطتهم الحاكمة رغبتها في إنصافهم بقدر ما يؤثر على قطاع العدالة الذي سيتحسن بشكل ملحوظ جراء تدخلات الحاكم المذكور الهادفة إلى تحقيق العدل و المساواة و منع الظلم و الحيف.

في نواكشوط وفي الحيز الموجود بين البنك المركزي والقصر الرئاسي يفد العديد من الأشخاص طالبين من رئيس الجمهورية التدخل لحل مختلف مشاكلهم فتارة تقرأ شعارات تطالب بتدخل عاجل لحل مشاكل تتعلق بالأحياء العشوائية وتارة تتعلق بالحاجة إلى المياه أو ما يسميه البعض "أزمة العطش" وتارة تطالب بالتدخل لحل مشاكل تتعلق بالعمل (الفصل التعسفي لبعض العمال بحسب بعض اللافتات) وتارة بالتشغيل (حركة أنا علمي)... وتارة أخرى لرافضين للإجراءات التي قامت بها السلطات تجاه إحدى المؤسسات التابعة لأحد رجال الأعمال... والأمثلة كثيرة.

من خلال ملاحظات عابرة أقوم بها عند مروري من تلك المنطقة باتجاه عملي أقرأ اللافتات وألقي نظرة على رواد السوق والمشاكل التي لم تراوح بعد مكانها والمشاكل التي تجد طريقها لأول مرة نحو السوق.

مما لفت انتباهي بهذه السوق مبادرة اقتصادية من طرف إحدى مرتادات السوق تمثلت في اقتناء خنشة أرز ابلاستيكية فارغة اتخذتها فراشا وإبريق وفرن بال وكأسين لصنع بعض الشاي، بعد أيام من مباشرة العملية لاحظت أن عدد الكؤوس تضاعف والفرن البالي تم تصليحه إضافة إلى تجمع عدد لا بأس به من محتسي الشاي والمهتمين به حول السيدة، تمر أيام وتأخذ السيدة مبادرة موازية أو مكملة للمبادرة الأولى من خلال بيع كميات من الفستق والبسكويت المعروف محليا بـ"امبسكيت سرغل" بأسعار في متناول الجميع حتى يحفزهم ذلك على الاستمرار في احتساء الشاي.

استبشرت خيرا بالأمر لأن سيدة عصامية استطاعت أن تمنع نفسها من أن تتجه نحو التسول واستجداء جيوب الآخرين من خلال فكرة نفذتها واقعا ولم تكلفها الكثير، لكن المؤسف أن السيدة الضعيفة وصاحبة الإمكانيات المتواضعة زوحمت من طرف شخص آخر من خارج السوق بدأ هو الآخر يستفيد من السوق ومن مرتاديها ولا هم له إلا الدرهم والدينار ويتمنى أن لا تغلق السوق كي يستفيد تجاريا.

يعيش بعضنا ويقتات على رقاب بعض.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!